الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآنيون ،التاريخ وحدود العقل : محمد الطالبي نموذجا

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2015 / 3 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القرآنيون ،التاريخ وحدود العقل : الطالبي نموذجا .

ما يُقَدِّمُهُ محمد الطالبي ومن خلفِهِ "القُرآنِيُّون" ، ومعَهُ كل هذا الجدال والسجال الذي انتشر حول اطروحاته ، يتجاوز كثيرا حدود معركة الفتاوى والفتاوة المضادّة حول "الخمرة" او حادثة "الافك" وقصص علي وعائشة ، او صراع الشيعة والسنة او قُدُسيّة الصحابة والخلفاء.... الخ ، بل رُبّما يتجاوز مسألة الصراعات الفقهية والخلافات المذهبيّة برُمّتها .
انّه صراع فكري هام وخطر في نفس الوقت ، يعي اهميّته وخطورته سواءا بسواء الباحثون في التاريخ البشري والباحثون في علم المعرفة ، اكانوا من رجال الدين او من رجال العلم .
وتكن اهميّة منهج الطالبي في انّه يذهب ببحثه عميقا في اتّجاهين ، فمن زاوية التاريخ هو يسعى للتنقيب في طبقات اربعة عشرا قرنا من المنقول والموروث والقياس وما سمي"اجماعا" ، سعيا للوصول الى البنية الاولى ،النص السماوي المحفوظ ، كما هو دون ما يُغلّفُهُ من افعال واقوال وسُنَنِ البشر التي عَقِلَتْهُ وتدَبّرَتْ فيه ، صوابا او خطأ ،بِقُوّة الحُجّة اوبِحُجّة السيف ...الخ ، وهذه الجرأة ، الشّجاعة الفكرية "التنقيبيّة" تُحْسَبُ له ، لأنّها تُقَوِّضُ كلّ المناههج النقليّة و فكر التناسُخِ الذي درجتْ عليه العرب .
وامّا الاتجاه الثاني الذي ذهب فيه عميقا فيتمثّلُ في تعرية قُدُسيّة ، الشافعي ، وابن حنبل ، والمالكي ، وابن عبّاس ، وعلي ، عائشة ، والترمذي ، وابن ماجة ، والالباني ، ثم البخاري ومسلم ... الخ ، ونقده لمقولة الناسخ والمنسوخ ، واولي الامر ، حتى وصل به بحثه لتقييد سُنَنِ النبي محمد "ناقل الوحي " و "الناطق المُخْتار باسم الله" بقُيود العقل التاريخي نِسْبةً لزمانه ومكان وجوده ، بما تتضمّنُه من علاقات اجتماعية وسُلْطويّة احفّت بما نَقل ونَطقَ من وحي ربّاني محفوظٍ ، وبِلُغة اخرى فان الطالبي وصَحْبِهِ من "القُرآنيين" قدّموا لنا نقدا موضوعيا و "تاريخانيا" محترما لكل المنظومة التشريعية القائمة على إعمال (استغلال) العقل والفقه ، السلطوي لصياغة ونشر شريعة الحُكم في قالبها القُدُسِي ، الذي مكّن بني أميّة وبنو العبّاس ومن تلاهم ، وقبلهم وقبل الجميع ، قاتلي بعضهم من الخلفاء " وقد قيل الراشدين " . هذا النقد يذهب بنا الى حُدود القطيعة المعرفية (الابستمولوجية ) مع هذا الارث المفروض والمسقط ، وقد كان غير قابل للنقد والتأويل !!! لو لا ، نقضُ تحريم شُرب الخمر من قبل الطالبي !!.
لقد مكّننا أستاذنا القرآني من ادراك هشاشة الحُججِ الشرعية المُقَدّمَة طيلة اربعة عشر قرنا من الزمان ، من حُكمِ المشائخ وفُقهاءِ البلاط ، والاهَمُّ مِن ذلك ، أنّهُ أسقط القُدُسيَّةَ عن نُصُوصً منقولةٍ ، للبخاري ومسلم والترمذي ...الخ وغيرهم من نقلة الأحاديث والسُنَنِ النبوية كما يدّعون ، سواءا كان ذلك باجماعٍ تحت حدّ السيف ، او اكراما لصاحب السيف واسنادا لِسُلطَتِه . وهذه بالذات هي الاضافة الاهم التي يجب ادراكها في كل هذا الهرج الذي أحفّ بضهور علني استثنائي مُمتاز لاحد "القرآنيين" في مواجهة مجموعة واسعة من الساسة السُّنيِّين (من انصار النقل ، والناسخ والمنسوخ ...الخ ) من المُتمَسكّين باستمرار فقه دولة الخلافة وتواصل تاريخها واحكامها .
ان ما يطرحه الطالبي يتجاوز باشواط هذا السجال البسيط والعقيم حول آية او جزء منها تُبيحُ الخمرة ، او أخرى تبيح تجارة الرق ، او تلك التي لا تُحرّمُ البغاء .... الخ ، انّه بكل جرأة وبساطة ، يُلغي ، ينفي ، يُقَوّضُ ، كل الارث "التشريعاتي الاسلامي" القائم على أحادية الرُؤيا والتصَوُّرِ ، كل التحليل والفقه الذي يَنطلق من قُدسيّة التأويل المُطلق والسلطوي للنصّ اللاهوتي ، بما فيها التفسيرات الرُسليّة (سُنن النبي الناقل للرسالة ) ، انّ الطالبي يَنْزَعُ بشكل نقدي جريئ وصريح كلّ قُدُسيّة عن الانسان ويُرجعها الى اصلها الاوّل المُطلق بِكُليّتها وهو النصّ المحفوظ "بامر الله" منذ الازل ، وفق منطوقه (اي الطالبي القرآني ) .
يبدو من اوّل الطرح انّ أستاذنا يُقدّم اضافة للفكر البشري ، بما يطرحه من نقد يُعري قُدسيّة العقل المُحافظ ، ولكن الحقيقة ان ما يَطرَحُه من مقاربات تحوي الغاما واخطارا قد تُذهِبُ كل بحثٍ عقلي في تاريخ هذه المجموعة البشرية "الحضارية" التي عاشت في رقعة جُغرافية تاريخية ( سُمّيتْ الامبراطورية الاسلامية ) يذْهَبُ ادراج الرياح ، ويُردّ الى نزوات (شيطانية) وممارسات كُفرٍ غير واعية وغير معْقولة ، والاخطر غير مسؤولة من زاوية القُدسيّة التاريخية لِخلْق تلك السلطة (تركيزها) ونشرها شرقا وغربا ، بالحسنى او بالقوّة ، بما في ذلك الفتوحات الاولى وحروب دولة الرسول !! .
انّ الطالبي واذ يجُرُّنا الى هذا المبحث ، واذ دفع أصحاب الحُجَجِ النقلية الى إخراج ما في جُعبَتِهُم في نزال فكري-فقهي استثنائي قلَّ ما نرى مثله (ولا اتحدّثُ هنا عن فقهاء فتاوى تعدّد الزوجات ، وزواج القاصر ، ومسألة الخمرة ... الخ ) ، فإنَّهُ لا يختلف كثيرا عن بقيّة مُفكّري الاسلام السلطوي (ومنهم الشافعي و غيرُه) حيثُ يُحاجج من داخل نفس المنضومة ولم يُقدِّم طرحا معرفيا او إشكالية اصليّة تتعلَّقُ بقرائة النصّ من زويا تاريخية واجتماعية مغايرة لما درج وما ورد في قصص الاولين (التي يدحَضُها ، يلغيها هو نفسه ) ، زوايا تجعل من النصّ انعكاسا ، صورة ، ترجمة لواقع العلاقات الاجتماعية-التاريخية ، القائمة في زمان ما بما فيها تلك الانتقالية المُبشّرة بميلاد اخرى اكثر نضجا واكثر تطوُّرا على الدوام .
انّ الأُستاذ المشاكس واذ يُبْهِرُنا بِمْنهَجِه وحجاجه الذي يِسْقِطُ القداسة والنُبُوّةِ الفكريّة والاسطوريّة عن اطروحات السّابقين من الائمّة والفُقهاء ، الاّ انّه لا يُناقضُ منطِقَهُم في شيئ ، لا يُجدّدُ التصوّر والاطروحة ، انّه فقط يعيدنا الى لحظة البدأ ، الى مُنطلق السّجال الاوّل ، حيث يجُرّنا في نهاية تحليله الى وجوب التعاطي مع الوحي مُجرّدا كما هو ، مع كلام الله المُنزّل في كليته غير القابل للتجزئة او النقد او التعديل ، فإمّا ان نقبل به كاملا ، او نرفُضه كاملا ، وهو لذلك ينحى منحى "القُرآنيين" في الذهاب الى أقصى حدود تجريد النص من كلّ علاقته بالواقع عبر رفضه الاخذ بِحُجَجِ "أسباب النزول" ، انّ الطالبي يجُرُّنا خارج حدود المواجهات الفكريّة (مُتعمِّدا ذلك طبعا ) بِجُراة إستثنائية ، ليُخْرج المحاججة من دائرة الصّراع المادي ، وتأثيرات الواقع الاجتماعي ، التاريخ ، البشر ...الخ وتحوُّلاتهم ، ويجعلها مواجهة لاهوتية حاسمة ، ايمانيّة مُجرّدة بامتياز ، يَسهُلُ معها فرزُ الكافر عن المُؤمن ويَسهُل معها في ما بعد اعادة تشييد مجموعة فكريّة-فقهيّة سُلطويّة جديدة من البداية . ولذا فهو لا يُقدّم افكارا في النهاية انّه فقط يُقدِّم منهجا "عقليا" يصِلُ بالعقل الى حيثُ لا يُمكِنه ان يتقدّم ، الاّ اذا أعلن عصيانه الكلي للمنظومة وخروجه عنها بشكل صريح مُطلقا قطيعة ابستمولوجية (معرفية ) شاملة . وهنا بالذات مكمن اهمية وخطورة "القرآنيين" ومنهم الطالبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البداية
رائد الحواري ( 2015 / 3 / 10 - 16:45 )
اعتقد باننا بحاجة الى اي شيء/شخص يجعلنا (نتوقف) قليلا عن الايمان المطلق بالافكار ـ فتاوي ـ المقدسة التي وضعها اشخاص يميلون لهذا او ذاك، فرغم عدم تلبية كافة طموحنا من الطالباني، إلا أنه يجعلنا نضع قدمنا في اول خطوة نحو المليون ميل

اخر الافلام

.. 121-Al-Baqarah


.. 124-Al-Baqarah




.. 126-Al-Baqarah


.. 129-Al-Baqarah




.. 131-Al-Baqarah