الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يشرعن و يقمعون ، و المرأة تبلغ نهاية مصيرها العادل

رضا لاغة

2015 / 3 / 6
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


منذ أيام خلت قطع رأس تمثال الطاهر الحداد تاركا وراءه بصمة التكفير الوهابي المكتوبة بعنف جنائزي ختمه لا يعرف استرضاء للفكر . الرأس كان مهشما ملقى في الأرض و كأنهم أسقطوا الحاجز الذي يحتمون به ضد الحداثة، فالرجل حداثوى و اسمه ، شهادة ميلاد لحرية المرأة في تونس و المرأة العربية عموما. هم يجهلون تحصيل سيرته المستقبلية وهو يفتح أفق المستقبل الذي يتناقص تحت خطر التعصب و الانغلاق . كان يقول: الإسلام ثورة على القديم ،و نداء للتحرر من تقليد الآباء و الأجداد و بعث لحياة التجديد و التوليد . و لكن المسلمين هم من حولوه ــ بتقديس أسلافهم و احتقار أنفسهم ـ إلى سد يفصل بينهم و بين الحياة" ( ماي 1933).و لأن اهتمامه كان موجها للمرأة منذ سن الشباب ،ترمي هذه المحاولة إلى رفض حدث المنع الإكراهي . في هذه اللحظة التي لا تزال الذهنية العربية سجينة استهواء التغرّب العكسي للحداثة و ضمن لحظة معيارية تزعم فيها حركات الهوس التكفيري أن لها نظم فكرية تمتلك آليات الضبط النسقي لتبرير صنيعهم.
و أنا أجد في هذا الوقت المتعيّن لعيد المرأة ( 8 مارس) ما يشبه الرأي الذي نتج عن مبدأ المناصفة في انتخابات تونس بعد الثورة. هذه النمذجة الديمقراطية اكتسبت وزنا في الساحة السياسية . فهي تتم وفق نموذج سلوكي اجتماعي و قيمي و حتى ذهني يقلّص من درجة الغبن المسلّط على المرأة في مجتمع سمته البارزة الذكورية. و لكنني ، و بمنطق البحث الذي يبتعد عن السوبرنيطيقا و الدعاية السياسوية ، أدركت أنه مجرد إجراء تقني هو في اعتقادنا ينضبط لنفس آليات الاحتواء المعمول بها في النظام السابق. و نقصد بذلك اختلاق صورة تسويقية لديمقراطية قشرية خالية من أدنى مضمون يذكر. و تحضرني هنا إشارة مايكل زيمرمان إلى روث سايدل حين استهلت كتابها " النساء و الأطفال في المقام الأخير" برواية غرق سفينة تيتانيك غير القابلة للغرق. "و يا للأسف كم تبدو الصورة المشهدية للفيلم السينمائي ، الذي نال شهرة غير مسبوقة، مزورة "1 لقد سكتت عن الحقيقة و نسجت لنا تراجيديا الفداء لتغدو المأساة فرحة و الموت ميلاد جديد. و لكن حين يتكلّم النص يتبدّد الضباب الذي يوشّح الواقعة على مأساة تهزّ الأفئدة في زمن شاءت فيه الأقدار أن تحتبس أنفاس النساء و الأطفال أولا ، فقد كانوا في الصف الثالث.
إن إنقاذ النساء في تلك الليلة المرعبة بدا في المقام الأخير، و نخشى اليوم أن يكون من ينادي بحرية المرأة هو الغشوم . لنصغ إلى قول الشاعرة سميرة أغاسي ( رئيسة قسم الإنسانيات في الجامعة اللبنانية) : " على المرأة انتظار الفرج عندما يقرر الرجل ذلك".
و إذا سلمنا بأن الحداثة على حد تعبير كريستيفا أوسن في مقالتها " زمن النساء": " تمثل ولادة جديدة للمرأة" لأنها خرجت من دائرة الخضوع للسلطة إلى ممارسة العمل السياسي فنالت الحق في الانتخاب فان الدعاية الساحرة التي تضمنها المرسوم عدد 6 المؤرخ في 18 فيفري 2011 يعيد إنتاج ذات الخطاب الذكوري المتحيز و لكن بأسلوب متحايل . ورد في الفصل 15 من الباب الثاني الخاص بالترشحات ما يلي: " تقدم الترشحات على أساس مبدأ التناصف بين النساء و الرجال على أن يتم ترتيب المرشحين صلب القائمات على أساس التناوب. و إن تعذر ذلك تحتوي وجوبا كل قائمة بالنسبة للدوائر التي يخصص لها مقعدين على مترشحة على الأقل".
إن المتأمل في هذه الصيغة يلاحظ أنها بنيت من حيث الشكل على رفض الإقصاء المنهجي الذي عانت منه المرأة تاريخيا سواء داخل البيت ( التدبير المنزلي) أو المؤسسة ( رب العمل) ليقع تشريكها في الحياة السياسية . و لكن ديمقراطية مبدأ التناصف قد تنتهي إلى حجب تمثيلية المرأة باعتبار أن نص القانون سكت عن من سيمثل رئيس القائمة . و إذا كان ثمة حرص على المشاركة الفعلية للمرأة و ليس مغازلتها لاستثمار طاقاتها في الحقل الدعائي الحزبي ،كان حرياّ به أن يعمم مبدأ التناصف على كل حزب بحسب القائمات التي يتقدم بها على مستوى القطر عموما.
لقد فرض هذا النموذج الجديد نفسه علينا بوسائل و أغراض سياسية نزعم أنها هديّة العرس من قبل السياسي لحزب عريق نساءه ذقن الأمرين في المنظومة القديمة و حرصهم على التغيير السياسي لا يضاهيه مقدار.
و ما يعزز اقتناعنا بأن هذا القانون مبني على ثقافة الإبهار الذي ينتج دوما معان معاكسة للمعطيات الموضوعية التي أفرزتها الحياة السياسية فيما بعد الثورة و الدعوة لإعادة النظر في ما درج على أنه مكاسب للمرأة. فبعد الوعود التي قدمها السيد راشد الغنوشي قبل انتخابات 23 أكتوبر و اعتزازه بالنموذج التونسي قدمت حركة النهضة في المجلس التأسيسي من خلال لجنة الحقوق و الحريات مقترحا يعتبر المرأة مكملا للرجل داخل العائلة. و هو ما أثار استياء لدى فعاليات المجتمع المدني فاعتبرته منظمة العفو الدولية و لجنة المرأة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل و الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ضرب لمواطنية المرأة . فهو لا يعرف المرأة إلا بالتبعية و طالبت بدسترة حقوق المرأة. طبعا لا يجب أن نتجاهل هنا أن الثقافة الغربية ودمجها بمناخ الحضارة العربية الإسلامية هو مطلب مدحوض في بعض أجزائه . نقول ذلك لشق حداثوي يود نسف مفهوم القوامة داخل الأسرة و اعتماد مفهوم الجندرة ... و ما يؤول إليه ذلك من هتك للحدود شرعية نؤمن أنها غير قابلة للانتهاك.
ما يمكن أن نخلص إليه من خلال هذه الملاحظات التي أوردناها على القانون الانتخابي أن مبدأ التناصف كإمكانية انتخابية ليس تعبيرا فعليا عن الصيرورة الديمقراطية . ففي مثل هذه الحالة إن القطع مع رواسب النزعة التبخيسية العنيفة التي مورست على المرأة تقتضي:
ــ تصحيح التحيز الذكوري على نحو لا يمتهن ذات المرأة
ــ تفعيل حضور اندماج المرأة ضمن مؤسسات المجتمع المدني
ــ أن تبني المرأة ذاتها لا على أساس سيكولوجية الحسد تجاه الرجل فتسقط من حيث لا تدري في تقمص دور الرجل فتشرع هي ذاتها في نفي ذاتها
ــ نفي الأحكام الاستقرائية الصارمة التي تؤسس لانسحاب المرأة و انعزالها عن تنافسية المجتمع المــــــدني ( الحق في التسيير الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي) .
المراجع
1ـ الفلسفة و البيئة، مايكل زيمرمان .سلسلة عالم المعرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج اليوم | حقوق المرأة المطلقة عربيا


.. مصر | معاناة مستمرة للمرأة المعيلة بعد الطلاق




.. إحدى الحاضرات منى الحركة


.. مسرحية حياة تروي قصص لبنانيات من مدينة بعلبك




.. سلوى جرادات وهي فلسطينية من رام الله