الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية

رنا كواليت

2015 / 3 / 1
المجتمع المدني


استيقظت في أول صباح من هذا العام ولم أكن أشعر بحالة جيدة، إذ أتذكر بأن عام 2014 رحل تاركاً وراءه أحداثاً غير متوقعة، فقررت، وكعادتي، أن أذهب إلى مزار كنيسة تعودت على زيارتها كل ما احتجت إلى تصفية ذهني والتفكير في بعض الأمور الدنيوية، حيث ينعم هذا المكان الذي لا تزيد مساحته على 3 متر مربع بسلام وسكينة مميزتان.

وبينما كنت أسير متجهة إلى المزار، لمحت عددا من أبناء الجالية الفلبينية يتوافدون إلى الكنيسة الرئيسية، التي تقع في منطقة جبل عمان، وهي منطقة يقطنها عدداً لا بأس به من هذه الجالية التي تعمل في مهن زهيدة الأجر في العاصمة عمان.

وعند دخولي إلى المزار كان هنالك بضع سيدات فلبينيات يضوين الشمع ويحركن شفاههن في تلاوة صلوات وطلبات على ما بدا حينها. واستمر المشهد في خروج ودخول إحداهن أو اثنتين منهن إلى أن دخلت سيدة ووقفت قبالة تمثال للسيد المسيح في صمت وتأمل، نسيت وجودها هناك إلى أن سمعت خشخشة قروش في جيبها لثوان معدودة ثم غادرت المكان.

وبينما كنت أهم بإضاءة شمعة، لاحظت وجود 10 قروش أسفل التمثال، وهو المبلغ الذي تركته السيدة الفلبينية كتبرع للفقراء والمحتاجين. وقفت مشدوهة النظر، أتامل هذه القطعة النقدية قليلة القيمة التي بالكاد تكفي لشراء قطعة حلوى محلية الصنع سيئة المذاق، هذه الفئة النقدية التي لا تساوي قيمة عند أغلبية سكان العاصمة عمان، وخاصة الجزء الغربي منها، هذه القطعة التي بلا شك تعني الكثير لتلك السيدة المتواضعة. فلو أردنا إجراء عملية حسابية بسيطة لحال هذه السيدة فعلى الأغلب أن أجرها لا يتعدى الـ 400 دولار، أي ما يقارب 283 دينار أردني، وهي بلا شك مسؤولة عن إعالة أو المساهمة في إعالة عائلة تسكن في الفلبين. فلو فرضنا أنها تبعث بأقل من نصف راتبها، أي حوالي 150 دولار في الشهر، إلى عائلتها فيبقى لها 250 دولار لأساسيات الحياة بين أجرة منزل ومواصلات وتسديد فواتير كهرباء وماء إلى جانب الطعام، فبالتالي فإن الـ 10 قروش هي قطعة نقدية ذات قيمة لديها، وهي كل استطاعتها في تذكر من هم "أقل حظاً" منها من البشر.

مازالت صورة تلك المرأة ذات القروش القليلة قابعة في ذاكرتي، ما تنفك تطرح علي بين الآونة والأخرى أسئلة تمزج بين الوجود والإنسانية، وأخرى تدخلني في متاهات نفسي ومن أكون، وماذا أريد من هذه الحياة، وما هي أولوياتي. فلقد شكلت هذه الحادثة، وتأملي في القطعة النقدية المتروكة، يقظة من العالم المادي الذي أعيش فيه، وقلة القناعة في ما أمتلكه وأقتنيه، وسعي للحصول على المزيد من كماليات الحياة وليس أساسياتها، وكثرة وجود أشخاص منغمسين في عالم الشكليات لدرجة أصبحت العلاقات تبنى وفقاً للمادة ويحكم على الأشخاص بالاستناد إلى ممتلكاتهم، وتتخذ المادة الأولوية في حياتنا بدون وعي في أغلب الأحيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا كشف التقرير السنوي لمنظمة -مراسلون بلا حدود- عن حرية ال


.. استشهاد الطبيب عدنان البرش إثر التعذيب بعد اعتقاله




.. الأمم المتحدة: الدمار في غزة لم يحدث منذ الحرب العالمية الثا


.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to




.. مداخلة القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في غزة حول تطو