الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهما المساواة والعدالة

محمد عز

2015 / 3 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعيش الأفراد في مجتمعنا وهمي المساواة والعدالة، ويتشدقون وينطقون بالشعارات التي تؤكد على أن الناس سواسية، أو أنه لا فرق بين الغني والفقير، أو أن الحب لا يعرف الطبقات. يدافعون عن الحرية واحترام الآراء وتجدهم أبعد ما يكون عنها. ينادون بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتجدهم أول من ينتهكوها. يتحدثون عن التضحية والوطن وتجدهم أحرص الناس على حياة. يكتبون أن البشر سواسية ثم يحددون معاييرهم للمساواة لتصبح أنت غير سوي إن لم تلتزم بها.
لقد سمحت لي ملاحظاتي للواقع من حولي إلى تطويع عدة فرضيات، وإن شئت قُل حقائق عن المجتمع الذي نعيشة، أضعها اليوم بين يدي القراء، على أمل أن تكون ملاحظاتي موضوعية ومقولاتي مقنعة، ولما لا تكون مقنعة! وقد أصبحت سمة تسم الحياة من حولنا، يراها كل من يريد أن يرى الحقيقة، ويتجاهلها كل من يريد التجاهل.
أولًا: أن المجتمع الذي نعيشه مجتمع طبقي يمارس طبقية متجذره فيه على أعضاءه بطريقة قهرية، (وأعود في هذه النقطة إلى إشكالية أرقتني كثيراً عن اشكالية العلاقة بين الفرد والمجتمع، ومن يشكل الآخر، وأحسب أن المجتمع هو من يشكل أفراده على سجيته وكما أراد لهم إن طوعًا أو كرهًا"). لقد أصبح كل شئ لدينا طبقياً، التعليم( التعليم الحكومي، والتعليم الخاص الذي ينقسم بدوره الى خاص في متناول بعض أفراد الطبقة المتوسطة وخاص لأبناء الطبقات العليا)، وكذلك الصحة والعلاج (المستشفيات الحكومية والخاصة وشتان الفارق)، وصولاً للمقاهي والمطاعم...وهلم جرا.
ولا انكر أن يكون المجتمع طبقياً، فهذا قانون طبيعي لا جدال، يقول تعالى، "ورفع بعضكم فوق بعض درجات"، فأن يكون الناس سواسية في حياتهم فهذا محال، ولكن لماذا خُلق الناس طبقات، "ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً". يقول الطبري في ذلك " ليستخدم بعضهم بعضاً في خدمته، ويعود هذا على هذا بما في يديه. ويقول الرسول-ص- "الناس سواسية كأسنان المشط". إذن لا فرق بين الناس إلا بالكفاءة والعمل. ولست منظرًا اسلامياً ولا أتحدث في فقه الدين، ولكن ما أعنيه هنا بصورة أساسية هو عدم سواد العدل أو المساواة في المجتمع، وعدم تكافؤ الفرص، فالعدالة في أحد مفاهيمها الفلسفية هي أن يوضع الجميع على خط واحد لينطلقوا من نقطة واحدة، على أن تتاح لكل منهم نفس الفرص المتكافئة، ثم يتسارعون بناءًا على قدراتهم الشخصية.
ثانياً: أنك ما دمت تنتمي لطبقة ظللت منتمياً اليها الا من رحم ربي فيحدثون هذا الحراك، وانك اذا كنت تنتمي الى الطبقة الفقيرة، واحدثت حراكا، فإن هذا الحراك سيبقى بطيئاً مهما كنت تمتلك من القدرات والمهارات والذكاء التي تؤهلك، مقارنة بنظرائك من الطبقة العليا الذين يمتلكون قدرات أقل منك. فإختلاف النجاح من فرد لآخر، لا يرجع مكمنه الى امتلاك أحدهما مهارات وقدرات تعلو الآخر، ولكن يرجع بصورة أساسية إلى اختلاف الإطار الذي وضع فيه كل منهما، واختلاف الفرص المتاحة أمامها. فكم تجد من أمثلة لا تقتنع بها أنت أو غيرك –لاحظ أنها ليست وجهة نظر فردية ولكنها جمعية- ثم هي تتبوأ أفضل المناصب، لكونها تنتمي الى طبقة بعينها وعائلة بعينها أو تمتلك دائرة علاقات على نطاق واسع. وعلى النقيض كم تجد من الأمثلة من يقنعك أنت وغيرك، ويمتلك بالفعل للقدرات والمهارات التي تؤهله، ولكن يبقى حراكه بطيئاً ومرتبطاً بالطبقة المنتمي اليها.
ويقول الدكتور زويل رأياً يقارب هذا، حيث يقول "أن الغرب ليسوا أذكياء، ونحن ليس أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل". فالذي ينشأ لديه كم كبير من الذكاء والمهارات ثم لا يجد من ينميها فإنها ولا بد أن تتناقص الى أن تموت، وعلى النقيض تماماً، فالذي لديه قدر بسيط من الذكاء والمهارات ثم يتم تنميتها –لتوافر الموارد- فانه ينجح. قد لا يكون بنفس كفاءة الفرد الذي يمتلك ذلك بالفطرة، ولكنه يمهد له الطريق. وصعوبة الأمر تكمن في بدايته، فإنك ان وضعت "أعمى" على أول درجات السلم، وطلبت منه الصعود لنهايته فعل.
وخلاصة القول أن الخلفية الإجتماعية والإقتصادية للفرد تشكل العامل الأساسي في صياغة الحراك الإجتماعي للفرد إن سريعاً أو بطيئاً. فالمنتمون للطبقة الفقيرة حين يحدثون حراكاً، يبقى حراكهم بطيئاً مقارنة بالحراك الذي يحققه أمثالهم من الطبقة العليا الذين يمتلكون قدراً أقل من المهارات والقدرات والذكاء ويبذلون قدرًاً قل من الجهد. فمثل العلاقة بين الخلفية الاجتماعية والاقتصادية للفرد وحراكه، كمثل العلاقة القائمة بين الجاذبية الأرضية والأشياء التي فوقها، مهما بعدت عنها فإنها تبقى في إطار الجاذبية، وأكثر من ذلك حيث تلعب الخلفية الإجتماعية والاقتصادية للفرد دوراً كبيراً في البنية الثقافية، الجسدية، والصحية لذلك الفرد. (وفي كل الحالات، لكل قاعدة شواذ).
وسأحاول جاهدًا أن أسوق بعض الأمثلة التي توضح وتبرهن ما ذكرته سابقًا حتى يكون الأمر أكثر وضوحاً.
إذا افترضنا أن هناك طالبين إلتحقا بكلية الحقوق، أحدهما من الطبقة الفقيرة والآخر لوالدين ذي مؤهلات عليا وابيه يعمل مستشارًا في السلك القضائي. في هذه الحالة ، فإن الطالب الثاني سيجد الكتب والمراجع وأمهات الكتب القانونية متوفرة أيما توفر، وسيجد من يرشده ويعلمه كيف يحصل على الدرجات في الامتحان، ثم من يذاكر ويشرح له مالا يفهمه، ولا أنكر عليه ذلك، فمن وضعه في هذا الموضع هو الله، ولا غبار على ذلك ولا حُرمانية ولا أية وجه من أوجه عدم العدالة (فهذا ما يمُكن أن نطلق عليه –طبقًا لراولز- اللاعدالة المقبولة اجتماعيًاInequality socially accepted فهي متغيرات لا دخل للمجتمع ولا للأفراد فيها، ولا يمكن التحكم فيها أو تغييرها. ولكن التراب كله، والطامة الكبرى، وكل أوجه عدم اللا عدالة أن يحصل هذا الطالب على مقبول بعد كل ذلك، ثم يتم تعينه في السلك القضائي على حساب غيره من أبناء الطبقة الفقيرة الحاصلين على مجموع أعلى منه. أو أن يحصل هذا الطالب على درجات لا لتفوقه ولكن تحسبًا لوالده ولعلاقاته القوية، وهذا ما يندرج تحت مسمى "اللاعدالة المجتمعية" وهي المتغيرات التي يمكننا التحكم فيها وعلاجها.
ثم دعنا نتطرق إلى صلب الفرضية السابقة، ونفترض أن الطالبين (ابن المستشار القضائي، وابن الفقير) تم تعيينهما في نفس السلك القضائي، فإن هذا الأول بعلاقات والده القوية يتدرج في المناصب بصورة تفوق ذلك الفرد الفقير، وقد يرتبط بزيجة لأحد الوزراء أو أحد السفراء من معارف والده، على عكس هذا الفقير الذي تظل حالتة الإجتماعية والاقتصادية تلاحقه في حياته وبعد مماته، ولدي مئات الحالات الواقعية على ذلك.
دعنى أكتفي بهذا المثال على أن أسوق أمثلة أخرى في مقال آخر تبرر أو تحاجج هذه الفرضيات. ودعنى اؤكد بكلمات أخرى أنني لا أنكر على هذا الفرد ما رُزق به من عائلة كبيرة أو أب وأم متعلمين وفي مناصب راقية (اللا عدالة المقبولة اجتماعياً) ولكن ما أنكره بل أرفضه -أنا وغيري- أن يحتل هذا الفرد منصب ما دون وجه حق، ودون جدارة واستحقاق به (اللا عدالة المجتمعية)، واؤكد في النهاية، أن علينا دراسة المتغيرات القابلة للتحكم فيها، ووضع السياسات القادرة على تحجيمها (متغيرات اللا عدالة المجتمعية)، ونترك جانبًا ندب الحظ، ودراسة عوامل تم الإقرار بها مسبقًا في مئات الدراسات، وكلنا يعرف تأثيرها، ولكننا لا يمكن تغييرها بحال (متغيرات اللا عدالة المقبولة مجتمعيًا)،.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهة مضحكة بين اللهجة السعودية واللهجة السودانية مع فهد سا


.. مع بدء عملية رفح.. لماذا ستتجه مصر لمحكمة العدل الدولية؟ | #




.. معارك -كسر عظم- بالفاشر والفاو.. وقصف جوي بالخرطوم والأبيض


.. خاركيف تحت النيران الروسية.. وبريطانيا تحاكي حربا مع روسيا |




.. نشرة إيجاز - القسام: قصفنا 8 دبابات ميركافا في جباليا