الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف الخروج من عصر تمجيد الطاعة ؟

عمر بن بوجليدة

2015 / 2 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن نقترح أن نركن إلى أنفسنا ومعضلات راهننا ولو قليلا ، ولكن لنا أن نشير إلى أن ذلك لا يكون إلا إذا ملّنا ميلا يسيرا إلى تلمس المسالك التي سلكتها الوجهة العامة للخطاب السياسي في الإسلام والتي كانت تروم السمو بالخليفة إلى منزلة "سلطان الله في أرضه" وذلك في إطار الملابسات التي عرفتها صيرورة تطور وتحول السلطة في الإسلام وانتقالها من الخلافة إلى الملك العضوض ، وقد اتخذت "مماثلة الأمير بالإله" عدة مسالك أبرزها : تسييس المتعالي وتوظيف أدبيات الفرس والتشريع للسياسة بإصدار الفتاوى (فقه السياسة)
لقد بان مما فات أن الايديولوجيا السلطانية منقولة في معظمها عن أدبيات السياسة الفارسية و إذا مددنا نظرنا صوب ما آل إليه الحال يتضح لنا أن نقلة نوعية ، كانت قد حصلت ، وتجسدت دولة الخلافة في دولة السياسة والسلطان ، ولو تأملنا المشهد بتفصيل أكثر للاحظنا أيضا نقلة المجتمع الإسلامي من "حالة القبيلة" إلى "حالة الإمبراطورية"
وفي سياق سعيه إلى الظفر بمحددات وتجليات تلك اللحظة ، يستقصي "الجابري" الأدلة الدالة على أن هذا الإرث المفهومي إنما كان "ابن المقفّع" (= هذا الأديب الضخم ) قد انكب على صياغته ، كما يستعين ببعض نصوص "الماوردي" و"الطرطوشي" والذي ولئن كان يشتط ويرى في كل ما عدا الشريعة الإسلامية جورا إلا أنه رأى "صلاح الدنيا" في الشريعة الإسلامية وفي السياسة الإصلاحية في النموذج الفارسي على حد سواء و "الجاحظ" ، الذي ينبئنا بأن لا استقامة للرعية إلا بملكها ، إذ الملوك هم الأسّ والرعية هم البناء ، وما لا أس ّ له مهدوم ، وتستوي بلاغة "الجاحظ" - والبلاغة عند العرب هي مطابقة اللفظ والمعنى- مع بلاغة "الطرطوشي" في إبانته عن علاقة الملك بما سواه في قوله إن منزلة السلطان من الرعية بمنزلة الروح من الجسد " ، وقد قدّ من عين نسيجهم فهم يفهم على أنها ارتدت أمارات تحيل إلى الآليات العميقة التي ساهمت في تشكّل العقل السياسي الإسلامي ، وليس يمكننا حالتئذ وفي هذا الموضع بالذات إلا أن نتدبر ما كان قد أشار إليه قبلئذ : حيث تتطلب معارك الحاضر في نظره ، نقد وتجاوز السقف الذي حددته الآداب السلطانية ، داخل حدود العقل الإسلامي في العصر الوسيط ، وإلى يومنا هذا
ونحن نجد أن الخيط الرقيق للشروع في الإجابة عن وجه ما من المطلوب ، إنما يستلزم الانتباه إلى أدبيات ، ابن المقفع ، فما لا يمكن أن يكون مغفول عنه أنها لا يمكن أن تفهم إلا في سياق التبرير والتنظير لجوانب من الدعوة العباسية وخاصة لما كان يدّعيه "أبو جعفر المنصور" من كونه يصدر في حكمه عن إرادة الله حيث يترتب عن ذالك أن طاعته من طاعة الله
ونحن إذا أجدنا النظر فيما يعنيه بناء مبدأ الطاعة وصياغة محتواه بالسند الديني (تأويل بعض الآيات والأحاديث) والسند التاريخي (تجربة الحكم الفارسي) نجد أن مقصده إنما هو تأكيد رسالة الآداب السلطانية ، وقد استبان أن "الجابري" إنما يؤشر إلى أن رسالة "ابن المقفع" إنما صارت نقطة ارتكاز، تكرس النموذج الإمبراطوري الفارسي ، ويتحصل مما أسلفناه إعادة ترتيب علاقة الدولة بالقبيلة وعلاقة الغنيمة بالوظيفة ، ثم علاقة العقيدة بمبدأ طاعة الإمام ، إن هذا التلفت صوب نص "ابن المقفع" إنما يشير إلى ذلك الانزياح الرهيف نحو تحويل القبيلة إلى عسكر ، والغنيمة إلى ضريبة ، والعقيدة إلى مسوّغ للاستئثار بالسلطة ، إن هذا الإقرار إنما يوضح للتو أن تلك الاختيارات إنما كانت تخضع إلى نظيمة خفية : الإمبراطورية الفارسية . ونرى مفيدا في القصد الذي يعنينا أن نوضح أن "الجابري" إنما كان حريصا على استجلاء ذلك الحضور الكثيف لها ، في نصوص أللحقين من كتاب الآداب السلطانية .
إنه في هذا المستوى بالذات إنما يظهر لنا وجه إقدام "الجابري" على نقد بارز ينصب على محاولة لتجاوز، نطمح أن نضفي عليه صوغا أوليا ، يقضي بتفكيك منطق الخطاب السلطاني المكرس لإيديولوجيا الحكم السلطاني في الإسلام ، فلا يخفين على الأذهان أن من شأن هذا أن يلزم بالانتباه إلى وظيفتة التبريرية ، وإضفاء الشرعية على الدولة السلطانية ، وليس ما يحتاج إليه بيان أنه الحكم الذي بحث في نصوص العقيدة عما يتلاءم مع تاريخ للقهر يكون منبئا على ما به يصبح دالا على انصراف إلى قادم من التاريخ . ذلك أنه علينا أن نحترس من أن لا ننهم بالآداب السلطانية من جهة ما هي طروحات نظرية هي بالمحصلة انعكاس وجيه لرؤى متدافعة لمجال السياسي في فترات تاريخية متعددة ومتواصلة . وإذ قد تبين هذا ، فينبغي أن تناط العناية من جديد بالآداب السلطانية ذات الجذور المكينة والأصول المتينة بثقافة سياسية تنشئها المؤسسة السلطانية، كما أنه يمكن إزاحة النقاب على أنها تتبناها لخدمة مشروعها السياسي . إنها قرائن تفصح عن أشياء لم يمط اللثام عنها ، وليست الصعوبة في الوقوف عليها ، بل إنما الصعوبة تكون في محو آثارها فقد أفسدت علاقات الناس بأجسادهم وبأنفسهم ، وتلك ظاهرة مؤلمة حزينة .فقد كانت سلطة ملوك طغاة .
وما لا يمكن أن تخطئه عين المتأمل الحصيف ، هو أن الآداب السلطانية استمرت ، رافد سري ، نعثر عليه طي المتون والهوامش ، كنمط من الكتابة فصلت الكلام وأفاضت القول في التبرير السياسي المواكب لتحولات الدولة السلطانية ، وحتى يكون الأمر مستبينا نذهب إلى أنها قد بلورت خلال تاريخها الخاص نظاما من القول الأيديولوجي غايته استيعاب الشكل السلطاني في الأداء السياسي ، والدفاع عن استمراره يحرسون الدين ويسوسون الدنيا. أما تجليات هذا النظام فنستجيز لأنفسنا إيجازها فيما استحصلناه منها حيث يكون الملك مقدس ، وبالتالي فالطاعة في ارتباط وثيق بما هو ديني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 114-Al-Baqarah


.. 120-Al-Baqarah




.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah