الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل العربي و المؤامرة ...

ريهام عودة

2015 / 3 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ عدة قرون زمنية بعيدة، كانت تنتشر في أروقة البلاط الملكية و القصور ، فكرة "المؤامرة" و بدأت بعدها تتطور تلك الفكرة شيئا فشيء ، حتى أصبحت ظاهرة تتبناها مختلف طبقات المجتمع، فأصبح الغني يعتقد أن الفقير يحقد عليه ويريد أن يسرق ماله و بالعكس أصبح الفقير يعتقد أن الغني هو من يتآمر عليه لكي يسلب قوته اليومي.

و لقد كان مصطلح "المؤامرة" يطلق في العصور السابقة على أية أفكار جديدة يتم طرحها من أجل التغيير و الإصلاح الاجتماعي و السياسي و الديني، حيث كان يتم القضاء على تلك الأفكار بتصويرها كأشياء مشبوه و بأنها مخططات خفية لمحاربة الدين و القضاء على العادات و التقاليد الشعبية، لذا تم محاربة عدد كبير من العلماء و الفلاسفة و أصحاب الأفكار المستنيرة في تلك العصور ، فعلى سبيل المثال ، خلال العصر الروماني القديم تم تكفير الفيلسوفه الشهيرة ، هيباتيا السكندرية التي تعد أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات و فلك، لكنها قتلت بسبب أفكارها المستنيرة على يد مجموعة من المسيحيين المتطرفين .

و لقد تطورت نظرية المؤامرة ضمن الشعوب و الحكومات، بدءاً من العصور القديمة و مرورا بالحربين العالمتين الأولى و الثانية حتى فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي سابقا، و ذلك في منتصف الأربعينات حتى فترة التسعينيات ، فقد ظهرت في تلك الفترة من الزمن ، بعض الكتب و الروايات التي تناولت نظرية المؤامرة و الحرب الخفية من أجل إنشاء نظام عالمي جديد يسيطر على جميع شعوب العالم ، و بدأ الترويج لفكرة الغزو الفضائي و الأطباق الطائرة ، حتى أصيب عدد كبير من المواطنين الأمريكيين بأمراض نفسية غريبة قد ربطها البعض بتجارب علمية سرية يتم إجرائها على البشر.

و ساعدت السينما العالمية ، خاصة الأمريكية ، بالترويج لنظرية المؤامرة لدى المواطن الغربي ، عن طريق صناعتها لأفلام هوليودية خيالية تتحدث عن كيفية السيطرة على الشعوب و أن هناك أعداء خارجيين يستهدفون الشعب الأمريكي ، بالإضافة لبعض الأفلام التي تناولت الخطط السرية و التجارب العلمية التي تحاك للسيطرة على الجنس البشري ، فقد كان أشهر تلك الأفلام التي تناولت قضية العالم السري و المؤامرة ،الفيلم الأمريكي الشهير( The matrix) و فيلم ملائكة و شياطين للروائي الأمريكي دان بروان الذي تناول قضية الجمعيات السرية وصراعها مع الكنيسة.

و عند التحدث عن نظرية المؤامرة عند الشعوب الغربية في العصر الحديث ، فنحن نتحدث هنا عن ظاهرة كانت شائعة في حقبة القرن العشرين ،حيث كان الانترنت في بدايته ، و لم يكن هناك وسائل إعلام اجتماعية حديثة منتشرة ، كالتي نتعامل معها الآن منذ بداية القرن الواحد و العشرين مثل الفيسبوك و اليوتوب وغيرها من وسائل الإعلام الجديد .

لذا بسبب بعض الغموض السياسي و عدم الظهور الكامل للحقيقية أمام معظم أفراد الشعوب الغربية خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لبلادهم ،كان سابقاً ، يتم نسب كل شيء غامض ومجهول إلي نظرية المؤامرة، وذلك عادة يحصل عندما يعجز المثقف أو المواطن من إيجاد إجابة منطقية وواضحة لتغيرات مجتمعية أو سياسية تحدث ببلاده .

و لقد انتقلت نظرية المؤامرة إلي المثقف العربي الذي تأثر بما كان يدور من صراع على الساحة الدولية بين القوى العظمى و بين أتباع الحركات السياسة العالمية ذات الانتماءات الفكرية المختلفة مثل الشيوعية و الليبرالية بالإضافة إلي حركات الدين السياسي ، وبدأ المثقف العربي يلعب دور كبير في التأثير على أفكار مجتمعه ، فتفشت نظرية المؤامرة و تغلغلت أكثر فأكثر في المجتمعات العربية، حتى أصبح العربي يبرر أي فشل سياسي أو كارثة أمنية أو أزمة إنسانية و اقتصادية و اجتماعية قد تحل في بلاده ، بأنها تعود لأسباب خفية و لمؤامرة دولية تحاك ضد العالم العربي.

لذا عند حدوث أي كارثة أو أزمة في عالمنا العربي يسارع بعض السياسيون و المثقفون العرب بربط أسباب تلك الأزمات بالمؤامرة و يبدءون تبرير فشلهم في إيجاد حلول لتلك الكوارث بالترويج لدى مواطنيهم لفكرة أن العالم يتآمر على العرب و يريد أن يقضي عليهم و يشوه تاريخهم و ثقافتهم و دينهم ، وذلك دون عمل أي تحليل منطقي و موضوعي لسبب الفشل و الهزائم و النكسات التي تحل في بلادهم .

و يعود هذا الخلل في التفكير العربي إلي طبيعة النظام الفكري الذي يتبناه العقل العربي التقليدي الذي يصدق أي شيء مكتوب أو يبث عبر وسائل الإعلام و يعتبره موثوق ، دون السعي للتحقق من أصل المعلومة و مصادرها ، و يعود ذلك لطبيعة البرمجة الفكرية الخاطئة التي تحتل مساحات كبيرة في العقل الإنساني، فقد عبر عن ذلك الحكيم الهندي الشهير "سادجورو" عندما قال أثناء مقابلة معه بأنه " يجب على الناس أن يتعلموا أن يعيشوا الواقع،و لكنهم ضائعون بسبب طريقة تفكيرهم التي تجعلهم يفترضون إجابات لأية أي أشياء يجهلوها ، و دائما يصدقون هذه الافتراضات، بينما الحقيقة الواحدة تحتاج إلي مئة عام لكي يتم التحقق من صحتها "

ومن أهم مظاهر تبني نظرية المؤامرة عند العقل العربي، هو عندما تطالب بعض مؤسسات حقوق الإنسان ، الدول العربية باحترام حرية التعبير عن الرأي و حقوق المرأة و غيرها من الحقوق المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، عندها تبدأ الاتهامات تتوالى ضد تلك المؤسسات ، و تظهر على الساحة محاولات لتشويه صورة تلك المنظمات الحقوقية باتهامها تارة بأنها تعمل لصالح أجندة خفية استعمارية و تارة بأنها تعتبر تدخل سافر في الشأن الداخلي للبلاد.

ومن المظاهر الأخرى لنظرية المؤامرة أيضا ، هو عندما لا يعترف العرب ، أن هناك خلل ما في النظام الاجتماعي العربي بسبب ضعف نظام التعليم العربي ، الذي يعتمد على منهجية الحفظ و التلقين و لا يشجع على التفكير الإبداعي و النقدي ، الأمر الذي أدى إلي سهولة سيطرة أي جماعة متطرفة على عقول الشباب العربي عن طريق تلقينه ثقافة العنف و التطرف ، فلو تم تربية العقل العربي على التفكير التحليلي و النقدي ، ما وقع بعض الشباب العربي كفريسة سهلة للجماعات الإرهابية المتطرفة ، لكن للأسف المواطن العربي ينكر هذا الواقع ، لأنه يعتقد أن كل ما يدور حوله هو مجرد مؤامرة عالمية للقضاء عليه.

لذا دائما نحن العرب نربط عدم إدراكنا بالحقائق و أسباب الواقع الأليم الذي نعيش به ، بالمؤامرة الخارجية لدرجة أننا أصبحنا نعطي قوة مبالغة لتلك الدول الغربية التي تحاول أن تلعب عدة أدوار مختلفة في عالمنا حسب حاجتنا و مصلحتنا منها، فتارة تكون بمثابة الشيطان الأكبر الذي يهدف بطرق خفية لتفريق العرب و تارة تكون بمثابة الأخ الأكبر الذي يرعى السلام و الأمن في الشرق الأوسط الكبير،وهذا إن دل على شيء ، فهو يدل على ازدواجية التفكير العربي الذي دائما ما يحمل في طريقة تفكيره الشك و الريبة من كل شيء جديد على ثقافته أو غريب يأتي إلي بلاده من وراء البحار.

لذا إذا أردنا أن نلحق بركب الدول المتقدمة، يجب علينا أولاً كعرب أن نحسن النيه و في نفس الوقت أن نتوخى الحظر من الأعداء الحقيقيين الذين للأسف بعضهم خرج من بيئتنا ومجتمعنا ، و بالرغم من أن العالم الغربي قد أخطأ بالسابق كثيرا في حقوق الشعوب العربية ، حيث عانت الدول العربية على مر العصور من الاستعمار الأوروبي و الاحتلال الإسرائيلي و الغزو الأمريكي ، لكن تلك الدول الغربية بدأت تعترف بأخطائها حول ما سببته من انتهاكات في حقوق الإنسان ضد العرب، وبدأ بعضها يمد يد السلام للعرب ، فلا أحد يستطيع أن ينكر حجم المساعدات الإنسانية الغربية التي يوفرها الغرب للاجئين من الحروب في الدول العربية مثل سوريا و فلسطين و لبنان و لا أحد يستطيع أن ينكر حجم المساعدات المالية الغربية التي يتم تقديمها للحكومات العربية ، لذا فإنني أرى هنا ، بأن هناك مبالغة كبيرة من العرب بتصوير أن جميع الدول الأجنبية و التي لا تدين بديانة الإسلام ، بأنها مجرد دول كافرة و تتآمر على العرب ، بينما تستضيف تلك الدول أعداد ضخمة من المهاجرين العرب وتدمجهم ضمن مواطنيها الأصليين حيث الجميع متساوي أمام قانون و دستور الدولة.

و بغض النظر عن صحة نظرية المؤامرة أم لا ، فلابد للمواطن العربي بشكل عام و المثقف العربي بشكل خاص، أن يتبني دائما منهج التفكير العقلي و التحليلي، و أن يقوم بالحكم على الأمور و القضايا من وجهة نظر موضوعية و أن يتأكد من مصدر أية معلومات تنشر عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة ، دون التسرع في افتراض الإجابة المطلوبة عن أية أمور قد تبدو غامضة له و لا يعرف حقيقتها .

و يجب أيضاً أن لا تكون كلمة " مؤامرة " هي أسهل إجابة يحصل عليها المواطن العربي عند تساؤله عما يحدث من حوله ، و عندما لا يمتلك المثقف أي معلومات حقيقية عن المشكلة ، فما أسهل أن نحيط أنفسنا دائما بأعداء ومنافسين وهميين ، تم خلقهم من بنات أفكارنا المشوهة بسبب الجهل و العنف و القمع المتواجد في بيئتنا العربية .

لذلك يجب علينا كعرب أن نتحمل المسئولية عن أخطائنا التاريخية و أن نعترف بأننا ساهمنا بخلق الواقع الذي نعيشه بحلاوته ومره ، و أن ما يحدث لنا هو نتيجة قراراتنا المتسرعة و طريقة إدارتنا للأمور، فالإنسان بشكل عام ربما لا يتحمل مسئولية ما يحدث له بنسبة 100% لكنه يستطيع أن يتحكم على الأقل بردة فعله لما يحدث له ، و ذلك في حال كان لديه وعي كبير و علم نافع ينيران له الطريق إلي الحقيقة.

و أخيرا ، أعتقد أنه إذا ما أراد الإنسان العربي ، أن يتطور و يتخلص من تبعية العالم الغربي، عليه أولا أن يدير حوار جدي مع ذاته ومن ثم مع مجتمعه من خلال تبني ثقافة المساءلة و التقييم الذاتي و المجتمعي لطريقة تفكير جماعية تطغى عليها ملامح نظرية المؤامرة و إنكار المسئولية الجماعية عما يحدث في المجتمع من خلل في كافة مجالات الحياة الإنسانية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى حماس لاستنساخ تجربة جزب الله في لبنان داخل غزة لبناء


.. أمريكا.. الشرطة تعتقل طلابا في احتجاجات مؤيدة لفلسطين بجامعة




.. تجمع فرق البحث والإنقاذ للعثور على طائرة نائب رئيس مالاوي


.. استهدف الاحتلال الإسرائيلي منطقة الهرمل في لبنان




.. الإعلام الإسرائيلي يسلط الضوء على المشهد السياسي المحتقن