الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والفكر العلمي: توافق أم تعارض؟

رياض عبد

2015 / 3 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في البداية علينا أن ننظر الى ماهية هذين الظاهرتين الإنسانيتين. فالعلم عبارة عن آلية و طريقة لإستكشاف العالم من حولنا بمعزل عما نعتقده ونؤمن به. أي أن الطريقة العلمية تخرج بنتائج قد تعجب أو لا تعجب الباحث لأن العالم (الطبيعي والإجتماعي وغيره) موجود رغماً عن إرادة الفرد وبمعزل عن معتقداته. فالعملية العلمية هي عملية أستكشاف ما لانعرفه ولذا فهي غالباً ما تتضمن تحدي للأفكار والمعتقدات المسبقة للفرد والمجتمع ولذا فإن الأكتشافات العلمية قد تحدث ردات فعل لدى شرائح من المجتمع وذلك لكون الإكتشافات العلمية قد لا تتفق مع الموروث الحضاري للمجتمع. والأمثلة على هذا كثيرة و هي تتضمن الإكتشافات الفلكية والبيولوجية (كعلم التطور) وغيرها والتي أدت الى تحدي المقدسات الموروثة والى ردات فعل متفاوتة من قبل السلطات الدينية.
ولكن فيما يتعلق الأمر بالعالم المادي الملموس فإن أي خلاف بين العلم والدين سينتهي دائماً و بدون أدنى شك بالإنتصار الساحق والكامل للعلم والهزيمة الحتمية للدين. ولكون أن الحضارة الغربية هي المنتجة الرئيسية للعلوم في الخمسة قرون الماضية فإن الدين المسيحي تعلم هذا الدرس جيداً وفي 150 سنة الماضية إنسحب إنسحاباً شبه تام من أي تنافس بينه وبين العلم فيما يخص طبيعة العالم من حولنا. أما الدين الإسلامي فلايزال رجالاته يصولون ويجولون في العلوم دون أن يدركوا بأن كل ما يصرحون هو محض هراء لاقيمة له البتة.
أما الدين (وهذا ينطبق على كافة الأديان) فهو في جوهره حالة نفسية روحانية تعطي الفرد الشعور بالأمن والطمأنينة النفسية وتعتمد بالأساس على التعامل المتكرر مع المألوف كترار كلمات الصلاة أو التعاويذ والطقوس وما شابه (وأنا هنا لن أتطرق للجانب الإجتماعي أو الجمعي أو السوسيولجي للدين وسوف أركز فقط على الجانب النفسي الفردي). والدين بهذا يلبي حاجة إنسانية سايكولوجية مهمة وهي تخفيض القلق النفسي والتشنج والشعور بالغربة في عالم قاس لايرحم. وهذا الشعور بالأمن والطمأنينة هو بمثابة إحياء لشعور الطفل وهو في حضن أمه وهي من الغرائز الأساسية عند البشر. ولذا سوف لن تختفي الأديان من المجتمعات البشرية مهما تقدمت ولكن قد تغير شكلها ومضمونها.
فالفرق إذن أن العلم يتعامل مع المجهول أي غير المألوف ونتائجه قد تشكل تحدي مقلق للمعتقدات في حين الدين يتعامل مع المألوف وغالباً ما يؤدي الى خفض القلق وحعل العالم يبدو أكثر أمناً أو أكثر ألفة. لذلك هناك تعارض واضح بين هاتين الظاهرتين والتوفيق بينهما يحتاج الى جهد كي لا يختلطا. وهنا علينا أن نتذكر أن العلم ظاهرة إنسانية حديثة مفارنة بالدين الموغل في القدم لذا فإن أي منافسة بينهما تتم في بيئة إجتماعية تهيمن عليها الغيبيات سوف تنتهي بإنتصار الدين على حساب العلم وبذا تبقى تلك المجتمعات محرومة من الفوائد الهائلة التي يوفرها العلم للمجتمعات التي تحسن إستخدامه. ونلاحظ هنا موقع العلم المتدني في المجتمعات الإسلامية والإعتماد التام لهذه البلدان على العلوم المنتجة خارج المنظومة الإسلامية. ويبدو أن المسلمين قد فقدوا القدرة على ضبط ممارسة الطقوس (الدينية) المهدئة للأعصاب وأصبح حالهم كحال المدمن الذي يتناول عشرة أضعاف الجرعة المسكنة للقلق يومياً وبذا يفقد القدرة على التفكير أو السلوك السوي و السليم.
ذكرت آنفاً أن العلم هو الآلية لأكتشاف قوانين الطبيعة و حقائق العالم المادي. أي بمعنى آخر لأكتشاف تركيب وحركة كل ما في الكون. أما الدين فله وظيفة نفسية سيكولوجية هامة وهي توفير حالة روحانية للمؤمن تساعده على الديمومة وتبقي لديه نوعاً من الأمل والشعور بأن للحياة معنى وغاية كونية والى غير ذلك. أي لا دور للدين على الإطلاق في إكتشاف أو فهم العلم المادي. والسبب الذي يدعوني للتشديد على هذه النقطة بالذات هو أنه لا يزال الكثير من المسلمين (وبعضهم من حملة الشهادات العلمية) يعتقدون أن القرآن يحتوي على إكتشافات علمية وأن بإمكاننا الكشف عن هذه الحقائق العلمية من خلال التعمق في قراءته وفهمه. والبعض يعطي أمثلة من آيات قرآنية عن الذرة أو رحلات الفضاء وغيرها وبالطبع كل هذا لا يعدو أن يكون من الخرافات التي لا أساس لها على الإطلاق. فليس في القرآن (أو في أي كتاب سماوي أو غير سماوي) أي حقائق علمية لم تكن معروفة قبل كتابته. وكل الإدعاءات بوجود آيات تشرح الحقائق العلمية هي عبارة عن تفسيرات لكلمات مبهمة من الممكن ليها في أي إتجاه حسب رغبة المفسر. والملاحظ أن جميع هذه التفاسير تظهر بعد أن يتم الإكتشاف العلمي (غالباً من قبل علماء كفرة) وليس قبله. ولإثبات هذه الخرافة هناك إختبار بسيط جداً وهو أن يخبروننا عن إكتشاف علمي مستنبط من القرآن قبل أن يكتشفه العلماء وليس بعده. وكما هو متوقع لم يتحقق إكتشاف واحد من هذا القبيل.
وهناك فروق أخرى جوهرية في طبيعة التفكير الديني والعلمي. فالفكر الديني يبدأ باليقين ويبحث عن الأدلة لإثباته في حين أن الطريقة العلمية تبدأ من إنعدام المعرفة أو الشك بالمعرفة ومن خلال المشاهدات والإختبارات تنتهي بالمعرفة (ونادراً الى اليقين حيث يبقى دائماً هامشاً للشك في أي حقيقة علمية). لذا فإن الحقائق الدينية يقينية وهي تسبق الدليل وهي حقائق سكونية أبدية لاتتغير بالأدلة في حين أن الحقائق العلمية هي نتيجة لإكتشاف الأدلة وهي غالباً ما تكون حقائق وقتية من الممكن تغييرها أو تكييفها أو حتى إلغاءها تماماً بحسب الأدلة الجديدة.
لذا فالطريقة العلمية تنتج منظومة معرفية تستند على إدلة من المشاهدات ونتائج الإختبارات التي من الممكن لأي فرد أن يتفحصها ويختبرها ويخطئها إذا وجد أن هناك خلل فيها من أي نوع. ولهذا السبب فإن المنظومة المعرفية العلمية هي في حالة تغير مستمر لكون الأدلة المتوفرة هي في تغير دائم وما كان يعتبر حقيقة قبل خمس أو عشر سنوات قد تفند من خلال تطور الإكتشافات وتطور المعرفة. وهذه العملية في تسارع هائل حتى إنه قيل بإن في العشر سنين الماضية تضاعفت الكتلة المعرفية العلمية (يعني أنتج من الكتابات العلمية في ال10 سنوات الأخيرة بقدر كافة ما أنتج في 2500 سنة التي قبلها). أما المنظومة المعرفية الدينية فهي تتميز بالسكون وقلة التغيير (أو حتى إنعدامه تماماُ) وعدم إعتمادها على الأدلة ولذا ليس بالإمكان إختبارها. وهذه الخصائص تؤدي الى فروق مهمة في تبعات هذين المظومتين المعرفيتين. فلكون المنظومة الدينية تعتمد على اليقينية والقبول المسبق للحقائق دون الإهتمام بالأدلة فإن هذا يجعلها عرضة للإختلاف الذي يؤدي الى الإنشقاقات وتعدد المذاهب ونشوء أديان جديدة. والسبب في ذلك أنه ليس هناك مجال أو إمكانية لإختبار من يمتلك الحقيقة (أو بمعنى آخر التفريق بين الصحيح والخطأ). لذا نرى أن هناك آلاف الأديان في العالم كل منهم يؤمن بأنه يمتلك الحقيقة وأن غيره ضال وكافة الأديان تعرضت الى إنشقاقات. فالمسيحية فيها أكثر من الفي مذهب والإسلام تأريخياً إنشق الى عشرات المذاهب المتحاربة منها أكثر من 10 لا تزال موجودة الى يومنا هذا. ولكن لاحظ بالمقابل ليس هناك الا علم واحد لاغير. فليس هناك مذاهب في الفيزياء والكيمياء أو الرياضيات. أما العلوم التي فيها إختلافات كالطب (وجود الطب البديل على سبيل المثال) فإن هذه حالة وقتية سرعان ما تحل بإختبار الحقائق وحل الإشكالات بالأدلة. لذا فالخاصية الفذة والفريدة للعلم هو قدرته على نبذ الفاسد وإبقاء الجيد بناءاً على الإختبار وإكتشاف الدليل وهنا الفرق الرئيسي بين العلم وكافة المنظومات المعرفية الأخرى (بما فيه الدين والفلسفة) وذلك بقدرته على تصحيح مساره (والعلم يمارس هذا بإستمرار) في حين أن الدين والفلسفة عاجزين تماماً عن تحقيق ذلك ولذلك فالإنشقاق والتفتت هو السبيل الوحيد لحل الخلافات.

والفكرة المركزية التي أود أن أطرحها في هذا المقال هي أنه طالما إقتصر دور الدين على الجانب الروحاني السيكولوجي فليس هناك تعارض على الإطلاق بين الدين والعلم وإن التعارض والإصطدام يبدأ فقط عندما يدخل الفكر الديني في منافسة مع العلم في تفسير العالم الملموس.

وقد مر الفكر الإسلامي بمراحل تطور عديدة خلال المئتي سنة الأولى من وجوده قبل أن تتبلور ملامحه بالشكل الذي نراه اليوم. فعلى العكس مما يعتقده غالبية المسلمين فإن الإسلام لم يظهر فجأة بشكله المتكامل وإنما تكون بشكل تدريجي على مدى عشرة أجيال أو نحو ذلك وشارك في هذا التكوين العديد من الفقهاء والمفكرين.
وقد كان الإسلام في بعض مراحله منفتحاً على العلوم الطبيعية ومتقبلاً لعلوم الأقوام الأخرى (الذين كان جلهم أكثر حضارة ومدنية من العرب) والعصر الذهبي كما هو معروف كان خلال فترة حكم المأمون. وتزامن العصر الذهبي هذا مع صعود نجم المعتزلة الذين أعطوا دوراً كبيراً للعقل والأدلة العقلية وفي هذا دخلوا في صراع فكري كبير مع المذاهب الأخرى وخصوصاً المذهب الحنبلي (والحنابلة ومن لف لفهم كانوا من الداعين الى إلغاء دور العقل والى نبذ كافة العلوم المستوردة من الأمم الأخرى).
وهنا من الضروري أن أذكر أن ممارسة العلم كآلية لإنتاج المعرفة تستند على إفتراض أن العالم والكون تحكمه قوانين طبيعية من الممكن إكتشافها وفهمها ومن ثم محاولة السيطرة عليها وإستخدامها. فإن لم توجد مثل هذه القوانين الطبيعية فلا يبقى هناك مكان أو فائدة من الممارسة العلمية. وهنا يبرز الدور المركزي لشخصيتين في التأريخ الإسلامي كان لهما دور مدمر على مستقبل الحضارة الإسلامية. الأول هو أبو الحسن الأشعري والثاني أبو حامد الغزالي. والأشعري هذا بدأ حياته الفكرية معتزلياً ثم إنشق عنهم وأصبح من ألد مناوئيهم. والفكر الأشعري يعطي الدور المركزي في المعرفة للعلوم النقلية النابعة من الوحي ويلغي تماما أي دور للعقل. ويذهب الأشعري الى أبعد من ذلك حيث يعتبر وجود قوانين طبيعية للكون هو نوع من الكفر حيث بحسب الفكر الأشعري لا يمكن لوجود أي شيء في الكون يحد من القدرة الألهية. أي لكون الله كلي القدرة فإذن لا يمكن أن توجد قوانين تحد من قدرته. ولهذا فإن الكون وكل ما فيه بحسب الأشعري موجود ويتحرك ويعمل بمشيئة الله الذي قد يغير أي شيء فيه في أية لحظة دون سبب أو إنذار. أي أن الكون وكل ما فيه عبارة عن منظومة تتحرك بواسطة سلسلة غير متناهية من المعجزات التي تحصل بمشيئة الله. وكما لايخفي فإن النتيجة المنطقية لهذا الفكر هو إلإلغاء التام لدور العلم. وثم جاء الغزالي من بعده كي يعطي هذا الفقه شرعيته في كتبه التي لازالت تعتبر من أهم مصادر الفقه الإسلامي الى يومنا هذا.
وخلاصة الأمر أن المنظومة المعرفية العلمية تفترض وجود قوانين طبيعية من الممكن إدراكها و دراستها وأن هذه القوانين تسري على كل ما في الكون وأن لا مكان أو مجال لأي معجزات من أي نوع. وطبعاً من الواضح أن الفقه الأشعري الغزالي (ومعه كافة المذاهب الإسلامية الحالية) يتعارض تعارضاً جوهرياً مع هذا المنظور وهو في هذا يقف كعقبة كأداء في طريق أي تقدم علمي. وقد يكون هذا أحد أهم عوامل إنطفاء جذوة الحضارة الإسلامية وعدم قدرة أي من البلدان الإسلامية الخروج من العصر المظلم الذي هم فيه منذ 800 سنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلم ميزان الدين!!
سمير آل طوق البحراني ( 2015 / 3 / 10 - 03:15 )
اخي الكريم بعد التحية. اشكرك على هذا المقال الرآئع واضيف ان العلم ميزان الدين فاذا العلم فنذ ما جاء به الدين فهو دليل راسخ وبدون نقاش بان الدين هو من صنع الانسان لانه يستحيل على الله ان ياتي بـ شيء ـ عن طريق الوحي ـ مخالف للقوانين العلمية. فاذا اثبت العلم بان الارض كروية وصرح الدين بانها مسطحة فالقول قول العلم وعندها لا مجال في الاعتقاد بسماوية الدين اي دين.لكن انه من الصعب على اي انسان تشرب معتقداته من حليب امه وبعده من تربيته وبيئته ان يتخلى عنها بل يحاول بكل ما اوتي من قوة ان يجد حلا لتثبيتها ولو بالاحتيال ولي عنق التصوص التي ربما يجد فيها بصيص امل لتطمين نفسه وهذا ما يقوم به دعاة الاعجاز العلمي في الكتب المقدسة للعب على ذقون المؤمنين.اخي الكريم لا يهم البشرية توافق ام عدم توافق الاديان مع العلم لو سلكت الاديان طريق التسامح مع بعضها البعض ودعت البشرية تعيش في امن ووئام ولكن الرزية كل الرزية هي اذا لم تكن معي فانت ضدي ولي الحق ان انهي حياتك وهو تقوم به داعش واخواتها من تقتيل على الهوية.هل ياتي اليوم الذي يؤوب فيه المسلمون الى رشدهم ويعوا بان حركة الزمن لا تتوقف عند وقت معين ؟؟


2 - وكل في فلك يسبحون اخ سميرآلطوق
عبد الحكيم عثمان ( 2015 / 3 / 10 - 08:11 )
تحية وبعد
قال تعالى
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ-;- وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
العلم يتوافق مع الدين
ولكن المشايخ لاتتوافق مع العلم لان المعرفة تجعلهم صفر على الشمال ولذلك لايريدون للعلم ان يتفشى بين المسلمين
ولك وللكاتب التحية

اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال