الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية الإلحاد

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2015 / 2 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يتخوّف البعض من أثر ما يحدث في العالم من نزاعات طائفية ومذهبية دموية على مستقبل الأديان، وتجد من يحذّر من موجات إلحادية تتنامى وتترامى وتهدد بتقويض دعائم الإيمان.

وبعكس ما يظن أولئك، فإن ما أصبح في مهبّ الريح اليوم هو الفرضية الإلحادية من أساسها، تلك الفرضية الساذجة البائسة القاسية المضادة لآلية عمل الوجود، بل ولم يكن العالم في يوم من الأيام أقرب إلى إدراك الوجود الإلهي الحق، كما هو اليوم.

المخاض الحالي شديد، وحدّة الصراع بين مختلف الخطابات والمواقع لن تعود بعدها الخارطة الروحانية والفكرية للعالم كما كانت، هذا صحيح. هناك اتجاهات ونزعات جمعية لا يمكن التعامي عنها، وهي ليست مجرد حالات استاتيكية وردات فعل ذات مستوى واحد، تستجيب لحدث أو تغيير استجابة واحدة جامدة، بل هي أشد ديناميكية اليوم من أي وقت مضى.

لقد سقطت الحداثة، وسقط ما بعدها، وانهارت افكار القطع مع الماضي والأصالة، وحتى ردات الفعل المتمردة عليها ولكن التي نشأت في حضنها سقطت معها، وكل التراث الفكري الذي حاول نفي وجود الله لم يعد قادرا على مواكبة صنيع الله في العالم، وفعله المستمر.

إنّ ذلك الفصل الذي صدقت فيه البشرية نفسها فألّهت إنجازاتها وظنت أن العالم لم يعد يتسع لمن أوجده، ومن هو محيط به، هو فصل أوشك أن يُطوى، وحتى في أعتى مواقعه وعواصمه وأشدها خصومة.

ما حدث هو مثال واضح على "المد". لقد مد الله للبشرية وتركها تصدق نفسها، وبالنسبة لله فصبره (وهو الصبور) لا نهائي، فهو لا تحكمه قوانين الزمن التي تحكم البشر وتجعل صبرهم ينفد، لذلك فهو يملي لهم، ويمد لهم. وما حدث هو أن كافة خطابات وفرضيات نفي وجود الله ودوره في العالم قد استنفدت نفسها بل واستحالت إلى أشكال كاريكاتورية تتصدرها اليوم شخصيات فكرية وعلموية منقوصة الجدارة والأهلية.

لا زالت الفرضية الإلحادية تدور في فلك معضلة ابيقور حول الشر، والبحث عن منطقية الصفات الإلهية، ومتناقضة القدرة الكلية (الصخرة إياها) ومعنى الألم والمعاناة في العالم، ووجود تشوهات وأمراض، ورفض مبدأ الوحي والمطالبة بأدلة، إلى غير ذلك مما تبقى من حجج لم تسقط بعد في ظنهم (كفرضية أن الوجود قديم وأزلي التي سقطت مثلا).

وفرضياتهم كلها، ورغم كل ما أحاطت به نفسها من هيبة المكتشفات العلمية ورطانة النصوص الفلسفية، لم تخرج أبدا عن إطار خصوم الأنبياء القدامى، الذين لم يفعلوا سوى أنهم استغلوا حقيقة أنه لا يمكن إبداء كل شيء وكشف آلية عمل الوجود للبشر، وأن من الطبيعي جدا أن يكون في "الظاهرِ من الحياة الدنيا" ما يستعصي على التفسير منطقيا وفلسفيا وحتى أخلاقيا، فهي من النتائج الحتمية لستر الغيب عن الظاهر، واستمرار عجلة الحياة.

خصوم الأنبياء لم يكونوا مجرد أشخاص لا يجيدون الكلام كما يتم تجسيدهم أحيانا في التراث الشعبي والسنيمائي، لا بل كانوا يتكلمون ببلاغة وفصاحة ويسوقون الحجج ويكتبون ويتفلسفون، ولم تكن ألسنتهم قصيرة ولا حيلتهم قليلة، ولكنهم كانوا –كما هم حملة رايتهم اليوم- مجرد نتيجة واردة لمنح الإنسان حرية الاختيار وحرية التفكير مع احتجاب مُحكم للغيب.

مثلهم كمثل شخصية في مسرحية، تعتلي خشبة المسرح ولا تكاد تصدق نفسها، ويمنحها صاحب المسرح الخشبة وما عليها ويحيطها بستارة ظاهرة لها، وكواليس لا يخرج منها من عاد إليها. ويمنحها ذلك المالك الكريم الذي أوجد دورها من العدم، حرية أن ترتجل في دورها، فتقرر أن تستخدم تلك الحرية في أن تسرح وتمرح على الخشبة وتهرب قدر استطاعتها من إسدال الستارة، وتنكر أن للخشبة صاحباً وموجداً، أو أن الستارة تسدل بأمر من أي أحد. وهي في كل صيغ ارتجالاتها المنمقة والمزخرفة لا تختلف من حيث المضمون عن قول قارون "إنما أوتيته على علم عندي".

الإلحاد، فتنة القدماء، التي ازدهرت في القرن العشرين، وظن البعض في بداية القرن الواحد والعشرين أنه ببعض الرشات الدموية السنيمائية يمكن أن يعجّل في جعل فتنة الإلحاد تتربع على عرش العالم وتطيح بكل عقيدة آمنت بالله ورضيت بحكمه وقضائه. فانقلب السحر على الساحر، واجتثت شجرته التي ما لها من قرار، بل وسيخرّ السحرة ساجدين قريبا، طوعاً أو كرها، وظلالُهم، وشكرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نهاية الإلحاد
خليل السهيل ( 2015 / 2 / 27 - 03:09 )
إن الرؤية المادية الإلحادية والتصور الإختزالي لظهور الكائنات الحية هي فلسفة كهنوتية لا علاقة لها بالعلم ولا ببديهيات المنطق، إن الإيمان بالإلحاد يتطلب بانتظام إنكار بديهيات عقلية ومنطقية أقسى من أشد الديانات إغراقًا في الوثنية.

وثائقي -هاتوا برهانكم- أدلة وجود الله عز وجل Documentary -Produce Your Proof- For Gods Existence
https://www.youtube.com/watch?v=kpvLomKGQc8


2 - واه حسيناه شهيد كربلاء
حميد صيادي كركوكي ( 2015 / 2 / 27 - 05:37 )
ولك شلون برهان مقنع وصاعق؟ ومقالة عميقة جدا وبحث أكاديمي علمي أنتجه عبقري الفيلسوف الفار من الزنادقة!
وآني كلّش ممنون.


3 - الملحد دائما في شك وريب
عبد الله اغونان ( 2015 / 2 / 27 - 21:55 )
ماوجدت قط ملحدا الا ولديه شكوك في الحاده

سواء أكان متكلما أو كاتبا

ولابد من تحليل نفسي لدواعي الالحاد

والنماذج هنا معروفة حسب تصريحاتهم هم أنفسهم

لذلك من أراد الله به خيرا سرعان مايتدارك ويتوب


4 - محمد نبيكم في شك مريب
عاد بن ثمود ( 2015 / 2 / 28 - 02:36 )
و هل كان نبيكم يضمن لنفسه المقام المحمود الذي وعده به إلهه، إن لم يرجوكم بالدعاء له؟
أنتم تقضون ليل نهار في الدعاء لنبيكم الذي يشك في فوزه بالمقام المحمود الموعود لولا دعاؤكم له.
طيب، و من سوف يدعو لك يا أبوغنان إن كانت دعوات المسلمين كلها موجهة لنبيك المدلّل؟
ألا يعتريك شك مريب بإنك ستكون من حطب جهنم من ضمن الحجارة و الوقود؟


5 - محمد نبيكم في شك مريب
عاد بن ثمود ( 2015 / 2 / 28 - 02:36 )
و هل كان نبيكم يضمن لنفسه المقام المحمود الذي وعده به إلهه، إن لم يرجوكم بالدعاء له؟
أنتم تقضون ليل نهار في الدعاء لنبيكم الذي يشك في فوزه بالمقام المحمود الموعود لولا دعاؤكم له.
طيب، و من سوف يدعو لك يا أبوغنان إن كانت دعوات المسلمين كلها موجهة لنبيك المدلّل؟
ألا يعتريك شك مريب بإنك ستكون من حطب جهنم من ضمن الحجارة و الوقود؟


6 - حقيقة
Prince_A_AL_F ( 2015 / 8 / 1 - 15:49 )
بالفعل نهاية الالحاد أتية لا محالة ، وكما نعرف جميعاً وحتى الملحدون انفسهم ، بأن مشكلتهم مع وجود الخالق ، وليس مع حقيقة وجوده ، هذه هي المشكلة ، وهذا هي الحقيقة التي يتجاهلونها

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah