الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل المدني في الثورة السورية

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2015 / 3 / 16
المجتمع المدني


لابد من القول بوضوح أن العمل المدني، الذي حرم منه السوريون لزمن طويل، قد مُني بانتكاسة كبيرة، نتيجة للتحديات الجمّة التي مايزال يواجهها،ودفعت به إلى حافة الى الفشل. كان من الطبيعي أن تنشأ المشروعات والتجمعات، ومنظمات المجتمع المدني في سورية، مابعد انتفاضة الخامس عشر من آذار/مارس، بصورة سريعة وكمّ كبير للغاية. فالحرمان من أوجه العمل المدني وبالطبع السياسي، كان يجري على الدوام ضمن سياسة قمعية منظمة ومدروسة، التزمت بها الزمر التي حكمت سوريا منذ آذار عام 1963، وكان تجميد عمل المنظمات/ الجمعيات الأهلية-المدنية، ووضعها تحت رقابة الدولة، ووقف منح موافقات التسجيل، واحداً من أشد القرارات انعكاساً سلبياً على الحياة العامة في سورية، التي عمل النظام السياسي الأمني-البعثي " على بعثرتها، وربطها بدوائره المباشرة.
جاءت ثورة السوريين ضد الاستبداد، بفرص كبيرة سنحت باستعادة العمل المدني، على نطاق واسع، امتد من تشكيل التنسيقيات والمنظمات، الى مجالس الإدارة المدنية، في المناطق الغير خاضعة لسلطة النظام. انتشرت بصورة ملفتة للاهتمام والدراسة كظاهرة جديدة في الحياة السورية المتمردة، واتيح لمن شاء أن يؤسس فضاء للعمل المدني دون أية ضوابط أو رقابة، لكن ذلك كان له انعكاسات على مستوى الأداء الذي شابته كثير من الإشكاليات التي لم يستطع تجاوزها، فوقع أسيراً لها.
الواقع، ان العمل المدني لم ينقطع، رغم كل وسائل و أساليب القمع و التعذيب والترهيب التي مارسها النظام الأمني، ضد نخب العمل المدني السوري، على مدار خمسين عاماً. كما أن الثورة لم تاتِ من فراغ، فالعمل السياسي و الثقافي والاجتماعي، الذي يهدف للتغيير، كان قد شكل الأرضية الملائمة، والبيئة المؤاتية لانطلاقة انتفاضة من أجل استعادة الحريات والكرامة. غير أن تسارع الأحداث على مستويات ثلاث: الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا، و الشارع السوري المنتفض، عنف النظام السوري، أعاق العمل المدني عن الارتقاء أو اللحاق بها، كشفت قصوره عجزه، فتجاوزته. لتأت عملية " أسلحة ومن ثم أسلمة " الثورة، لتستبعده بصورة تدريجية عن الحراك الثوري.
اليوم، وبعد أربع سنوات، ليست هناك احصائية دقيقة لمؤسسات العمل/المجتمع المدني السوري. ذلك أن الإنقسام الحادّ الذي طبع المعارضة السورية بمختلف تلوّناتها وتياراتها، انعكس على العمل المدني، الذي يمكننا أن نشير الى جملة من أسباب هشاشته وانحسار دوره، وهي تتصل
كان بوسع المجتمع المدني السوري، أن يقوم بدور أساسي وفعّال في الحياة العامة، كبديل لمؤسسات النظام يؤكد قدرة الثورة على تولي زمام المبادرة والقيام بمهام الدولة في المناطق التي يتم " تحريرها "، والذهاب الى مرحلة انتقالية، تديرها كوادر العمل المدني في الثورة السورية. مرت المراحل الأولى من العمل المدني بفعالية متميزة، وشهدنا إدارات انتقالية ومجالس محلية في عدة مناطق سورية: ريف ادلب، وريف حلب وتل أبيض في ريف الرقة. كما أن تنسيقيات الداخل : دمشق وريفها، عملت بفعالية مؤثرة، فيما تولت مراكز وجمعيات أعمالاً حقوقية و إنسانية شكلت علامات مهمة في مسار الثورة السورية، شكل المثقفون بمختلف انشغالاتهم وانتماءاتهم مشهدها الحيوي المنتج بجدارة معرفية.
خضع الشباب السوري، لدورات تدريبية في مختلف مجالات العمل المدني/الحقوقي، ضمن برامج تدريب أوربية – أميركية، و أخرى أشرفت عليها منظمات اقليمية ودولية. المحصلة بعد أربع سنوات من الثورة: النتائج، ذهبت أدراج الرياح!
لم تلبث الحالة السورية أن شهدت تآلباً كبيراً، ضد العمل المدني، والمشتغلين في إطاره، مؤسسات و أفراد. ذلك هو التحدي الأساسي، الذي واجهه النشطاء، في مختلف المناطق السورية، وقد كان النظام سبّاقاً في استهدافهم عبر الإعتقال والقتل، مسكوناً برعب لا مثيل له مما يقوم به الحقوقيون والكتاب والاعلاميون، والعاملون في مجالات الإغاثة الإنسانية والمشافي الميدانية. تعرض هؤلاء للملاحقة والقتل والاختطاف منذ اليوم الأول للثورة السورية.
ولم يكن حال هذه الشريحة من السوريين، بأفضل في المناطق الغير خاضعة لسلطة النظام، فقد قامت قوى الحراك المسلح بفرض سلطتها، عبر إقصاء نشطاء العمل المدني، وإتباع المجالس المحلة لها بدءاً، قبل أن تقوم بحلها، ومن ثم ملاحقة النشطاء واغتيالهم واعتقالهم. فعلت ذلك جميع التشكيلات المسلحة دون استثناء، في كل المناطق التي باتت تحكمها الإرادات العسكرية.
يعتقل النظام عشرات الآلاف من النشطاء السلميين، دعاة ورموز العمل المدني، مثال فائق المير ومازن درويش، وعبدالكريم الخير..كتابا وفنانين وصحفيين آخرين كثر، فيما اختطفت مجموعات " أحرار الشام والنصرة وداعش " مئات النشطاء البارزين، من دعاة الحرية، الذين لم يستطع النظام الوصول إليهم لإخماد حركتهم : اسماعيل الحامض، عبدالله الخليل، فراس الحاج صالح، الأب باولو، وابراهيم الغازي، عبود الحداد وعبيدة البطل..سمر صالح وكثيرون آخرون، لاينساهم ضمير الثورة السورية.
جماعة زهران علوش، مدانة – حتى يثبت العكس - باختطاف ناشطة من أهم موثقي جرائم الأسد، مديرة مركز توثيق الانتهاكات في سورية المحامية رزان زيتونة، والفريق المساند لها: سميرة الخليل و وائل حمادة، وناظم حمادي
لقد تعرض العمل المدني – ولا يزال – للإقصاء الممنهج، والتعتيم عليه، وعدم تمويله، ومحاولة تجيير أعماله لصالح قوى سياسية، ولم تقدم مؤسسات المعارضة الرسمية أي يدعم يمكنه من القيام بدوره.
بالمقابل، ثمة اشكاليات جوهرية تتصل بطبيعة منظمات المجتمع المدني، من حيث التكوين والتمويل والتشبيك، ومن حيث أنشطتها ونتائج عملها، ثمة نجاحات وضعت بصمتها الحقيقية بجدية العمل والمثابرة، و ثمة ما هو عبء قاد – مع أسباب أخرى، للنقمة العامة على المجتمع المدني ففقد فاعليته. يمكن الحديث عن ذلك في كتابة منفصلة.
____________________
- مدير مركز الدراسات المتوسطية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: