الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدو العلمانية الأول

ميلاد سليمان

2015 / 3 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عدو العلمانية الأول

الوضوح والبداهة، آلية فكرية، حاول من خلالها ديكارت أبو العقلانية الفرنسية، بيان المقياس النسبي المباشر لتقّبُل وفهم أي ظاهرة وموقف، ولكن حينما تتعقد بعض المواقف التي نواجهها في حياتنا اليومية، نحتاج لآليات فكرية آخرى تمكننا من المُضي قدمًا للإمام. ولأن الواقع نسبي متغيّر مُعقد، فلابد من آليات أكثر إحكامًا ومنطقية، تخضع للمراجعة والنقد والتطوير بشكل دوري، لا يقبل أي دوجما أو تقديس، فكان لابد من اللجوء للإستنباط والقياس والإستقراء وفهم المغالطات المنطقية كأدوات إسعافات أوليّة قبل إتخاذ أي قرار.

والعَلمَانية، بما هي فصل للتداخل والتدخل القسري بين الدين والسياسة، ليبقى كل منهما في مكانه الصحي والصحيح؛ موقف وقرار، سيتوقف عليه حياة مجتمع بأكلمه، وكذلك سيتوقف عليه بالضرورة الشرطية الطردية، رزق الكثير من المنتفعين بدوام التغييب والجهل والإستحمار. فعلمنة المؤسسات وتوجهات الفرد، سيؤدي لفضح الكثير من الممارسات التي تتم من باب الشعوذة والدجل والإرجاء الماورائي.
وللتملص من تلك المواجهة الفكرية، بين الدين والعلمانية، لجأ أغلب رجال الدين والسياسة، لخدعة منطقية، ربما تُعد هي العدو الأول للعلمانية، ألا وهي "آلية التجاور الفكري" والتي من خلالها يمكنك قبول الفكرة ونقيضها في آن واحد، بكل أريحية ورحابة صدر، بل وستجد لنفسك مبررات كثيرة، للرد على كل من يثبت لك زيف ما أنت عليه، وستخدر عقلك بشعارات المرونة وتقبل الإختلاف والحريات أن لزم الأمر. ووضعوا بجوار هذه الآلية آلية أخرى لا تقل في خطورتها وهي "آلية الإنتقاء المعرفي" والتي من خلالها تتعامل مع الظاهرة/الموقف موضوع البحث، من باب إختيار ما يناسب ويدعم موقفك ورأيك وفكرك فقط، مع تجاهل الأراء الأخرى التي من حقها أن تبين تهافت حجتك. وطبعًا هاتين الآليتين لا تصمدان أمام أي مراجعة شخص دارس للمغالطات المنطقية ويعي كيفية تفكيك الموقف/ الظاهرة وردها لعناصرها البسيطة المكونة لها.

والأمثلة على هاتين الآليتين كثيرة، نذكر منها موقف بعض العلمانيين وضيقهم من قرار أوباما لأنه يفصل ما بين مذابح داعش والخطاب الديني الإسلامي، وهو نفس رأي الممثل بيَّن أفليك، فهنا تجاهل المُطلع على الرأي، أنهما –أوباما وأفليك- شخصيات غربية لغتها الإنجليزية وتتعاطي نسخة الإسلام المتسامح الـ Soft ، والذي يستحق الدهشة فعليًا هو نفس الموقف الفصلي في القضية، والذي أتخذه كثير من غلمان الإسلام الوسطي، بيد أنهم يسمعوا خطب الجمعة المحرضة أسبوعيًا، وحضروا بأنفسهم مسيرات لمحاصرة كنائس وبيوت بهائيين وذبح شيعة ومطاردة ملحدين في الإعلام والصحف الرسمية كل ذلك في وضح النهار.

كذلك يظهر عمق ضحالة العمل بهاتين الآليتين (التجاور والإنتقاء المعرفي) في ذلك الحدث المتكرر المضحك والمخجل والمدهش، حينما تجد شخص مسلم على قناعة تامة إن الرسم والتصوير حرام شرعًا، ولكنه لا يتردد أن يستشهد بصورة للعذراء مريم كدليل على صحة وجود الحجاب!؟، وذلك المسيحي الذي يحاول البرهنة على صحة الكتاب المقدس ومعجزات المسيح، من خلال اللجوء لآيات قرآنية هو يُسلم مسبقًا بتحريف كتابتها ومصدرها!!؟.
الإنتقاء لا يصنع معرفة، والتجاور شجرة بلا ثمار. الوهم المقدس سيظل مسيطر على العقول بلا أي تقدم يُذكر طالما ظل الإنسان مستسلم لكهفه الدافيء المظلم. ولكن شمس التنوير النقدي مازالت قادرة على بعث الحياة من جديد في تلك العقول التي يبست وتحجرت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب


.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت




.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط