الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش و درس التاريخ

رشيد شكري

2015 / 3 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إنّ المتأمل جيداً لما يقع اليوم في أقطار العالم الإسلامي من صراع واقتتال دو مآرب سياسية لا يمكنه إن كان مضطلعا ولو على أبجديات التاريخ إلاّ أن يقول بأن هذا الأخير يعيد نفسه تحت تسميات و مفاهيم جديدة وأدوار مختلفة، فلنا في التاريخ سياقات تشبه إلى حد كبير هذا التسلط، تسلط الحكومات،وهذا الانخرام في الخرائط السياسية للدول بسبب خرجات تنظيم داعش وما جاوره من أبناء عمومته.
لا يمكننا أن نتحدث عن داعش وداعشيته إلا بنوع من التحفظ، فرغم ما تعبر عنه من همجية في سعيها إلى السلطة تحت عباءة الإرهاب، إلاّ أنها تعبر في العمق عن نوع من الاحتقان المدجج بالجهل والكراهية وعن رغبة في الانعتاق و التحرر في ظل أنظمة لا تحترم إرادة الأقليات و لا الأغلبية، ففي نهاية المطاف، العنف هو الذي يولد العنف، والتطرف الفكري والسلوكي عند هده الجماعات الإرهابية ليس إلاّ وليد تطرف في ممارسة الرقابة والتجهيل والاستفزاز من طرف الأنظمة العربية. هده التي طالما برعت في إكمال مشروع الاستعمار الثقافي مما أدى إلى تعميق أزمة الهوية والانتماء إلى الذات والتاريخ و الكينونة المستقلة.
غير أن في هذا الصخب كله، يوجد جانب مشرق، لن نــتـبيّن معالمه إلاّ إذا عدنا إلى التاريخ،واتجهنا نحو الوضعية الاجتماعية والسياسية التي كانت تعيش فيها أوروبا خلال القرون الوسطى، و بالضبط خلال القرن8، 9 و 10 الميلادي، ففي الوقت الذي كانت تعيش فيه إمارة قرطبة أوج ازدهارها على جميع المستويات، خصوصا في عهد عبد الرحمان الثالث الملقب بالناصر، حيت كانت الحضارة الأندلسية شاهدة على تفوق الحضارة الإسلامية علميا،سياسيا، اقتصاديا،بل حتى فيزيولوجيا، نعم حتى فيزيولوجيا، والدليل على ذلك أن عبد الرحمان الناصر نفسه الذي كان أشقراً هو وكل بنيه، كانت له ملامح أمه الرومية ولم يكن يحب كثيرا لون بشرته لان مقاييس الوسامة في ذلك الزمان كانت مقرونة بملامح الإنسان العربي، ( أسمر- اسود العينين) و كان يصبغ شعره بالأسود ويضع الكحل.
وفي الوقت الذي كانت فيه الدولة العباسية في الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط ترتقي سلم الحضارة رغم كل المشاكل، كانت أوروبا الغربية والوسطى تشهد التطاحنات و الهجومات النورماندية التي جعلت ملوك أوروبا يعجزون عن الدفاع عن شعوبهم فاحتمت هذه الأخيرة بزعمائها المحلين مما أدى إلى بداية النظام الفيودالي الذي أسس لنظام إقطاعي ساد في ظله الاستعباد لقرون عديدة جعل أوروبا كلها تتخبط في الظلام تماما كشخصيات الكاتب البرتغالي، خوسي ساراماغو في روايته "العمى".
اليوم وقد انقلبت الأدوار وقد نزلنا إلى الهاوية وأصبحنا نحن من نعيش الإقطاع، لا يسعنا إلا إن نتأمل درس التاريخ هذا، ودروس أخرى مشابهة.الغرب اجتاز مراحل أسوء حالاً من هاته وعاش صراعات عديدة، لكنه نجح عندما اختار وحدد مصيره فأحسن الاختيار وأعطت سنوات الاضطهاد أكلها عندما بدأت أوروبا تبني نهضتها مستفيدة من نتاج الحضارة من ألفها إلى يائها والتي ساهم فيها العالم الإسلامي بفعالية.

داعش سحابة صيف عابرة ليست فقط نقطة سوداء في تاريخنا المعاصر بل هي ملخص لعجزنا عن المواجهة والتعامل مع الواقع بأدوات معقولة وهي في الأخير ستدخل في سلسلة التاريخ التي ينبغي علينا استثمارها لنيل "شهادة الفعل التاريخ والحضور الحضاري".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بودكاست تك كاست | شريحة دماغ NeuroPace تفوق نيورالينك و Sync


.. عبر الخريطة التفاعلية.. كتائب القسام تنفذ عملا عسكريا مركبا




.. القناة الـ14 الإسرائيلية: الهجمات الصاروخية على بئر السبع تع


.. برلمانية بريطانية تعارض تسليح بلادها إسرائيل




.. سقوط صواريخ على مستوطنة كريات شمونة أطلقت من جنوب لبنان