الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مقاومة داعش وسلوكنا الفاحش

محمد الحمّار

2015 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمهيد

أمام الجرائم التي يرتكبها يوميا ما يسمَّى بتنظيم داعش (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الشام) في حقّ أبرياء، وآخرها إعدام 21 مواطنا بحارا من الأقباط في ليبيا، بالإضافة إلى تفرّعاتها الجبانة في تونس والتي تتراوح بين غدر و قتل جنودنا البواسل والاغتيال بدم بارد لأربعة من عناصر الحرس الوطني في الآونة الأخيرة، يحقّ التساؤل: بصرف النظر عمّن عسى أن يكون بعثَ هذا التنظيم المشبوه والخطير إلى الوجود، هل أنّ صعوده على ركح الأحداث (الدامية) يعود إلى قوّة فيه أم إلى ضعفٍ فينا، نحن العرب والمسلمين المهددين في سلامتنا المعنوية و البدنية، و الوطنية والقومية والحضارية؟ وماذا عسى أن تكون مستقبلا وظيفة الإسلام ضمن طريقة العلاج الشاملة والتي ننشدها من أجل التصدي إلى مثل هذا الكيان العسكري الذي يتخذ من الإسلام مطية لتحقيق مآرب لا يعلم عواقبها إلا الله؟

لتناول هذه المسألة سننطلق من الواقع التونسي لتقصّي مكانة الإسلام فيه اليوم . وعلى هذا الأساس سنحاول الوقوف على أكبر علة قد يكون مجتمعنا قد ابتُلي بها بعنوان أنها سمحت لللإرهاب بأن يخترق الجسم العربي الإسلامي وينفَذ إلى داخله حتى وصل إلى حبل الوريد. ثمّ سنعمد إلى ضبط أهمّ الرهانات التي يفرضها هذا الواقع فرضا، بالنظر إلى العلة المركزية، ومن ثَمّ البحث عن عدد معيّن من القيم المركزية التي يحث عليها الدين الحنيف والتي أراها ملائمة لكسب الرهان.

بعد ذلك سنتولّى شرح طريقةٍ تعتمد مزاوجة القيم الإسلامية مع الفكر الكوني المعاصر بصفته نتاجا للفكر الإنساني قاطبة مشتملا على الفكر الإسلامي للعصر الذهبي من بين أصناف سابقة وأخرى لاحقة للفكر الإسلامي.

لكننا سنتحاشى قدر الإمكان إقحام الفكر الكوني المعاصر من حيث القيم الأخلاقية أو المادية التي يروّجها، عدا ما صادف أن يوافق شخصيتنا كتونسيين وعرب ومسلمين. سنقحم بعض مكونات هذا الفكر بالخصوص كأدوات تحليلية ومنهجية. ونتوقع أن تسهم هذه المقاربة في إثراء ثقافتنا كمًّا وكيفًا، وشكلا ومضمونا.

دين الدولة ولكن…

أعتبر نفسي ممن كانوا دوما يؤمنون بأنّ مآل حزب حركة النهضة الإسلامي أن يتغيّر ويتبدّل، وذلك لأسباب عدّة ليس هذا مجالا لشرحها. وها هو فعلا قيد التغيير والتبدّل. والحجة على ذلك تكيّفه مع مجريات السياسة خلال الحوار الوطني وبعده. وهو تكيّف أسفر مؤخرا عن تشريكه في تشكيل أول حكومة في الجمهورية الثانية حكومة الحبيب الصيد إلى جانب حزب نداء تونس، بالرغم من أنّ هذا الأخير كان هو الوكيل الشرعي على التسيير الحكومي بموجب فوزه بأغلبية مُريحة في الانتخابات التشريعية (26 أكتوبر من سنة 2014) حيث كان بإمكانه عدم الموافقة على تشريك الحزب الذي كان خصمه اللدود وتسبب في تأسيسه.
إن دلّ هذا التمشي وهذه النتائج على شيء فإنما تدلّ على ما يلي:

أ. لقد رفض الشعب التونسي أن يكون حزبا سياسيا دون سواه هو الناطق الرسمي بدين المجتمع. وهذه نقطة تُحسب له طالما أنّ الموقف يعتبر اعترافا ضمنيا بأنّ الإسلام دين الجميع ولا يحقّ لأحد أن يحتكر الحديث باسمه.

ب. لقد رفض الشعب كذلك أن تتخلى الدولة عن دورها كراعية للدين. لم يكن له خيار آخر سوى رفضِ المشروع الإسلامي والإبقاء على الدولة "الحديثة" كحامية لحِمَى الدين عوضا عن أن تصبح الدولة الكليانية (المطالبة باعتماد الشريعة مصدرا للدستور) هي الحامية له.

في ضوء هاتين الدلالتين، ما يُقلق الباحثَ حقا هو من ناحية أولى أنّ الشعب يريد في نفس الوقت أن يكون حرّا ويتمتع بالكرامة ويريد أن تكون الدولة هي الموظّف للدين. إنّ هذه مفارقة لا تخلو من تنازل - ولو كان غير معلن- عن الحرية. فهل يعلم الشعب أين تكمن حريته يا ترى؟

لقد رُفض المشروع الإسلامي لا لأنّ الشعب ناقصُ دينٍ وإنما لأنّ المطلوب بناؤه هو مشروع إنساني و حضاري و تاريخي و ثقافي ومجتمعي ولأنّ الشعب لا يمكن أن ينطلق في بنائه إلا بالاعتماد على أساسات من أهمها أذكر ما يلي: شخصية الفرد و تاريخه و ثقافته و لغته ودينه ومجتمعه. فإن كان الفرد مسلما أو مسيحيا أو لاأدريّا أو معتنقا لأية ديانة أخرى، فلا أحد سيمنعه من التعبير عنه، اللهم إلا في حال أنه ليس حرا. وبالتالي أعتقد أنّ مجرّد رفع شعار "الدولة الإسلامية" أو "المشروع الإسلامي" هو مؤشر على افتقار المنادي بالشعار للحرية، للحرية الفردية على وجه الخصوص وبالتالي فهو مؤشر على غياب الثقة بالنفس.

لكن هل بالإمكان الحديث عن الحرية في المجتمع المسلم دون المرور عبر الاجتهاد؟ وهل يوجد في التقليد الإسلامي صنف من الاجتهاد يُعنى بالتحرر الفردي وبالحرية الفردية؟ وفي حال لا يوجد اجتهاد فردي، ما الذي لا بدّ أن يُنجَز بالتقاطع مع اجتهاد الفقهاء (الذي قُفل بابه منذ قرون) فيثمر خطابا وممارسة جديرَين بمسلمي هذا العصر؟ و أليس تشريك الفرد في هذا الصنف من التأسيس حريّة؟
تمهيدا للإجابة، نفترض أنّ حرية الإنسان المسلم تكمن في أَنسنة التديّن بالإسلام أي في تصريف الدين في السلوك وفي التعبير الرمزي والمادي بطريقة تسمح بتشكّل مجموعة يمارس أفرادها تديّنا منتجا للحرية، وبالتالي منتجا للإنجازات الرمزية والمادية، وذلك بالنظر إلى مكونات الحياة المختلفة والمتعددة.

أنسنة الإسلام: التعريف و المبررات

تعني أنسنة التديّن بالإسلام تسهيل تطبيق الدين بشكل يتلاءم مع الفهم الإنساني له. ولئن لا نشك في أنّ المسلمين فاهمون للإسلام فإننا نشك في أنّ لديهم نظرية لتطبيقه. ففهم الإسلام شيء وتطبيقه شيء آخر. وإذا غاب التطبيق تولدَ عنه الشعور بالحرمان لدى الراغب في التطبيق ومنه استحال بناء الثقة بالنفس. وهذا ما قد يكون حصل بالفعل عبر عصور الانحطاط قبل أن يفرز، في حقبٍ تاريخية معاصرة بما فيها حقبة ما بعد "الثورة التونسية"، ظاهرة الإسلام السياسي.

لا نشك في أنّ نشأة الإسلام السياسي كانت بدافع ردّ الفعل على الحرمان. ومن يمثله من إخوان مسلمين في مصر ومن جماعة إسلامية (ثم حركة الاتجاه الإسلامي ثم حركة النهضة ثم حزب حركة النهضة) في تونس (ومن سلفيات أخرى) هم فئات قد شعرت بالعلة فعقدت العزم على تبني مهمة إشباع الحرمان وبالتالي تصورت أنّ بحوزتها سياسةٌ ومشروعٌ يضمنان للمجتمع التقدم والرقي في ظل الدين الحنيف. لكنّ هذه الفئات، لئن كانت متطوّعة لفعل الخير فإنها لم تكن تملك وسائل الإشباع بما أنّ تصوراتها السياسية ومشاريعها المجتمعية ستثبت في ما بعد (أثناء حكم الترويكا بقيادة النهضة في تونس وحكم الإخوان في مصر) أنها غير قابلة للتطبيق. وعلى الرغم من ذلك كانت تتصرّف بكلّ ثقة في النفس وكأنها أفضل من سائر مكونات المجتمع.

كانت الجماعات الإسلامية – وما تزال- تجهل أنّ القدرات الذاتية التي تسمح بالرقي في ظل الإسلام لا يمكن أن تُكتسب بمَعزل عن تشريك الفرد والمجتمع. وبالفعل كان المجتمع (في كل من تونس ومصر) على موعدٍ مع الانزعاج والارتباك والاضطراب ثم مع النفور من هذه الجماعات ومن مشاريعها.

في الحقيقة ما لم تفهمه كافة فعاليات المجتمع وما كان عليها أن تفهمه من الوهلة الأولى هو أنّ جماعات الإسلام السياسي تمثل جزءا من المشكلة العامة. ذلك أنّ نواقصها الذاتية هي نواقص المجتمع بأسره وهي بمثابة التضخيم لعيوب الجسم المجتمعي بأكمله. أما العيوب بعينها فهي مختلفة وتتراوح بين نقصٍ في التربية الدينية المتقاطعة مع تربيةٍ علمية إنسانية وتربيةٍ علمية اجتماعية، ومحدودية التفكير الإسلامي، واهتراء الخطاب الديني، و تكلّس الإعلام وانحباسه في براديغم خالٍ من التمييز بين ما هو ديني وما هو سياسي بشكل يربّي المجموعة على التمييز هو الآخر، والحجب الذاتي في قطاع الإعلام الذي لم يُبقِ أيّ معنًى لحرية التعبير التي تتشدق بها أكثر من جهة في المجتمع.

وكان لغياب الإشباع ولوسائل الإشباع مضاعفات عديدة. على الواجهة الداخلية العمومية، نسجّل أنّ المجتمع قد أصيب بالذهول إزاء مظاهر التمدّن المستوردة وانطوى على ذاته لاقيا ضالته في مظاهر غير متسقة مع الشخصية الوطنية ومع السجية المجتمعية مثل الثراء السافر وحبّ التظاهر والتهافت على المادة والإدمان على تجارة كرة القدم وعلى أصناف القمار على غرار الرهان "الرياضي" وعلى وسائل الترفيه والتسلية والاتصال العصرية و استخدامها في التفاهات. والأدهى والأمرّ أنّ الدولة هي الراعي الأول للاغتراب باسم الحداثة. ففي الوقت الذي يناضل فيه أساتذة التعليم الثانوي من أجل إقناع الجميع بأنه لا يمكن لأيّ مجتمع أن يرى نور التحضر من دون مدرسة متطورة ومدرّسٍ سيّدِ نفسه، تُقابَلُ مطالبهم بالتراجع بشأن اتفاقات سابقة بينما تُبرَم الصفقات (في شهر أكتوبر من سنة 2014) بين وزارة التربية ومشغل أجنبي للهاتف (فرع تونس) لتزويد تلاميذ في 26 مدرسة ريفية بخوادم رقمية وأجهزة لوحية (1)، هكذا لتسليط الوسيلة على العقل عوضا عن تمكين العقل من أساليب حسن استخدام الوسيلة، هكذا لتبييض الجهل بإضفاء مسحة حداثوية عليه.

ومن المضاعفات أيضا تفتيش المجتمع عن ملاذ في الإفراط في استهلاك منتجات مستوردة متنوعة بشكل غريب يبعث على التأمل والتفكير: بقدر ما تتدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي في هذه الآونة، ما يزداد عدد الفضاءات التجارية وما تمتلئ الرفوف التي بداخلها بأصناف جديدة من البضائع وبكميات تتحدى كل الجيوب بما فيها جيوب الأوروبيين واليابانيين والأمريكان وكلّ أبناء العولمة الاقتصادية.

هكذا عوّض إشباعُ البطون والفروج وسائر أصناف الذائقة الحسية اللذائذية/الأبيقورية إشباعَ العقل والقلب والوجدان. هكذا تكاثرَ عدد المقاهي وقاعات الشاي ومحلات إعداد وبيع الحلويات والمبردات ومنصّات بيع السجائر (المغشوشة) على الطريق العام لإشباع الغرائز ولتكريس انقلاب المبدأ الإسلامي الثمين ("اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا": الإمام حسن البصري) حيث إنّ الناس أصبحوا "يعملون لدنياهم كأنهم يموتون غدا" بأن يتهاغتوا لنيل نصيبهم من الدنيا وكأنّ الأوان سيفوتهم، عوضا عن أن يعملوا لها "كأنهم يعيشون أبدا" أي بتأنٍّ ورويّةٍ، فتقلصَ عدد الكتُبيات والمكتبات العمومية، وبدأت دُور الثقافة والشباب تسلك طريقها إلى الانقراض، وانقرضت ملاعب الأحياء.

كانت هذه عيّنات لبعض سلوكيات الناس العاديين، ولم نتقصَّ بعدُ ما تفعله الشرائح الفاسدة في المجتمع. ولئن كانت سلوكيات الفئات العادية منحرفة بهذا الشكل وتستدعي التصحيح، فكيف ستكون سلوكيات الفئات المنحرفة بعينها يا تري؟ لم نتحدث بعدُ عن تعاطي المخدرات، و تهريب السلع، و تبييض الأموال، والأمهات العازبات، و هلم جرا، وبالتالي لم تبقَ لنا أية ضمانة لتنزيه الفئات العادية أو حتى "الطاهرة" عن ارتكاب رذائل كانت محسوبة على الفئات المنحرفة. وبينما كنّا بصدد التساؤل هل أصبح المجتمع كله يتعاطى الفساد وإذا بالجواب لم يتأخر كثيرا ليشفي غليلنا. جاءنا الجواب في شكل "وشهد شاهدٌ من أهلها" وذلك على لسان سيف الطرابلسي (35 عاما، شقيق عماد الطرابلسي)، أحد أفراد عائلة "الطرابلسية" (أصهار بن علي) التي شهرت باستخدام كل الوسائل غير القانونية لبلوغ أهدافها من رشوة ومحسوبية وغش واستيلاء على أملاك الغير وابتزاز للمال العام وتهريبٍ للبضائع وتهرّبٍ من الضرائب. يصرح سيف الطرابلسي على شاشة التلفزة أنّ "كامل الشعب صار يفعل مثلما كان يفعل الطرابلسية (..) و أنا سعيد لأن عائلتي توسّعت إلى هذا الحد."(2) هكذا يكون ولعُ الشعب التونسي بالفساد مضاهيا ولعَ شعب البرازيل بكرة القدم.

في ضوء ما سبق يتأكد لدينا أنّ الشعب قد أصيب بانفلاتٍ وجوديّ انجرّ عنه تحقيرٌ لقيم العمل و المعرفة، من ركونٍ إلى البطالة بدعوى الأجر المتدنّي و من عزوف عن المطالعة ومن احتقارٍ للآداب والفنون و من طلاق مع الثقافة. وحتى الدين، الذي أصبح "اصطلاحا" (سنتعرّض إلى هذا الجانب في باب الحلول) لم ينجُ بل اقتفى أثرَ الثقافة والتاريخ واللغة والمجتمع بأكمله. صارت مفردة "ثقافة" تعني عندنا الكسل والبؤس والفقر وشرب الخمر، و"تاريخ" تعني تارة البكاء على الأطلال أو أغاني أم كلثوم وطورا تقديس الأولياء الصالحين أو تمجيد السلف الصالح، و"لغة" دالةً على معاكسة السائحات على الشواطئ ودالة على أساليب التفاوض مع الزوار الأجانب أثناء عملية بيع منتجات الصناعة التقليدية على غرار الزربية، و"مجتمع" نقصد بها الفضاء السحري الذي يفعل فيه الفرد ما يشاء من غير رقابةٍ ذاتية وبما قلّ من احترام الآخر. أما لفظة "دين" أو بالأحرى "إسلام" فأضحت تتعلق بها معاني كثيرة ذات لُبسٍ مقيت. تحوّلت هذه الكلمة عند غير العرب والمسلمين (ثم طالت هؤلاء بدورهم) إلى وعاء لدلالات عدائية مثل تزمّت وتعصب وتشدد، ومثل قنبلة وهجوم وانفجار وتفجير. وتحولت لدى المسلمين إلى مجرّد عُملة تشترى بها أشياء كثيرة مثل الذقن للذكور والنقاب للإناث وتُقتنى بواسطتها خدمات متنوعة مثل جهاد النكاح وأصوات الناخبين أو الكراسي في المجالس السياسية أو المناصب الإدارية. نحن مجتمع رضي بأن يحوّل بنفسه – وبتواطؤ الدولة- رموزَه الثقافية إلى بضائع تارة وإلى قيمٍ مضادّة طورا. فكيف يندهش الشعب حين يعاين الأراضي العربية تُغتصب الواحدة تلو الأخرى، وهل يحقّ له أن يُذهَل حين يسمع عن شيء اصطُلحت على تسميته عبارة "داعش" يريد أن يفتك حُكم بلاده بقوة السلاح قبل أن يمسك بناصيته ويستبدّ به؟ هل يحقّ لهذا الشعب أن يندد بوهمٍ اسمه داعش بينما هو بدوره مجتمع يسبح في الأوهام ؟

بقدر ما يصحّ الجزم بأنّ داعش صناعة استخباراتية صهيونية وامبريالية ما يصحّ التأكيد على أنه قدرٌ محتوم نادته المجتمعات العربية الإسلامية نفسها بنفسها. إنّ مجتمعاتنا، وهي ذات الشعوب التي ينقصها الفكر التطبيقي الديني، قد صدّرت العنف حتى شملَ أعمالا استهدفت مصالح بلدان أجنبية (سفارات وهيئات دولية ومنتجعات سياحية). وكأنها تحمّلها مسؤولية عدم الإشباع الديني الذاتي وربما أيضا مسؤولية القصور السياسي المتعلق به وأيضا مسؤولية الجمود الحضاري الناجم عن المراهقة السياسية.

صحيح أنّ الغرب استغلّ حالة فقدان التوازن الوجداني/ الوجودي للمجتمعات العربية الإسلامية. وكان استغلالا استخباراتيا وسياسيا وجغراسياسيا وحتى عسكريا. وصحيح أنه حاك ولا يزال يحوك المؤامرات ضدّ الشعب العربي الإسلامي. لكنّ إلقاء اللوم عليه وتدبير المخططات لمكافحته دون استبطانٍ – استراتيجي- للعيوب الذاتية ودون إصلاحها سيفضي إلى ردود فعل من النوع العنيف والدامي. كما أنّ غضّ الطرف عن ضلوع الغرب في التآمر ضدنا من دون قبول نفس العلاج الذاتي سيفضي إلى الاستكانة والتبعية لنفس الجهة المتآمرة. وخلاصة الأمر أنّ مجتمعاتنا أظهرت قدرة فائقة في انتهاج الطريقين المسدودَين الاثنين.

كانت تلك تبعات الوهن والانحلال الذاتيين على الجبهة الخارجية. لكن جرّاء الافتقار إلى الروح الإسلامية الباعثة على الكدّ والجدّ من أجل رفع التحديات الحضارية، لم يقتصر العقل المجتمعي على استهداف الجبهة الخارجية من أجل معركة خاسرة ضدّ "الغرب الكافر" وإنما فتح أيضا جبهة داخلية لتستهدفها الجماعات "الإسلامية". بل وتمّ تكفير المجتمع المسلم وإعلانه "أرض جهاد" أو في أفضل الحالات "أرض دعوة". هكذا يكون الالتزام الديني - الضروري- قد تحوّل إلى تشددٍ ثم إلى تعصّب وفرزٍ إيديولوجي أفضى، في أكثر من مناسبة، إلى استقطاب سياسي ثنائي أدّى إلى العنف (تفجيرات في تونس في السنوات السبعين من القرن الماضي، حرق مقرات سيادية آنذاك، أعمال اعتداء معنوي ومادي وسحل لأسباب سياسية في المرحلة الانتقالية الموالية لتحوّلات سنة 2011، اغتيال المناضلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في سنة 2013) وأدت حتى إلى الاقتتال (في مصر في صائفة سنة 2013) وإلى الإرهاب في السنوات الأخيرة.

بالمحصلة، كانت الجهة الأعنف في مجتمعاتنا حائرة ومتذبذبة، مما دفعها نحو الخيار العدائي لردّ الفعل على حداثةٍ لم تقدر على استبطانها. في الأثناء حولت الحركات الإسلامية الدواء الرباني (الإسلام) إلى داء (استبعاده من عالم الحقيقة وحشره في بوتقة المجاز والوهم). وحين سخّرت الداءَ على أنه دواءٌ صالحٌ لمداواة "الغرب الكافر"، كانت سذاجتها كافية لإثارة فطنة الغرب. من هذا المنطلق افتكّت الجهات الاستخبارية العالمية هذه التركيبة المغشوشة من عند أصحابها واستخدمتها بمثابة "العنصر النشط" المعتمد في صنع الأدوية في إثارة حروب في داخل البلدان العربية وأيضا في ما بينها. وقد اصطُلح على تسميتها بـ"الحروب الناعمة" وأيضا "الحروب غير المباشرة". هذه الحروب تدور رحاها الآن في العراق و سوريا و ليبيا وعلى مشارف مصر وتونس.

في ضوء هذا، أعتقد أنّ الجهات المتنفذة عالميا لم تنجح في تركيع الشعب العربي بقدر نجاحها في حملِهِ على أن يتداوى بالتي هي الداء. مع هذا أقدّر أنّ هذه نقطةٌ لصالح مجتمعاتنا إذا ما أرادت إيقاف نزيف الحروب الجارية. وتتمثل إيجابيّتها في المعادلة التالية: مَن تجرّأ على قلب الدواء (الإسلام) إلى داء (داعش نموذجا) فهو مطالبٌ بتصحيح الوضع. وليست الحركات الإسلامية هي التي ستنجز التصحيح. ذلك لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه. لكنّ المجتمع ككُل – الذي نشأت فيه الجماعات العدائية- هو المطالب بالتصحيح. ذلك لأنّ من خلال الوضع المرتبك و المضطرب والهجين والمستلِب والمتقلب الذي تعرّضنا إلى بعض ملامحه (كما تجلّى في بلدنا، و قد تشترك بلدان عربية إسلامية أخرى مع تونس في سمات هذا الوضع وفي أسباب نشأته وفي تداعياته)، يتضح أنّ المجتمع العربي الإسلامي بتمامه وكماله، الذي نادَى ظواهر مثل داعش، قد فعلَ هذا الصنيع جرّاء إيمانٍ ناعس وضميرٍ متقاعس. بل، أليس داعش هو نحن؟ وإذا كان هذا صحيحا فيتوجّب على المجتمع، بكامل مكوناته، أن يلتزم بواجب الإنقاذ.

تفعيل عقيدتَي التغيير والعمل

يتبيّن لدينا أنّ من الضروري اليوم أن يقع التفكير في إشباع الرغبة الدينية المكبوتة عبر التاريخ. ويتأكد أنّ تلبية هذه الحاجة الروحية هي السبيل إلى درء تبعاتها الخطيرة. ولمّا كانت أفعال داعش التي تتراوح بين التهديد والاغتصاب والتعنيف والقتل والذبح تندرج ضمن تبعات ذلك الفراغ الروحي، فإنّ الحدّ من هذه الأعمال أو إيقاف نزيفها رهنٌ بمراجعة علاقة الشعوب المسلمة بالدين الحنيف وذلك باتجاه تحويل لغة الدين إلى لغة مفهومة عند القاصي والداني، عند المؤمن وغير المؤمن، وذلك من دون تبديل للمعنى الديني الأصيل ولجوهر الرسالة الربانية.

وإذا أردنا قطع الطريق أمام داعش أو طرده، سيما أنّ مروق المجتمع عن سبيل الجدية وعن نهج الاتساق مع ذاته كان أكبر إثمٍ اقترفه في حق نفسه بأن دعا جلاده بنفسه، فذلك يكون عبر ضخّ الحركة الاجتماعية العقلانية و التواصلية السلمية في داخل مختلف أنسجة المجتمع. ذلك لأنّ هذا الصنف من الفعل هو الذي بافتقاده افتقد مجتمعنا من جهة أولى المناعة اللازمة أي الحائلة دون بروز الظواهر المشينة والأمراض الخطيرة من الصنف الداعشي، وافتقد من جهة ثانية مبررات العمل المُجدي، الضروري للتقدم العلمي والتكنولوجي وللازدهار الاجتماعي وللارتقاء الحضاري.

إنّ من مزايا الإشباع الروحي إذَن، فضلا عن كونه ينمّي الدفاعات الذاتية، أنه يفتح أبواب التغيير الاجتماعي نحو الأفضل. لكن الملفت أنّ عقيدة التغيير لدى المسلمين - تغيير ما بالنفس- التي تمهد للتغيير الاجتماعي، والتي تتجسد في الآية الكريمة "إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"(الرعد:11) ليست في وضع استخدام وبالتالي فهي رهنٌ بالتفعيل. وتفعيلها يعني، بالإضافة إلى تثبيتها في حيّز الإيمان، تنزيلها في الواقع المادي والحسي أي الحيّز العملي الذي تحث عليه مقولة حسن البصري الشهيرة "ليس الإيمان بالتمني وإنما ما وقر في القلب وصدّقه العمل".
لكن هل أنّ التفعيل - المطلوب للإشباع (تطبيق الإسلام) - يستدعي آلية من داخل النص القرآني أم من الترسانة المعرفية الإنسانية؟

في الفكر التطبيقي

يتضمن الإسلام دون شك إلى جانب الفكر النظري، المتمثل في تعاليم الله جلّ جلاله والمحفوظة بين دفتي القرآن الكريم، فكرا تطبيقيا يتمثل بالخصوص في المنهج النبوي للسنّة الحميدة وأيضا في عديد العلامات المضيئة من التراث الفكري (مقولة حسن البصري مثالا). لكن في الوقت الذي بقي فيه الأول مستوعَبٌ من طرف المجتمع المسلم بأكمله، في كل زمان ومكان وإلى هذا يوم منذ 15 قرنا، فإنّ الثاني غائب، ويعزى غيابه إلى غياب الاجتهاد منذ أن أُغلق بابه (في القرن 9 م)، مما حدا بفكر القرون الثلاثة الأولى للإسلام أن يهيمن على الأجيال المتعاقبة إلى الآن. هذا على الرغم من أنّ شاكلة مسلمي اليوم تختلف عن شاكلة مسلمي الأمس، و معارف وعلوم وآداب القدامى مختلفة عن معارف وعلوم وآداب المعاصرين. لذا سيكون من باب التجني على الإسلام لو أريد تطبيقه اليوم بوسائل الأمس. وبالتالي فمن الضروري الاستئناس بمعارف وعلوم العصر الراهن لتجديد الفكر التطبيقي (للأصل النظري/القرآني، النصي) مع الحرص على الحفاظ على المنهج القرآني بما يحتويه من عقائد وقيم وثوابت منهجية على غرار "تغيير ما بالنفس" و "العمل" و "الاستخلاف" و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر."
ما الذي "بالنفس" عند عرب و مسلمي اليوم والذي يستوجب "التغيير" يا ترى؟ وما الذي "يتمنّونه" هؤلاء و "وقر" في "قلوبهم" لكن لم "يصدّقه العمل" يا ترى؟

نحن نعتبر أنفسنا في وضع دونيّ بالمقارنة مع الأمم المتقدمة. وهذا من أكبر الأخطاء، حيث إنّ الإقرار بوضعية التخلف المادي (وهي حقيقة) لا ينبغي أن يحُول دون الارتقاء بالنفس حتى تبلغ السموّ الضروري لتوفّرِ الاستطاعة المادية. فبالإمكان أن يكون المرء/الشعب/الأمة مدركين لتفوّق الآخرين عليهم وأن يكونوا في الآن ذاته في وضعِ مقاومة لعقدة الأجنبي ولمركّّب النقص المتعلق بها، في وضع صعود تدريجي نحو العُلا والسموّ بالنفس. وهذا مما يسهّل الانتقال شيئا فشيئا من حال الجمود المادي إلى حال الإنتاج والإنجاز.

ومركّب النقص والإحساس بالدونية تجاه المجتمعات المتقدمة لا ينحصر في علاقتنا (الدونية والتابعة) معها لكنه يتسرب إلى كامل كياننا فيستشري حتى ضمن علاقاتنا مع بعضنا بعضا، ناهيك أن نقدر على منافسة الآخر. فمن الوارد جدا أن نُصاب بالذهول المنتج للجمود حين يكون المطلوب منّا اتخاذ موقف موحّد حيال أمهات القضايا الحارقة (الهجوم الثلاثيني على العراق في سنة 1991، واستعماره في سنة 2003 وضرب الناتو لليبيا في سنة 2011، والفتنة في سوريا، أمثلة على ذلك). ومن الوارد جدّا أن نردد مقولات التنديد بتنظيم داعش وبالإرهاب عموما دون القيام بأيّ مجهود لطرد المواد الغثة وإجلاء الغازات السامة الراسبة في النفس ("ما بالنفس") ومن ثَمّ تجاوز حقائق مثل "تألق" داعش (والجهات التي تموّله) ماديا وعسكريا ومثل حقيقة تآمر الجهات الاستخباراتية والامبريالية والصهيونية على بترول وغاز العرب بل على كيانهم. ومع التطهير و التجاوز سيأتي الارتقاء بالإيمان حتى يتمّ "وقاره في القلب" فتتحرر الإرادة ويتولّد القرار الصائب القابل للإنجاز المادي "فيصدّق" الإيمانَ "العملُ". نحن إذن نملك نظرية للإيمان ونفتقر إلى مثل هذه النظرية لإنجاز العمل المدعّم بالإيمان.

كثيرٌ من العلماء كتبوا ومازالوا يكتبون ويتحدثون عن الإنجاز والتطبيق. فلا ضير في أن نقتبس عنهم وننهل من نظرياتهم لنستخدمها. لسنا مطالبين باستخدامها لإنجاز العمل المتناسب مع إيمانهم (وهو ما يتوجس منه ذوو الفهم السطحي للإسلام) وإنما لإنجاز العمل المتناسب مع إيماننا نحن، وبيئتنا نحن، وثقافتنا نحن، وهويتنا نحن، وشخصيتنا نحن، وحاجياتنا نحن، وتطلعاتنا نحن. وإلا فهل يعقل أن نتخلى في يومٍ ما عن استعمال الدراجة و السيارة والحافلة والسفينة والطائرة خوفا من أن تسير بنا- بحجة أننا لم نصنعها نحن- نحو مثلث برمودا أو جهنم؟

في هذا السياق أعتقد أنّ من بين علوم ومعارف هذا الزمان المؤهَّلة لمساعدة المسلمين على تطبيق دينهم الفلسفة عموما وفلسفة الدين وفلسفة اللغة (اللسانيات الفطرية تحديدا) من جهة، وعلم الانثروبولوجيا (المجتمع والثقافة) وعلم انثروبولوجيا اللغة على الأخص من جهة ثانية. ذلك أنّ الأولى تغوص في أغوار العقل الإنساني لمعرفة طاقاته وقدراته الهائلة وكشف النقاب عن ملكاته غير المعروفة بعدُ، وأنّ الاختصاص الثاني يدلنا على كيفية تطوير الحياة الاجتماعية بفضل النفوذ الذي تستمده اللغة من المجتمع وفي الآن ذاته تؤثر به في المجتمع.

تقول أستاذة انثروبولوجيا اللغة الأمريكية لورا آم. آهارن نقلا عن كارل ماركس: "الناس يصنعون تاريخهم، لكن لا يصنعونه تحديدا كما يشتهون. لا يفعلون ذلك في ظروف اختاروها بأنفسهم وإنما في ظروف موجودة ومتوفرة ومُمَررة مباشرة من الماضي."(3) وتعقب لورا على كلام ماركس:"بالإمكان أن نستبدل "لغة" أو "مجتمع" أو"ثقافة"مكان مفردة "تاريخ" في هذه المقولة وسيبقى البيان ذا بصيرة."(4)

إنّ هذه المقاربة قابلة للتوسّع وذلك بواسطة استبدال مفردة "دين" مكان "تاريخ" في نفس البيان وسيكون هذا الأخير معبّرا عن كيفية مناسبة للتعامل الإنساني/الإناسي مع الديانة الإسلامية (ومع كل ديانة). وهي كيفيّة مماثلة لكيفية التعامل مع اللغة و المجتمع والثقافة والتاريخ. بل ستكون كيفيةً شمولية لأنها تجمع بين المكونات الخمسة. وهو جمعٌ مبررٌ طالما أنّ الدين في الآن ذاته واحدٌ من مكونات الثقافة و المجتمع والتاريخ، فضلا عن كونه يشتغل في ظل شراكة موصولة مع اللغة.
ماذا توفر لنا القراءة الخطّية لبيان كارل ماركس/لورا آم. آهارن؟ يؤدي البيان المعني الآتي:

أ. "إنّ المتديّنين بالإسلام يصنعون تديّنهم": لا أقول "دينهم" وذلك بناءا على أنّ الدين من عند الله تعالى، أما ما يستطيع أن ينجزه المسلمون فهو التديّن/ التجربة الدينية. وهنا تبرز أهمية الفرد في المعادلة الخماسية التي نقتبسها عن لورا آهارن (والتي اقتبستها بدورها عن كارل ماركس) حيث إنّ العقيدة فردية من الأساس (إشهار الشهادتين يتمّ بصفة شخصية) وحيث إنه ليس من البديهي أن نرى شخصين مؤمنين اثنين يتعاملان في المجتمع بنفس التناظر أو التطابق الذي قد يتسم به أداؤهما للمناسك الدينة. فهما لا يتخذان نفس المواقف الإنسانية والاجتماعية والسياسية من القضايا والمشكلات حتى ولو حصل اتخاذ المواقف على قاعدة إيمانية (مشتركة). وقد حثّ القرآن الكريم على سلك هذا النهج الميداني الذي يأخذ بالاعتبار التمييز بين الشخص والشخص الآخر، حيث جاء في محكم التنزيل: "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ-;---;-- شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ-;---;-- سَبِيلًا"(الإسراء:17) أي "على ناحيتة وطريقته."(5)

ب. "لكن لا يصنعونه تحديدا كما يشتهون. لا يفعلون ذلك في ظروف اختاروها بأنفسهم وإنما في ظروف موجودة ومتوفرة وممررة من الماضي": إنّ ما يصحّ في التعامل مع الدين بهذه المقاربة التاريخية ينطبق على مفهوم السلف الصالح الذي عهدناه عند جلّ المسلمين والذي تربّينا عليه (ولو أنه مفهوم مثير للجدل). على أية حال يتفق معظم المسلمين حول أهمية الاقتداء بالقدامى من حكماء وعلماء وأتقياء. كما أنّ بعض الحكام السابقين أقروا بقيمة السلف بوصفهم يشكّلون مرجعية روحية واجتهادية للأجيال اللاحقة. ألم يقل الخليفة العباسي المتوكل (القرن التاسع م) في لحظة إعلانه عن قرار غلق باب الاجتهاد: "ما قرره الخلف لا يرفضه السلف"؟(6) في إشارة فيها كثير من الحكمة الاستشرافية، إشارة إلى أنّ ما ستقرره الأجيال اللاحقة سيكون حتما مطابقا لما كان سيرضى عنه السلف لو كانوا على قيد الحياة.

الاستفادة من المفارقة بين مدرستين منهجيتين

هل أنّ المقاربة الانثروبولوجية تحتوي على نقاط ضعف من شأنها تحريف المنهاج الرباني/النبوي للتديّن بالإسلام، مما يشكك المؤمنين في صحة تديّنهم؟ عدا النص القرآني وسنة رسوله اللذين يبقيان هما الفيصل والمعيار الأساسي في تعديل التديّن بالإسلام، قد توحي هذه المقاربة ببعض التوجس حول مدى وفائها للحقيقة. أعني أنّ كلّ واحد من الأبعاد التي يشتمل عليها، بالإضافة إلى البعد الديني، الاجتماعي والثقافي والتاريخي واللغوي التي تشتمل عليها إضافة إلى الدين (بموجب اعتباره جزءا من الثقافة) أو بعضها أو إحداها قد يهيمن على المكوّن الديني فيضعفُ التديّنَ أو يهمشه. لكنّ صمام الأمان سوف يأتينا من العلم المعاصر أيضا. كيف ذلك؟

نلاحظ أن العلامة نعوم تشومسكي، في مجال رؤيته لكيفية تأسيس ما يسميه "نظرية اجتماعية" أو "عقيدة اجتماعية" اعتمادا على خصوصيات العقل اللغوي، يتوجّس خيفة من أن تصاب فلسفة اللغة بالوهن بسبب رواجِ تناولها انثروبولوجيًّا (سلوكيا واجتماعيا وتاريخيا وبيئيا) على حساب العناية بجانبها الفطري والعقلي. وفي سياق موازٍ، يتبيّن لنا أنّ نفس الإحساس قد ينتاب المؤمنين المسلمين فيخافون على التديّن من أن يصاب بالضعف أو التحريف بسبب احتمال هيمنة الجانب الانثروبولوجي على الجانب التعبدي/العقلاني لدى الفرد والجماعة. مع هذا فإننا نتوقع بأن يكون الدواء الذي أعدّه تشومسكي للحفاظ على سلامة "الكفاءة اللغوية" وما تستبطنه من "ميزات خصوصية للعقل" هو نفسه كما سنرى لاحقا- الدواء اللازم لوقاية الكفاءة الدينية - وهي كفاءةٌ وإنجازٌ معًا- من أية هيمنة للمنحى الانثروبولوجي عليها.

بالفعل، لدى تشومسكي قناعة بأنّ "عالم الألسنيات والاجتماع بإمكانه أن يعمد إلى دراسة (طرائق) استعمال واكتساب اللغة فقط على قدر حيازته لبعض التملك لميزات النسق الذي أصبح يسيطر عليه الشخص الذي يعرف هذه اللغة" (7) قبل أن يعلن صراحة عن موقفه الرافض لتطويع اللغة للانثروبولوجيا: "طالما أننا نحصر أنفسنا، مفاهيميّا، في تقصّي السلوك وتنظيمه وتطوّره عبر التفاعل مع البيئة، نحن متأكدون من فقدان تلك الخصوصيات للغة والعقل." (8)

في هذا المستوى، لسائل أن يتساءل إن كان البحث في سبل التأسيس لنظرية لتطبيق الدين (بمعنى تأليف طريقة جماعية للعيش في المجتمع مبنيّة على توظيف مناسب للدين)، الذي نحن بصدده، والذي يهدف إلى بناء نظام اجتماعي سليم، هل اللغة هي محوره (حتى نبرر الاستشهاد بنظريات تشومسكي في اللغة) أم هو الدين. والجواب هو أنّ نظريات تشومسكي، بموجب تشديدها على المحافظة على سلامة "خصوصيات العقل" من ناحية أُولى وبحكم أنه لا ضير في أن نشارك صاحبها هدفه لإنشاء "نظرية اجتماعية" من ناحية ثانية، ولأنّ "خصوصيات العقل" ضالعة لا محالة في كل نشاطات الإنسان، بما فيها نشاط التديّن بصفته المؤنسَنة من ناحية ثالثة، فإنّ نظريات تشومسكي تتضمن أيضا إيجابات صالحة لتطوير التديّن كمِعوَل لتطوير الحياة الاجتماعية.

بالتأكيد، يأتينا تشومسكي، ولو بأسلوب ملتوٍ لكنه جميل، بالإجابة التي نحتاج إليها في هذا البحث، حيث يقول:"أودّ أن أعتقد أنّ الدراسة المُركّزة لواحدٍ من أوجُهِ سيكولوجيا الإنسان - اللغة الإنسانية- قد تسهم في علم اجتماعٍ إنسي سيصلح، على حدّ سواء، كأداة للفعل الاجتماعي" (9). هكذا تكون فلسفة اللغة، بوصفها أرضيةً للغوص في أغوار العقل الإنساني، مِعوَلا لعقلنة التديّن الإسلامي وفي نفس الوقت لأنسنة هذا الأخير عبر "علم اجتماعٍ إنسي".

دين الفرد والمجتمع

لنحَوصلْ : إيمانٌ فإرادةٌ فقرارٌ فإنجازٌ فتغييرٌ. لا أظنّ أنّنا سنكون في غنًى عن مثل هذه الوصفة لتذليل الصعوبات التي نواجهها اليوم. وهذا مما يعني أنّ الدين بالتأكيد مسألة شخصية من الناحية المبدئية و لكنه أيضا مسألة اجتماعية في الآن ذاته، شئنا أم أبَينا. كيف لا والحال أنّ البروتستان - ثمّ اللائيكيين-، الذين هم أوّل من أسسوا لشخصنة الإيمان، أقرّوا (ضمن الإثبات الأساسي الثاني للكنيسة البروتستانتية، الذي يأتي بعد إثبات وحدانية الرب) أنّ "ضمن هذا الإثبات، ينبغي التشديد على "الأنا" الذي يعبّر عن القناعة بأنّ الإيمان شخصيّ لا جماعيّا"(10) قبل أن يستطرد عالم اللاهوت البروتستانتي المعاصر الفرنسي أندري قونال مضيفا - ولو بين قوسين- :"حتى ولو أنّ من نتائج الإيمان تَشكّلُ جماعةٍ." (11)

لئن يتبيّن لنا أنّ الإفادة بشأن رغبتنا في إنشاء نظرية اجتماعية مؤصّلة للحجج الدينية للفرد المسلم ولشعب المسلمين أتتنا من عند منظّرين أو باحثين قد تجنبوا إقحام العامل الديني/التديّني في نظرياتهم وبحوثهم على غرار ماركس وآهارن، فإنّ الإفادة قد تأتينا أيضا من مفكرين يقحمون، على العكس منهما، هذا العامل في دراساتهم، ولو كانوا من غير المسلمين. ومن أشهر هؤلاء المفكرين الفيلسوف الهولندي المعاصر يورغن هابرماس وفيلسوف الطهورية المتعالية الأمريكي رالف والدو آمرسون (القرن التاسع عشر) .
يعتقد هابرماس أنّ الدين أضحى اصطلاحا لغويا وبالتالي يعسر تفاهم المتديّنين مع غيرهم عبر اللغة. لكنه لم يقف عند حدّ إقصاء الدين من الحياة العامة وإذا به يتراجع ليقدّم حلولا. واعتمادا منّا، في ما يلي،على مدونتين للنقد تناولتا فكر هابرماس بالدرس والتمحيص، وهما الأستاذ دانيال سيليمان وخبيرة الاجتماع ميشال ديلون، ستتضح لنا بضعة ثوابت هامة بشأن المنهج الهابرماسي.

فحسب هذا المصدر الثنائي يعتقد هابرماس أنه "لا يمكن تجسير الهوة بين المعرفة العلمانية والمعرفة المُنزّلة (الوحي)"، إلا أنّ الحل متوفرٌ ويتمثل في ضرورة هدم الحاجز المنتصب أمام فئة المؤمنين (مهما كانت ديانتهم) الذين يرغبون في الإسهام بمدعّمات نابعة من تديّنهم مع غير المتديّنين أثناء مشاركتهم في الحياة السياسية و تطوير الحياة الاجتماعية. ويعتبر هابرماس، حسب نفس المصدر، أنّ للمتدينين الحقُّ في تصريف حججهم الدينية في الحياة العمومية، الفكرية والسياسية، ولكنّ ذلك مشروط بـ"ترجمة" اللغة الدينية – في المرحلة القبْلية للمرحلة البرلمانية (في النظام الديمقراطي)- حتى تبلغ اللغة حدّا كافٍ من العلمانية يسمح لهذه اللغة بأن تتوافق مع لغة غير المتدينين. ويخلص هابرماس إلى أنّ إقحام الدين ممكنٌ عبر ما يسميه "الفعل التواصلي" . مع العلم أنّ هذا الأخير محكوم بمبدأ "التوجّه نحو التفاهم" (بين المؤمنين بديانةٍ ما من جهة والمتدينين بديانة مغايرة أو غير المتدينين، من جهة ثانية). (12)

وبالرغم من اعتقاد ناقدَي هابرماس أنّ الرجل "موردٌ عظيم ومستخدم بقصور" حيث إنّ "مجرّد التفكير في أناس متديّنين بصدد التحاور مع أناس لا يشاطرونهم عقائدهم هو مثال على مدى صحة هذا"، إلا أنّهما يلومانه على أنه يبالغ في التشديد على "الترجمة الشرطية" للدين وأنّ السبب في ذلك أنه "لم يشاهد مثل تلك الجسور (الرابطة بين مؤمنين وغير مؤمنين)، بينما هي متعارفة بما يكفي." (13)

هكذا فإنّ هاذين الناقدين يؤْثران المنهج الميداني و يستشهدان بأمثلة من الواقع ليُثبتا أنّ "بالإمكان دفع هذا النقد إلى أبعد من ذلك." ومن الأمثلة التي يسوقانها الحوارُ في ايرلندا (ذات الأغلبية السكانية الكاثوليكية) حول مسألة الإجهاض (المحظور كاثوليكيا)، و الطريقة التي يُتناول بها الجدل الذي تثيره مسألة الزواج المثلي في الولايات المتحدة، والأسلوب - التواصلي- الذي تتوخاه طائفة الخوارج المسيحية "شهود يهوة" في نيويورك لإقناع خصومها بحقها في تكريس عقائدها (رفض التثليث و رفض عملية نقل الدم مثالا) (14).

في ضوء كلّ ما سبق، نتوقع أنّ مفهوم الدولة في بلد مثل تونس مآله أن يتطوّر مستقبلا نحو الأفضل أي نحو خدمة الفرد والمجتمع. فقط في شروط هذه الخدمة بإمكان الدولة أن تستعيد هيبتها، ولكن بأسلوب مختلف عن الهيبة المستبدة التي كانت تتمتع بها قبل "الثورة".
فبقدر ما سيحرص الفرد والمجتمع المسلمَين على التحرر (وعلى التخطيط للتحرر) من ربقة العبودية التي تمارسها عليهما الدولة "الثالث-عالمية"، المعولَمة/ المعولِمة، ما يتّجهان نحو السعادة، وما تستفيد الدولة فتعزز مدنيتها وطنيتها وهيبتها بصفة مستدامة.

كما نعتقد أن بقدر ما يتجسد تحرر الفرد والمجتمع، ما تستمدّ الدولة مشروعيتها من الإرادتين الفردية والجماعية فيمدّدان في صلاحيتها كراعية مَرِنة للدين أي متفاعلة مع المتغيرات الحاصلة باستمرار في شخصية المواطن وفي شخصية المجتمع. يقول منظّر الفلسفة الطهورية/ المتعالية، الأمريكي رالف والدو أمرسن (القرن التاسع عشر م): "من أجل تربية الإنسان الحكيم، تعيش الدولة، ومع ظهور الإنسان الحكيم، تنتهي صلاحية الدولة. إنّ ظهور الشخصية يجعل الدولة غير ضرورية. فالإنسان الحكيم هو الدولة."(15)

ففي الوضع الذي نحن فيه اليوم والمليء بالتحديات الآتية من كل حدب وصوب، لن تكون التجربة الحركية الاجتماعية معركة خاسرة، ذلك أنها ستكون خير مزوّدٍ للدولة بالدفاعات الضرورية للذود عن وجودها وذلك عبر الذود عن وجود مواطنيها والمجتمع كافة. و حتى لو منيت التجربة بالفشل لن يضاهي ذلك فشلَ الأمة في الوقوف كالدرع الحصين لتتجنب أن تُصنع الظاهرة الداعشية في المخابر المخابراتية فتُبعث في المدن والأرياف لتتحدى العرب في متاعهم ووجودهم حتى أنها توصلت إلى اعتبار منطقة المغرب العربي "حديقة خلفية" لها بعد أن عاثت فسادا في العراق وسوريا، وها هي تضرب في ليبيا وتتقدم إلى مواقع أقل ما يقال عنها إنها الأقرب إلى قبورنا لا سمح الله.

إنّ حماية الشعب و الأرض والوطن والدولة تبدأ إذن بالتزام الفرد والمجتمع بالقيام بالمهمة الاجتماعية السلمية، ومن منطلقات مشحونة بإيمان تطبيقي تواصلي. فلم يكن الإيمان النظري وحده أبدا منتجا للفعل التاريخي. وسواء كان الفعل الفردي والفعل الاجتماعي مسبوقان بإيمانٍ الديني أم بإيمانٍ غير ديني فذلك نفس الشيء في نهاية المطاف. ذلك أنّ الذي لا يؤمن بالله وبالإسلام سيكون متدربا على الإيمان بنفسه وبالمجتمع وبالوطن، لذا ستتطابق طموحاته وتطلعاته مع طموحات وتطلعات من يؤمن بالله وبالإسلام، الذي قد قام بتطوير إيمانه الديني حتى أضحى متضمنا للإيمان بالنفس وبالمجتمع وبالوطن، فينكبّ جميعهم على إعداد التصورات والمشاريع والبرامج المشتركة.
المواطن مصدر التشريع

في السياق التطبيقي، حريّ بكل مواطن أن يتوقع أن يكون كل فعلٍ من أفعاله منبثقا عن إيمان موحّدٍ حتى يكون القانون مرآة عاكسة لِما يريد تحقيقه من غايات نبيلة بالتنسيق والتفاعل والتشارك مع المجموعة.

هكذا سيكون احترام إشارات المرور من طرف سائقي العربات والامتناع عن السير في الاتجاه المعاكس (المحظور) و تجنب القيادة المتهورة أفعالا إيمانية، وإلا فليعلم هؤلاء أنّ من صلاحيات النظام الديمقراطي الذي اخترناه أنه سانحٌ لتجريب "مثال مروري" جديد ومن ثَمّ تغيير القانون حسب شاكلة مستعملي الطريق، وليس سانحا لخرق القانون مهما كانت التبريرات (وقانون المرور ومجلة المرور يمثلان واحدا من أَوجُهِ المنوال العام للحياة العمومية).

وهكذا سيكون رفع الفضلات المكدسة في الأحياء والشوارع والأنهج والأزقة، و مقاومة غلاء الأسعار واحتكار السلع، والمطالبة بالعدالة الجبائية ومعاقبة التهرب الجبائي وإعطاء الأجير أجره كاملا وقبل أن يجفّ عرقه، ومناهضة العنف المسلط على الطفل والمرأة، وتدارس مسألة الكبت الجنسي، وتقصّي مشكلة استهلاك المخدرات، و الحرص على تهيئة المستشفيات العمومية بما يضمن دمقرطة العناية الصحية، والمطالبة بفرض الحظر على كل أصناف الإشهار في الإذاعة والتلفزة لِما تكرّسه من اجترار وتبلّد عقلي وعاطفي ومن رتابة فكرية، ومقاطعة تظاهرات كرة القدم لأنها أصبحت "بزنس" وتكرّسُ الميز الاجتماعي، ومقاطعة المداخلات العلمية التي لا تلقى باللغة العربية أثناء الندوات ذودًا عن الهوية الثقافية والسيادة الوطنية، والحرص على الانفتاح على اللغات والثقافات الأجنبية، و افتكاك وسائل الإعلام من أيدي بارونات البروبغندا والمال، والمطالبة برسكلة القائمين على قطاع الإعلام ليكون هذا الأخير مبلّغا للحكومة عمّا يريده الشعب لا مبلّغا للشعب عمّا تريده الحكومة والأطراف المتنفذة في اللوبيات، والمطالبة بإخضاع السياسيين لاختبار سيادي يهدف إلى التأكد من التزامهم بالقضايا الحارقة مثل الدفاع عن القضية الفلسطينية وحماية الدولة الوطنية ووقايتها من المؤامرات التي تحاك ضدها، و"عدم الإسهام في الإرهاب لأنها أفضل طريقة لمقاومته" (16)، وعدّة شؤون أخرى، هذه المآرب تندرج كلها اليوم ضمن الواجبات الإيمانية/و/أو التديّنية التي تمثل الأرضية الإنسانية للقانون وتكون المصدر الأصلي للتشريع، القابل دوما للمراجعة والتطوير.

الخاتمة

كانت هذه مقاربةٌ لنظريةٍ (منشودة) للتطبيق الاجتماعي والتواصلي قد تليق ببلد كان على شفى حفرة أو أدنى من فقدان اعتداله الديني. وما من شك في أنّ تونس بإمكانها أن تستعيد الاعتدال الذي عُرفت به عبر الأزمنة المتتالية. لكنّ هذا ممكن في حالة فريدة: في حال اعتبار الاعتدال مسارا لا مقالا، و في حال تكاتف كلّ مكونات المجتمع في إطار المعالجة الشاملة للوضع العام، و التخطيط للمسار ثم إنجازه بإتّباعه خطوة بخطوة. ونجاح المسار رهنٌ بتوفر الإرادة الفردية، بطانة الإرادة الجماعية ثم الإرادة السياسية. على هذا النحو، يكون المجتمع قد أنشأ القدرة كأرضية لتحرير الإرادة بناءا على أنّ "من يقدر يريد" هي الأصل والصواب بينما "من يريد يقدر" هي الفرع والخطأ (17). فقط عندئذ ينقدح نبراس الإرادات الثلاثة فتكون مشفوعة بالقرار والإنجاز.

المراجع:

(1) ورد خبر بدء توزيع الأجهزة مؤخرا وذلك بمدرسة بجهة سيدي ثابت في العدد 132 من جريدة "آخر خبر" الأسبوعية الصادر بتاريخ 24-2-2015، ص 21.
(2) كان ضيفا على الإعلامي سمير الوافي في برنامج "لمن يجرؤ فقط" على قناة "الحوار التونسي"، تم بثه في سهرة الأحد 22-2-2015.
(3) في كتاب باللغة الانكليزية: "اللغة الحية، مقدمة لأنثروبولوجيا اللغة، منشورات "ويلاي بلاكوال"، سنة 2012، ص23.
(4) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(5) تفسير الطبري.
(6) ورد في مقالة للدكتور النابلسي بعنوان "لماذا الانسداد التاريخي وفشل التنوير في العالم العربي؟"، نشرت بتاريخ 4-11-2009 على موقع "المؤتمر الوطني العراقي".
(7) في كتاب "حول الأناركية" (باللغة الانكليزية)، منشورات ""بنغوين"، سنة 2014، ص 141.
(8) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(9) المرجع السابق، ص 142.
(10) في بحث بعنوان "روح البروتستانتية" (باللغة الفرنسية)، نشر في مجلة "لوبوان"، عدد خاص بعنوان "مرجعيات بروتستانتية"، للشهرين 5 و 6 من سنة 2014، ص 11.
(11) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(12) (13) (14) ورد في بحث لدانيال سيليمان، باللغة الانكليزية، بعنوان "هابرماس ومشكلته مع "مشكلة" الدين في الخطاب العمومي"، نشر على موقع "مشروع الدراسات الدينية" بتاريخ 13-3-2014.
http://www.religiousstudiesproject.com/2014/03/13/habermas-and-the-problem-with-the-problem-of-religion-in-public-discourse-by-daniel-silliman/
(15) اقتباس عن المقولة الشهيرة لنعوم تشومسكي:" كل الناس منزعجة بشأن إيقاف الإرهاب. طيّب ، هنالك سبيل سهل حقا: التوقف عن المشاركة فيه"، منشور على العديد من المواقع الالكترونية بما فيها "يوتيوب"
(16) في كتاب "محاولات"، منشورات "آفريمان"، طبعة سنة 1976 باللغة الانكليزية، ص 320.
(17) نقتبسُ هذا التصحيح للمقولة الشهيرة عن المحلل النفساني والكاتب البلجيكي بيار داكو (توفي في سنة 1992). ورد في كتابه "النجاحات المذهلة لعلم النفس"، باللغة الفرنسية، منشورات "مارابو"، طبعة سنة 2004، ص 422.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سأمت!
HAMID KIRKUKI/ SAYADI ( 2015 / 2 / 25 - 07:57 )
طويل وممل ليست فيها جديد العرب هم حامي هذه النزعة الفاشية المسمات الصعروبية على وزن الصهيونية العبرية! مقدسات إسلامية محمّدية نازية الشكل و فاشية عربية ممزوجة بقدسية إلاهية لتخدير الشعوب المستعمرة إسلاميا من قبل العرب في عاصمتهم الأولى مكة المكعبة... حيث هم شعب الله المقدّس.


2 - ممنون
محمد الحمّار ( 2015 / 2 / 25 - 12:45 )
أنا ممنون أنك تكتب بالعربية على الرغم من تنكرك لها. ثم إنك لم تقرأ البحث فكيف لي أن أصدقك؟

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا