الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهمُ الجدار الأزرق !!(الجزء 1)

خالد غميرو

2015 / 3 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وهمُ الجدار الأزرق !!
(الجزء 1)


إن الجدار هو الفضاء الوحيد المتاح للسجناء للتعبير فيه عن أحلامهم و إنتظراتهم، وهو أيضا الحاجز الملموس و الواقعي بالنسبة لهم، الذي يجعلهم بعرفون أنهم ليسوا أحرارا، و معزولين عن العالم و الناس، وفي حياتنا العامة واليومية في المجتمع، للجدران علاقة خاصة معنا، فهي تشكل الوسيلة التي تجعلنا نحس نوعا ما بالآمان، لأنها تحمينا من الآخطار و الكوراث، و نخلق بواسطتها فضاءات شخصية خاصة بكل فرد، لا يتجسس فيها عليه الآخرين، ويستطيع القيام فيها بالأشياء التي يفرض عليه المجتمع إخفاءها، لإعتبارات دينية و أخلاقية أو قانونية، وهذه الفضاءات هي التي نسميها بالمساكن، لذلك نحن الآن نقبل بأي نوع من المساكن و كيفما كانت حالتها، المهم أن تتوفر الجدران التي تشعرنا بالآمان، خاصة في مجتمعاتنا الغير آمنة، ونحن نقدس هذه الجدران و نحميها و ونواليها عناية خاصة، لأنها تعويضنا الوحيد عن الأمان و الراحة، التي لا نجدها في الشارع و في علاقتنا بنظام المجتمع، هذا ما جعل المساكن تتحول تدريجيا إلى "سجون مفتوحة"، الفرق بينها و بين الزنازين، هو أن هذه الأخيرة يملك مفاتيحها المجتمع و نظامه، أما "المساكن"، فنحن من نملك مقاتيحها "لنحمي" أنفسنا من المجتمع و نظامه..
لكن ما أريد أن اتحدث عنه في هذا المقال بالتفصيل، هو نوع آخر من الجدران، جدار شيدته التكنولوجيا الحديثه، يستمد صلابته من هذين العلاقتين اللتان ربطناهما مع الجدران في مجتمعاتنا، فهو ليس فقط يسجنك، بل يخلق لديك وهم بأنك حر، و يخفي عنك وجوده بواسطة الوهم الذي يخلقه لديك، ليجعلك لا تراه و لا يمكن أن تراه، وهذا الجدار هوالذي يسمى، بالعالم الإفتراضي أو مواقع التواصل..
في السنوات العشرة الأخيرة إنجدب عدد هائل من الناس، خاصة الشباب، إلى هذا العالم الجديد الذي بشرت به تكنولوجيا الإعلاميات، والذي سمي بالشبكة العنكبوتية، و في الحقيقة إن من أطلق هذا الإسم على هذا العالم الجديد، ربما كان يعي ما يحمله هذا الإسم كحقيقة لهذا العالم، فعندما تقع الحشرة الضعيفة التي لا تملك وسائل للمقاومة، في الفخ الذي تنصبه العنكبوت بواسطة الشبكة، لا تستطيع الخروج منها أبدا، لذا يمكن أن نقول أن هذه الفئات العريضة التي تماهت مع هذا العالم الجديد وعلقت فيه، كانت كالحشرة الضعيفة التي علقت في شبكة العنكبوت، وبالنسبة لنا الوسيلة الوحيدة التي نملكها للمقاومة هي الوعي، وهذا هو الغائب الأكبر عند هذه الفئات العريضة، المنبهرة بهذا العالم الجديد..
بالعودة إلى موضوع هذا المقال الذي هو الجدار، وهو آخر إنجزات الشبكة و أكثرها ثأتيرا وخطورة، لأنه يقوم بدور مهم في تعطيل تطور وسيلة المقاومة، أي الوعي. ولكي أكون أكثر وضوحا، يجب أن أجيب عن ماهو هذا الجدار،و كيف يقوم بتعطيل تطور الوعي؟
بداية يجب أن نختار مثالا من هذا العالم الجديد لكي ندقق أكثر وجهة نظرنا، و أقرب مثال يمكن أن نختاره هو أكثر مواقع "التواصل" تأثيرا لحد الآن، و الذي إخترعه شاب منبهر بالعالم الجديد، و طورته الشركة التي تبنت هذا الإختراع بطريقة ذكية، بحيث إستقطب الملايين من شباب العالم، طبعا الجميع يعرف الآن، هذا الموقع "العظيم" الذي يسمى ب"فيس بوك"..
من المعروف أن هذا الموقع هو من أجل التواصل و تبادل المعلومات فقط و تقريب المسافات البعيدة بين مستخدميه، لكن وراء هذا الهذف الذي يبدوا نبيلا، هناك هدف آخر لتسطيح الوعي و سجنه، و يبدأ ذلك من الطريقة التي تقدم بها المعلومة في ذلك الحائط، فالفيسبوك تُنشر فيه معلومات هائلة وممكن أن تكون مفيدة، لكن السؤال هو ليس طبيعة المعلومة و نوعها، سواء كان خبرا أو صورة أو مقال أو شريط.. و لكن السؤال الذي يجب طرحه هو كيف تُقدم هذه المعلومات وكيف تنشر؟
أولا هناك عدد هائل من المعلومات تنشر كل ثانية، معلومات لا تحصل عليها في مكان آخر، لا في المدرسة، ولا في البيت ولا حتى في الصحف، أو القنوات الإعلامية الأخرى، وبطبيعة الحال هذه المعلومات تعتبر "حرة"، لا رقابة عليها، و يزداد عدد هذه المعلومات كلما إزداد عدد أصدقاءك، و عدد المجموعات والصفحات التي تنظم إليها، بحيث أنك لا تستطيع متابعتها إلا إن جلست أطول مدة ممكنة أمام الحائط. وثانيا الطريقة التي تمر بها هذه المعلومات تكون متلاحقة مثل الأمواج، بحيث أن المعلومة الثانية تنسيك في الأولى، و بالتالي تتعامل معها بشكل لحظي، لتصبح المعلومة حدثا، ينتهي عندما يظهر حدث أخر أكثر أهمية، فتكون أمام سلسلة من الأحداث، ووسط هذه السلسلة يصعب أن تستفيد وتتابع المعلومات المهمة التي تُنشر، لأنها تضيع بسهولة، ولايمكنك أيضا أن تضبط المعلومات و تصنفها، و هذه هي العملية المهمة التي يجب أن يقوم بها العقل لكي يفهم، كالأمواج، فنحن لا نستطيع تميز موجة عن أخرى، لأنها تتلاحق بسرعة، بحيث لا نستطيع تميزها بدقة. لكن ليس هذا كل ما في الأمر، فهذه الطريقة ليس الهدف منها تشويش الفهم فقط، ولكن ربح الوقت منك، بخلق نوع من المتعة، فهذا التلاحق من الأحداث هو ما يجعلك مستمتعا، ولا تحس بالوقت التي تقضيه و أنت تلاحق وتستهلك هذا العدد الكبير من الأحداث، وهذه أول قاعدة للإستقطاب في هذا العالم..
سنذهب الآن إلى الهدف "النبيل" الآخر، وهو التواصل والعلاقات التي تنشأ عنه، وفي الحقيقة هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة كبيرة، لا يمكنني أن أدعي أني أستطيع إنجازها في هذه السطور، لكن ما أود الإشارة إليه، هو بعض الأسئلة التي يمكن أن تكون مقترحا لبداية الإهتمام بهذا الموضوع، وسأنطلق من تجربتي الخاصة بإعتباري أحد مستخدمي هذا الموقع..
قبل ذلك أود أن أشارككم سؤالا لطالما طرحته على نفسي، وهو ما أهم شيء يجب أن يتوفر فينا، لكي يجعلنا نربط علاقات كثيرة و متعددة؟
وجدت، أن الجواب الذي يفرضه واقعنا الحالي، أنه يجب أن تكون لك شخصية مميزة، بمعنى أن يوجد فيك مالا يوجد في الآخرين، أو ما يطمحون أن يصلوا إليه، و بالتعريف المتداول أن تكون "نجما"، فذلك فقط الآن في مجتمعاتنا ما يقرب الناس إليك بسرعة، ويجعلهم يعجبون بك، لأن الأغلبية لها هذا الطموح، طموح الشهرة و "النجومية"، فهذا ما يُسوق لنا عبر وسائل الإعلام والأفلام، وهو النمودج الذي نعتبره يساوي النجاح و الشخصية المحبوبة و المميزة، ومن هنا تبدأ أهم أسباب نجاح "الفيسبوك"، لأن فيه يمكن أن تحقق هذه "النجومية" بسهولة، و تصل لائحة أصدقائك و المعجبين بك إلى أعداد كبيرة، لا يمكن أن تصل إليها في الواقع اليومي الذي تعيشه، وبدون أن تقوم بأي مجهود كبير، فقط أن تقوم بما يعجب معجبيك، وما يتساير مع الأحداث التي يستهلكونها، و هذا أول شيء تنبني عليه العلاقات في هذا العالم، لكن هذا يحيلنا على سؤال آخر وهو كيف تبنى هذه "الشخصية المميزة"؟
هذا السؤال يوجد جوابه في عدد الإعجابات و التعليقات التي تجمعها من أصدقائك، على ما تنشره و تكتبه و تشاركه معهم، وفي الخضوع لما يعجب أصدقائك مهما كان تافها، و بالأسلوب الذي يفرضونه عليك، يعني أن تتماها مع أذواق الأغلبية، ومع الأحداث التي تدخل في دائرة إهتمامهم، و أن تظهر دائما في صور جميلة، حتى لو كانت تخالف طبيعتك وما تفكر فيه فعلا، و تبقى دائما تكتب بنفس الأسلوب و حول نفس المواضيع التي تجمع أكبر عدد من الإعجابات، وهذا يعني أن تخضع تماما للرقابة التي تفرضها عليك الإعجابات، وهذه الرقابة تنتقل تدريجيا إليك لتصبح أنت من تفرضها على نفسك، و أظن أن الكثيرين من "سكان الفيس بوك" يعرفون ما أقصده، فلا أحد منهم ينشر شيئا، بدون أن يفكر مسبقا في عدد الإعجابات التي سيجمعها، ويظل ينتظرها ويعدها، لأنها الدليل على أن الكثيرين يهتمون به، ومعجبون بما شاركه معهم، و أنه نجم وسط لائحته أصدقائه، وهنا تضيع الحرية، لأنك تفكر و تعبر على أساس ما تفرضه عليك الإعجابات، وتتماها مع الأحداث ومع مايحب معجبيك، وليس ما تريد أنت وما يسمح لك به وعيك و تفكيرك و مشاعرك الحقيقية، لأن ذلك قد يقضي على شخصيتك المميزة، لذلك تصير الشخصية المميزة مرادف للشخصية المزيفة، لكن هذه الشخصية أنت المسؤول الأول عن صناعتها، لأنك تريد أن تكون نجما و محبوب ولديك الكثير من المعجبين، أما الفيسبوك فلا يقوم سوى بتعزيزها بطرق كثيرة، و أهمها التطبيقات و الإختبارات الموجودة فيه، (كالأبراج مثلا، أو ألعاب الحظ، و إعرف تشبه من من المشاهير، و إعرف شخصيتك..إلخ)، والتي تظهرك دائما شخصا إجابيا، وفيك أشياء مميزة كثيرة، و في المقابل لا تعمد أبدا على ذكر أي شيء قد يجعلك تشكك في شخصيتك، ويعتمد في ذلك على معلوماتك الشخصية و صورك وما تنشره، تماما كما يفعل الدجالين و السحرة.
إذن تصوروا كيف يمكن أن تنشأ و تكون العلاقات، التي تبنى على هذه الشخصية المزيفة، أكيد هي أيضا ستكون مزيفة، وسيكون هاجسها الأكبر هو الحفاظ على صورة هذه الشخصية، لذا سيكون عليك أن تبقيها دائما في الفيسبوك و لا تخرجها منه، ولكي تبقيها بداخله بجب أن تبقى معها أنت أيضا، وتخضع لها تماما، وستصبح أغلب علاقتك أو ربما كلها موجودة فقط إفتراضيا، لأنك تخاف أن تفضح الشخصية التي صنعتها وراء الجدار، وستجد هذا الأمر حاصل بدرجة كبيرة عند الذين يقضون أطول فترة داخل هذا العالم، وستجدهم أيضا نادرا ما يتواصلون مع واقعهم، ويبتعدون عنه شيء فشيء، خصوصا بعد التطور التكنولوجي الذي أنتج ما يسمى "بالهواتف الذكية"، والتي سهل هذا الجدار على الشركات، ترويجها وبيعها لتصبح في متناول الجميع، واأيضا ليستطيعوا حمل الجدار معهم إلى أي مكان، و أينما ذهبوا، لأنهم يجدون متعة أكبر في التواصل، لا يجدونها مع محيطهم اليومي، فيصير هذا العالم هو عالمهم وواقعهم، لأن لا أحد ينظر إليهم مباشرة، فهناك جدار "يحميهم"...
و قبل أن أنهي هذا الجزء من المقال، يجب أن نسأل مالذي يخفيه بناء و تشيد مثل هذا الجدار، و من المسؤول على بناءه بهذه الصورة، ليكون طريقة لتعطيل الوعي، بدل فتح المجال أمام إنتشار المعلومة بسهولة، و تحقيق تواصل أفضل للعالم و لشعوبه؟ وهل هذه التكنولوجيا الساحرة و العجيبة التي إخترعها الإنسان ولا زال يطورها، من أجل أن تسجنه و تكون وسيلة للتحكم، أم لتحرره و تحقق له بدائل أخرى أفضل للعيش؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع