الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعشي حتى يثبُت العكس

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2015 / 3 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل بضعة أسابيع شاهدت المقطع المصور لإحدى عمليات تنظيم داعش و التي قام فيها بذبح واحد و عشرون قبطياً..حينها قال قائد تلك العملية الوحشية بأن تلك العملية هي بداية المسيرة المُقدَّسة نحو روما..و بالطبع و خلال تلك المسيرة سيحمل أفراد داعش شعار "إن لم تكن معنا فلا تلمنا على قتلك نحراً أو حرقاً"..و هي سياسةٌ ممتازة لإقناع كل شعوب العالم بأنك أفضل خيار لها لتخضع ذليلةً لحكمك!!..فيبدو أن مبدأ إثارة رعبك لكي تؤمن بهم سيُجدي نفعاً أكثر من إتباع مبدأ إقناعك بأفضليتهم دون غيرهم.

و أيضاً قبل عدة أيام شاهدت مُراسلاً إخبارياً يتبع الجهاز الإعلامي لتنظيم داعش و هو يتحدث مُحاطاً بأقفاصٍ فردية في كل واحدٍ منها يقبع مشروع عملية شواء على الطريقة الإسلامية..كان ذلك المراسل يتحدث مع ضحايا تنظيمه المُرتقبين -و الذين هم من الأكراد- حاثاً لهم على إبداء الكثير من الندم لإقدامهم على عرقلة قيام مشروع الخلافة الإسلامية العظيم في رسالةٍ إعلامية تحمل الكثير من التهديد لمن تسول له نفسه القيام بالمثل..و هو أسلوب وجده البعض مثيراً للسخرية بينما وجدته مثيراً للرعب لأن ذلك المُراسل كان يخبرنا -بطريقةٍ غير مباشرة- في ذلك التقرير الإخباري الداعشي القصير أنه "نحن على استعداد لحرق أكبر عددٍ ممكن منكم طالما أن هذه الأجساد المتفحمة ستؤدي إلى ترسيخ حكم الخليفة العظيم".

و قبل عدة ساعات شاهدت أفراداً من تنظيم داعش يحطمون تماثيل آشورية في متحف مدينة الموصل في العراق يعود تاريخها لآلاف السنين و ملامحهم تعلوها السعادة و الفخر بل إن أحدهم كان يتواثب من فرط سعادته!!..البعض قلَّل من أهمية نتيجة ذلك التصرف بحجة أن تلك الآثار ليست بالأصلية فلا بأس من تحطيم داعش لها متناسين أن هذا المشهد يعيد للأذهان مشهد تفجير تنظيم طالبان للتماثيل البوذية التي كانت تقبع بين أحضان جبال وادي باميان..أي أن المسألة هنا ليست مسألة آثار أصلية أو مُقلَّدة بل هي أن هذا التنظيم -كما غيره من التنظيمات الإسلامية المتطرفة- يقوم في أصل فكره على ثقافة عدم احترام معتقدات الشعوب الأخرى..لهذا فعملية تحطيم الآثار -حتى لو كانت غير أصلية- هي أمرٌ لابد أن يثير انزعاج أي إنسان يملك الحد الأدنى من الفطرة الإنسانية السليمة.

البعض قد يرى أن داعش صورة همجية لا تمثل الإسلام بالضرورة و هنا لا يمكنك إتهام من يخبرك بذلك الأمر أو حتى من يؤمن به بأنه أحمق..فرسمياً يملك داعش من المقاتلين ما لا يتجاوز الثلاثين أو ربما الأربعين ألف مقاتل فلا يمكن لأي شخص مهما حاول أن يفقد مصداقيته عن سابق إصرار أن يُسقط تلك الأيدلوجية المتطرفة و التي تؤمن بها تلك الفئة على عموم المسلمين و الذي يبلغ عددهم قرابة المليار و النصف مسلم..و لكن من جهةٍ أخرى لا يمكنك أيضاً أن تقنع بكل سهولة أي شخص غير مسلم بأن تلك الفئة ليست بنتاج فكر توفرت له الفرصة لكي يُعبِّر عن نفسه عملياً لا نظرياً..و من المضحك كيف أن الدول الإسلامية التي كانت -و ما زالت- هي المصدر الفاعل في تنشيط و ربما في خلق هذا الفكر المتطرف في عقول المسلمين منذ طفولتهم هي من تعلن مراراً عن قيامها بتعديل المناهج الدراسية لتظهر بشكلٍ أكثر مرونةً و تسامحاً تجاه الآخرين!!..متناسين أن تغيير المناهج ليس هو الحل طالما أن هناك عقيدة غير مكتوبة في تلك المناهج تُلقَّن لجميع المسلمين و فحواها هو "المسلم يتمتع بقُدسية لا شك فيها أما الآخر فلقد خُلق ليكون دوماً دونه".

داعش في نهاية الأمر تقوم بالتصرف بناء على إيمانٍ مارسه و يمارسه بعض المسلمين و الذين لا يؤمنون بمنح الآخرين حرية الاختيار بالإضافة إلى دونيته مقارنةً بهم..و ذلك الأمر لم يأتِ من فراغ فالإسلام ظاهرياً -و حسب كتب التاريخ الإسلامية- بُني على مبدأ "شبه" إجباري..أي أني سأغزو بلدك و أُخيَّرك بين أمرين إما أن تُسلم فتسلم من بطشي أو تظل على دينك في مقابل أن تدفع لي الأموال لكي أقوم بحمايتك بالرغم من أنك سابقاً كنت تحصل على تلك الحماية بالمجان!!..منطقٌ ثعباني يلتهم بعضه بعضاً و سيوقع أي مسلم في فخٍ مُرعب..فإذا أنكر المسلم ما فعله المسلمون الأوائل فهذا يعني أنه يضع في ركن ثقافةٍ دينية بأكملها تجيز ذلك الأمر و تبرره عبوةً ناسفة و حينها ربما سيقع ذلك البناء الفكري فوق رأسه كما فوق رأس غيره..و إذا اعتبر أن ذلك الأمر كان له حينها ضرورته السياسية كما الدينية فحينها سيتوجب عليه أيضاً أن يتمادى قليلاً ليمنح داعش و من هم على شاكلتها من التنظيمات المتطرفة إسلامياً -و ما أكثرها- ذات المبررات ليصبح حينها هو الآخر كائنٌ ينتمي لداعش -فكرياً على الأقل- حتى يثبُت العكس.

حتى في مواقع التواصل الاجتماعي أصبح من السهل أن تلاحظ أن نسبةً كبيرة -و ربما مرعبة بالنسبة إلى البعض- من المسلمين تمارس و بشكلٍ علني عقيدة داعش كلامياً..فتؤيد القتل الذبح و حتى الحرق و تسعى جاهدةً لإثبات شرعية تلك الأمور دينياً و إن فشلت فستجدها تحدثك عن أن الغاية تبرر الوسيلة و المسلمون في حالة قمعٍ مستمر و أن الإسلام دينٌ مُحارب و حان الوقت لمواجهة الهجوم تجاهه بهجومٍ مُضاد أشد عنفاً منه..و هنا سنجد أنهم -أي الدواعش الافتراضيين- يمارسون الترويج بحماقة لفكرة أن دينهم يعاني دوماً من القمع بالرغم من أنه أكثر دين تتم المذابح باسمه في سبيل نشره و بالرغم أيضاً من أنه يكاد يكون أكثر دين سُمح لأتباعه بممارسة طقوسهم الدينية و بناء أماكن مخصصة لها بل و ممارسة الدعوة إليه دون تقييدٍ يُذكر في أغلب دول العالم و دون أن يحدث في ذات الوقت العكس!!.

قد تكون أول خطوة لانتزاع داعش من ثقافة أغلب المسلمين هي الكفَّ عن الاعتقاد بامتلاك تلك الأفضلية "الوهمية"..فربما حينها تتبخر تلك البذرة الداعشية من أرواحهم كما من عقولهم..فلو كان أي داعشي يمتلك قليلاً من الشك تجاه إيمانه بامتلاك الحق المطلق في إرسال جميع من يخالفونه إلى الموت لما كان أظهر لنا الكثير من الفخر بل و ربما الكثير أيضاً من الاستعراض الطفولي أثناء قيامه بذلك الأمر..ذلك الاستعراض الذي بدأ يتخذ منحى هوليوودي الملامح مما يُشعر المراقب له بأن المُروِّجين له يؤمنون بأنهم يملكون سماتٍ إبداعية في التصوير السينمائي و الإخراج و لكنهم بالطبع أفضل من نُظرائهم في هذا المجال لأنهم استخدموا ذلك الإبداع لتصوير عمليات النحر و الشواء الإسلامي لكي يُمتع ربهم ناظِريه بها!!..و هكذا لم يبق فعلياً حتى تكتمل أركان تلك المهزلة إلا أن أنتظر بضع لحظات لكي أجد مقطعاً مصور يقوم فيه الجهاز الإعلامي لداعش بإضافة بعض الموسيقى التصويرية كخلفيةٍ لمشاهده الدموية..و لكني لا أعتقد حقاً أنهم سيقومون بفعل ذلك يوماً لأنها -أي الموسيقى- هي في دينهم من المحرمات كما كل شيءٍ آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - داعشي
ناس حدهوم أحمد ( 2015 / 3 / 8 - 21:55 )
السؤال الذي يطرح نفسه هو أن العالم بكل مواثيقه ومؤسساته القانونية والحقوقية والعسكرية وكل التيكنولوجيا التي يمتلكها وكل الأسلحة النووية وكل الجبروت الذي لديه . لا يحرك ساكنا من أجل القضاء نهائيا على هذه الجمرة الخبيثة التي تعيث في الناس فسادا وحرقا وقطعا للرؤوس وتهديدا حتى للعالم برمته بأفكارها وإيديولوجيتها الأكثر قبحا من النازية . وهناك أيضا سؤال يتولد عن الأول وهو كيف يعقل لهذه الآلاف من المرتزقة الذين تجمعوا في سوريا والعراق من أجل الجهاد كما يقولون ولا يتمكنوا من تصور مصيرهم حتى ولو اعتقدوا واقتنعوا بما شحنه قوادهم في رؤوسهم من أوهام لا تتحقق عند الآخرين حتى في الخيال . إنه لأمر غريب أن يعطي العالم العربي هذا النوع من البشر مناقضا لمنطق كل الديانات وكل الأعراف وكل القوانين والمواثيق الدولية
يبدو أن الوقت حان لكي يدرك المسلمون -;- من هم ؟ وكيف هي ثقافتهم ؟ ويدرك العالم بالتالي نوعية هذه العقلية وربما قد يتم إحالة عينات من هذه العقليات على مختبرات علمية خاصة لدراسة طبيعة هذا الصنف من العقل ونوعية تركيبته . كما
لو أنهم يتعاملون مع مخلوقات من كوكب مختلف


2 - إلى أحمد ناس حدهوم
زين اليوسف ( 2015 / 3 / 9 - 02:37 )
بالفعل يجب أن تمنح داعش للمسلمين كمية هائلة من التساؤلات..أحدها هو ما ذكرته أنت في تعليقك لماذا دون شعوب الأرض و عقائدها خرجت داعش من رحم الإسلام دون غيره؟؟.

تحياتي لك و لتعليقك...


3 - تحية وتأييد للسيدة زيــن الــيــوســـف
غـسـان صــابــور ( 2015 / 3 / 9 - 17:37 )
سيدتي الكريمة
كلي تأييد لكلماتك بهذا المقال, حتى آخر فاصلة أو نقطة. وجرأتك لا مثيل لها بين كاتبات وكتاب هذا الموقع. وأنت لمست قلب - الدملة الداعشية - التي صنعت في مخابر مخابرات أمريكا وإسرائيل.. واحتضنتها غالب مشيخات النفط وملوكها وامرائها. ولا شــك أن مبادئها وأساليبها مستقاة من كتاب المسلمين نفسهم. دون أن تصحح منه كلمة واحدة, بضرورة إنسانية أو تطور اجتماعي, كما تطورت بقية الديانات كلها حسب حاجات البشر.
أتمنى لك ديمومة الجرأة والشجاعة التي تحتاجها اليوم, أكثر من أي يوم آخر, كافة الأنتليجنسيا الإسلامية أو من تبقى منها.
وحتى نلتقي... كل التحية والاحترام.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا

اخر الافلام

.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه


.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب




.. البابا تواضروس الثاني : نشكر الرئيس السيسي على تهنئته لكل أق