الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيار المدني العلماني الديمقراطي في الكويت

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



قال برتراند راسل " الخوف هو المصدر الأساسي للخرافات، وأحد أهم مصادر القسوة، لذا فالانتصار على الخوف هو بداية الحكمة." وقال الكاتب العلماني الكبير سامي لبيب في مقالاته المتعددة يذكرنا بأحوالنا العربية المتردية بما معناه " اننا شعوب لم نعرف القلق في حياتنا، لم نندهش مما يحصل، لذا تركنا كل أمر كما هو دون تغيير". لاشك أن الخوف موجود في النفس البشرية منذ وجودها في الحياة، وهو ينبع من عدة عوامل قد تكون داخلية تجاه خطر إما حقيقي أو خيالي، فالخوف هو السبب الرئيسي والمباشر في النكوص والإرتداد، وهو ايضا ما يؤدى الي الفشل في مواجهة المستقبل وبالتالي يخلق مرحلة الجمود في الحاضر والتلذذ به ومحاولة تزيين الواقع بأوهام وخرافات وأساطير. هنا في هذا المقال لن أتكلم عن الخطر الموضوعي وهو الذي ينشأ من خطر حقيقي يواجه الانسان كلحظة قتله أو جز رأسه أو جلده ورجمه. بل ما سأناقشه هو الخطر غير الموضوعي وبمعني آخر المرضي والمتعلق بالخوف من الظلام والأماكن المرتفعة، ولكن سأضيف على هذه العوامل الخوف من الأفكار والمواجهة.
ربما تكون الأفكار الدينية في المجتمعات العربية من أكثر الأفكار دوغمائية ورافضة للنقاش حولها لما تحصن به نفسها من تابوهات المقدس والحرام، ويتعزز الخوف من نقاشها من قوة وهيمنة السلطة الدينية ورجال الدين والفقهاء بالمجتمعات العربية وقدرتهم على بسط قرارات الإيذاء الجسدى والنفسي لكل من ينتقد ويطالب بإصلاح المجتمعات وفصل الدين عن الدولة، مستعينين بالنصوص الدينية الداعمة لمواجهة الآخر وقتله اذا ما مارس النقد، والدول العربية حبلى بقرارات الجلد والإعدام والقتل والتهجير كنماذج حقيقية واقعية جرت اليوم بمجتمعاتنا، كما حدثت بشكل أكثر بشاعة ودموية وإجرام خلال التاريخ الإسلامي القديم. فهل ما يحصل وحصل سابقا يجعلنا نستكين أو نرضخ للتيارات الإسلامية؟ أو أن الحرية وطريق العدالة والمساواة والعلمانية يجب أن يقدم له التضحيات، كما حصل في التجربة الأوروبية سابقا في عصور الظلام حين هيمنت المسيحية ومحاكم التفتيش على أقدار ورقاب الناس حتى ثارت الشعوب الغربية بعدها ضد الظلم والفساد والدمار الذي أحدثه دمج الدين بالدولة وصنعوا بعدها النهضة الأوروبية ودشنوا عهد الصناعة وحقوق الإنسان والحريات الي اليوم والمستقبل، مالم يخافوا مرة أخرى من هيمنة الدين على مجتمعاتهم.
التغيير الذي تم في السابق، لم يكن له أن يبدأ إلا من خلال النخب المثقفة والمؤمنة ايمانا خالصا بضرورة الإصلاح الديني وجعل العبادات والطقوس الإيمانية خيارا شخصيا لا عاما يدخل في تفاصيل الحياة والمجتمع والدولة، أي الإيمان بخيار العلمانية منهاجا وخارطة طريق الي بناء الإنسان والمجتمع. وهذا ما حصل في غالبية الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. ولكن ماذا عن الدول العربية، وتحديدا الكويت، حيث سأتكلم عن المشاكل والمعيقات التى جعلت من خيار الدولة العلمانية خيارا ميتا لا روح فيه مع العلم بوجود تيارات مدنية تدعي العلمانية وتطالب بفصل الدين عن الدولة، ولكن كما ذكرت، أن النخب الثقافية هي المسؤولة عن بث هذا الوعي أولا الي الشعب وبالتالي الي المجتمع ليصل الي النظام الحاكم. ولكنها جميعا تعيش في حالة الخوف. فماذا عن تيارات الكويت المدنية؟ ولماذا تأخرت الدولة المدنية في تحقيق العلمانية بمفهومها الشامل، علما بأن الكويت من أوائل الدول العربية في امتلاك دستور مدني يؤطر للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ويوجد به مساحة لا بأس بها من الحريات والممارسة الديمقراطية الشعبية، لأعيد هنا أن العائق الأول الذي تواجهه العلمانية في الكويت هو في النخبة المثقفة.
معظمنا في الكويت، كما في الدول العربية، تبرمج في بيئة دينية تختلف شدتها ومرونتها، بحسب عوامل التنشئة والتعليم والثقافة، وقليل هو من يشكك فيما تم تلقينه به من تعاليم دينية، إلا أن السواد الأعظم من الناس يجد المأوى والملاذ في الدين والتدين بدلاً من إعمال العقل، ليظل المثقف الكويتي هائما في الموائمة عاجزا عن التغيير، وربما مستسلما وخاضعا للتيارات الإسلامية في الكويت. وهذا ما جعل من غالبية المفكرين (الليبراليين جدا) يتذبذبون في أفكارهم، فتارة تراهم قد قطعوا مسافة طويلة في التجرد من الخوف وعقدة اللسان والتحلي بالموضوعية وأفق التفكير وإعمال العقل والتحليل المنطقي، وغالبا ما يتم هذا النقد في الدوواين الخاصة وليس في فضاء المجتمع الكويتي ومؤسسات المجتمع المدني، وتارة أخرى ينقلبون على رؤوسهم ويركنون للمسلمات ويقولون بجرة قلم بأن ما سردوه وما قالوه في البحث والتنقيب كان للبحث الشخصي والقراءة وليس النقد والشك والتقصي ومواجهة السائد من الموروث الديني، وبكل بساطة ينتهي بهم الأمر ليؤكدوا لنا أن الحقيقة المطلقة هي ما بين أيدينا من كتب دينية يجب التعامل معها وعدم إقلاق السادة الشعب حتى لا يزعل علينا ويعتبرنا من الكفار والملاحدة والزنادقة.
إن التحولات التي عرفها المجتمع الكويتي على مدى عقود طويلة قد راكمت مجموعة من المكاسب التي لا يمكن التراجع عنها، وخاصة منها تلك التي تخصّ وضعية الفرد وحقوقه الأساسية وحرياته، لقد حدث بالتدريج تحول جذري في منظومة القيم أدّى إلى استبطان الأفراد لعناصر ثقافية لم يعد ينظر إليها على أنها غربية بل نتاج محلي، كالإختلاط وتعليم المرأة، واستطاع المجتمع الكويتي أن يخلق اللحام الضروري بين الثقافة التقليدية والثقافة العصرية عبر عملية صهر المكونات المختلفة في تراكيب جديدة مقبولة اجتماعيا رغم مقاومة قوى التيارت الإسلامية التي ظلت قائمة رغم ذلك وتبلورت في تيارات فكرية وسياسية، ظلت تسعى بشكل قوي إلى فرملة عجلة التحولات المدنية الكاملة والحفاظ على نمط ثقافي محدّد سلفا في نصوص دينية، والعودة إلى نموذج الخلافة الإسلامية، وهو ما يستحيل تحقيقه أمام مدّ التأثيرات القوية للثقافة المعولمة. فلماذا اليوم تتشارك التيارات المدنية في العودة الي الماضي الديني مع التيارات الإسلامية، والقبول بالنمط الحالي. ولماذا يظل الرهان بالتغيير على الآخر، أي النظام الحاكم، بينما هم يحملون مباديء وقيم العلمانية والديمقراطية؟. في الحقيقة أن التفكير وعمق المأساة ظلت لدى النخب المثقفة والعليا في المجتمع الكويتي لم تزل تراوح في مكانها باسم الانتماء مرة وباسم القيم الموروثة مرة وباسم التراث الديني مرات، اذ يعد الخروج عن شرانق الماضي خطا احمرا قانيا كما يرسمه الخطاب الشعبوي الذي يمجده الجميع ويخشي من مواجهته. وعملية المواجهة ليست سهله بالتأكيد، ولكن ما يؤخذ على النخب المثقفة هو عدم قدرتهم حتى اليوم على أخذ الخطوة الأولي على الأقل والمتمثلة بخلق تيارات وتجمعات علمانية ثقافية فكرية قادرة على صناعة الوعي، وهو أمر ليس بالمستحيل وخصوصا أن غالبية النخب المثقفة الكويتية تعتبر من أصحاب الدخول العالية بل وإن بعضهم يعتبر من رجال الأعمال والملايين.
عندما اقرأ بامعان عن قطيعة شعوب متنوعة تفكّر مليا في تاريخها، وتعتز جدا بنفس الوقت بذاكرتها.. وكيف تتعامل مع حاضرها، وكيف تريد ان يكون مستقبلها .. اجد نفسي محبطا ويائسا ازاء مجتمع لا يتزحزح قيد انملة عن بنية صلدة من التفكير وهو يرتع في حالات فوضوية، ومصالح سياسية، وترديد شعارات ساخنة، ويتعامل مع افكار متيبسة، ويتشبع بعواطف ساخنة .. ان اسوأ ما نجده في المجتمع الكويتي هو هذا التواصل للتعصبات الطائفية والقبلية، وخضوع النخب المثقفة بتياراتها المدنية والعلمانية والديمقراطية لثقافة المجتمع السائدة وعدم القدرة، وأنا أراها عدم الرغبة في المواجهة الحقيقية للتيارات الإسلامية، وتفضيل ماهو حاصل مع إلقاء اللوم دائما على الحكومة والنظام بأنه هو المسؤول تماما عن رعاية التيارات الدينية وتفاقم حضورها، وإن كانت هذه التهمة حقيقية، حالها حال بقية الأنظمة العربية، إلا أن في الكويت المجال المدني مفتوح والعمل التنظيمي متاح وفقا للقوانين والأنظمة، إلا إن إخفاقات النخب في دعم وتشجيع الثقافة العلمانية هو الخوف الأول وهو الأزمة التى نعيشها في المجتمع والتى أخرت التحول المدني وخلقت تشوهات فكرية لمفاهيم ومصطلحات العلمانية والحريات الشخصية، وجعلت من العلمانية في خطابهم مجرد شعارات لها مآرب أخرى. إن من يسيطر الخوف على تفكيرهم باستمرار إنما يشتكون من التعب بدون سبب ظاهر، وهذا فعلا وواقعا ما تسمعه من نخبنا المثقفة الكويتية دائما بأنهم متعبون جدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلام جميل لكن...
نايــــــــــــــــــــــــــا ( 2015 / 3 / 20 - 20:22 )
تحية، كتبت «الإيمان بخيار العلمانية منهاجا وخارطة طريق الي بناء الإنسان والمجتمع. وهذا ما حصل في غالبية الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل» انتهى
هل أنت متأكد من أن إسرائيل علمانية ؟ ماذا يفعل الصهاينة إذا في فلسطين ؟ أليسوا هم أراد تطبيق وعد الله في هذه البقعة من الأرض بناءا على وعد قطعه الله لشعب إسرائيل ؟ ؟؟؟ فأين العلمانية في دولة عنصرية طائفية تطالب العالم بالاعتراف بهويتها الدينية اليهودية ؟؟؟


2 - علمانية ولكن
عبدالعزيز القناعي ( 2015 / 3 / 21 - 05:33 )
سيد او سيدة نايا
شكرا على مرورك والتعليق على المقال، في البداية ارجو الأخذ بعين الإعتبار ان قادة ومؤسسي الحركة الصهيونية في الغرب ويتقدمهم ثيودور هيرتزل وحاييم وايزمان ،لم يكونوا متدينين بل كانوا علمانيين ،لكنهم لجأوا للدين للتغلب على عدم إستجابة يهود الغرب لدعواتهم. كما أن العرب ضاعوا بين علمانية إسرائيل ويهوديتها، مما وضعنا في رؤية مزدوجة بين حكومات اسرائيلية تعمل وفق النظام العلماني مع وجود روح دينية تدفعهم الي الموائمة. والنقطة الأخرى تتعلق بوجود اسرائيل وعنصريتها فهذا أمر تتشارك به الأديان جميعا بما فيها الدين الاسلامي الذي يؤيد في نصوصه نشر الاسلام في كل بقاع الارض لنشر كلمة الله. الإنطلاق لتعزيز التعاون والعمل المشترك يجب ان لا يكون من خلال رؤية دينية بل بتعزيز العلمانية والحوار المشترك للوصول الي أفضل الحلول.

تحياتي وشكرا للتعليق.

اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا