الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الفساد

سعد الله خليل

2005 / 9 / 19
المجتمع المدني


للفساد تاريخ عريق في المجتمعات العربية، تتركز أسبابه إضافة للقمع والطمع وسياسة التمييز والاضطهاد، في المفاهيم الأخلاقية التي لا تجعل شرف الإنسان في رأسه، بل في إسته. وفي النزعة الفردية التي تقوم عليها فلسفة هذه المجتمعات، وقيمها، والتي تعبر عنها الأمثال الشعبية المتداولة، مثل (بعد حماري لا نبت الحشيش. و من بعدي فليأتِ الطوفان. و ما حك جلدك مثل ظفرك) وغيرها من الأمثال كثير. وهي التي يسميها العوام ب (الحِكم والأقوال المأثورة) ويدّعون أنها تقدم العظة والعبرة للناس، ليبرمجوا حياتهم، ويصيغوا فلسفتهم على أساسها، بالاستفادة من تجارب الأقدمين، وخبراتهم المتراكمة بأحوال البشر، وسلوكهم، وتطلعاتهم، وأصول العلاقة بين الفرد والمجتمع. وإن كان الادعاء غير ذلك، فلأن الكذب والنفاق هما أساليب ووسائل معتمدة، يراها بعضهم مشروعة للنجاة، وتحقيق الغايات، فالغاية تبرر الوسيلة، والضرورات تبيح المحظورات.
لم تكن أول صور الفساد في مجتمعاتنا، الواقعة التي تمثلت في قتل خالد بن الوليد لمالك بن نويرة طمعا في زوجته، أو زواجه بها عشية قتل زوجها، دون انتظار عدتها، في مخالفة صريحة للشرع الإسلامي، مما استدعى غضب عمر بن الخطاب فعزله حين صار خليفة، كما لم تكن أول صور الفساد، الموقف الانتهازي الذي اتخذه بعضهم من الخلاف بين علي ومعاوية، والذي عبروا عنه بمقولتهم الشهيرة: (الطعام على مائدة معاوية أطيب، والصلاة خلف علي أثوب). وما الدهاء، الذي أثار- وما يزال- إعجاب العرب، إلا نوعا من الغش والإيهام والخداع الذي يعكس صورة من صور الفساد.
إن الهدف الأساسي للفاسدين والمفسدين هو امتلاك السلطة والمال، واقتناء الجواري الحسان، والاستمتاع بالملذات التي لا يطيق بعضهم صبرا ولا يقوى على الانتظار للوصول إليها في الحياة الأخرى.
لقد استشرى الفساد في مجتمعاتنا، وأنشب أنيابه في كل مناحي حياتنا، فصارت الفتاوى تباع وتُشرى، والشعارات تؤجر، والمبادئ تنتقل من جيب إلى آخر.
لقد سُمي الشريف العفيف، حمارا غبيا، واللص المنافق شاطرا ذكيا. واتخذ هذا الوباء أشكالا وسلوكيات وأوضاعا لا حصر لها، تجلت فيما تجلت، باللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية، والفوضى المنظمة، والتملق والنفاق، وازدياد الغني غناً، والفقراء فقرا، والاستهتار بمصالح الناس، واحتقار حقوقهم، وإهمال مراكز خدماتهم، وفي تضليل المجتمع، وطمس الحقائق، وتشويهها أو تزيفها، وانتشار الرشوة على كل المستويات بشكل علني وسافر، ووجود تسعيرة للوظائف والمناصب، وسرقة المال العام والخاص، وإفلاس الشركات، والعبث بثروات البلاد، وإثراء الأبناء والأقرباء، وغسيل الأموال المنهوبة أو المشبوهة، وتخريب الضمائر، وتسخير القضاء لخدمة من يدفع أكثر، وتحويل الكتاب والصحفيين إلى مخبرين وأبواق، والأساتذة إلى تجار يبيعون العلامات للطلاب، وتكريس المناهج التعليمة والتربوية التي تجهّل التلاميذ، وتخرب العلاقات بين أبناء الوطن، وتحرض على الحقد والكراهية، والعنف والطائفية، وتقلل من شأن الطوائف الأخرى، ومن شأن المرأة وأهميتها، وتنتقص من حقوقها، وفي التحايل على القوانين وصياغتها على مقاس القلة المتنفذة، وتقريب الموالين والأتباع والمتزلفين والمنافقين، ووضع الرجل الغير مناسب على رأس الإدارات والشركات ومراكز القرار، وإبعاد الأكفاء. وتحويل وظيفة الأجهزة الأمنية من خدمة الشعب وحماية أمنه وحقوقه، إلى حماة للمتسلطين ومصالحهم وأموالهم.
لكن أسوأ مظاهر الفساد وأخطرها في المجتمعات العربية أن الحاكم يكذب على شعبه، والشعوب تكذب على حكامها، والمعارضة تكذب على الجميع، وتبيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: