الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعلم الجزائري مخنوق المصير

بوشن فريد

2015 / 3 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


المعلم الجزائري مخنوق المصير
بالأمس فقط, كان المعلم أقرب إلى القداسة و النبوة, كان الجميع يحترمه و يكرمه بالاحترام و الأناقة و التقدير, فلا أحد منا يتجرأ على ممارسة لعبة الكبرياء في حضرة المعلم الجزائري, فكله وقار و قامة و لا مكان للمشاغبين و الأغبياء أمام مشيته و كلمته و دروسه..
ما أجمل ذلك المعلم الذي عشنا معه أروع لحظات التربية و الإنسانية في آن واحد, و ما أنقاك يا معلمي الذي كان بالأمس تحفة أخلاقية من تحف التعليم و التربية المستمرة المشرقة..
و اليوم, ما هو مصيرك؟ ما هي قيمتك ؟ و ما هو ثمنك؟ الكل يشمئز منك و يحقد على ثورتك الشريفة و المشروعة, الكل يحلم بدهسك و اغتيالك علانية كما تُغتال الأنعام و الأنام الصامتة.. لقد أعلنت أن ترسم حقوقك و فاتورة أتعابك بكل روح السلمية و حنكة أخلاقية, لتطالب العائلة الفاشلة القائمة على أرزاق أطفالك و عائلتك, بدفع ثمن جهودك الطويلة و أتعابك الغير المسيسة بأفيون الساسة و نفاقها المستمر, ها هي تتصدى لك بقاموس من التهديدات و التوبيخات و الانحرافات, و تستعرض عضلاتها بصرخات و تغريدات أولياء التلاميذ, و يا ليتهم كانوا فعلا بمستوى هذه الصفة العميقة, فليس مهماً أن يكون لديك ولداً يدرس و تحاول أن تتقمص دور الولي الراعي لمصالح ابنه و فلذة كبده, فتقول: " أنا والد مهتم بابني و أرعى مصالحه", جميل جدا أن يتحلى أوليائنا بقدر هذا الوعي و المسؤولية, و لكن الأجمل لو هم كذلك على درب هذه الحقيقة و الصفة سائرون, ساهرون علينا, و يسألون على حالة دروسنا و طبيعة معلمنا قبل أن يسألوا على تلك المنحة الرخيسة التي تمنحها وزارة التربية هيبة أو مساعدة رمزية للأولياء لشراء بعض من مستلزمات الدراسة, من أقلام و كراريس و أغلفة..
إن الفوضى القاتلة التي تعيشها أروقة المدرسة الجزائرية منذ أشهر, في واقع الأمر, ليست وليدة اليوم, و مستوى الركاكة التعليمية التي تفرزها هذه المدرسة و التي جعلت من نفسها تمثال للسخرية و التنكيت و الخزي في أعين المدرسة الغربية, هي الأخرى ناتجة عن إهمال الجماعة المكلفة بتسيير و تحسين هذا القطاع الحساس و الحيوي, بسبب نقص الكفاءة الضرورية و الملحة لديها, و بالإضافة إلى اتخاذ كل المارين على رأس قطاع التربية و التعليم في الجزائر الكلل العمدي و السياسة المفرطة خدمة لبعض من أجندة في النظام, كأنماط أساسية لبداية خلق ما يسمى بأجيال نصف مثقفة, أجيال من الخرجين حاملين لشهادات غير معترفة دولياً, و لنقل غير محترفة داخلياً, فيا ترى هل من المعقول أن نهمل مطالب المعلم الذي علّم هؤلاء الوزراء و جعلهم يتبوءون مناصب سامية في الحكومة الجزائرية؟ هل من اللائق تهديد معلم بمجرد أن يعلن عن عصيان سلمي و شرعي, يطالب فيه باحترامه و تكريمه ببقايا أمعاء الصحراء؟ هل من أخلاق بقيت, و وطنية حقيقية بقيت, في قلوب هؤلاء الأنبياء الذين لا يحرفون تاريخ التعليم و لا يسيسونه حسب أهوائهم, بعد تعنت الحكومة و إصرارها على أن إضراب المعلم هو رغبة منه بالمساس بأمن البلاد و مصالح الأولاد؟..
أليس إهانة عظمى.. لا سابقة لها في تاريخ التدريس العالمي, عندما نرى غباء الحكومة يتجلى في إعطاء لكل تلميذ قرص مضغوط فيه جميع الدروس الضرورية و تمارين محلولة, لتعويض المعلم؟
أليس المعلم قبل كل شيء إنسان بحاجة إلى ما يشبع طموحاته الاجتماعية و أحلامه المهنية؟.. و أليس المعلم أبناء يدرسون أيضا في نفس المدارس التي يسهرون على ترقيتها و تنويرها؟ فمن أين الحق لبعض من الأولياء في تكسير كرامة المعلم و تشويهها؟..
يا معلمي.. البارحة فقط كنا نناديك يا سيدي... و اليوم في منتصف عمرك يدعونك بالسيدي..." أف", لقد أتعبتنا ثقافة الحجر هذه, و أتعبنا أيضا سلوك نظامنا الغبي.
يا معلمي.. لقد سمعت البارحة فقط أن الحكومة الجزائرية من خلال جواسيسها, عازمة على قهرك بكل الطرق التي لا تُعري سيرتها الغنية بالقمع و الحبس, و إن لم تخن الذاكرة, فهي أيضا مصرة على طردك و دفعك إلى خانة البطالة الإجبارية.. أف.. سياسة الوزارة المعنية تثير قشعريرة الخوف من مستقبل قطاع التربية في بلادي, و نحن الذين يطمحون في تلاوة آيات الرقي و الازدهار في الغد القريب, فبواسطة النخب الذكية التي تنجبها مدارسنا, بوسعنا التقدم و بلوغ مستوى المجد المنشود و مواكبة العلم الغربي, و لماذا لا يحق لنا بداية الغد بكم هائل من الأدمغة التي نزخر بها, فاستمرارية أية أمة ما, مرهون بمدى تلك الأمة بالحفاظ على مثقفيها و أبنائها المتعلمين و المعلمين على حد سواء؟.
أزمة قطاع التربية والتعليم في الجزائر, تفرض علينا الإسراع الفوري لإيجاد حلول جذرية و خارطة طريق تنبثق منها حلول دائمة, بشرط أن يكف الجميع من امتهان المؤامرات و استغلال الظروف السياسية و الاجتماعية التي تتخبط فيها البلاد, لصناعة أرضية مطالبها, و كما يجب تبني الحوار في حالة حدوث هكذا أزمات بالنسبة للقائمين على قطاع التربية و التعليم, لأن لغة التعنت المتوفرة لدى الطرفين, لا تصلح لبناء مستقبل الجزائر, الذي هو في واقع الأمر مربوط بمدى نجاح و فلاح التلاميذ.
و تبقى الجزائر بخير, إذا توحدت جهود الجميع, و استباق مستقبل البلاد قبل كل شيء, فسمعة أذكياء الجزائر فوق كل اعتبار, فالرجاء من وزيرة التربية بن غبريط البحث في الحلول التي ترضي الجميع, و الكف من زرع البلبلة داخل مؤسسات العائلات الجزائرية, و اتخاذ الحوار كلغة احترافية مع المضربين من الأساتذة الكبار, فالعلم رسالة و كاتب الرسالة عليه أن يتقن تقنيات الحوار و العقلانية بدل الفاشية و التعنت المستمر.
بقلم: بوشن فريد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة