الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقبيل أيادي المسئولين .. بين تواطؤ المشايخ وخرس المثقفين

الشربيني عاشور

2005 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



مشكور جدا الملك عبد الله بن عبد العزيز على قراره إلغاء تقبيل الأيادي والانحناء للمسئول باعتبار أن انحناء الإنسان لا يجب أن يكون إلا لله تعالى . لكن شكرنا للملك عبد الله بن عبد العزيز لا يعفينا من تأمل الخطأ الذي كان مستمرا لعقود طويلة والذي كان سيتمر لولا أن أصدر الملك عبد الله قراره .

إن تأمل هذه المسألة يطرح أولا ذلك التساؤل المشروع : لماذا لم تصدر هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية فيما سبق فتوى بتحريم تقبيل أيادي كبار المسئولين والانحناء لهم ، ولماذا لم يسع هؤلاء المشايخ الذين لم يتركوا شيئا إلا أوسعوه إفتاء إلى مطالبة المسئول بذلك مادام الأمر ينطوي على شيء من ( الحرمانية ) التي توجب عدم الانحناء إلا لله ؟ وهو المبرر الذي أطلقه الملك عبد الله بن عبد العزيز لإصدار قراره .

ثانيا : لماذا لم يجرؤ أحد من المثقفين والكتاب والإعلاميين وحملة مشاعل التنوير السعوديين على المطالبة بمنع تقبيل الأيادي والانحناء للمسئولين حتى ولو لم يكن بدافع ديني ؟ هل يمكن أن نقول إنها الغفلة أو استصغار المسألة وعدم رقيها للدرجة التي تصبح فيها مطلبا وطنيا واجتماعيا . أم أنه القهر والظلم الذي شربته وتنفسته الشعوب العربية حتى امتلأت بالخوف والرهبة من المطالبة بالتغيير والحفاظ على كرامتها بدءا من أبسط الأمور الشكلية وانتهاء بأعقد الأمور الجوهرية .


إن قرار الملك عبد الله بن عبد العزيز بكل تأكيد هو تعبير عن رغبة دفينة لدى الكثير من فئات الشعب السعودي ولكنها ظلت رغبة خرساء سجينة في الصدور والعقول لم يجرؤ أحد على النطق بها أو الإشارة إليها وهنا تكمن إشكالية التغيير في عالمنا العربي السعيد .. هذا التغيير الذي لا يأتي دائما إلا بما يشبه المنحة أو المكرمة من أعلى قمة الهرم في السلطة الحاكمة ولا ينبع إلا في حالات نادرة من القاعدة الشعبية. ومن ثم تظل هذه الجماهير في انتظار ما تجود به يد الحاكم من هبات ومنح ، وتظل أيضا رهينة وعيه الخاص والعام بمطالبها واحتياجاتها وهو جزء كبير من مآسي هذه الشعوب التي ترتهن لحكامها فتصبح هي ونصيبها إن أحسن الحاكم تلقفت إحسانه بالشكر والثناء وان أساء تلقت إساءته بابتلاع قهرها والانكفاء على جراحها وأبلغ ما يمكن أن تفعله في هذه الحالة هو التنفيس عن نفسها بالسخرية وإطلاق النكات أو ابتلاع حبات الصبر على المكتوب إلى أن يأذن الله بالفرج . . في حين أن العكس هو الصحيح أو ما يجب أن يكون أي أن تأتي قرارات القمة استجابة لإرادة الجماهير ومطالبها

إن قرار الملك عبد الله بقدر أهميته حتى وان كانت المسألة شكلية في الغالب ( يمكن تأويل الانحناء على أنه طوعي ويقصد به التقدير والاحترام وليس الشرك بالله أو اعتباره إرثا ثقافيا كما في اليابان ) إلا أنه يفضح تواطؤ المؤسسات الدينية لا في المملكة العربية السعودية وحدها ولكن في كافة البلدان العربية والإسلامية التي تنطوي على كثير من الأخطاء المشابهة والمتعلقة بالحرمانية أو بكرامة الشعوب وعزتها دون أن تحرك ساكنا أو تعلي صوتا للمطالبة بالتغيير كما أنه يدين خرس اللسان الثقافي لطلائع هذه الشعوب من المثقفين ونومهم الشديد في العسل إلى أن يأذن الله بالفرج ، ويرسل حاكما يجيء بما تشتهي وهنا تصبح مهمتها هي التهليل والتنظير والتطبيل لعبقرية القرار وبطولة صاحبه !

الإشكالية الكبرى إزاء تواطؤ المؤسسات الدينية وخرس اللسان الثقافي للطليعة وغياب الصوت الجماهيري أمام هكذا أخطاء ومطالب هي ما يمكن أن يترسخ في ذهنية بعض الحكام بأن ما يفعلونه إنما هو من باب المنح والعطاء والإكرامية وليس حقا من حقوق الشعوب التي يحكمونها بموجب العقد الموقع بين هؤلاء الحكام ومحكوميهم سواء أخذ هذا العقد شكل البيعة أو الاستفتاء أو الانتخابات الحرة المباشرة . وهي مسألة لا نعدم أمثلتها الحية في تاريخنا العربي إذ يمكن تمثلها في مقولة الخديوي إسماعيل لأحمد عرابي ( ما أنتم إلا عبيد احساناتنا ) أو صراخ جمال عبد الناصر في وجه الجماهير المحتشدة ( لقد علمتكم العزة والكرامة ) على ما ينطوي عليه المثالان من إحساس بالفضل والتفضل وما يفضحانه من ذهنية المنح والإكرامية !










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah