الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ضرورة التركيز على بنية الفكر الإنساني في الدين

عماد صلاح الدين

2015 / 3 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في ضرورة التركيز على بنية الفكر الإنساني في الدين
عماد صلاح الدين
إن الشرائع السماوية، وفي القلب منها الإسلام كشريعة خاتمة، جاءت جميعها لتؤكد وتطلق المفهوم الإنساني، باعتبار نوعه لا عدده الكمي من عقاله وقيوده المادية الدنيوية أصلا، والاستحداثات الإنسانية عليه؛ من ظلم واستعباد واستبعاد وتمييز وغيرها.
إنها جاءت لتصويب المسار الخاطئ، الذي طرأ على الفطرة الإنسانية السليمة أساسا خلقا وتكوينا .
إنها رسائل وتشاريع البنى الأساسية، وذات الأولوية في الحرية والكرامة والمساواة والإحساس الذهني والعملي بإنسانية الإنسان، كمخلوق مكرم ومميز عن بقية المخلوقات الأخرى، بما فيها الملائكية والجنية .
والوقع بخصوص انحدار، ومن ثم انحطاط الجانب القيمي والأخلاقي، وتجلياته العملية (كمنظومة أخلاق عملية) ينتج عنها مشروع حضاري ذو أبعاد ثقافية وإنسانية مادية ومعنوية، هو في الأساس واقعان ؛ واقع زاغت فيه الفطر الإنسانية وتجاربها العمومية عن جادة الصواب القائد، نحو أولويات بنية الإنسان الذهنية والتمييزية الكلية؛ فردا وجماعات ومجتمعات، في الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية النسبية .
والواقع الآخر؛ واقع زاغ فيه الناس فطرة ودينا مرشدا(كمنظومة أخلاقية عليا مطلقة )من خلال المعتقد والشرع السماوي عن جادة الصواب الواقع بين المنظومة أعلاه، وما بين الذهن الاجتهادي الإنساني بعد حقب ممارسية زمنية بعينها، كما هو الحال مع التجارب الإنسانية عموما صعودا وارتقاء، ومن ثم تدريجيا نحو الانحدار والهبوط.
إن مسألة الإصلاح والعودة بالأمور إلى نصابها في الأولى أسهل من الثانية، وان كان في كلا الحالين صعوبات جمة وتعقيدات غير يسيرة، ينبغي على أي حال تجاوزها وتخطيها؛ للعبور إلى بر الأمان.
ذلك أن حالة الانحطاط الإنساني في الحالة الأولى، وضمن مساق غياب منهج الأولويات الحاكمة والضابطة، المسيرة لمسيرة إرادة العمل والنجاح الإنساني المقصود والمطلوب، في بعدها الإنساني الفطري المجرد من حضور العقاد السماوية وتشريعات أو توجيهات أديانها، يترتب عليها مظلوميات وانتهاكات وجرائم بحق الإنسان، من عبودية واستبعاد وتمييزية وفصل مادي ومعنوي بين الأجناس والأعراق وغيرها، يترتب عليها كبيئة إنسانية اجتماعية حياتية كاملة، في سياق انقلاب الأولويات المستهدفة لصالح الشكل والهيكل كحضور فارض ومثبت للآخر، لا لصالح البنى المكونة للنسق الإنساني الكريم، وبالتالي ما يتوخى ما ينتج عنه من أشكال ومضامين الحضور الحضاري المبدع والراقي في آن واحد. ولكنه انقلاب يبقى محصورا إلى حد ما (لان المجتمعات بفطرتها، تبحث حاجة التدين والإيمان بالأفكار واعتناقها، فوق مادية، ومتجاوزة لعالم المادة والمحسوس)في حضور الشكل والنسقيات المادية السطحية، بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى النفسية بطبيعة الحال.
بحيث تكون التبريرات والديباجات التاريخية الطقوسية والتهويمية، ومجمل ما تم انجبال الناس عليه من عرف وعادات وتقاليد خاطئة، ومنافية للفطرة والذهنية الإنسانية المفكرة، وكذلك لأبسط بديهيات الفكر العلمي المنهجي، بالإضافة إلى مرتكزاته الأساسية في الانطلاق والمبادأة، والتفاعل الفاعل، وبالعموم مجمل التعامل الإنساني العلائقي.
إنها التبريرات والديباجات أعلاه، التي تنطلق من قضايا تفصيلية وثانوية عملية شكلانية وغير عملية؛ لتجعلها أساسية وذات أولوية، وهي بدون أساس ولا حتى منهج نسقي بالأولويات الإنسانية. كل ذلك في النسق الإنساني العام أفرادا ومجتمعات. وتبني عليها تصورات ورؤى وأفكارا تنقلب من ثم إلى قرارات وأحكام تشريعية وقانونية وعلاقات مع الغير، ومنها ما يعتبر في تنزيل حكمه الأرضي حكما ابتدائيا أساسيا لا رجعة فيه ولا جدال أو نقاش، ليصبح الواقع الإنساني هو المفكر والذهن الإنساني هو مجال التفكير الخاضع والتابع.
ولذا كانت في الحضارات المادية (ذات النسق الأحادي المادي)قديما في روما وإسبارطة واليونان وفارس وغيرها أن العبد عبد بالطبيعة والأصالة والحر لأنه حر كذلك، حتى أن هذه الأفكار كانت لدى فيلسوف ومفكر عظيم كأفلاطون وأرسطو طاليس، برغم حالة اليوتوبيا في جمهورية الأول ودولة القانون عند الثاني .
وفي حالة المجتمعات التي تنزلق تدريجيا نحو الانحطاط القيمي؛ ذهنيا وعملا لاأخلاقيا، نظرية ومفاهيم وتجليات عملية في انساق مادية حضارية متعينة، بعد تحولات وانحرافات عن المبادئ الثابتة التوجيهية، في رسوخ المعتقد، وعن الأولويات أو كمبادئ توجيهية في سياقات الاجتهاد الإنساني اللانهائي حتى قيام الساعة، ضمن منظومة القيم والأخلاق والثقافة والممارسة الحضارية النابعة من ركائز المنطلق الإنساني، كمفهوم نوعي بمرجعية العقيدة الإيمانية والتشريع، أو المبادئ الأساسية السماوية الحاكمة والضابطة لجماعة إنسانية متعينة. ولعل النسق الإسلامي ألمبادئي المتكامل اجلها وأجلاها تغطية واشتمالا؛ في النظر الزمني والديني الأخروي، المتطلع إليه بأمل الإيمان والعمل الصالح.
ففي مثل هذه الحالة أعلاه، ولنا تجربة مع الممارسة الغربية (الأوروبية) للمسيحية بكافة مذاهبها وتفرعاتها؛ كاثوليكية كانت أو بروتستانتية، أو أرثوذوكسية تحديدا في العصور الوسيطة ؛ كيف انه حينذاك استخدمت التبريرات والشكليات والديباجات الدينية، اضافة إلى ما هو مدبج ومفصل ضمن منطلق ثانوي لا أساسي، بل ووهمي (افتراء على الديانة نفسها وكذبا، من تفاصيل الوقائع الإنسانية، ومن أعراف وعادات واختلاقات غير سوية، سواء في تبرير الاعتداء على إنسان الداخل واستغلاله في أوروبا، من خلال صكوك الغفران، ولاحقا محاكم التفتيش، واستعباد الناس، ونهب ثرواتهم، وتحجيم أمالهم وقدراتهم على التفكير والإبداع، بل و مجمل قدراتهم الإنسانية ككل، أو الاعتداء وغزو وشن الحروب غير الشرعية، على المجتمعات الإنسانية الأخرى ودولها، كما هو الحال فيما يسمى بالحروب الصليبية(حملات الفرنجة) ضد العرب والمسلمين، بل ومسيحيي الشرق، وبعض اليهود في الشام وبيت المقدس في فلسطين.
أو حتى فيما يتعلق بالحروب البينية بين الإمارات والدول والممالك الأوروبية نفسها، وعلى مدار عقود طويلة من ذلك الوقت.
كذلك الحال بخصوص التحريفات والتدوينات بخصوص الديانة اليهودية، بحيث أصبحت عبارة عن طبقات جيولوجية متراكمة مختلفة ومتنوعة، عبر أزمنة وحضارات مختلفة، غلبت عليها أشكال وانساق وثنية، واثنيه حلولية وتمييزية عنصرية، بررت أوضاعا سيئة اجتماعيا واقتصاديا، أو غيرهما بالنسبة للجماعات اليهودية، وهي بعيدة عن الجوهر في الديانة اليهودية الصحيحة؛ كديانة توحيدية، وعن جوهر الرسالة الأخلاقية والإنسانية فيها، حتى أصبحت تلك الجماعات من اليهود –تحديدا- في أوروبا عموما وفي شرقها خصوصا، في القرن الثامن والتاسع عشر جماعات وظيفية تجارية ومالية منعزلة ومعزولة ومكروهة من الوسط الاجتماعي الغربي الذي فيه تتواجد، وان كانت لا تنتمي إليه والحال هذه، إلى أن أصبح هذا الشكل من التدين الخالط والمغلط في الأولويات؛ بالنظر إلى الإنسان ونوعه، وماهية رسالته وهدفه، وسيلة لبث معتقدات لا أساس لها من الصحة، بالعودة إلى ارض الميعاد، واستعمار ارض فلسطين، كوسيلة خادمة وضامنة للغرب الأوروبي، وتاليا الولايات المتحدة الأمريكية، في مصالحه في المنطقة العربية الإسلامية؛ حين تم حوسلتهم(تحويلهم إلى وسيلة)استعمارية استيطانية مرتزقة.
والنتيجة التي أريد الوصول إليها، هي أن التمسك بشكل الدين والتدين المجرد، يؤدي إلى نتائج كارثية؛ على صعيد الإنسان وعلاقته بالمجتمع، وعلاقة المجتمع بالمجتمعات الإنسانية الأخرى.
وليس بالضرورة، أن يكون هذا الشكل التديني صحيحا، من الناحية النظرية على الأقل؛ لان في غياب الأولويات التي يوليها الإسلام للحرية والعدالة والكرامة ومبدأ الشورية (تداول السلطة سلميا وغيرها)، قد يكون هذا الشكل منحرفا في كثير من النواحي والتفاصيل، ويغلب عليه نوع من مختلف الشعوذات والخزعبلات، وما يرتبط بذلك من أوضاع عملية وحياتية، في السياسة والاجتماع، خطيرة جدا.
وحتى على فرض أن التمسك بشكلية التدين المجردة، كانت صحيحة، فان النتيجة ستعود إلى الأوضاع أعلاه؛ إذا لم تكن هناك لا أقول انسجاما، وإنما اتحاد حقيقي بين هذه الشكلية الصحيحة أساسا، وبين مضامين الفكر الإسلامي الحاثة والداعية، إلى مفاهيم الحرية والمساواة، والعدل الاجتماعي والمادي؛ الاقتصادي والسياسي .
ولذلك، فان الرسول صلى الله عليه وسلم أمضى ثلاثة عشر عاما، وهو يدعو إلى المفاهيم التي تقوم على العقيدة الإسلامية، والتي جاءت لتخرج الناس من عبادة العباد والأوثان وجور الأديان والسلطان إلى عبادة رب العباد، والى رحابة الإسلام في واسع حرياته وكراماته على الإنسانية جمعاء.
ولذا، فالدعوة اليوم مهمة ومهمة جدا، في التركيز على البنى الأساسية، التي يقوم عليا بناء الإسلام العظيم، المتمثل في تعريف وتقرير لأهمية وماهية المفهوم الإنساني، والوسائل المطلوبة لإطلاق حريته، وبالتالي تمتعه بكرامته، في منظومة أخلاقية ميزانها العدل، باتجاه تحقيق أهدافه في الإنسانية والتميز والإبداع.
إن التركيز المطلوب، على الفكر الإسلامي القائم على معتقد الإله الواحد، وإنسانية الإنسان، وعلى ضرورة وواجبية مراعاة الأولويات الذاهبة قدما، نحو إنضاج هذا الإنسان المؤمن العامل المتمسك بالحق والصبر، حتى يستقر في الأذهان والوجدان الشكل والملبس الصحيح لتميز صورة المؤمن، منسجما مع سلامة بنيان الإنسان الراقي؛ في العلم والثقافة، والعمل، ومجمل النشاط الإنساني في غير مجال.
ولذا، فان الضرورة باتت ملحة في تفعيل وتنشيط بنية الدين الإسلامي، كمعتقد وثقافة، وفكر لتتفاعل معها بنية الإنسان، المهيأة أساسا وجدا، لهكذا تفاعل خلاق ومبدع.
إن السياسة كمفهوم ذهني توليدي في عقل الإنسان ابتداء، ومن ثم اتحادا مع المجتمع كله، وكذلك لكونها جامعة لمجالات الحياة المختلفة، وداخل فيها منشط الاقتصاد والاجتماع والتعليم والثقافة وغيرها، وكلها تقع في بنية الدين (الفكر الإسلامي)، المرشد لسلامة الإنسان في بحثه عن بر الأمان والوصول المنجي.
فانه حري، أن تكون لهذه المراجعة والتركيزية، دور في توجيه جملة النشاط السياسي الجامع، في تحقيق الهدف الوطني الفلسطيني، في التحرر وتقرير المصير، عبر الفهم الصحيح للصراع العربي الإسرائيلي، بأبعاده الكولونيالية الاستعمارية، وما يرتبط به من موضوعات إنسانية وعملية، تنظر للصراع على انه صراع قيمي أخلاقي حضاري، بأسس ومضامين فكرية إسلامية صحيحة، تعلي الشأن لحقيقة النفس الإنسانية وكرامتها، لا لأشكال مبتدعة من الديباجات والأشكال الأسطورية، لا علاقة لدين توحيدي بها، وهو منها براء كل البراءة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسلمون في الهند يؤدون صلاة عيد الأضحى


.. عواطف الأسدي: رجال الدين مرتبطون بالنظام ويستفيدون منه




.. المسلمون في النرويج يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك


.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟




.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع