الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجاهلية الإسلامية

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 3 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الجاهلية الإسلامية
العالم العربي والإسلامي يعيش الآن، كما في سابقات أيامه، أياما وسنين في دائرة التخلف والتراجع على كل المستويات، وهو وضع لاشك بانه مزري ومؤلم لأمة كبيرة في التعداد البشري والإمكانيات المتاحة للتفوق، وقد تسابق الكثير من الكتاب والدارسين والمفكرين الي معرفة أسباب هذا التراجع النهضوي، وكتبت الكثير من الدراسات والكتب والابحاث تحاول ان تجد العلة وتستنهض الهمة. وكان من أوائل من كتب حول موضوع تخلف المسلمين وتفوق غيرهم هو الأمير شكيب أرسلان (25 ديسمبر 1869 - 9 ديسمبر 1946)، وهو كاتب وأديب ومفكر عربي لبناني اشتهر بلقب أمير البيان بسبب كونه أديباً وشاعراً بالإضافة إلى كونه سياسياً. ومن أشهر كتبه "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"، وغيرها من الكتب القيمة. ولقد لقب بأمير البيان لغزارة كتاباته، ويعتبر واحداً من كبار المفكرين ودعاة الوحدة الإسلامية والوحدة والثقافة. وانطلق بعدها من سؤال الأمير شكيب أرسلان، لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم، المئات من الندوات والمؤتمرات والكتب فيذكر عبدالرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد أن الاستبداد هو سبب انحطاط المسلمين وتراجعهم، بينما أرجع جمال الدين الأفغاني تخلف الشرق للتعصب الديني مع الآخر ومع أنفسهم، وشدد رفاعه الطهطاوي على أن النهضة تقوم على تفسير الشريعة حسب الاحتياجات العصرية، أي على فكرة الإصلاح الديني، كما حذر خير الدين التونسي من نبذ كل ما يأتي من الغرب باعتباره شرا أكيدا، وركز قاسم أمين على تحرير المرأة كأولوية للنهضة، واعتبر علي عبد الرازق أن الأمم نهضت عندما فصلت بين الدولة والدين، وهو ما يؤخذ به الآن من مصطلح الدولة العلمانية، وانحاز فرح أنطون للإنسان بغض النظر عن دينه وقوميته، وهم جماعة الإنسانيون، وأكد طه حسين على دور العقلانية، بخلاف العشرات من مؤلفي اليوم وكتابه في سبر أغوار هذا التراجع المأساوي وأرجعوه الي أسباب تتشابه وتتقاطع مع مفكري الأمس ومبدعيه، وكان من أبرزهم المفكر محمد عابد الجابري في سلسلة كتبه حول نقد العقل العربي، وأيضا المفكر محمد أركون في كتابه ودراساته حول نقد العقل المسلم بالاضافة الي المفكر هاشم صالح وغيره الكثير ممن لو تم الأخذ بكتبهم ودراساتهم كمراجع عليا تدرس في التعليم لما وصل حالنا الي ما هو عليه من تردى وانحطاط.
في عصرنا الحالي وبعد قرون من التفوق الغربي في مجالات العلم والعقل والصناعة والإنتاج، مازلنا نراوح في أماكننا، بل ونزداد تراجعا وفق قياسات منظمات الأمم المتحدة في مجالات الفساد والصحة والتعليم والشفافية والإقتصاد والسياسة، والمرعب في الموضوع أن المسلمين لم يتخذوا أي بادرة في علاج هذه الأزمة او في الإجابة على سؤال الأمير شكيب، مما جعلنا نعيش في متاهات التناقض ونتعلق بالقشور تاركين لب الأزمة وعلاجها الي الأقدار أو الي متاهات التاريخ. ولكن ضمن هذه التساؤلات الحيرى، والوجوم الذي خيم على الشعوب العربية والاسلامية، كان هناك من يسعي بقوة وشدة الي إثبات خطأ سؤال الأمير شكيب، وأن يجد أو يفرض على الأمة الإسلامية بأن المسلمون لم يتخلفوا، وإن الفكر الديني صالح لكل زمان ومكان، وإن التاريخ الإسلامي قادر لوحده على قيادة الامة الإسلامية وإعادة الحضارة المزعومة، ولكن كيف؟. فلم يتم مواجهة الغرب عبر تشييد المصانع وتحسين فرص الإنتاج والعمل، أو بناء الجامعات وتشجيع البحث العلمي، أو الإهتمام بالتنمية البشرية وآلياتها، ولكن كان عبر إعادة حلم الخلافة الإسلامية وإقامتها على جثث الأبرياء والضحايا، كان من خلال الدماء والتفجيرات واستغلال الدين الإسلامي، كان عبر إيهام المسلمين بأن الخلافة الاسلامية هي الحل السحري لكل المشاكل والأزمات وأن تطبيق الشريعة وإقامة الحدود بلا مرجعية دينية ثابتة وواضحة هو السبيل لإعادة عهد الصحابة والتابعين، وحصل ذلك فعليا عبر إعلان أبوبكر البغدادي عن إقامة الخلافة الإسلامية في الموصل كبداية لتنفيذ مشروع الامة الاسلامية المفقودة على أشلاء تقسيم الوطن العربي من جديد وتشكيل الشرق الأوسط الجديد.
هنا، لا نملك مع أخبار دولة الخلافة المزعومة إلا أن نرفق لحال هذه الأمة الاسلامية، وأن تأخذنا الشفقة الي المرحلة العقلية التى وصلت إليها عقول المسلمين. فبعد أن تقطعت دول الخلافة وتآكلت أوصالها نتيجة الظلم والاستبداد والطغيان منذ بدايات إقامتها الي نهاية الخلافة العثمانية، لم يكن للمسلمين أى إنجازات تذكر أو مشاريع نهضوية عملاقة سوى من مبادرات خجلى وأفكار قابعة في الملفات وأدراج الوزارات والمؤسسات الحكومية تنتظر القرار الذي لن يأتي أبدا. إن تخلف العرب والمسلمين قدر صنعوه بأنفسهم وتاريخ كتبوه بتخلفهم، فالعقل العربي المسلم مازال تائها وضائعا ما بين الأخذ بأسباب القوة والتفوق وما بين الإستكانة الي الوضع المزري وانتظار المعجزة التى تنقذهم، أو أسطورة الرجل الصالح في آخر الزمان. فلم تصل نفوسهم الي القدرة على ممارسة التفكير الحر العقلاني، ولم تعد أفكارهم قادرة على صناعة الفكرة الأولي الصحيحة التى ينطلقون منها الي المستقبل. فمازالت الحروب والصراعات، وحتى المناقشات والمناظرات، تأخذ طابعا أساسه بيئتهم الاجتماعية وتكويناتهم القبلية والطائفية، فهم لم ينفصموا عن مرجعيتهم الاجتماعية بل اعتبروها الشرف الذي يراق من على جوانبه الدم إذا ما تم نقاش الطائفية والقبلية والدين في أجواء يكتنفها الحرية واحترام الآخر المختلف. إن التراجع وبالتالي لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم يرجع الي أسباب عدة وليس الي فكرة واحدة، فبالإضافة الي ما ذكره المفكرون الكبار الذين أشرنا إليهم في بداية المقال، يقبع تخلف العرب والمسلمين في مدارات العقل نفسه، في طريقة التفكير واتخاذ الرأي والقرار، في مجموعة العادات والتقاليد والدين، في تاريخ من الكراهية والتعصب والانتقام الذي لم ينتهي منذ عصر دولة الخلافة الأولي. لقد أصبحت محددات التفكير ومنهجية التعاطي مع القضايا والأزمات في عصر اليوم نابعة من أزمات سابقة وليست منفصلة عنها، فمن يود أن ينطلق الي التقدم لا ينظر الي الماضي، ولا ينظر الي أفراد عاصروا أزمانا لم تعد صالحة للتعاطي مع أزماننا الحالية، بل ينظر الي الأمام، ينظر الي تجارب التقدم بدون حساسية مفرطة من الاختلاف في الدين واللغة والعرق، فإذا لم نفعل ذلك، فستتوالد دول الخلافة ويتكاثر اولاد وأحفاد أبو بكر البغدادي، وحينها لن نسأل سؤال الأمير شكيب أرسلان لماذا تخلفنا، بل سنعيش في الكهوف وتعود أيام الجاهلية، ولكن ستكون هذه المرة الجاهلية الإسلامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من استعمار الي استعمار ثم الي جاهلية مرة أخري
محمد البدري ( 2015 / 3 / 16 - 16:54 )
ما كتبه شكيب ارسلان قديما واعيد نشره الشهر الماضي ككتاب ملحق مع مجلة الدوحة الصادرة عن دولة قطر أن أمير البيان هذا لا رؤية نقدية لديه من اي نوع كانت ولا كونه سياسياً ايضا. لم تكن مواجهة بلاد الشام مع الاستعمار الفرنسي في حاجة الي استعادة ما يسمي الاسلام كما ادعي امير البيان، لان من نشروا الاسلام ذاته لم يكن سوي مستعمرين قدماء. تحياتي واحترامي وتقديري


2 - تحياتي
عبدالعزيز القناعي ( 2015 / 3 / 17 - 12:34 )
استاذ محمد
قد أتفق معك في هذه الجزئية، ولكن ما شدني هو اختيار عنوان سؤاله والذ أصبح الدالة على تراجعنا وتخلفنا في مستويات عدة، وهو ما أخرج الكثير من الندوات والكتب لمعالجة قضية السؤال المهم. نعم نحن لسنا بحاجة الي استعادة الإسلام بقدر ما نحن بحاجة الي العلمانية لحفظ حقوق الجميع.
شكرا على التعليق.

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب