الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية الإلحاد 2

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2015 / 3 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


* بين الضروري وجوده، والمحتمل وجوده*

الغيب واجب الوجود، والكون محتمل الوجود، ولكن إرادة الغيب تفضي إلى وجود الكون باستمرار، ولو انعدم هذا الكون ستوجد غيره، هذا يعني أن الاستمرار هو سنّة الوجود المحتمل الذي يتشكل ليفنى، بأمر الغيب واجب الوجود.... فإذا فني تشكل غيره...

ولكنه استمرار مشدود إلى أصله الساكن، معترف بأن الوحدة حق، يواسي لوعة الوحدة لما يسببه لها الاستمرار في الانفصال من أسى، يواسيها بحبه، لكنه يواصل ... يواصل ويجعل الوحدة في قلبه، وينظر إليها بعين الممتن العاشق ....

وهذا هو الصراط المستقيم .... صراط الذين أنعمت عليهم (أهل التوازن بين الوحدة والانفصال، بين الفناء والاستمرار، بين الإفراط والتفريط)..... غير المغضوب عليهم (أهل الاستمرار الذين لا يلتفتون إلى الوحدة) ولا الضالين (أهل الفناء الذين لا يسعون للاستمرار)...

وفي قول الله "ابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا" إشارة إلى هذا التوازن، استمرار الدنيا (استمرار وجود لدنيا ما) في موازاة استمرار الغيب... استمرار الظاهر كتجل للباطن.


إن الوجود الواجب قادر على تمديد وجود ما هو محتمل الوجود إلى الأبد، وهذا لا يجعلهما متساويين، كون الواجب الوجود سيبقى دائما سابقا للمحتمل، منشئا له... محيطا به ... شاهداً عليه...

ولكن محتمل الوجود خائف مرتاب، ويحتاج إلى تطمينات من واجب الوجود بأنه لن يكون مجرد طيف خيال مرّ في خاطر الغيب، في خاطر الله عزّ وعلا، ثم انطفأ كما تنطفئ الشمعة....

حتى إبراهيم الخليل يسأل الله "أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي".....


*حال الأغلبية المحجوبة والقلة المكشوفة*

(ونفس وما سواها)

إن النفس محتملة الوجود، وهي على عدة أنواع ..... فنوع اعتبر كل ما هنالك محتمل الوجود، وأنه لا يوجد وعي إلهي واجب الوجود، وهم الملحدون..... وفيهم أيضا أهل فناء وأهل بقاء ..... أهل الفناء منهم يتقبلون الموت ويقولون "الموت لا يعني لنا شيئا يكون فلا نكون".... أما أهل البقاء، فمعاناتهم أكبر، ومنهم أهل الإنجازات الكبيرة من الملحدين الذين يريدون أن يحققوا أكثر ما يمكن تحقيقه من إنجازات قبل الموت.... في حين أن أهل الفناء منهم يريدون تحقيق أكبر قدر من الملذات قبل الموت .... أو يريدون حياة هانئة ساكنة يعيشون فيها للحظة.

والنفس متقلبة وليست حادة بالشكل الذي يجعلهم يجزمون بأنه لا وجود للوعي واجب الوجود.... خاصة مع ما يرونه خلال حياتهم اليومية، وما يتجلى لهم على المدى الطويل، من نسق في الأحداث، والمقاصد التي يفهمونها لاحقا وفي وقتها، واللطف الخفي اليومي، والتوجيه الباطني للأحداث الظاهرة، وللمظاهر والظواهر.

النوع الثاني بين محتملي الوجود هو أهل الإيمان باللسان، وهم قوم يسلّمون فلسفيا أو دينيا أو "تراثيا" بغيب واجب الوجود، ولكنهم في اغتراب عن الإحساس به يقينا، ولأن النفس البشرية متقلبة وليست حادة بالشكل الذي يجعلها تجزم بشيء، فهؤلاء خائفون، يتقبلون الموت ويتجنبونه، يسعون للملذات (فناء) وللإنجازات (استمرار) ويحاولون مثل الملحدين تناسي الموت باعتباره بوّابه لم يعد أحد منها...

النوعان الأول والثاني هما كل البشرية تقريبا، والله يوضح للناس أنه ما كان ليطلعهم على الغيب بشكل يقلل همة الناس عن الاستمرار والكد والجهد، لأن قيام دليل قاطع أمام البشر على وجود حياة بعد الموت سيجعل عجلة الاستمرار تتوقف، فعجلة الاستمرار وقودها محاولات الناس لاستنفاد حدود الممكن، وهذا اللايقين مما بعد الموت هو الذي أدى للإبداع والابتكار والإنجازات الكبيرة..... إن كون الغيب محجوبا ومستورا هو سنة الحياة وطريقة استمرارها... وبغيرها يفسد العالم ... "فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه"... نعم إن رغبة الاستمرار هذه هي وراء كل ستر للغيب عن الناس....


"وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله".... وهذا هو النوع الثالث، نوع نادر.... ينكشف أمامه الحجاب لأسباب تستدعي تدخّل الغيب في الأحداث بما لا يتعارض مع الاستخلاف .... فبدلا من التدخل الإلهي المباشر في تصريف الأحداث، أو الإيحاء بأفكار معينة لبعض الناس (inception)، فإنه بانكشاف الحجاب لأناس معينة، يمكن توجيههم لأعمال معينة بما لا يتعارض مع الاستخلاف، كون هذا التوجيه ليس ملزما ....


إن الاستخلاف (قبول الغيب واجب الوجود باستقلال نسبي لإرادة محتملي الوجود عن إرادة الغيب) لا يستثني من تم هدم الحجاب أمامهم، فلهم أيضا أن يكونوا من أهل الفناء أو أن يكونوا من أهل البقاء... ولهم أن يتخذوا الموقف الذي يشاؤونه، فهم مستخلفون، يتحملون نتيجة أفعالهم.


"ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل الطرق تؤدى الى روما
قارئ ( 2015 / 3 / 15 - 20:40 )
عزيزى انا اقرأ لك منذ 2013 ولولا قرائتى لمقالاتك الاخيرة لقلت ان احد الاشقياء قام بسرقة ايميلك ليكتب هذا الكلام..انا لست ملحد فلا تمثل لى نهاية الالحاد من عدمها اى اهمية.. لكن هذا الكلام لا يكتبه باحث عن الحقيقة بل شخص وجد الحقيقة بالفعل او بالاحرى شخص شرب الحقيقة وتلقاها فى صغره خاصة المقال السابق الذى يمتلئ باساليب الجزم والتقرير والاسلوب العاطفى
بالنسبة لى فانا اوافقك على بعض ما جاء فى المقال فالغيب يبدو محجوبا بالفعل انت استنتجت استنتاجا اما انا فاستنتجت استنتاجا اخر ..ماذا لو لم يكن هناك غيبا اصلا؟ارأيت توجد نتائج كثيرة يمكن تخمينها
انت استنتجت ان سبب عدم اطلاع الله الغيب للناس لاستمرار الكد والكفاح الخ..ماذا لو كان كل هذاعبث فى عبث ولا يوجد غيب ولاحقيقة اليس الطريق واحد لكل النتائج؟..انت ترى فكل الناس يعملون ويجتهدون كالالات من اجل تحقيق مكاسب ومصالح شخصية لا من اجل اهداف تستحق الا يوحى هذا بالعبث والعشوائية؟ السؤال هو ما الجدوى من كل هذا العالم؟ ولماذا ينكشف الحجاب امام بعض البشر دون غيرهم وكيف يكون هذا لا يتعارض مع الاستخلاف؟


2 - روما
محمد عبد القادر الفار ( 2015 / 3 / 15 - 22:11 )
حين تشد الرحال إلى روما سأدعو أن تكون طريقك طويلة

أنا لم أشر إلى وجود غاية ولم أخض في الأهداف أو المقاصد، فلكل فعل ردة فعل ولكل قول ما يناقضه، أي أن كل شيء في حالة تعادل إيجابي (الوجود) قد يبدو أنها تناظر التعادل السلبي (الفناء النظري)، وبما أن لكل ظاهر باطنا، فالظاهر (ولو على مستوى معين) هو غاية الباطن.

وأشكرك للمرور، وبمتابعة ما أكتبه منذ ذلك الزمن.


3 - متصوف
ماجدة منصور ( 2015 / 3 / 15 - 23:53 )
هل حضرتك متصوف؟؟
أرى أنك تعوم في بحور المتصوفين!! فهل صدق حدسي يا ترى؟؟
احترامي


4 - نهاية الاديان
جابر بن حيان ( 2015 / 3 / 16 - 09:54 )
لكن الحقيقة التي لا مفر منها هي نهاية الاديان لقد بدات بالفعل وما داعش وامثالها الا دليل قاطع عى ذلك


5 - افصح رحمك الله وهداك
عبد الله اغونان ( 2015 / 3 / 16 - 14:53 )


هل وجد السيد محمد عبد القادر الفار ربه وبدأ في التامل الى طريق الحق

نرجو ذلك فبعد التيه والضلال ياتي النور

اشتدي أزمة تنفرجي

الحياة لانعلم الا ظاهرها يلزمنا مصباح كي نرى في هذا الظلام

يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون

اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه

وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه


6 - مقعول
ابو العزوز ( 2015 / 5 / 27 - 08:00 )
ربما اصبحت متصوف او معتزلي

لكن ان تعود للإيمان بخرافات السلفية و الوهابية ...مستحيل ان لا اعتقد انك تؤمن بالوهابية

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah