الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الله ليس كمثله شيء أم هو على هيئة إنسان؟ – ج1

مالك بارودي

2015 / 3 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ورد في "صحيح البخاري" (كتاب التّوحيد، باب قول الله تعالى: "لما خلقت بيدي"): "حدثنا مسدد: سمع يحيى بن سعيد، عن سفيان: حدّثني منصور وسليمان، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، أن يهوديًّا جاء إلى النّبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا محمّد، إنّ الله يُمسك السّماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشّجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقُول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتّى بدت نواجذه، ثمّ قرأ: «وما قدروا الله حق قدره». قال يحيى بن سعيد: وزاد فيه فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعجّبًا وتصديقًا لهُ."

وفي حديث آخر، موالٍ لهُ في نفس الباب، نقرأ: "جاء رجل إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم، إنّ الله يمسك السّماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشّجر والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، أنا الملك، فرأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: «وما قدروا الله حق قدره».

وفي كتاب التّفسير، نرى حديثا مشابها يقول: "حدثنا آدم: حدثنا شيبان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء حَبْرٌ من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمّد، إنّا نجِدُ: أنّ الله يجعل السّماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والشّجر على إصبع، والماء والثّرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقولُ أنا الملك، فضحك النّبي صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه تصديقا لقول الحَبْرِ، ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يُشركون»". (صحيح البخاري، كتاب التّفسير، باب "وما قدروا الله حق قدره")

ومن يفتحُ كتاب "صحيح البخاري" سيجد أنّ هذا الحديث قد تكرّر في أبواب أخرى بنفس الألفاظ أو بألفاظ مختلفة ولكنّ المعنى واحدٌ لا يتغيّر. ففي نهاية الأمر، يدُور الحديث في كلّ مرّة حول قدوم يهوديّ إلى محمّد بن آمنة وإخباره بـ"معلومة" مفادها أنّ الله لهُ أصابع وعلى كلّ إصبع من تلك الأصابع شيء: فالسّماوات على الأوّل والأرضين على الثّاني والشّجر على الثالث (وفي رواية أخرى: الجبال) والماء والثّرى على الرّابع (وفي رواية أخرى: الشّجر، وفي رواية ثالثة: الشّجر والثّرى) والمخلوقات على الخامس. فماذا يفعل محمّد بن آمنة؟ يضحكُ "حتّى تظهر نواجذه"... فهو يوافقُ على "المعلومة" التي أتاهُ اليهوديّ بها، ويُقرُّ بصحّتها مستشهدا بآية من المؤكّد أنّها من وحي اللّحظة، إستنبطها من حديث اليهوديّ، وهي الآية 67 من سورة الزّمر: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ".

وفي هذه الأحاديث (مثلما هو الحال في كلّ النّصوص الإسلاميّة، بداية من القرآن) جملة من المشاكل سنتطرّق إليها تباعا.

أوّلا، ينظُرُ محمّد بن آمنة لليهود على أنّهم أرباب المعرفة الدّينيّة والأقرب إلى الله، بل والمفضّلين عند هذا الإله، لذلك نجدُه يلهثُ خلفهم لإنتزاعِ إعترافٍ بنبوّته. وهذا واضحٌ في القرآن وفي الأحاديث. فحسب فهمه السّطحي، بما أنّ موسى وعيسى (صاحبا الدّيانتين السّابقتين للإسلام واللّتين تزعمان أنّهما من مصدر سماوي) كانا يهوديّين، فطريق النّبوّة لا يمكن أن يمرّ إلاّ عبر بوّابة اليهود. لذلك حاول مرارا وتكرارا إستمالتهم وجعلهم يعترفون به نبيّا ورسولا. وقد ورث أتباعه هذه الفكرة عنه وإستغلّوها في كتابة الأحاديث. ويكفي هنا أن نذكّر بنبوّة "اليهودي" عن ولادة "نبيّ الأمّة" الذي يحمل "علامة النّبوّة" في كتفه، وكأنّ النّبوّة لها علاماتٌ جسديّة يُعرف بها صاحبها. وهذه القصّة موجودة في "دلائل النّبوّة" للبيهقي و"دلائل النّبوّة" للأصبهاني. ويتواصلُ إلى اليوم تأثير هذه الفكرة السّخيفة ويظهرُ جليّا في لهاث المسلمين خلف تصريحات اليهود والمسيحيّين (وفي معظم الحالات، تُصرفُ المليارات من أموال النّفط لشراء ذممهم أو لخداعهم) كدليل على صحّة القرآن وإعجازه الوهمي وصحّة نبوّة محمّد بن آمنة (رغم أنّ هؤلاء اليهود والمسيحيّين الذين يستشهدون بأقوالهم لم يعتنقوا الإسلام يومًا)، هذا علاوة على نبش المسلمين المستميت في التّوراة والأناجيل (رغم قولهم بأنّها محرّفة) للتّنقيب على كلمة يُمكن تأويلها لصالح الإسلام أو ليّ عنقها أو بترها من سياقها لجعلها تتحوّلُ إلى نبوّة عن قدوم محمّد بن آمنة... ولا يهمّ إن كانت هذه الكلمة في سفرٍ يعتبرونه "إباحيّا" مثل "نشيد الأنشاد"... فالغاية تبرّر الوسيلة، ومن يروّج تلك الأكاذيب والخرافات يعرف جيّدا أنّ إخوانه في الدّين معظمهم أمّيّون وجهلة وأغبياء وبعضهم منافقون مثله تمامًا.

ثانيا، في الحكاية التي نحنُ بصدد البحث فيها، تعدّدت الآراء بين من يقول أنّ من أتى لمحمّد هو رجلٌ من أهل الكتاب ومن يقول أنّه يهوديّ ومن يعطيه درجة دينيّة رفيعة فيُخبرنا بأنّه كان حَبْرًا من أحبار اليهود. لكن لا غرابة في ذلك، فكلٌّ يُفصّلُ الأحاديث على مزاجه وإذا كان محمّد بن آمنة نفسه متضاربا في قرآنه الذي يقول الشّيء ونقيضه، فلا لوم على الأحاديث. ولكنّنا لسنا هنا للبحث في صحّة هذا الحديث أو ضعفه، فـ"علماء المسلمين" صنّفوه على أنّه "صحيح" وإعتمدوه لأكثر من أربعة عشر قرنا. وعلى هذا الأساس يجبُ أن نتعامل معه على أنّهُ صحيحٌ. هذا علاوة على أنّ كلّ نصوص الإسلام، بداية من القرآن نفسه، هي نصوص ضعيفة ومهترئة...

----------------------
الهوامش:
1.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّناته:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
http://ahewar5.blogspot.com
2.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
http://www.4shared.com/office/fvyAVlu1ba/__online.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القدس وليس مكة
سمير ( 2015 / 3 / 9 - 04:07 )
يا عزيزي الكاتب, ولهذا بنى مروان بن عبد الملك المسجد الاقصى وطلب من الحجاج ان يحرف القران بتنقيطه وتشكيله وحشر اية الاسراء فيه ثم تدميرهما الكعبة لكي تكون القدس وليس مكة قبلة ومحج المسلمين, فالديانات السماوية تنطلق من القدس وليس مكة. السؤال الاهم: لماذا فات محمد ان يقول لليهود والمسيحيين ان اسمه مذكور في كتبهم؟ ولماذا فات اله محمد ان يقول له انه هو البارقليط والنبي المذكور في الانجيل والتوراة؟ اليس في ذلك اهانة لمحمد والهه؟


2 - استاذ مالك البارودى
شاهر الشرقاوى ( 2015 / 3 / 15 - 13:31 )
لماذا اعتبرت ان ضحك النبى من كلام اليهودى ثم قوله ما قدره الله حق قدره هو موافقة منه صلوات الله عليه على هذا الكلام؟؟؟!!!

انه يضحك من سذاجة تصور هذا اليهودى من كلامه عن المولى سبحانه وعلى تجسيمه لله وليس موافقة على كلامه

وشكرا

اخر الافلام

.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس


.. قوات الاحتلال تمنع الشبان من الدخول إلى المسجد الأقصى لأداء




.. صرخة آشور بانيبال ..هل هي نبؤة؟


.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: أي دور للقوميين المسيحيين؟




.. 71-Al-Aanaam