الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطور النظرة المسيحية تجاه المرأة

شريف حوا

2015 / 2 / 26
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


= مقدمة =

عانت المرأة لعصور طوال من القهر والكبت، ومن نظرة دونية فرضها مجتمع ذكوري. ونستطيع القول أن ذلك وإن خفّت حدته في هذا العصر إلا أنه لم يختف، لا بل نجده يتجدد بصور أخرى.

يجد عالم الأنتثروبولوجيا الأمريكي "لويس هنري مورجان" (1818 – 1881) أن هنالك رابطة قوية بين الملكية الخاصة ووضع المرأة، وفي هذا تفسير لعزلة المرأة (الزوجة خاصة) وتعقيمها ولفها في ثياب كثيفة حتى لا يظهر من جسدها شيء فيكون مدعاة للإثارة والفتنة وجذب الرجال.
وفي عرضنا التالي، سنجد مكانة المرأة تتذبذب بين اعتبارها مجرد حيوان أو كائن لا إنساني تارة، وبين إنسان متساوي الحقوق مع الرجل تارة أخرى. سنجد حوادث مثيرة وغريبة بمقاييس عصرنا، فحيناً تتمرد نساء روما على واقعهن ليقتلن أزواجهن ومن ثم ينتحرن بعد افتضاح أمرهن، وحيناً نجد قديساً يبتر أعضاءه الجنسية لكبت شهوات الجسد وتقرباً من الإله، وحيناً نجد أحد الأنبياء يسهّل لامرأته الدعارة، وآخر يبيعها لقاء ثمن. سنجد نساءاً يفرض عليهن ارتداء أقفاص حديدية، ونساءاً يمنعن من مجرد الاستحمام لأن ذلك: "مدعاة للفتنة"، ونساء يتم مقايضتهن بـ "سيارة"!

لن أطيل في مقدمتي، وسأترك القارئ مع هذا البحث الموجز، الذي حاولت جعله شاملاً قدر الإمكان، كما تقصدت الاعتماد على الاقتباسات بشكل أساسي، لتصل الفكرة كما صاغها صاحبها، وبكلماته.

 -;---;--
= ما قبل المسيحية =

ظهرت المسيحية في فلسطين في عصر كانت فيه السلطة المدنية للرومان والسلطة الدينية لليهود، وهكذا تنازعت الديانة الوليدة سلطتان متباينتان ومختلفتان في كثير جداً من الأمور، ولكنهما تلتقيان عند شيء واحد هو: كراهية المرأة، أو قل بتعبير أدق "النظرة الدونية إلى المرأة".

• الخلفية المدنية الرومانية:
على صعيد العائلة، فقد منح القانون الروماني الرجل سلطاناً لا حد له على زوجته وأبنائه، وإذا ولد له طفل مشوه أو معوق على أية صورة من الصور كان من حقه أن يتخلص منه بالطريقة التي يراها مناسبة: كأن يغطسه في الماء ليموت غرقاً، أو يتركه في العراء لتلتهمه وحوش البرية.. أما إذا كان المولودة أنثى فمن حقه أيضاً خنقها –إذا أراد- أو تركها في العراء لتموت.

وفي المجتمع الروماني كان هنالك ثلاث طبقات من النساء:

أ‌. المواطنة الرومانية الحرة: وهي الزوجة والأم وربة المنزل أو السيدة.
ونجد مدونة جوستنيان تعطينا فكرة واضحة عن وضعها في قسم عنوانه "تقريرات خاصة بالنساء والزواج"، وتقول المدونة:

(1) ليس للنساء ولاية الأعمال العامة.
(3) رأي القدماء جعل النساء تحت الوصاية، ولو بلغن سن الأهلية لطيشان عقولهن.
(11) على النساء الخضوع لأزواجهن.
(12) على المرأة أن تتبع زوجها ما لم يكن أفاقاً.
(14) الرجال قوامون على نسائهم.
(16) المرأة دون الرجل في كثير من أحكام القوانين.
(17) تجوز المقايضة على المهر أثناء قيام الزوجية متى كان هذا في صالح المرأة.
(18) من صالح الجمهورية احتفاظ النساء بمهورهن؛ ليكون ذلك عوناً لهن على التزوج مرة أخرى.

وهكذا يتضح لنا أنه على الصعيد القانوني لا وجود إلا للرجل. أما المرأة فتظل تحت الوصاية طوال حياتها، كما أن الرجل هو الذي يهيمن أيضاً على الحياة الدينية، فالأب هو رب الأسرة وكاهنها الأكبر، وهو وحده المخول بتأمين استمرار عبادة الأجداد.

وقد كان من عادة الرومان عقد قرانهم على شابات صغيرات، بل على فتيات لم يبلغن بعد؛ فقد كان الزواح القانوني للفتاة اثنتي عشرة سنة. وكان على الفتاة الرومانية عندما تتزوج أن تختار بين نوعين من الزواج: الزواج بوضع اليد؛ وهو زواج يتبعه وضع العروس وما تملك تحت سلطان زوجها أو والده، وهنا يقوم الأب بنفسه بتسليم الفتاة إلى يد زوجها أو وضعها تحت سيطرته. أما النوع الثاني فهو الزواج بدون تسليم، وفيه تظل الفتاة وما تملك تحت سلطان والدها. وكان هناك نوع ثالث يعرف بالزواج بطريقة "الكنفرياشيو" ومعناها "أكل الكعك معاً" وكان هذا النوع الأخير يتطلب حفلاً دينياً خاصاً تجرى مراسيمه أمام مذبح الإله جوبتر بحضور كاهنه الأعظم وعشرة شهود، وهو زواج لا يتم في العادة إلا بين الأشراف والنبلاء. وكان النوع الأول هو الذي تفضله الفتاة عادة، أي: أن تصبح خاضعة للزوج وتحت رحمته.

ويقول كاتو الأكبر (234 – 149 ق.م) وهو سياسي روماني اشتهر بالتمسك بالتقاليد اليونانية القديمة: «إذا وجدت زوجتك تزني فإن القانون يتيح لك أن تقتلها بلا محاكمة. أما إذا فاجأتك، مصادفة وأنت ترتكب هذه الجريمة نفسها فليس لها أن تمسّك حتى بأطراف أصابعها، لأن القانون يحرم عليها ذلك..»، كما كان يحرم على الزوجات شرب الخمر تحت طائلة العقوبة المشددة، أقصد الضرب حتى الموت.

وفي ظل هذا التضييق على المرأة، فقد شهد التاريخ الروماني بعض الحركات النسوية الاحتجاجية، منها أنه في عام 331 ق.م انتشر في روما مرض غريب لم يمسع عنه أحد من قبل، وقد هاجم هذا المرض مجموعة كبيرة من المواطنين – من بينهم عدد كبير من النبلاء والأشراف الرومان وكانت أعراض المرض المجهول واحدة عند الجميع تقريباً، كما كانت النتيجة واحدة أيضاً: "الموت"، ومن ثم هلاك الجميع! إلى أن ذهبت خادمة إلى الشرطة ذات صباح وقالت أنها تستطيع أن تفسر أصل هذا المرض، لتثبت فيما بعد أن الزوجات في لحظة تمرد ضد أزواجهن مزجن الخمر بنوع معين من أنواع السموم، وهذا يثبت أن الرومانيات لم يستسلمن أو يخضعن لطغيان الذكورية.

ب‌. المرأة الأجنبية: وهي مثل الرجل الأجنبي بلا حقوق أو امتيازات.
كان من حق الرجل الروماني أن يمارس الجنس مع المرأة الأجنبية، لكن ذريته منها غير معترف بها، فهي لا ترث شيئاً لأنها لا تعد من المواطنين الرومانيين.

ت‌. الجواري: وهن ملك خاص لسيدهن.
لم يكن لهن أية حقوق، لأن الجارية كانت تعامل على أنها مجرد حيوان أو بقرة كما وصفها بعض الكتاب. وإذا ما أنجبت ذرية قوية صحيحة البدن نالت رضا سيدها. وليس من حقها أن تتزوج لأنها وأطفالها ملكية خاصة للسيد، وإذا ما مارست الجنس مع أحد عبيد سيدها فإن الذرية من حق السيد.

• الخلفية الدينية اليهودية:
لم تخرج أنظمة بني إسرائيل عن الأنظمة السائدة لدى قبائل الرعي، وفي مقدمتها: النظام الأبوي؛ فالولد ينسب إلى أبيه ويلتحق بعشيرة الأب. وهكذا كان الرجال وحدهم اليهود، أما النساء فهن بنات اليهود (أي تابعات لهم). والأسرة الإسرائيلية هي بطريركية كما لدى الرومان، فالبيت الإسرائيلي يتكون من: الرجال، وعدد من الزوجات، والسراري، والأولاد من الزوجات والجواري، وزوجات الأولاد، والأحفاد، بالإضافة إلى العبيد. ورأس العائلة هو الأب أو الـ "روش"، وهو يستطيع التصرف في أبنائه كما يشاء: فله أن يبيع ابنته لمن يرغب في شرائها كما جاء في سفر الخروج: «إذا باع رجل ابنته أمة لا تخرج كما يخرج العبيد ...» (21 : 7). وكانت الفتاة في مطلع حياتها ملك أبيها، يحق له إنكاحها لمن شاء لقاء أن يقوم العريس بخدمته: «من يضرب قرية سفر ويأخذها أعطيه عكسة ابنتي امرأة» (يشوع 15 : 16). وقد خدم يعقوب عند خاله "لابان" سبع سنوات ليتزوج من ابنته الكبرى ليئة (رغم أنه كان يحب الصغرى) ثم سبع سنوات أخرى ليتزوج من حبيبته راحيل (تكوين 19 : 15 – 20). بل إن الأب يملك على أولاده حق الحياة والموت، وله أن يحرق زوجة ابنه المتوفى إذا زنت كما فعل يهوذا في "ثامار": «فها هي حبلى من الزنى، فقال يهوذا أخرجوها فتحرق» (تكوين 38 : 24).

كما شاعت ظاهرة التسري وملك اليمين بين اليهود، وورد مصطلح السراري أو مرادفاتها في معظم الأسفار التوراتية، فكان للنبي سليمان ألف امرأة من جنسيات مختلفة: «وكانت له سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السراري فأمالت نساءه إليه» (الملوك الأول 11 : 2). وترددت في أكثر من موقع عادة إهداء الأفراد والزوجات والجواري للأنبياء والشيوخ أو الأزواج، وأبيح للمحاربين الزواج من السبايا الجميلات، واسترقاقهن: «حين تقترب من مدينة لتحاربها استدعها للصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإذا لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف».

وانتشرت ظاهرة تعدد الزوجات وخاصة بين الأنبياء والموسرين، مثلاً في تقسيم الإرث نجد: «إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة .. فيوم يقسم لبنيه ما كان له لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكراً على ابن المكروهة البكر» (تثنية 21 : 15 – 16). كما تزوج يعقوب من ابنتي خاله "ليئة وراحيل"، وتباهى النص التوراتي بكل من داوود وسليمان وجدعون بتعدد زوجاتهم وكثرة نسلهم.

وقد أحلت التوراة اغتصاب النساء وقيدته بأن وضعت عليه بعض الشروط: «إذا وجد رجل فتاة عذراء غير مخطوبة فأمسكها واضطجع معها، فوُجِدا. يعطي الرجل الذي اضطجع معها لأبي الفتاة خمسين من الفضة، وتكون هي له زوجة من أجل أنه قد أذلها، لا يقدر أن يطلقها كل أيامه»! (تثنية 22 : 28 – 29) وليس من انتقاص بأن يغتصب آمنون ابن داوود أخته العذراء ثامار التي أسقمته، فاحتال عليها كي تحضر إلى مخدعه، ورغم اعتراضها: «لم يشأ أن يسمع صوتها بل تمكن منها وقهرها واضطجع معها، ثم أبغضها آمنون بغضة شديدة جداً».
أما من ناحية الزنى والدعارة فنجد تناقضاً واضحاً في الحث عليه تارة والنهي عنه تارة أخرى، ولعل هذا التناقض قرينة صريحة لتمرحل الوضع التوراتي بين فترة جنسوية حاول فيها الكهنة توظيف الدعارة لصالح اليهودية، لكنه وفي فترة أخرى أملت الحاجة إلى وقف ذلك التدهور الأخلاقي للحفاظ على الهوية التي أصبحت مهددة.

ولإزالة أية إشكالية تعيق توظيف الزنى أو تضغط باتجاهه اللوازم الأخلاقية أو الأبوية في الامتلاك، كانت القدوة في الأنبياء والأبطال ضرورية لإيجاد ذلك الزخم الداعر دون موانع أو حدود في السعي من أجل الأهداف.

فهاهو ابراهيم يحث امرأته على الدعارة في مصر والادعاء بأنها أخته وليست زوجته كي يصيب الثروة والجاه عند فرعون: «وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراي امرأته إني قد علمت أنك حسنة المنظر، فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته، فيقتلوني ويستبقوك، قولي أنك أختي، ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك، فحدث لما دخل أبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جداً ورآها رؤساء فرعون، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون، فصنع إلى أبرام خيراً بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال» (تكوين 12 : 11 - 16 ، 20)، وهنا لا يغضب الرب على أبرام وإنما يعاقب فرعون بسبب تلك الفعلة. وتكافئ سارة زوجها بأن تهدي له جاريتها المصرية هاجر فحبلت منه وولدت له اسمعيل. ويتكرر ذات السيناريو مع أبيمالك ملك جرار.

وداوود النبي يزني بامرأة رجل فتحبل منه ويرسل رجلها إلى الحرب ليُقتل كي يضمها إلى بيته: «وكان في وقت المساء أن داوود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جداً، فأرسل داوود وسأل عن المرأة فقال واحد أليست هذه بثشبع بنت اليعام امرأة أوريا الحثي، فأرسل داوود رسلاً وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة فأرسل يوآب أوريا إلى داوود، فأتى أوريا إليه فسأل داوود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب» وتمضي الرواية في سرد اللقاء والحوادث التي أعقبته حتى تصل: «وفي الصباح كتب داوود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريا، وكتب في المكتوب يقول، اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت» (صموئيل الثاني 11 : 2 – 7 ، 14 – 15).

وهاهو يفتاح الجلعادي يصبح رأساً وقائدا وهو ابن امرأة زانية (قضاة 11 : 1 ، 11). أما شمشون الذي حلت فيه روح يهوه: «باركه الرب وابتدأ روح الرب يحركه في محله صارت امرأته لصاحبه الذي كان يصاحبه» (قضاة 14 : 20).

ولكي تحصل "نعمي" على حصة من حصاد الحنطة والشعير تنصحها حماتها بمضاجعة جبار بأس يدعى "بوعز" (راعوث 3 : 1 – 5).

ولا ضير من أجل بقاء الجماعة أن تقوم ابنتا لوط بمضاجعة أبيهما بعد أن تسقياه الخمر والسفاح بالولادة منه: «وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر، فسكن في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض، هلم نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه، فنجني من أبينا نسلاً فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمراً أيضاً فادخلي اضطجعي معه فنجني من أبينا نسلاً، فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، لم يعلم باضجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما فولدت البكر ابناً ودعت اسمه موآب، وهو أبو الموآبيين إلى اليوم، والصغيرة أيضاً ولدت ابناً ودعت اسمه بن عمي، وهو أبو بني عمون إلى اليوم». (تكوين 19 : 20 -28)

ولكن هذه المرحلة الجنسوية أو "زمن الحب الداعر" عصفت بها رياح الانقلاب الفكري والسلوكي، بعد أن خرج إطلاق الزنى بالقدوة المقدسة عن السيطرة، فضلاً عن انتشار الأمراض التناسلية التي خصص لها كاتب سفر اللاويين ثلاثة إصحاحات كاملة (13 – 15)، ولذلك أصبح لزاماً الحكم على الفاسقات بالحرمان والرجم بالحجارة وقطع السيف وحرق البيوت للحيلولة دون الدعارة بغير أجر: «وإذا زنى رجل مع امرأة فإذا زنى مع امرأة قريبة يقتل الزاني والزانية، وإذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه، إنهما يقتلان كلاهما دمهما عليهما، وإذا اضطجع رجل مع كنته فإنهما يقتلان كلاهما قد فعلا فاحشة دمهما عليهما .. وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة بالنار يحرقونه وإياهما لكي لا يكون رذيلة بينكم». وكما حرم اللواط (المثلية الجنسية): «إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا كلاهما رجساً إنهما يقتلان دمهما عليهما .. وإذا جعل رجل مضجعه مع بهيمة فإنه يقتل والبهيمة تميتوها». (لاويين 20 : 10 – 17).

وتميز التوراة في النجاسة بين ولادة الذكور والإناث: «إذا حبلت المرأة وولدت ذكراً تكون نجسة سبعة أيام، كما في أيام طمث علتها تكون نجسة ... وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين كما في طمثه». ولا تقتصر نجاسة المرأة بمنع اتصالها الجنسي بالرجال في فترة الطمث وإنما يصبح نجساً كل ما تستخدمه الحائض وكل من يمسها أو يمس ما تضطجع عليه أثناء تلك الفترة، بل يمتد ذلك للرجل: «إن اضطجع معها رجل فكان طمثه عليه يكون نجساً سبعة أيام، وكل فراش يضطجع عليه يكون نجساً» (لاويين 15 : 24). وإذا حرمت التوراة أكل لحم الجمل والوبر والأرنب والخنزير وعدم لمس أجداثها "لنجاستها" فإنها لم تحرم لمس هذه الحيوانات وهي حية كما فعلت بالنسبة للمرأة!

وقد عبر صاحب سفر الجامعة عن نظرة المجتمع اليهودي إلى المرأة بقوله: «وجدت أمرَّ من الموت: المرأة، التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود. الصالح قدام الله ينجو منها، أما الخاطئ فيؤخذ بها ..» (7 : 27) فوضع المرأة المتدني كان يحتم عليها أن تخاطب زوجها كما يخاطب العبد سيده أو الرعية مليكها. وفي حالة النشوز أي إذا ما أعرضت المرأة عن فراش زوجها أو رفضت خدمته له أن يعاقبها. كما فرضت الشريعة اليهودية على الزوجة أن تغطي شعرها (لأنه عورة) علامة على ملكية الزوج لها وعلى خضوعها، وذهب البعض إلى حد إرغامها على ستر جسدها كله بملاءة.

وكان الرجل اليهودي يصلي في صلاة الصبح داعياً وشاكراً لله: «أحمدك يا رب أنك لم تخلقني امرأة». أما المرأة اليهودية فكانت تصلي مستسلمة: «أحمدك يا رب أنك خلقتني كما تريد». فالمرأة يصنفها العهد القديم مع الحيوانات والممتلكات: «لا تشته بيت قريبك، ولا تشته امرأة قريبك، ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئاً مما لقريبك» (الخروج: 117).

كما استحدث اليهود الحجاب الساتر في المعابد للفصل بين الرجال والنساء وحرموا مصافحتهن. وجعلوا لهن مدخلاً خاصاً إلى المعبد، وألزموهن الصمت في دور العبادة توقيراً لجماعة الرجال (لأن صوت المرأة عورة)، وكنّ لا يحسبن في العدد الواجب اكتماله للصلاة، كما منعوهن من ارتقاء المنصة خلال الصلاة لتلاوة التوراة بصوت مرتفع. وإذا ما لمست امرأة عباءة "الطاليت" التي يلبسها اليهود في صلاتهم، فإنه يصبح نجساً.

 -;---;--
= المسيحية الناشئة والمرأة =

علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن المسيحية ولدت في كنف المجتمع اليهودي ومن رحم التوراة، لذلك لا يمكن إسقاط التأثيرات الكهنوتية عنها، وكان يلزم فك آسارها أو التخفيف من صداها الحتمي على التاريخ المسيحي، جهوداً غير عادية البتة اقتضت التدرج في تحرير البدائل الجديدة. ولهذا قامت التعاليم اليسوعية الأولى على قاعدة: «لاتظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل»، وذلك في توظيف عملي واقعي للسابق لصالح الديانة الوليدة من جهة، ولإتاحة الفرصة لاستيعاب حركة المتغيرات ومشاعر المتذمرين من سطوة الكهنوت الحاكم وضبابيته في الفقه اليهودي من دهة أخرى.

ولكننا سنلاحظ أن الموروث اليهودي قد تفاعل مع الموروث الروماني ليحدث انتكاسة جديدة على أيدي خلفاء يسوع، لينعكس ذلك سلباً على واقع المرأة ونظرة المجتمع لها ومكانتها فيه.

• موقف يسوع:
الحق أن موقف يسوع (الشخصية المروي عنها في الأناجيل، بغض النظر عن حقيقة وجوده من عدمها) من المرأة كان أنضج من موقف أتباعه من الحواريين والرسل والكنائس المسيحية كلها بعد ذلك ولقرون طويلة. وقارئ العهد الجديد لا يكاد يلحظ تمييزاً بين الرجال والنساء. نضرب أمثلة:

- عالج يسوع النساء كالرجال بلا تفرقة: منها شفاء ابنة يايرس (مرقس 5 : 22 – 33)، وشفاء حماة بطرس (متى 8 : 14).
- كما عالج المرأة التي ظلت تنزف اثنتي عشرة سنة، والتي كانت في نظر اليهود نجسة لا يجوز أن يلمسها أحد، تماماً كالمرأة الحائض. (مرقس 5 : 35) (متى 9 : 20 – 22).
- وهو يمتدح سلوك الأرملة الفقيرة التي ألقت فلسين (في الخزانة). (مرقس 12 : 43 – 44).
- وهو لا يفرق بين المرأة اليهودية والسامرية، بل إنه يتخطى النواهي والمحرمات التقليدية الموروثة عندما مكث طويلاً إلى جانب السامرية. (يوحنا 4 : 8 – 18).
- وسلوكه هذا أثار عجب المجتمع: «عند ذلك جاء تلاميذه وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة» (يوحنا 4 : 27).
- وفي بيت عنيا تستقبل مرثا يسوع على مشارف القرية، وهي التي يناقشها أولا، ثم مع شقيقتها مريم بعد ذلك موضوعات كثيرة تتعلق بالإيمان والبعث والقيامة ...إلخ. (مرقس 12 : 43 – 44)
- ورفض يسوع رجم الزناة، وجعل عقابهم إلهياً وليس من اختصاص البشر في الدنيا، وتمثل ذلك في موقفه من المرأة الزانية التي كان الناس على وشك رجمها فقال لهن: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر».

والأمثلة كثيرة جداً في العهد الجديد، والتي تروي مواقف إنسانية رائعة. وأغلب الظن أن يسوع الذي تروي عنه الأناجيل، يوافق على اختلاط الجنسين واجتماعهما معاً، فهو يحضر احتفالات العرس حيث كانت أمه موجودة، ولا شك أيضاً في وجود نساء أخريات.

كما اتخذ يسوع عدة نساء كتلميذات له، يتبعنه ويخدمنه بمساواة مع تلاميذه وأتباعه الرجال: «كانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه، وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي وأم ابني زبدي» (متى 27 : 51 – 55).

لكن وضع المرأة بين المسيحيين الأوائل كان منحطاً بل يمكن لنا القول: إن الأفكار عن النساء قد تدنت عما كانت عليه من قبل. ولا شك أن الخلفية الثقافية والبيئة الاجتماعية التي ظهرت فيها المسيحية هي التي طغت وسيطرت وأودت الأفكار الجديدة التي أتت بها الديانة الوليدة. وهكذا توارت هذه الأفكار لتعاود الكراهية الاجتماعية المتأصلة للمرأة للظهور من جديد متلبسة هذه الديانة الجديدة، ومضيفة قداسة دينية على الآراء الرجعية الموجودة من قبل. وربما عاد ذلك –في جانب منه- «إلى أنك لا تجد في الأناجيل نظرية مشروحة بوضوح عن وضع المرأة ومكانتها ..» ولن تجد سوى عبارات مقتضبة ومواقف عملية قام بها يسوع.

وبهذا بقيت الشريعة الرومانية هي مصدر القوانين في العصور المسيحية الأولى، وفي شطر كبير من العصور الوسطى.

• الرسول بولس:
كان القديس بولس أو "رسول الأمم" من طرسوس بآسيا الصغرى مواطناً يهودياً من أهل مدينة غير دينية من "كيليكية" (أعمال الرسل 21 : 39)، وذلك يفسر إلمامه التام باللغة اليونانية. وقد اكتسب المواطنة الرومانية بحق المولد. ولم يعد ثمة شك في أنه تلقى تعليمه بالمنزل قبل أن يسافر إلى أورشليم ليجلس بين يدي الحاخام جماليل 15 عاماً. ومعنى ذلك أنه كان يحمل معه التراث اليهودي واليوناني معاً عندما ذهب إلى أورشليم. وقد وقع في غرام ابنة أستاذه الجميلة، وأراد الزواج منها لكنها رفضته. ومِن الباحثين من يعتقد أننا أمام خيط واضح يفسر كراهيته للمرأة: بناء على المبدأ الشهير في علم النفس الذي يقول «إن الكراهية الشديدة لابد أن تكون ناتجة في الأصل عن حب شديد لم يُشبع، أو رغبة عنيفة لم تتحقق وتم إحباطها» وسوف نجد لهذا المبدأ أمثلة كثيرة لاحقاً.

وربما تعود كراهيته للمرأة إلى شخصية النساء في موطنه الأصلي طرسوس وتأثيرهن عليه، فقد كانت العادات والتقاليد في هذه المدينة تحتم على المرأة أن تغطي جسدها تماماً بحيث لا يكون في استطاعة الرجل رؤية أي جزء من جسدها.

ويمكن أن نجمل أفكاره عن المرأة في ثلاث أفكار رئيسية على النحو التالي:

1. الرجل هو الوسيط بين الله والمرأة:
ومنها قوله: «فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. أما المرأة فهي مجد الرجل .. لهذا ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها» (كورنثوس الأولى 11 :7 – 10). «لتصمت نساؤكم في الكنائس. ألا إنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضاً. لكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن بالبيت ..» (كورنثوس الأولى 14: 34 – 36). «لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع ولكن لست آذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكون؛ لأن آدم جبل أولاً ثم حواء. وآدم لم يُغوَ ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي» (تيموثاوس الأولى 12 : 11 – 14).

2. المرأة موجود ثانٍ خُلِق من أجل الرجل:
يذهب بولس إلى أن الوضع الثانوي بل المتدني للمرأة ينسجم تماماً مع النظام العام للكون، وهو في ذلك يشبه أرسطو فيما ذكره عن الهيراركية (او الترتيب التصاعدي) القائمة في الأشياء والموجودات التي يزخر بها الكون. «أما المرأة فهي مجد الرجل؛ لأن الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل ..» (كورنثوس الأولى 11 : 7 – 10) «أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق بالعيشة في الرب» (كولوسي 3 : 18). «أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب؛ لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة» (أفسس 5 : 22 – 24).

3. المرأة أصل الخطيئة:
كان للفكرة التي تقول أن المرأة أصل الخطيئة أثر بالغ في تشكيل النظرية المسيحية عن المرأة في القرون المسيحية الأولى –والتي تسمى بعصر الآباء- ثم في العصور الوسطى بعد ذلك، ولقد بدأت هذه الفكرة من كلمات القديس بولس الذي كان يردد الأفكار اليهودية السابقة الذكر.
ومن أجل ضمان عدم إفساح المجال أمام المرأة لغواية الرجل أمرها بعدم التزين: «النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل، لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ كثيرة الثمن، بل كما يليق بنساء متعهدات بتقوى الله، وبالأعمال الصالحة» (تيموثاوس الأولى 2: 9 – 10). وعلى صعيد آخر: «فيحسن للرجل ألا يمس امرأة» (كورنثوس الأولى 7 : 1). «أما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي..» (كورنثوس الأولي 1 : 23 – 24). «غير المتزوج يهتم في ما للرب، وهدفه كيف يرضي الرب، أما المتزوج فيهتم في ما للعالم، وهدفه كيف يرضي امرأته..» (كورنثوس الأولى 7 : 23). «إن بين الزوجة والعذراء فرقاً، فغير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدسة: جسداً وروحاً، أما المتزوجة فهي تهتم في ما للعالم وهدفها كيف ترضي رجلها» (كورنثوس الأولى 7 : 34).

لكن بولس لم يأمر بالإضراب عن الزواج، لكن جعله أمراً غير مرغوب فيه: «أقول لغير المتزوجين وللأرامل: إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا، لأن التزوج أصلح من التحرق..» (كورنثوس الأولى 7 : 8 – 9). «إن تزوجتَ لم تخطئ، وإن تزوجتْ العذراء لم تخطئ. ولكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد. وبسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته. ليكن لكل امرأة رجلها» (كورنثوس الأولى 7 : 2). ثم يقول: «ليس للمرأة تسلط على جسدها، بل للرجل» (كورنثوس الأولى 7 : 1 – 4).

 -;---;--
= عصر الآباء =

لقد كانت المسيحية تمد جذورها وتثبت أقدامها وسط جو من الشك والريبة والعداء أيضاً، لا من اليهود فحسب، بل من السلطات السياسية الرومانية أيضاً، ومن المفكرين والمثقفين الوثنيين كذلك، وتعددت أسباب الهجمات التي شنت عليها فبعضها كان نتيجة الشك والريبة، وبعضها جاء من الخوف من المجهول، وبعضها الثالث من سوء الظن بالدين الجديد. وكان على المسيحية أن تواجه هذه الهجمات إذا أرادت أن تبقى، كما كان عليها أن تستخدم الحجج اللاهوتية والفلسفة في آن واحد. ومن هنا جاءت العناصر الفلسفية في كتابات الآباء الأول في المسيحية وتسميتهم بالفلاسفة.
ويمتد عصر الآباء الفلاسفة من القرن الأول حتى وصل إلى قمته في القرن الرابع عند القديس أوغسطين (354 – 430) الذي ختم عصر الآباء، حيث تبدأ أوربا بعده في الدخول إلى العصور الوسطى من القرن الخامس حتى القرن الرابع عشر.

وسوف نلاحظ فيما يلي أن نظرة اللاهوتيين المسيحيين تركز على الجنس، فالمرأة لا هي إنسانة ولا صديقة ولا زميلة، لكنها مجرد "وعاء للتناسل"، كما يقول القديس سوستام: «إنها شر لابد منه وآفة مرغوب فيها وخطر على الأسرة والبيت ومحبوبة فتاكة ومصيبة مطلية مموهة».
كما سوف نلاحظ شيئاً مشتركاً ألا وهو "كراهية الجسد"، وهي التي كانت فلسفية عند أفلاطون، وقد أصبحت دينية عند اللاهوتي المسيحي. وإن تمنى القديس أوغسطين لو أنه كان خصياً، ليتخلص من شهوات الجسد والخطيئة، فنجد أن أورجين السكندري (185 – 254) قد نفذ هذه الأمنية بالفعل عندما نذر نفسه للعفة الدائمة؛ فقام ببتر أعضائه الجنسية فخصى نفسه، لأنه "لم يكن جامداً بليد الإحساس" بحيث يصمد أمام مغريات الجسد على حد تعبيره.

ولعلنا نشير إلى أن معظم –إن لم يكن كل- اللاهوتيين الأوائل قد اشتركوا بـ "الماضي الملوث"، حيث انغمسوا في فترة الشباب بـ "ملذات الجسد"، ثم عادوا في شيخوختهم إلى الندم والبحث عن "كبش فداء" يلقون عليه باللائمة، فتكون المرأة: تلك الشيطانة الجميلة التي دعتني فلبيت، وذلك انسجاماً مع الموروث الفكري الهجين (الروماني – اليهودي) المؤمن بدونية المرأة.

وسنتناول الآن أشهر هؤلاء اللاهوتين بالشرح الموجز عن حياتهم، ومجمل أفكارهم فيما يخص المرأة:

• كلمنت السكندري (150 – 223):
أب من آباء الكنيسة، ومن أوائل الفلاسفة المسيحيين في نهاية القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، يعتبر مع تلميذه أوريجين من أهم فلاسفة الإسكندرية.

1. حياته:
ولد حوالي عام 150 م لوالدين وثنيين مثقفين. تلقى تعليمه المبكر في أثينا حيث كان مغرماً بالفلسفة اليونانية والآداب الكلاسيكية، وبعد اعتناقه المسيحية، سافر إلى الاسكندرية، وهناك تلقى دروسه على يد بانتينوس رئيس المدرسة التي كانت تسمى مدرسة السؤال والجواب، ثم خلف أستاذه رئيساً لهذه المدرسة. ثم رسم قسيساً. وفر من الاسكندرية أثناء اضطهاد الامبراطور الروماني سبتموس سفيروس حوالي 202 – 203.

2. كلمنت والمرأة:
يتسم أسلوبه في الحديث عما يخص المرأة بعدم استخدام الألفاظ "المهذبة" أو الرقيقة، لأن «الشدة إما أن تكون شدة وإما تتحول إلى رياء وكذب ونفاق»، «ومن ثم فلا ينبغي أن يخجل أحد من تسمية ما لم يخجل الله من خلقه»، لدرجة أن مترجم أعماله إلى الإنجليزية يقول: «عندما قررنا ترجمة مؤلفات كلمنت السكندري وجدنا أقساماً منها لا تتفق على الإطلاق مع الآداب العامة، والأفكار الحديثة عن الاحتشام، والتهذيب واللباقة، فرأينا أنه ربما كان من الأفضل الإبقاء عليها في صياغتها اللاتينية بدلا من ترجمتها إلى الإنجليزية..».
والملاحظ أن اللاهوتيين ورجال الدين عموماً مغرمون بالحديث عن المسائل الجنسية بطريقة فجة ومفتعلة بحجة المصارحة والصدق والأخلاق، ومن باب أنه لا حياء في الدين: «ولا يعتقدون أن في حديثهم فحشاً من أي نوع. أيكون ذلك لأنه عندما يدخلون في معركة مع شهوات الجسد لا ينتصرون فيها إلا ظاهرياً فحسب في حين تظل الغلبة لهذه الشهوات؟..».

وكلمنت السكندري يفرق بين الرجل والمرأة من ناحية العقل: «لا شيء مخز أو شائن عند الرجل الذي وهبه الله العقل. لكن المسألة ليست على هذا النحو بالنسبة للمرأة التي تجلب الخزي والعار، حتى عندما تفكر في طبيعتها، وماذا عساها أن تكون..». وكذلك: «العقل أمانة عند الرجال لا يلحقه خطأ، ولا يعتريه عيب أو قصور .. أما عند المرأة فإننا نجدها بطبيعتها شيئاً مخزياً ومخجلاً حقاً..»

لهذا على الرجل إسكاتها، وإغلاق الدار عليها، فواجبها أن تبقى في المنزل، وألا تجعل أحد يراها في أي مكان، ذلك لأن نظراتها سوف تخلق في أذهان الرجال أفكاراً شريرة.

ويقدم النصح للنساء بأن عليهن ممارسة "رياضة الغزل والنسيج والإشراف على شؤون المطبخ"، فتلك أمور ضرورية – ثم يضيف – وفي استطاعة النساء أن يجلبن من المخزن ما يحتجن إليه .. وليس من العار عليهن استعمال المطحنة بأنفسهن، فهي رياضة هامة (..) وإذا ما رتبت فراش الزوج، وأحضرت له الماء كلما أحس بالظمأ، إذا ما أعدت مائدة الطعام بترتيب جيد قدر استطاعتها، فإنها بذلك تكون قد قامت بتمرينات تجعلها صحيحة البدن.

وبشأن الحشمة فهو يقول: «لا بد للمرأة أن تغطي جسدها تماماً ما لم تكن موجودة في بيتها لأن هذا الطراز من اللبس وقور، وهو يحميها من حملقة العيون في جسدها. وفضلاً عن ذلك فهي حينما تضع الخمار على وجهها لا يمكن أن تدعو غيرها إلى الخطيئة. تلك هي مشيئة الكلمة LOGOS، منذ أن جاءت لتصلي وهي محجبة».

والجدير بالذكر أن مسألة الحجاب والنقاب ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل هي تضرب بجذورها في الماضي الموغل في القدم، لا فقط في العصور المسيحية ولا الرومانية، بل ترتد إلى التراث اليهودي. فقد جاء في نشيد الإنشاد المنسوب للنبي سليمان: «جميلة أنت يا حبيبتي: جميلة عيناك من وراء نقابك خداك كفلقة رمان من وراء النقاب» (4 : 1 – 4).

وقد كان كلمنت من أوائل الفلاسفة المسيحيين الذين بدأوا في شن الحملات ضد الزواج وبيان مساوئه، وهو يصور لنا آلام الطفل وصراخه عند قدومه للهالم لأول مرة لعلنا نعتبر ونمتنع عن الزواج.

• ترتوليان (160 – 230):
مع ترتوليان وصلت الكراهية المسيحية للمرأة إلى ذروتها، وتحولت إلى عقيدة تقبلها الكنيسة قبولاً عاماً. فقد كان موقفه من المرأة حقودي وانتقامي بشكل غير مألوف. وتتألف عناصر هذا الموقف على النحو التالي: تصور منحط عن غرائز المرأة ووظائفها، استخفاف من وظيفة الأمومة وانتقاص من قدرها، رعب من جاذبية الأنثى وقلق من غوايتها، والتشديد على مسؤوليتها عن السقوط.

1. حياته:
ولد ترتوليان عام 160 في قرطاجة، لأبويين وثنيين، وتلقى تعليماً أدبياً وقانونياً مكنه من ممارسة مهنة المحاماة. ويعترف بمؤلفاته أنه في شبابه قارف الزنى وتردد على أماكن الفسق والفجور. وكان كثير المجون حتى بلغ الثلاثين من عمره، فتحول إلى المسيحية عام 190، ربما أثناء مقام له في روما، فانصرف إلى التأليف في الدين، وكان ضليعاً في اللغتين اليونانية واللاتينية.

2. ترتوليان والمرأة:
لا شك أن فترة الشباب التي عاشها ترتوليان في فسق ومجون قد أصابته بتأنيب الضمير، وساهمت في تشكيل رأيه عن المرأة. وذهب في أول بحث له إلى أن النساء تحكمهن دوافع حقيرة، فالمرأة لا تهتم بإمكان الحب الصادق، أو الجاد في الزواج.

وهو لا يدين الزينة والملابس فحسب بل يدين الأنثى بصورة عامة وواضحة. فيقول: «إن أية امرأة تتحقق من وضعها كأنثى فإنها سوف تولع بحقارة الظهور سوف تسير مثل حواء، نادمة منتحبة لدرجة أنها بكل ما تحمله من ثياب التوبة والندم لن تكفّر عما ورثته من حواء أعني: خزي الخطيئة الأولى، وعار الهلاك البشري». وليس على الأنثى أن تكف عن التبرج في مظهرها، فقط بل إن عليها: «أن تعمل على إطفاء هذه المفاتن، وإهمال الجمال الطبيعي، بل العمل على محو آياته، ذلك لأن جمال المرأة الطبيعي بالغ الخطورة، لكل من يراها أو يتصادف أن يسوقه حظه العاثر للوقوع في طريقها».

لقد كان حكم الإدانة الذي أصدره الله على المرأة هو: «أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك» (تكوين 3 : 16)، لذلك يسير ترتوليان نحو القول: «ألا تعلمن أن كل واحدة منكن هي حواء، وأن حكم الله على جنسكن مازال قائماً حتى هذه اللحظة. وبالتالي فالجريمة قائمة: أنتن الباب المفضي إلى الشيطان، أنتن اللائي أكلن من الشجرة المحرمة. فالمرأة هي التي أغوت الرجل لا العكس، وأول من عصى الله، وخالف الشريعة الإلهية، وأطاع الشيطان، هذا الشيطان الذي لم يجد في نفسه الشجاعة والجرأة لغواية الرجل على نحو مباشر! لكنك أنت أيتها المرأة حطمت بسهولة ويسر صورة الله التي هي الرجل» .. «إنها (المرأة) مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة لصورة الله (أي الرجل)» .. «الصورة الإلهية في الإنسان على نحو ما تجسدت في الرجل وبسببك دخل الموت إلى العالم. وبسببك أيضاً كان لا بد لابن الإله أن يموت، فينبغي عليك أن تنتحبي على الدوام، مرتدية ثوب الحداد. أما الكسوة فأنا أنصحك أن لا ترتدي سوى أسمال بالية».

ويتساءل ترتوليان: «هل المرأة جميلة؟ تلك هبة طبيعية لا بد من طمسها، وذلك عن طريق تجاهلها وإهمالها، بوصفها أمراً خطيراً على عيون الناظرين». لذلك: «كل امرأة ينبغي عليها أن تضع حجاباً وخماراً على وجهها..». وذلك كله أمر حتمي توصل إليه بعد أبحاثه التي عبر عنها بالقول: «كلما بحثت بين النساء جميعاً عن العفة المناسبة فإنني لا أجد منها شيئاً. إن المرء قد يجد رجلاً عفيفاً بين ألف رجل، لكنه لن يجد ذلك قط بين النساء».

اتفق آباء الكنيسة بصفة عامة كما لو أن الأمر أقرب إلى البديهية، على أن الزواج يمثل وضعاً أدنى من الناحية الأخلاقية من "العذرية"، ومن ثم لا يمكن تبرير العملية الجنسية إلا أنها وسيلة لإنجاب الذرية. أما ترتوليان فقد وضع تدرجاً لترتيب النساء: «العذراء أولاً ثم الأرامل ثانياً وأخيراً الزوجات».

وقد حرّم ترتوليان النساء من القيام بعملية العماد، حيث يفضل أن يقوم بها الأسقف قبل أي إنسان آخر، ثم القسيس أو الكاهن، أو شيخ الكنيسة ثم الشمامسة من الرجال، فإذا لم يوجد أحد هؤلاء فليقم بالتعميد عابر سبيل، أو رجل الشارع، لكن لا يجوز في جميع الحالات أن تقوم امرأة بهذه العملية. ويعتمد في هذا التحريم على القديس بولس، يقول: «كيف يمكن لنا أن نصدق أن من حرم على المرأة حتى أن تعلم (يقصد بولس)، سوف يعطي للأنثى سلطة التعميد؟ لتصمت نساؤكم ولتستشر أزواجهن في المنزل..».

• القديس جيروم (345 – 420):
فيلسوف من أكبر لاهوتيي الكنيسة المسيحية في عهودها الأولى، ويقول "رسل" إنه واحد من أربعة رجال يطلق عليهم أساتذة الكنيسة الغربية (هم القديس أمبروز، والقديس جيروم، والقديس أوغسطين، والبابا جريجوري).

هاجم جيروم الجسد، بل الزواج نفسه، وإنجاب الأطفال، واعتبرها من علامات الفسق والانحطاط الأخلاقي، فهو يقول: «جسد الأنثى ليس شيئاً جذاباً بل هو موضوع قذر، وإنجاب الأطفال ليس مدعاة للبهجة والفرح بل هو علامة على الانهيار والتدهور».

ومن الأفكار الغريبة التي عرضها جيروم هي نصيحته للعذراء أن تقلع عن الاستحمام لكي تخمد "النيران النائمة"، فيقول: «أنا أعلم أن بعض الناس وضعوا قاعدة هي أن العذراء المسيحية ينبغي عليها ألا تستحم مع خصيان أو نساء متزوجاه لأن الخصيان لا يزالون رجالاً في قلوبهم، وللنساء المتزوجات نظرات نارية للعذارى. أما أنا فأستهجن الاستحمام تماماً للعذراء الناضجة؛ إذ ينبغي عليها أن تخجل من نفسها وأن تعجز عن النظر إلى نفسها، وهي عارية تماماً. فإذا ما أماتت الجسد بالصوم والصلاة وإذا ما أطفأت جذوة الشهوة وكبحت جماح حرارة رغبات الشباب بالعفة الباردة وإذا ما أسرعت بإفساد جمالها الطبيعي بالقذارة المتعمدة فلِمَ توقظ النيران النائمة عن طريق الاستحمام؟».

• القديس يوحنا ذهبي الفم (345 – 407):
من أقواله:

- «كم عانينا كثيراً من عدد لا حصر له من الشرور والآثام بسبب تمسكنا بالمرأة نعود إلى البيت ونستسلم لرغبات جامحة، ثم نعاني القلق أياماً وليالي إن جمال المرأة لهو الشرك الأعظم» .. «ينبغي على الشاب أن يبتعد عن الفتاة الشابة، مثلما يبتعد عن النار».

- وفي كراسة دينية عنوانها "نصيحة إلى تيودور بعد سقوطه" يقول فيها: «عليك يا تيودور أن تفكر بإمعان في النتائج المترتبة على ارتباطك بالمرأة، بل بالنساء عموماً، عليك أن تفكر مرتين في هذا الأمر، فكر فيما ارتكبه داوود من زنى، وفي ارتداد سليمان. ثم عليك أن تتأمل ملياً في الطبيعة الحقة لذلك الجمال الأنثوي الذي توشك من أجله أن تتخلى عن فضيلتك».

- وهناك عبارة جامعة تلخص رأي القديس يوحنا ذهبي الفم هي: «من بين وحوش البرية المفترسة يستحيل عليك أن تجد حيواناً أشد أذى من المرأة».

• القديس أوغسطين (354 – 420):
1. حياته:
كان القديس أوغسطين أعظم آباء الكنيسة الكاثوليكية ومن أهم فلاسفتها، ولد في طاجست التي تعرف اليوم بسوق الأخرس في شرق الجزائر في 13 نوفمبر عام 354، وتوفي في هبون المعروفة اليوم باسم بونة في غربي تونس في 14 أغسطس عام 430. وكان أبوه وثنياً بينما كانت أمه مونيكا مسيحية شديدة الإيمان. وكان شمال أفريقيا آنذاك ولاية رومانية يحكمها قنصل روماني يقيم في قرطاجة. درس في طاجست النحو وبعض العلوم الأخرى، وكان قد تعلم اللاتينية لكنه كره اليونانية. ثم درس القانون، واعتنق المسيحية بعد تأثره بالأفلاطونية الجديدة.
وهو يروي في كتابه الاعترافات كيف اقترف الإثم حتى في المراحل المبكرة من حياته، منها السرقة، والزنى. وقد اشتهر بمغامراته النسائية وارتكاب المعاصي والخطايا. فلما بلغ سن المراهقة، غلبته شهوات الجسد، وغرق في أتونها حتى الأذنين: «أحرقني العطش إلى الملذات الجهنمية، دفعتني وقاحتي إلى الاستمتاع بشتى أنواعها فتشوه جمالي، أصبحت قذارة أمام ناظريك».

وأخيراً استقر على خليلة واحدة، وهي امرأة غانية أحبها مخلصاً لها الحب أعواماً طوال: «اتخذت لي زوجة ولم تكن شرعية، اتخذتها إشباعاً لشهوة جامحة ولم يكن لدي سواها». وأنجبت له طفلاً وهو ابن ثماني عشرة عاماً أسماه "ابن خطيئتي" أحياناً وهبة الله أحياناً أخرى.

2. أوغسطين والمرأة:
كانت نظريته عن طبيعة الإنسان من الناحية الفلسفية أفلاطونية خالصة: فالإنسان عنده روح مسجون في البدن. أما من الناحية اللاهوتية فبما أن الله ثالوثاً (الأب – الابن – الروح) فإن صورته البشرية ثلاثية من خلال قوى روحية ثلاثية في الإنسان هي الذاكرة، العقل، الإرادة. وناقش أوغسطين إشكالية التميير بين المرأة والرجل التي طرحها بولس. ووجد مخرجاً لها في قوله: «إن الحل في رأيي هو أن المرأة مع زوجها هما معاً صورة الله وإنما جوهر واحد يشكل الصورة، أما عندما يصف الكتاب المقدس امرأة بأنها المساعد والمعين للرجل فإنه في هذه الحالة يحدد الوظائف التي تخصها وحدها، ومن ثم فهي هنا ليست على صورة الله في حين أن الرجل بذاته هو صورة الله سواء أكان بمفرده أم مع المرأة». وبتعبير آخر فالمرأة إذا نظرنا إليها على أنها روح فهي صورة الله. أما حينما ننظر إليها من حيث وظيفتها أي كجسد لوجدناها تتنتمي إلى الأمور الدنيوية وهي تكون موجود أدنى. وكلما اهتمت المرأة بالأمور الجسدية والدنيوية الزائلة فهي بحاجة إلى كابح، لذا لابد أن تكون هناك سيطرة على رأسها وهو ما يمثله الحجاب الذي يعني أن هذه الرأس لابد أن تضبط.

أما موقفه من البغاء فتمثل في قوله: «أي شيء يمكن أن يكون أكثر خسة ودناءة ويملأ الإنسان بالخزي والعار من موضوع البغايا، وبيوت الدعارة وألوان الشر من هذا القبيل ومع ذلك فلو أنك أزلت البغاء من أنشطة البشر، فسوف تجد أن الشهوة تدنس أشياء كثيرة ولو أنك وضعت البغايا بين النساء فسوف تضفي الفحش والقذارة على أمور كثيرة».

وسوف يركز القديس توما الأكويني فيما بعد على هذه الفكرة ذاتها مع شيء من الزخرفة وهي الفكرة التي سمتها ماري ديلي حكمة الذكر عندما يقول: «البغاء في هذه الدنيا هو أشبه ما يكون بنجاسة البحر، أو بالوعات المجاري في القصور غير أنك إن أزلت بالوعات المجاري لملأتها بالتلوث، وبالمثل لو أنك أزلت البغايا والعاهرات من الدنيا لملأت العالم باللواط». ومن هنا فإن القديس أوغسطين يقول: «إن المدينة الأرضية قد استخدمت العاهرات، وجعلت منهن عملاً لا أخلاقياً، لكنه مشروع أو قانوني ولعل هذا ما كان يقصده لكي مؤرخ الأخلاق عندما وصف العاهرات بأنهن أعظم حراس للفضيلة».

ويرى أوغسطين أنه في يوم القيامة سوف يطمس الجنس تماماً وتزول الشهوة نهائياً، ولقد كانت الفكرة السائدة في الكنيسة آنذاك قولهم أن صورة المرأة سوف تنقلب رجلاً يوم القيامة، فلا قيامة للسيدات مستندين إلى أقوال القديس بولس: «إننا ننتهي جميعاً إلى وحدانية الإيمان، ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل» (أفسس 4 : 13) وكذلك قوله لأن الذين سبق وعرفهم: «سبق فعينهن ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكراً بين إخوان كثيرين». فقد استنتج البعض من هذه القوال أن كل من يبعث حياً لابد أن يكون مشابهاً صورة ابنه فيكون مثل المسيح رجلاً، فالنساء على هيئة الرجال ولا سيما بأن الله قد خلق الرجل من طين، وخلق المرأة من جنب الرجل، ويقول أوغسطين في هذا: «وأنا أعتقد أن كل من يأخذ بهذا الرأي يتصور الأمر حسياً، وينسى أنه في الحياة الآخرة لن تكون هناك شهوة جنسية وهي مبعث الخجل لأن الموجودات البشرية الأولى قبل الوقوع في الخطيئة كان كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان» ... (تكوين 2 : 25)

ولم يكن في مقدور أوغسطين أن يفسر نزعة الإرادة البشرية إلى الشر بأكثر من أنها نتيجة لخطيئة حواء وحب آدم لها ويقول أوغسطين: «إننا ونحن جميعاً أبناء آدم نشاركه في إثمه بل إننا في الواقع أبناء هذا الإثم لأن الخطيئة الأولى كانت نتيجة شهوته ولا تزال هذه الشهوة تدنس كل عمل من أعمال التناسل، وبفضل هذه الشهوة الجنسية كان الجنس البشري جميعاً من الخاسرين وحلت اللعنة على الكثرة الغالبة من الآدميين...»
 -;---;--
= العصور الوسطى =

«الله خلق العالم على شكل مثلث: ضلع يحكم، وضلع يصلي، وضلع يخدم الضلعين الآخرين» - ألفريد العظيم

يعد القرن الخامس بمثابة بداية لتاريخ العصور الوسطى، حيث كانت الامبراطورية الرومانية في ذلك الوقت ضعيفة جداً، لدرجة أن القبائل الجرمانية كانت قادرة على فتحها، واتحد أسلوب الجرمان في الحياة مع أسلوب الرومان في الحياة، تدريجياً، وشكلا الحضارة التي نطلق عليها حضارة العصر الوسيط التي تمتد حتى القرن السادس عشر الميلادي.

تميزت العصور القديمة بسيطرة الوثنية وعبادة الآلهة المتعددة، أما في القرنين الرابع والخامس ظهرت وانتشرت الديانة المسيحية مع اعتراف "قسطنطين الأول الكبير" بالمسيحية ديانة رسمية للدولة. وكانت الكنيسة القوة الحضارية الرئيسية في العصور الوسطى المبكرة في أوربا الغربية. ومع أن أبناء أوربا لم يعودوا يدينون بالولاء لحاكم واحد –حيث انتشرت الإقطاعيات، ومعظم الشعب كانوا من الفلاحين الذين يعملون لدى السادة- إلا أنهم بدأوا تدريجياً يتحدون تحت ظل الكنيسة. وتولى البابوات والأساقفة وظائف حكومية عديدة بعد أن فقد الأباطرة الرومان السلطة. وجمعت الكنيسة الضرائب واحتفظت بالمحاكم التشريعية لمعاقبة "المجرمين".

وقد عانت المرأة الأمرين منذ بواكير هذا العصر الوسيط، ففي القرن الخامس الميلادي اجتمع مؤتمر "ماكون" للبحث في مسألة: هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه، أم لها روح؟ وخرج بنتيجة ان جميع النساء المسيحيات سوف يدخلن جهنم، بقوله: «إنها خالية من الروح الناجية من عذاب جهنم ، ما عدا أم المسيح». وفي عام 568 عقد الفرنسيون مجمعا لدراسة ما إذا كانت المرأة إنساناً او غير انسان، وخرجوا بنتيجة مفادها «أنها إنسان خلقت لخدمة الرجل».

ظلت المرأة ينظر لها باعتبارها قاصراً لا يحق لها ان تتصرف باموالها دون إذن ولي أمرها الرجل زوجاً كان أو اباً او أخاً، وفي حال عدم وجود أي منهم يكون كاهن الكنيسة وليها لقرون عديدة.

وذكر الفيلسوف الإنجليزي "هربرت سبنسر" أن الزوجة كانت تُباع في إنجلترا خلال القرن الحادي عشر، وقد سنت المحاكم الكنسية في هذا القرن قانوناً، ينص على أن للزوج أن ينقل أو يُعير زوجته إلى رجل لمدة محددة.

وفي آخر قرن من قرون العصور الوسطى فصاعداً، بدأ وضع قيود على عمل المرأة وباتت النقابات تضم ذكورًا فقط على نحو متزايد. وبدأت حقوق الملكية الخاصة بالمرأة أيضاً في التقلص خلال هذه الفترة.

كما درج في نهايات العصور الوسط استخدام ما يعرف بـ "حزام العفة" الذي تم ابتكاره في إيطاليا عام 1400: وهو عبارة عن حزام من الحديد والجلد له قفل، يلتف حول خصر المرأة فيغلق الفرج باستثناء فتحات ضيقة لقضاء الحاجة، حيث كان الفارس، قبل خروجه للحرب، يجبر زوجته على ارتدائه، ويغلقه ويحمل مفتاحه معه، حتى لا تخونه في غيابه.

لا بل وصل الأمر إلى درجة وضع قفل من الحديد على فم المرأة، يوضع عند خروجها من منزلها، حتى لا يدور بينها وبين الرجال حديث تغويهم به إلى "الرذيلة"!

• القديس توما الأكويني (1224 – 1274)
هو أعظم فلاسفة المسيحية في العصر الوسيط على الإطلاق، لقّب بالمعلم الجامع للكنيسة، وكذلك بـ "المعلم الملائكي" كما وصفت فلسفته بأنها سيمفونية عقلية تتعاقب أنغامها في اتساق وانسجام. وقيل عن مؤلفاته الغزيرة إنها كاتدرائية هائلة من الأفكار، حتى أعلن البابا عام 1323 أن الأكويني "قديس وأن التوماوية "منحة إلهية"، فقد وجدت الكاثوليكية في كتبه أسلحة فلسفية هامة لمحاربة الهراطقة والإلحاد واللاأدرية، ولا يزال تأثيره عظيماً في الكنيسة الكاثوليكية، وفي الفكر المسيحي عامة، إذ لم تتوقف قيمته عند العصور الوسطى، بل امتدت إلى العصور الحديثة، بدليل أننا نشهد اليوم في العالم الغربي حركات توماوية جديدة يحاول أصحابها الارتداد إلى نزعة القديس توما الإنسانية المسيحية، ويسعون جاهدين في سبيل حل مشكلات الإنسان الغربي المعاصر في ضوء الأصول العامة للفلسفة الللاهوتية التي وضع دعائمها القديس توما الأكويني.
وكان المجتمع في العصور الوسطى يتكون من الأحرار (الأعيان، ورجال الدين، والجنود، والتجار .. إلخ) ورقيق الأرض والعبيد. وكان بابا روما لبعض الفترات يمثل الله على الأرض، كما كان يسمى الأب المقدس وكان أقوى من كثير من ملوك وأباطرة الأمم الأوربية، ومن ناحية أخرى فقد أصبحت الكنيسة ونظرياتها جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لكل شخص في أوربا.

كانت القوانين الكنسية تحرم على العبيد أن يكونوا قساوسة، أو أن يتزوجوا من المسيحيات الحرائر. في الوقت الذي كان القديس توما الأكويني يفسر الاسترقاق بأنه نتيجة لخطيئة آدم، وأنه وسيلة اقتصادية في عالم يجب أن يكدح فيه بعض الناس ليمكنوا بعضهم الآخر من الدفاع عنهم. وهي آراء تتفق تماماً مع نظرية أرسطو في الرق.

وفي النظرة للمرأة، كانت قوانين ونظريات رجال الكنيسة معادية للمرأة، بل غالت في إخضاعها. فقد ظلت –كما كانت عند يوحنا ذهبي الفم- شراً لا بد منه، وإغراءً طبيعياً، وكارثة مرغوب فيها، وخطراً منزلياً، وفتنة مهلكة، وشراً عليه طلاء. وكانت حواء لاتزال مجسدة في كل مكان، فحواء هي التي خسر بها الجنس البشري جنات عدن، وهي أداة الشيطان المحببة التي يقود بها الرجال إلى الجحيم. وكان كلاً من القانونين المدني والكنسي يجيز ضرب الزوجة، وينص على ألا تسمع للنساء كلمة في المحكمة "لضعفهن" ويعاقب على الإساءة للمرأة بغرامة تعادل نصف ما يفرض على الرجل نظير هذه الإساءة نفسها. وكان الزواج قد أعطى الززوج الحق الكامل في الانتفاع بكل ما للزوجة من متاع وقت الزواج، والتصرف في ريعه.

وكان توما الأكويني وهو في العادة رسول الرحمة يتحدث عنها كما يتحدث الرهبان؛ فينزلها منزلة الرقيق، يقول: «إن المرأة خاضعة للرجل لضعف طبيعتها الجسمية والعقلية معاً. والرجل مبدأ المرأة ومنتهاها، كما أن الله مبدأ كل شيء ومنتهاه. وقد فرض الخضوع على المرأة عملاً بقانون الطبيعة، أما العبد فليس كذلك. ويجب على الأبناء أن يحبوا آباءهم أكثر مما يحبون أمهاتهم». ويحمل خضوع المرأة للرجل –بحسب الأكويني- معنى مزدوجاً: خضوع العبودية وبفضله يستخدم الأعلى من هو أدنى ويستغله لمصلحته، ولقد بدأ مثل هذا النوع من الخضوع بعد الخطيئة. وخضوع مدني أو اقتصادي يستخدم فيه الأعلى من هو أدنى لمصلحته الخاصة وللخير وهو موجود حتى قبل الخطيئة. ومن هنا كان خضوع المرأة للرجل يعود لاستحواذ الرجل على ملكة العقل، بينما تسود وتغلب العاطفة والانفعال لدى المرأة. لذا فكان لا بد لله أن يخلق المرأة من ضلع الرجل، لأنه ليس من الصواب أن تخلق من رأسه لأنه لا ينبغي أن يكون للمرأة سلطان على الرجل، كما أنه لا يجوز خلقها من قدمه لكي لا تتعرض للاحتقار من قبل الرجل باعتباها جارية. وهكذا كان أنسب مكان هو: ضلع الرجل.

وهو يرى أن دور المرأة الأساسي إنما يوجد في التناسل، فيقول: «إننا نحتاج للمرأة للمحافظة على الجنس البشري، ولإمدادنا بالطعام والشراب أيضاً، وإن كان دورها الفريد الذي لانظير له إنما يوجد في الحمل، ما دامت الأهداف البشرية الأخرى يستطيع الرجل أن يقوم بها على نحو أفضل بمساعدة غيره من الرجال». ويتابع في القول بأن الأساس في عملية تشكيل الجنين هو مني الرجل وحده، فهو العامل المؤثر الفعال في اللقاح، ولا يتعدى دور ضم الجنين في رحمها، وإمداده بالطعام وبالمواد المغذية للجسم.

ولا يخفي الأكويني نظرته الدونية تجاه المرأة بل يعبر عنها بكل وضوح بقوله: «فيما يتعلق بالطبيعة الفردية للمرأة، فإننا نجد أنها موجود ناقص، ومشوه، ومعيب، ذلك لأن القوة الإيجابية عند الذكر تتجه لإنتاج مولود يشبه الذكر تماماً. فإن جاءت المولودة أنثى دل ذلك على نقص في القدرة الإيجابية».

وفي قسم أخير من الخلاصة اللاهوتية يقتبس الأكويني –باستحسان- تأكيد أرسطو على أن النساء لا يمكن وصفهن بأنهن عفيفات، لأنهن "يتأرجحن" لعدم استقرار العقل والانقياد؛ فهن يتبعن العواطف والانفعالات الطاغية. وهو يجمع النساء مع الأطفال والمرضى والبله، ليقدم دليلاً مؤكداً على نقص العقل عندهن.
 -;---;--
= خاتمة =

لم يتحسن وضع المرأة مباشرة بعد انتهاء ما يعرف اصطلاحاً بالعصور الوسطى، بل لا نكاد نلحظ اختلافاً يذكر من ناحية مكانتها. فقد كتب بلاكستون في شروحه على قوانين انجلترا سنة 1765 يقول: «إن القيود التي ترزح تحتها المرأة، يُراد بها في الغالب حمايتها وخيرها»، ذلك أن القانون الإنجليزي يؤثر المرأة بعطف شديد، ومع ذلك فإن هذه المرأة التي أثرها القانون هذا الإيثار الشديد، حُرمتْ من كل حق مدني، وحيل بينها وبين التعليم وكل شيء، ما عدا أحط موارد الكسب، لا بل كان عليها التنازل عن كل ثروتها عند الزواج.

وحتى بداية القرن الثامن عشر كانت المرأة وفق الديانة المسيحية لا مكان لها ولا ادنى قيمة، بل تباع وتشترى، وقد جاء في القانون الانجليزي عام 1805 كان يبيح للرجل ان يبيع زوجته، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات، (بشرط موافقة الزوجة).

كما تذكر كتب التاريخ ان الكنيسة نفسها كانت تبيع النساء، وفي حادثة تقول أن إحدى الكنائس البريطانية باعت امرأة ب "شلنين" لأنها كانت تعيش عالة في بيت الرب. بل إن الأمر وصل إلى أكثر من ذلك، ففي أكسفورد وفي عام 1930 رأى زوج أن يستبدل زوجته بسيارة من طراز لاجوندا وتمت الصفة بنجاح .

استمر إرث الديانة المسيحية حاضراً وماثلاً حتى الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر ، فمع أنها أعلنت تحرير الانسان من العبودية، إلا انها لم تشمل المرأة، حيث نص القانون الفرنسي على أن المرأة ليست أهلاً للتعاقد، دون رضا وليّها إن لم تكن متزوجة. وقد جاء بنص القانون الذي جاءت به الثورة التحررية أن القاصرين هم "الصبي و المجنون والمرأة". واستمر ذلك حتى عام 1983 م حيث عدلت هذه النصوص لمصلحة المرأة.

 -;---;--
= المراجع =

- ديب علي حسن، المرأة اليهودية بين فضائح التوراة وقبضة الحاخامات
- إمام عبد الفتاح، الفيلسوف المسيحي والمرأة
- فاضل الأنصاري، العبودية – الرق والمرأة بين الإسلام الرسولي والإسلام التاريخي
- عبد الرحمن بدوي، فلسفة العصور الوسطى
- أشرف صالح محمد سيد، قراءة في تاريخ وحضارة أوربا في العصور الوسطى
- أي ستراتش، تاريخ العالم، ج 1 ص 399
- عبد القادر السيسي، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 74، المستشرقون وتعدد الزوجات ص 74
- بولس باسيلي، الحب والزواج، ص 326
- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=168218
- http://st-takla.org/
- https://ar.wikipedia.org/wiki/دور_النساء_في_العصور_الوسطى_بأوروبا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا غير دقيق
احمد علي الجندي ( 2023 / 10 / 6 - 19:28 )
-
موقف يسوع:
الحق أن موقف يسوع (الشخصية المروي عنها في الأناجيل، بغض النظر عن حقيقة وجوده من عدمها) من المرأة كان أنضج من موقف أتباعه من الحواريين والرسل والكنائس المسيحية كلها بعد ذلك ولقرون طويلة. وقارئ العهد الجديد لا يكاد يلحظ تمييزاً بين الرجال والنساء. نضرب أمثلة:
-
العهد الجديد ليس فقط الاناجيل
اقوال بوليس الرسول وغيرها من العهد الجديد !
فانت تقول قارئ العهد الجديد ولكن بعدها تقول رسله وتنسى ان العهد الجديد ليس فقط الاناجيل


2 - اخطاء المقالة
احمد علي الجندي ( 2023 / 10 / 6 - 19:33 )
-
- ورفض يسوع رجم الزناة، وجعل عقابهم إلهياً وليس من اختصاص البشر في الدنيا، وتمثل ذلك في موقفه من المرأة الزانية التي كان الناس على وشك رجمها فقال لهن: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر».
-
اولا هذا النص لا يثبت في الكتاب المقدس

ثانيا الكاتبة تقع في خطأ انها تعتبر العهد الجديد 4 اناجيل
في حين هو 27 سفر
4
منها الاناجيل ( يسوع)
و23 غير ذلك
بل لاحقا تحتج في 23
سفر او بعضها منها العهد الجديد
نفسه فعملية القول ان العهد الجديد هو كذا
امر غريب خاصة ان الكاتبة بعدها تنقل من اسفار العهد الجديد

اخر الافلام

.. حديث السوشال | بأعجوبة.. امرأة تمنع لصا من سرقة سيارتها


.. الأكاديمية والإعلامية الفلسطينية مي أبو عصب




.. الصحفية المغربية نعيمة بومور


.. صحفيات تنددن بالانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيينات خلال الحر




.. أقوال المرأة خالدة في ذاكرة التاريخ