الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغذية الشر

محمد ابداح

2015 / 3 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تغذية الشر
لاريب أن النقص دليل الكمال في الكون ، على حد وصف الإمام الغزالي ، فاستقامة الشيء لاتعني بالضرورة صلاح حاله، كقوس السهم إن تصلب في استقامته ، فلن يكون صالحاً للإستخدام ، وقد يتم كسره من شدة الضغط عليه، إذن فينبغي على قوس السهم أن يَعْوَجّ قليلاً ، كي تستقيم الأمور ، وليس للأمر أي علاقة بالمرونة على الإطلاق، فالمرونة ذاتية الدافع والمنبع، وهي كذلك من طبيعة الأشياء ولاتخالفها ، كانسياب الماء الطبيعي في جدول ماء متعرج ، وتمايل سنابل القمح مع نسيم الهواء ، فتلك مرونة طبيعية، أما الإعوجاج فهو قسري الدافع والمنبع ، وبعكس طبيعة الأشياء ، لكنه في ذات الوقت ظرف طاريء ضروري لتحقيق هدف ما ، فاعوجاج إبليس في الجنة ورفضه السجود لآدم ، لم يأتي كصدفة محضة، بل لتحقيق الهدف من خلق الله للجنة والنار والثواب والعقاب، ولكي يمثل الشيطان الشر المطلق بالكون ، ويعكس قيم الشر كالكفر والعصيان والتمرد والظلم والإيذاء وغيرها من حزمة المفاهيم المضادة والمناقضة للخير .
ولكي تتحقق الأهداف الإلهية من خلق الكون، كان لابد من خلق أسباب الإعوجاج القسري ، للخروج عن الطريق الذي رسمه الله لعباده ، وإلا فلن يكون ثمة أي حكمة من وجود جهنّم ، والتي تنتظر بفارغ الصبر، اللحم البشري ، كي تشويه وتستلذ بحرقه ، بل وتطلب المزيد (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ)، سورة ق / الآية 30 ، ومن أجل تحقيق هذا الهدف العجيب، فلا يكفي مجرد خلق الشر ، بل كان لابد من تغذيتة ، وإيقاد نيران الإبتلاءات والفتن والصراعات بين البشر، كي يبان المؤمن من الكافر، والعاصي من التائب،(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) ، سورة الإنبياء/ الآية 35 ، فإن إنتهى الشر من الكون ، حتماً ستختل الموازين الكونية ولن تستقيم الأمور، وحاشى لله أن يحصل ذلك، فبقدر ما يكون من خير في الكون ، ينبغي أن يكون شراً بقدره ، كي يكون الصراع عادلاً ومتوازناً بين طرفيه .
لذا فإن هذا الإعوجاج القسري لدى البشر، فطري بالدرجة الأولى ، وتحركه عوامل غريزية داخلية إنسانية ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ-;- وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) سورة ق / الآية 16، وعوامل خارجية (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ-;- إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) سورة فاطر/ الآية 6، إي أن الإنسان يحارب على جبهتين، الأولى داخلية وتتمثل في محاربة رغباته الشخصية وشهواته وغرائزه الفطرية ، والتي يجب عليه أن يسطير عليه لا أن تسيطر هي عليه ، كما أنه يحارب على جبهة خارجية وهي الشيطان ومكائده.

وعليه ، يمكن تفسير كل هذا الصراع البشري ، حول كل شي تقريباً ، دينياً ومذهبياً وفكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وكافة الأمور التي يتعامل الناس فيها مع بعضعهم البعض ، ولكنه في ذات الوقت صراع لايمكن تبريره على الإطلاق، فما تفعله التنظيمات الدينية المتطرفة، على إختلاف مذاهبها ومعتقداتها ومسمياتها، من جرائم قتل وحرق وتدمير لكافة معاني وقيم الإنسانية ، لايبرره أي منطق أو حتى دين سماوي ، لذا فلا نرى أي تفسير لتلك الأفعال المشينة سوى بالعودة إلى الفطرة والغريزة البشرية ، التي قدّر لها أن تكون في شقٍ منها، مائلة إلى الإعوجاج والتطرف ، وذلك لتغذية الشر الضروري وقوعه ، بغية تحقيق الأهداف النهائية من الخلق .
لقد ظهر الأنبياء بين مجتمعات اختارها الله زمانياً ومكانياً بحكمة فائقة، ثم رحلوا تاركين خلفهم رسالات وحي سماوية وتعاليم غيبية، أثارت العديد من الأسئلة العقلية ،استدعت الإجابة عليها وقوع صراعات بشرية دموية ، أحدثت شرخاً فكرياً ومذهبياً استقطب البشر عاطفياً واجتماعياً وأخلاقياً ، وعزلهم عن بعض بحجة المحافظة على القيم الدينية ، ومحاربة الشر والكفر والعدوان ، كما خلف وراءه حقداً وكرهاً وجروحاً نفسية وعاطفية لاتندمل .
وخير شاهد على ذلك ، أنه وحتى بعد مرور أكثر أربعة عشر قرناً على وفاة النبي محمد عليه السلام ، والأحداث الدرامية الهوليودية والأسطورية عند البعض ، والتي وقعت إثر الخلاف الذي نشب بين علي وأبناءه الحسن والحسين بوصفهم آل البيت ، وبين آل معاوية بن أبي سفيان وجماعته ، حول كرسيّ الخلافة الإسلامية ومبايعة الخليفة، فبعد كل تلك القرون الطويلة ، تجاوز الغرب صراعاته الدينية فتطورعلمياً وفكرياً، وصعد إلى القمر والمريخ، أما في الجزء الشرقي من العالم، فلازال جرح الشيعة ينزف ، وسيبقى ينزف في مستنقع الثارات والإنتقام والتخلف ، بل ويرضعون أبناءهم حليب الحقد والقتل ، ويفطمونهم على ثارات الحسين والموت للسنّة ، وبالطبع فإن الشعور العام هو ذاته عند بعض فقهاء السنة في نظرتهم للشيعة كخوارج وكفاراً يحلّ قتلهم.
وبالعودة إلى الصراع الدرامي والهوليودي والأسطوري بين الشعية والسنة ، فإن تلك المصطلحات الوصفية لم يأتي من فراغ ، فحين تقول صراع أسطوري فهو عند الشيعة يحمل ذات المعنى شكلاً ومضموناً ، بل هو صراع تبدو فيه الخرافات الهندوسية أكثر منطقية وقبولاً، ففي عام 2014م أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنه وبالتعاون مع علماء فلك من روسيا وفرنسا وبعض الدول الأخرى، تمكنوا من وضع مسبار فضائي على سطح المريخ ، لأغراض علمية وبحثية ، وبهدف التمهيد لرحلة فضائية مأهولة لذلك الكوكب ، وبذات الوقت تقريباً من العام نفسه ، صدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية بالعتبات الحسينية المقدسة كتاب يحمل عنوان (فرس جبرائيل في عاشوراء!) لمؤلفه الكاتب نبيل الحسني، وهذا الكتاب العظيم يكشف النقاب عن حقيقة كونية من حقائق مأساة كربلاء!، وذلك من خلال البحث الغيبي عند علماء الشيعة من ذوي الكرامات الإلهية ، وهذه الحقيقة الغيبية والكونية، تتناول قصة الفرس الذي امتطاه الإمام الحسين عليه السلام، يوم عاشوراء، وسقط من على ظهره شهيدا، حيث أن الفرس كان هو من ابلغ حرفياً عن مقتل الإمام الحسين ، حينما توجه الى خيام عائلته صاهلاً ومعلناً عن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام! ،وبإن هذا الفرس كان مقاتلا بارعا، إذ قتل وحده أربعين رجلا من رجال يزيد بن معاوية بن أبي سفيان!! ، كما يظهر هذا الكتاب والذي تلقفه الشيعة وكأنه قرآن ، بأن النبي محمد عليه السلام كان يمتلك فرساً سحرياً يدعى (الحيزوم) ، وفق ماورد بالكافي ، وأن سبب عدم تداول هذه المعلومات الهامة، جاء لتعمد أتباع معاوية أخفاء ميراث النبي محمد عن كافة الناس !!، إضافة لمواقف عظيمة لهذا الحصان ، خارقة للعادة وتستحق الوقوف عندها ، وتظهر تفاصيلها كاملة في باقي فصول الكتاب !.
وهنا قد يثار سؤال جدلي ، هل يُلام العلماني أوالملحد حين ينأى بنفسه عن كل هذا الصراع القسري وتداعياته ، والذي يفترض به أن يكون بين الخير والشر؟ ، قد تتطلب الإجابة على هذا السؤال العودة قليلاً للوراء ، والجلوس بحضن أريكة مريحة لمشاهدة فيلم سينمائي عربي قديم نسبياً، ومدته ثلاثة ساعات، يدعى فيلم (الرسالة) ، يظهر هذا العمل الدرامي المُبدع حقاً ، كيفية بدء الدعوة المحمدية إلى الإسلام وعبادة التوحيد ، كما يظهر كافة القيم الإنسانية الأخلاقية التي يدعو إليها الإسلام ، كالتسامح والمحبة والآخاء والتعاون، وحرية التعبير، وضمان التعايش الديني لكافة الشعوب المختلفة الأعراق والأديان والأجناس، ومقارنته بما انتهى إليه الأمر في عصرنا الحالي ، وقد يعلم كيف سيكون حال العرب والمسلمين غداً .
المحامي محمد ابداح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah