الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح في جدليات - 9 - ديك أسكليبيوس.

نضال الربضي

2015 / 3 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بوح في جدليات - 9 - ديك أسكليـبـيـوس.

---------------------------------------
"كريتو،
نحن مدينون لـ ِ "أسكليـبـيـوس" بديك!
ادفعه له،
لا تنسى!"
---------------------------------------
(الكلمات الأخيرة لسقراط بعد ابتلاعه لشراب نبتة الشكران السام، الترجمة من الإنجليزية لكاتب المقال)

"أسكليـبـيـوس" كان إله الطب عند اليونان، أعطته "أثينا" إلهة ُ الحكمة و رفيقة ُ الأبطال و ملهمة ُ الأعمال البطولية، دم َ الغرغونة "ميدوسا". "ميدوسا" كانت امرأة ً جميلة ً شُغف َ بها إله الماء و البحار "بوسيدون"، بعض الروايات تقول أنها كانت كاهنة ً لأثينا مُعتزَّة ً بجمالها. أوقعها الإله البحري في حبه، و تبادلا الحب في معبد "أثينا" فكان جزاؤها أن حوَّلتها الإلهة ُ الحكيمة إلى امرأة ٍ قبيحة المنظر، شعرُها حَّيَّات ٌ سامَّة. دم "ميدوسا" من جانبها الأيمن كان يُعطي الحياة، أما من جانبها الأيسر فهو الموت ُ الزُّعاف ُ الوَحـِـيُّ.

قــَبـــِل "أسكليـبـيـوس" دم "ميدوسا"، و كان يعيدُ الأموات َ إلى الحياة بقوة ِ طبّـِهِ و أسرار ِ حكمتِه، فاشتكى "هادس" إله العالم السفلي الطبيب َ إلى أخيه "زيوس"، قال لَهُ أن َّ الحياة َ للأبد بلا ضوابط بلا موت بلا نهاية شرٌّ كبير، ستمتلئ الأرض ُ بالأحياء، لن يكفيهم الطعام، سيصنعون َ المشاكل!

"هادس" إله ُ الموت و البؤس ِ و الكآبة ِ يناصر ُ النظام! ضد الفوضى! يتكلمُ عن الأفضل ِ و الأحسن و الأجمل! عن الخير!
عجبا!

انتظروا، عودا ً على ما هو أعجب، أليس دمُ القبيحة ِ "ميدوسا" و التي يتحوَّل ُ من نظر إليها إلى تمثال ٍ من حجر، يعيد الحياة َ بكل جمالها، إذا أخذناهُ من جانب الغرغونةِ الأيمن؟ هل هناك أعجب ُ من أي يكون َ مصدر ُ الموت هو ذاتُهُ مصدر الحياة؟ بل كيف يجتمع ُ الموت ُ مع الحياة؟!

قتلَ "زيوس" الإله َ الطبيبَ "أسكليـبـيـوس"! لم يرضَ كبيرُ الآلهة ِ أن يتحدى الإله الأقل شأنا ً قانون َ الطبيعية. تُرى لماذا كلما انحدرنا في سُلَّم ِ الألوهة ِ كانت الآلهة ُ أطيب و أكثر تعاطفا ً مع الإنسان، ساعية ً لخيره و لإطالة عمره، و رفدِه بأسبابِ الحياة ِ و السعادة ِ و المرح ِ، بينما كلما صعدنا نحو كبير ِ الآلهة ِ الذي هو مصدرُ الحياة اقتربنا أكثر من الموت ِ و الحُزنِ و الألم ِ و التفجُّع ُ و الفاجعات؟

هل نقول ُ مطمئنـّـِين َ أن الآلهة الأقل شأنا ً تفقد ُ من خصائصُ الألوهة حينما تكتسبُ الحُبَّ من قلب الإنسان؟

هل إذا ً إن َّ الخلود َ هو حُلمُ القلب المُحبِّ البسيط ِ الساذج، الذي لم يتمرَّس في خفايا الوجود و لم تنكشف أمامَه أسرارُ الحياة، بينما الموت ُ هو الحكمة ُ النهائية التي نجدها بعد الاختبار و المعاش ِ و التفاعُل ِ و سبر طبيعة ِ تحولاتِ الكائنات ِ و الكينونات؟

هل إذا ً نستطيع ُ أن نقول َ أن السعادة َ و الحياة َ و الحبَّ و المرح َ و الجمال َ و الاستمراريَّة َ الدافِئة َ المُطمئنَّة َ خيالات ٌ مشروطّة ٌ بسيادة ِ السذاجة ِ و الوهم ِ و البساطة ِ و انعدامِ أو قلَّة ِ الاختبار و انعدام ِ أو قلَّة ِ تفاعُل البشر و الكائنات ِ و الكينونات ِ مع بعضهِا البعض؟

"سقراط" المُعلِّم ُ و الحكيم، بعد ابتلاعِه شراب السُّمِّ و حينما بدأ يشعرُ بتصلُّب أطرافِهِ السُّفلى و اقتراب الموت ِ من قلبه، قال ما قال، هو المقالُ الذي حارَ فيه من احتارَ و هم كُثُر، حتى اتفقوا أنه يُعطي وصيَّة ً أخيرة ً بتقديم ديك ٍ ذبيحة ً لإله الطب، لأنه شفاه.

شفاه ُ من ماذا؟!

شفاه ُ من "الحياة"، بالموت!

إذا ً يرى "سقراط" كمحصِّلة ٍ نهائيـَّة ٍ أن الحياة َ مرض ٌ لا شفاء منهُ إلا بالموت، و هو الذي كان يُعلِّم ُ عن السعادة و الخير و الحقيقة. و ربَّما انَّهُ قدَّم َ في موته حكمة ً أخيرة تُضافُ إلى فلسفتِه ِ لا تُلغيها و لا تُقدَّمُ عليها، فهي جزءٌ منها رافدٌ لها، فلا يجب ُ أن يُفهم أبدا ً أن سقراط ينقلبُ على نفسه و إرثه، لكن يُفهمُ أنه يستغلُّ لحظته الأخيرة في تزويد ِ بنائه الفكري بدعامة ٍ جديدة تشكِّل ُ مع دعاماته السابقةِ صرحَها كاملا ً.

أمَّا أنا فأرى أن الحياة َ بكل ِّ ما فيها ثمينة ٌ و خلَّابة ٌ في جوهرها الوجودي، تستحقُّ أن تُعاش
بجمالها و قبحها
بقوتها و ضعفها
بتألُّقها و خُبوِّها
بارتفاعها و وضاعتها
حتى تمامِها!


أطمح ُ حينما تأتي ساعتي أن أقول َ "واوووووو كانت رحِلة رهييييييييييـــبة بتجنننن! أودعناكُم!"

ثم َّ أُغمضُ عيني للأبد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ/نضال الربضي
شوكت جميل ( 2015 / 3 / 2 - 23:07 )
تحية طيبة أخي الكريم
ما زلت تنقب في أساطير الإغريق التي تتجلي بها طفولة الإنسان و أسئلته الأساسية...و ما برح الإنسان مهموماً بها،اليوم كالبارحة و لم يتجاوزها..غير أني ،لم أحب -حادس-يوماً،برغم كل شيء!
نعم الموت-مقدورٌ-و لكنه ليس-حتف الأنف-..إستدعت مقالتك ،من الذاكرة،قصيدة-الموت و الحرية-لصلاح عبد الصبور؛فعدت إليها:
فلو عاشَ الذي ماتا
فأين يعيشُ من وُلِدا؟
أقول لكم بأن الموتَ مقدورٌ،و ذلك حقْ
و لكن ليس هذا الموت حتف الأنفْ
تعالوا خيّروا الأجيال أن تختار ما تصنعْ
لكي توسعْ
لمن يتبعْ
فلن تختار غير الموتْ!
و هل من مات لم يترك لهُ رسماً على الجدرانْ
و خطاً فوق ديباجهْ
و ذكرى في حنايا قلبْ
و حفنة طينةٍ خصبهْ
على وجه الفضاء الجدبْ
و ما الإنسانُ_إن عاشَ و إن ماتَ_و ما الإنسان؟
أخلص تحياتي،و في انتظار المزيد من بداعاتك الراقية الأنيقة.


2 - فلو عاش الذي مات فأين يعيش من وُلِد؟
ليندا كبرييل ( 2015 / 3 / 3 - 03:06 )
الأستاذ نضال الربضي المحترم

تحياتي لحضرتك وأوجه تحيتي للأستاذ شوكت جميل الذي تفضل بعرض قصيدة الشاعر عبد الصبور فوجدت في الجملة أعلاه ما يتردد في نفسي

يجب أن نكون متواضعين في قبول منطق الحياة والموت
لا يستطيع الإنسان أن يتصور فناءه الأبدي فأخذ يخترع قصصا وأساطير تهوّن من وقع الموت على نفسه

نحن لا ندري كم نهدر من الحياة في التفكّر بالموت والزوال
فكل لحظة مضت تقربنا من الموت الذي هو الحقيقة الوحيدة اللاجدال فيها

والحياة حلوة بالتأكيد،وأتمنى مثلك لو أتت ساعتي أن أستقبل موتي بهذه الانشراح
لكن الموت يأبى إلا أن يفاجئنا بطرقه غير المتوقعة
....
أكلنا وشربنا وضحكنا وحلمنا بالمستقبل الذي سيجمعنا في مشروع علمي واحد.. وأذكر من جملة ما يردده دوما: يسألوني عن سر سعادتي فأردّ إن الحياة قصيرة وأعلم أني سأموت لذا أحياها بكل ذرة من كياني
ثم غادرنا هذا الصديق متوجها إلى سنغابور على طائرة طيران آسيا فراح في موت مأساوي

كان من المشهود له عشقه للحياة وللعلم والعمل على خلق كل جميل في حياة من حوله
هل فكر في اللحظات الأخيرة والطائرة تهوي فيها نحو البحر بكلمات سقراط الذي كان يعتبره المعلم الأول؟

تقديري


3 - الأخ العزيز - شوكت جميل
نضال الربضي ( 2015 / 3 / 3 - 05:05 )
أهلاً بصديقنا المفكر الجميل و الباحث في أصول الأشياء شوكت الجميل كاسمه،

نعم ما زلنا في المربع رقم 1، الحياة، الغاية، الموت، ما بعد الموت، النظام: ماهيته، نتائجه بعد الموت، الخلود.

كأننا نرى الحياة كل يوم لأول مرة، نسأل نفس الأسئلة و نجتر نفس الإجابات، لنسأل و نجتر بدون نهاية.

أرى أن جملة القصيدة الأخيرة -و ما الإنسان إن عاش و إن مات و ما الإنسان؟- تلتقي مع قول صاحب المزمور -من هو الإنسان حتى تذكره؟ و ابن آدم حتى تفتقده؟- (مزمور 8 آية 4).

كما أنها تنسجم مع دلالة ِ حدبث ِ الشخصية الغامضة الإلهية البشرية -إليهو- (معنى الاسم: هو الله) و التي نجدها في سفر أيوب، تعاتبه قائلة ً:

5 انظر إلى السماوات وأبصر، ولاحظ الغمام. إنها أعلى منك

6 إن أخطأت فماذا فعلت به ؟ وإن كثرت معاصيك فماذا عملت له؟

7 إن كنت بارا فماذا أعطيته ؟ أو ماذا يأخذه من يدك؟

8 لرجل مثلك شرك، ولابن آدم برك

(أيوب فصل 35 آيات 5 - 8)

يحمل الدين في طياته بذور اللادين، فهو يقول لذي العين ما يقوله علماء اليوم، بأننا نصنع الغاية بأنفسنا و أن السعادة هي بين يدينا.

بعضنا يختار أن يبقى نائماً. سعيد ٌ أننا استيقظنا!


4 - العزيزة ليندا كبرييل
نضال الربضي ( 2015 / 3 / 8 - 08:34 )
نهارا ً طيبا ً أيتها العزيزة ليندا،

أعتذر لتأخري في الرد، بسبب سفري، حيث أنني عندما رددت على تعليق مفكرنا الجميل شوكت لم يكن تعليقك منشورا ً بعد، كما و أنني لم أستلم تنبيها ً إلكترونيا ً على مقالي لأي من التعليقات الموجودة على الصفحة و لا أعلم السبب لذلك، ربما خطأ تقني.

كم آلمني خبر صديقك ِ الذي خطفته يد الموت، و لا أعلم هل فكر في سقراط أم لا و هو يلتقي بنهاية دورة الحياة البيولوجية، لكن ألا يجب أن نسأل ربما إن كانت تلك اللحظة النهائية تستحق أن نسأل عنها إذا ما قارنها أو قابلناها بحياته كاملة ً في الفرح و الحب و التفاؤل؟ أليس أن تلك الحياة العميقة َ التي عاشها تجعل من سؤالنا عن لحظته الأخيرة بلا قيمة استدلالية طالما أن الحياة من يصوغنا لا الموت؟ أليس هذا ما نحيا بموجبه؟

يا صديقتي العزيزة يسألني أطفالي: بابا ما بتخاف من الطيارة؟ فأبتسم و أجيب: لا، لإنو الحياة ما فيها ضمانات، لكن فيها الحب.

هكذا أحيا و أتمنى أن أستطيع أن أبتسم عند لحظة موتي و ألا يفاجئني الموت، لكني و كما أعرف حماستي أقول لك ِ إن جسدي سيتشوق للموت عندما يحين كما تشوق للحياة، لكن فقط عندما يحين!

احترامي و مودتي!

اخر الافلام

.. أنباء متضاربة عن العثور على حطام مروحية الرئيس الايراني


.. العراق يعرض على إيران المساعدة في البحث عن طائرة رئيسي| #عاج




.. التلفزيون الإيراني: لا يمكن تأكيد إصابة أو مقتل ركاب مروحية


.. البيت الأبيض: تم إطلاع الرئيس بايدن على تقارير بشأن حادثة مر




.. نشرة إيجاز - حادث جوي لمروحية الرئيس الإيراني