الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة الحركة الإسلامية في العراق 1980 – 2003 / الحلقة 29

عباس الزيدي

2015 / 3 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قيادة الحركة الإسلامية في العراق
1980 – 2003
الحلقة 29
عباس الزيدي – عبد الهادي الزيدي
تصدى للمرجعية بعد وفاة الخوئي آخرون، منهم : الشيخ علي الغروي التبريزي، الشيخ مرتضى البروجردي، الشيخ محمد اسحق الفياض، السيد علي السيستاني، السيد محمد سعيد الحكيم، السيد حسين آل بحر العلوم، السيد محمد علي الحمامي، الشيخ بشير الباكستاني.
وكان هؤلاء بين مستقل أو منضوٍ تحت مرجعية أخرى، فبعد وفاة السيد الخوئي لم يكن هناك من يرجع إليه الناس ويعرفونه غير السيد السبزواري، إلا من كانت له معرفة وعلاقة خاصة ببعض المراجع، ولكن في نفس الوقت كان هناك المراجع المستقلون : السيد محمد الصدر الذي يمثل الامتداد الوحيد لمرجعية ومدرسة السيد محمد باقر الصدر، والسيد علي السيستاني الذي انضم تحت مرجعيته مؤقتاً الشيخ البروجردي والشيخ الفياض(1) حتى استقلوا نسبياً بعد ذلك، وهؤلاء الثلاثة يمثلون إمتداداً لمرجعية ومدرسة السيد الخوئي، ولكنهم بقوا مرتبطين مالياً بالسيد السيستاني، إذ كان هو الممول لهم والمتكفل بحاجاتهم ورواتب طلابهم، أما الشيخ علي الغروي فكان منضوياً تحت مرجعية السيد السبزواري أيام مرجعية الأخير الى حين وفاته. وقد واجه الشيخ الغروي مشاكل مع السيد محمد تقي الخوئي الذي أصبح يدير كل شؤون مرجعية أبيه في السنوات الأخيرة من حياته، لأن الشيخ علي الغروي لم يحسب نفسه على مرجعية الخوئي في حياته، وقد طرح نفسه كمرجع مستقل بعد وفاة السيد السبزواري، وطرح السيد محمد سعيد الحكيم نفسه كمرجعية مستقلة منذ خروجه من السجن مباشرة ولم يحسب نفسه على أية جهة أو مرجعية سوى مرجعية جده لأمه السيد محسن الحكيم الذي توفي عام 1970.
هؤلاء أهم مراجع النجف، وكلهم طبعوا رسائلهم العملية وباقي مؤلفاتهم في وقت واحد أو متقارب، وكانت مكاتبهم تستقبل الزائرين بشكل مستمر ومن دون أية رقابة معلنة أو مضايقة، كما كانوا يقبضون أموال الخمس وغيرها من دون مسائلة من أحد.
وسُمح لهم بإقامة صلاة الجماعة بِحُرية، فكان السيد الصدر يصلي في رواق حرم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو مكان موروث عن جده لأمه الشيخ محمد رضا آل ياسين، وبعد وفاة الأخير صلى فيه والده السيد محمد صادق الصدر، وبعد أن فرضت عليه الإقامة الجبرية انقطع عن الصلاة هناك لعقد من الزمان :
((وكان قد شغل المكان في تلك الفترة أحد المحسوبين على النظام وهو (السيد نوري الموسوي) فمانع الأخير بحجة أن هذا مكاني منذ ثلاث سنين، فأرسل إليه السيد الصدر أن هذا مكان الأسرة منذ خمسين سنة، فحاول ذلك الرجل الإيحاء الى السيد الصدر بأنه قد يضره من جهة السلطة، لكن السيد الصدر ثبت على موقفه وظل محتفظاً بالمكان(2))).
واستمر بإقامة صلوات الظهرين والعشائين في هذا المكان. ومع اتساع مرجعية وكثرة المصلين خلفه بقي يصلي الظهرين في نفس المكان، وتحول الى الصحن العلوي لسعته وقت صلاتي المغرب والعشاء.
وأقام الشيخ علي الغروي الصلاة داخل الحرم العلوي، والشيخ مرتضى البروجردي في باحة الحرم العلوي، وأصبح مسجد الهندي تحت تصرف وتولية السيد محمد سعيد الحكيم، فكان يقيم الصلاة فيه بالتناوب مع والده السيد محمد علي الحكيم، ولكن محمد سعيد الحكيم إضافة الى ذلك كان يقيم صلاة الفجر داخل الحرم العلوي.
وأقام السيد حسين آل بحر العلوم الصلاة في جامع الطوسي، وكان يستقبل زواره ويلقي دروسه فيه، وأقام السيد رضي المرعشي (من المقربين للسيد السيستاني) الصلاة في مسجد الأنصاري ويسمى أيضاً (مسجد الترك)، وأقامها السيد علي السبزواري في المسجد الذي كان يقيمها فيه أبوه، أما السيد علي السيستاني الذي أقام صلاة الجماعة في مسجد الخضراء أيام السيد الخوئي الأخيرة فقد أقام الصلاة والدرس في مكتبه بعد إغلاق المسجد بداعي الترميم، وحاولت مؤسسة الخوئي في لندن أن تسبغ على قضية إغلاق المسجد طابع العداء من قبل الحكومة العراقية للسيستاني وهذا ليس صحيحاً، فلعزوف السيستاني عن الصلاة في مسجد الخضراء قصة أخرى لم تنس بعدُ لمن كان يتابع تلك الفترة، وحقيقتها أنه في يوم الغدير 18 ذي الحجة 1414 هـ، هو اليوم الذي تتوافد فيه الى النجف الملايين من الشيعة لزيارة ضريح أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان السيستاني يصلي صلاتي الظهرين كالمعتاد في هذا المسجد، ونظراً لكثرة الزائرين الذين كانوا يصلون في المسجد الملاصق للصحن الشريف فقد خرجوا بعد الصلاة مهللين للسيستاني وقد علا هتافهم بـ(صلُّوا على محمد) وحملوا السيستاني من الأرض فوق أكتافهم، مما أدَّى الى تدخل الشرطة والأمن العراقي لحمايته وأوصلوه الى منزله بعد تفريق الحشود، وفي مساء نفس الليلة ظهر محمد رضا نجل السيستاني على شاشة التلفزيون العراقي ليعلن أن ما حدث مرفوض وأن والده السيستاني غير راضٍ عن ما حصل، وفي اليوم التالي كان المسجد مفتوحاً كالمعتاد وألقى محمد تقي الخوئي درسه المعتاد فيه وهو منشرح الصدر لما حصل، ولكن السيستاني لم يعد مرة أخرى الى المسجد، ليس لأن الحكومة العراقية ترفض عودته، ولكن لأن مرجعية السيستاني التي تمثل الإمتداد الطبيعي لما قبلها ترفض السلوك المخالف للهدوء المميت الذي كانوا ولا زالوا عليه. خاصة أن آثار انتفاضة 1991 ما زالت ماثلة، ولم يكن السيستاني ليرغب في أن يحسب ضمن هذا الاتجاه بأي شكل، هذا هو السبب الرئيسي لإغلاق المسجد، وكل من يتكلم عن إقامة جبرية فهو غير دقيق فقد كان السيستاني يخرج متى يشاء لزيارة الضريح أو باقي العلماء(3) الى أن توقف بعد حادثة الاعتداء على مكتبه سنة 1998.
من المفارقات التي تدعو الى تأمل (زيارة السيستاني من قبل البروفسور عبد العزيز ساشيدينا العالم المختص بالاسلام في جامعة فرجينيا الأمريكية في شهر آب 1998، وأجرى مباحثات مكثفة معه وقد استغرق تبادل الرأي بين الطرفين مدة يومين، وقد كتب ساشيدينا تقريراً عن ذلك بعنوان "ماذا حدث في النجف").(4)
كما أقام السيد عبد الأمير الحكيم الصلاة اليومية في محراب أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة، بموافقة من السلطات، وفي عام 1997 أوعز السيد الصدر بإقامة الصلاة اليومية في مسجد الكوفة للسيد جعفر نجل السيد محمد باقر الصدر إلا أن السلطات منعته من إقامتها، كما منعته من إقامة صلاة الجماعة في أحد مساجد الكوفة.
ولم تكن هذه الحرية الدينية النسبية في النجف فقط، وإنما شملت كل أنحاء العراق، بعد الانتفاضة عام 1991، وكان جميع رجال الدين من وكلاء ومعتمدي السيد السيستاني، وفي نفس الوقت كان بعضهم وكيلاً للسيد الصدر وغيره من المتصدين. إذ لم تكن الحوزة تضم سوى الجيل السابق التابع لمدرسة السيد الخوئي، وهذه أشهر أسماء هؤلاء الوكلاء المشتركين بين عدة مراجع :
ففي ضريح الإمامين الكاظمين كان السيد حسين الصدر يمارس نشاطه اليومي في مقابلة الناس في غرفة خاصة به في رواق حرم الإمامين الكاظمين الشريف، وإقامة الصلاة في جامع الهاشمي، والسيد حسين الصدر من أوائل الدعاة لمرجعية السيد الصدر، وقد رجع إليه بالتقليد بعد استشهاد عمه السيد محمد باقر الصدر مباشرة(5).
والشيخ عبد اللطيف البغدادي في بغداد، والشيخ محمد حسن عليوي الخضري (أبو عفاف) إمام مسجد أهل البيت في مركز محافظة الناصرية، والشيخ رعد الخالدي في الحلة، والسيد محمد حسين النوري في العزيزية، والشيخ عبد الرزاق الواعظ إمام حسينية الرسول في بغداد الجديدة، السيد عقيل الخطيب إمام مسجد العباس في بغداد الجديدة، الشيخ جميل القريشي يسكن في حي الزهراء (الكمالية سابقاً) وأقام الصلاة في حسينية الأنصار في حي جميلة ببغداد، والشيخ رشاد المظفر في البصرة، الشيخ عامر الخطيب في حي أريدو في الناصرية، السيد مجيد جاسم الموسوي إمام مسجد أبي الفضل العباس ومسجد الإمام الجواد في مركز الناصرية.
أما رجال الدين الذين كانوا يمارسون نشاطاتهم اليومية في مساجدهم وهم من وكلاء ومعتمدي السيد السيستاني وغيره إلا السيد الصدر فلم يكونوا من وكلاءه، وهم :
السيد صالح الحيدري في جامع الخلاني ببغداد، السيد حسين العلاك في مدينة الصدر ببغداد، والشيخ علي البهادلي مؤلف كتاب (فلسفة الشهادة) في البياع، الشيخ حسين القسام في قضاء الحي، السيد عبد الكريم البطاط وولده عماد في الحيانية، والسيد علي عبد الحكيم الصافي في مركز البصرة، والشيخ محمد فلك في قضاء الزبير، الشيخ يونس المظفر في القرنة في محافظة البصرة، السيد أحمد نور الدين شبر إمام الصلاة في مسجد آل شبر في محلة "أبي الحسن" في البصرة القديمة، والسيد علي البعاج في الديوانية وفي نفس الوقت كان أمام صلاة الجماعة في مسجد جامعة النجف الدينية التي يديرها السيد محمد كلانتر، والبعاج من قدماء المعترضين على استبداد بعض أولاد المرجع في الثمانينات واستيلائهم على أموال الحقوق الشرعية، وكان يدعو ويحث السيد الصدر على التصدي للمرجعية ولكن الأمور اختلفت بعد ذلك. والشيخ جواد الغراوي في مركز الكوت، والسيد حبيب الخطيب في قضاء النعمانية، والشيخ عبد المهدي الكربلائي والسيد أحمد الصافي في كربلاء، والشيخ عبد الغفار الأنصاري الوكيل الأول للسيد السيستاني إمام مسجد الأنصاري في مركز محافظة العمارة، وهو والد الشيخ محمد حسن الأنصاري أحد أهم مساعدي السيد السيستاني، وهو صهر السيد محمد كلانتر وكان يحثُّ السيد الصدر على التصدي للمرجعية ولكن عن طريق التفاهم مع السيد محمد تقي الخوئي ومساندته، ولكن السيد الصدر رفض العرض، ويوجد الكثيرون غيرهم ولكن هؤلاء أشهر الشخصيات المرتبطة بحوزة النجف.
وكان جميع هؤلاء يمارسون صلواتهم ودروسهم وخطبهم في مناطقهم ومساجدهم بحرية مستغلين تراخي قبضة النظام وضعفه. وكان يوجد في محافظات الجنوب أئمة جماعة غير هؤلاء، ولكنهم اختفوا بين الإعدام والتهجير بعد مشاركتهم بالانتفاضة، أما هؤلاء فلم يكن لهم دور يذكر في الانتفاضة عام 1991، لذلك لم يتعرض النظام لنشاطاتهم.

----------------------------------------
(1) كان الفياض والبروجردي يعدان من ضمن الذين شهدوا بأعلمية ومرجعية السيستاني العليا حسب ما نشرته مجلة (النور) التابعة لمؤسسة السيد الخوئي بعد رحيل الخوئي مباشرة، ولكنهما نفيا ذلك تماماً بعد مقتل محمد تقي الخوئي، خاصة عندما كان السيد الصدر يشير الى مكانتهما العلمية، فنشرا رسالتيهما العملية التي تدل على الاستقلالية في الفتوى، وإشارة واضحة على أنهما يريان نفسيهما مستحقان لمقام المرجعية العليا.
(2) الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه، ص42.
(3) حيث كان يزور علماء النجف بشكل دوري، كما أنه زار السيد الصدر في مكتبه رداً على زيارات الأخير له، وشاهدته مرة وهو خارج بمفرده متوجهاً الى زيارة ضريح أمير المؤمنين "عليه السلام"، فكل هذا الكلام عن الاقامة الجبرية والاضطهاد مجرد اختلاق من وكلاء ومنتسبي السيد السيستاني لا غير. عباس الزيدي.
(4) التقرير متوفر على الانترنت: http://www.uga.edu./islam/sachedina_silencing.html. علي عبد الأمير علاوي، احتلال العراق، ص 313 فما بعدها. ولنا عدة ملاحظات على هذا اللقاء الغريب، فقد جاء في الوقت الذي تصاعدت فيه حركة السيد الصدر واستوعبت الساحة العراقية بكل قوة، كما أن المواجهة مع النظام بدأت تشتد، فهل كان البروفسور ساشيدينا جاء يحمل رسالة أو أجندة للمرحلة القادمة؟، خاصة أن السيستاني أبدى فيها آرائه حول شكل الحكومة الإسلامية كما يذكر المصدر!!، وهل أن الإقامة الجبرية لم تحل دون لقاء الميعوث الأمريكي هذا؟، من الواضح أن الأسئلة هنا ليست قليلة، كما أن الإقامة الجبرية المدعاة محض أكذوبة.
(5) إلا أن توجه السيد حسين الصدر تغيَّر لاحقاً بعد اختلاف بينه وبين السيد محمد الصدر، وانضم (عموماً) الى خط السيد السيستاني، ولكن بشيء من الاستقلال بأن تبنى مرجعية نفسه لاحقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة