الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما وراء لوغوس الكلامنجية...في نقد مثقف القدسنة وقدسنة المثقف

حيدر علي سلامة

2015 / 3 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


*

إن المتأمل في فينومينولوجيا مؤلف الأستاذ الدكتور محمد عبد الحميد المالكي، المعنون: بـ"سلطة الكلام...إرادة القوة...في تقنيات محترفي الالقاء...مشروع بيان السيميايئات السردية"**، سيلحظ كيف انعرج هذا النص في تحويل بيان مشروع "السيميائيات السردية" الى مقدمة ابستمولوجية وانثروبولوجية في طرح قضايا وإشكالات المثقف وسؤال وماهية الثقافة في واقعنا المعاصر. فما أن نطيل النظر في المسكوت عنه بين صفحات ومتون هذا الكتاب، حتى نجد أنفسنا عند عتبات نهاية سرديات المثقف الأسطوري؛ والكوني؛ والكامل؛ والحافظ لأسرار الأولين والآخرين؛ والجامع لأفكار الراحلين والقادمين. فهذا الكتاب، هو بأختصار، يمثل رحلة ماورائية لتتبع الآثار والدهاليز الأسطورية/والحكائية القبلية - أي السابقة على ظهور وولادة المثقف - والتي تشكل في مجملها ابستمولوجيا التمائم والتعاويذ السحرية التي يتبخر معها "المثقف" يوم مولده التاريخي/والميتا-تاريخي، حيث يتحول ذلك "الكائن العادي" إلى كائن خارق وفوق العادة في كل أقواله؛ وأفعاله؛ وكلامه؛ وحركاته وجسد كتاباته. هكذا يتحول المثقف إلى كائن ايقوني/لامرئي، فبيده اليمنى يحمل سلطة القول والكلام، وبيده اليسرى سلطة الخضوع المطلق لسحر أقواله وطقوس عباراته وكرامات كتاباته وتجليات أحباره المقدسة، فلا يمكننا أن نتخيل أو أن نتصور بعد كل ذلك، أننا أمام كائن عادي، بعدما تحول ذلك المثقف إلى حكاية سردية/عجائبية وغرائبية مترسخة في بنية ومخيّال ولاشعور المتلقي العادي الذي يقضي الشطر الأكبر من حياته تحت سحر وتقنيات "لوغوس الكلامنجية" وشعوذة إنتاج المثقف، وعلى مدار ذلك تتكاثر الصور وتتضخم المجازات والعلامات والكرامات حول أفكار ذلك المثقف وأطروحاته وانجازاته الثقافية والعلمية، لتتحول جميعها إلى "حقائق ميتافيزيقية مطلقة" حتى وان لم يكن لها ثمة وجود حقيقي؛ وذات "صلاحية أبدية" حتى وان لم يثبت صحة مفعولها، فالمهم انه –أي المثقف – يمثل وحدة وجود الثقافة وثقافة الوجود الواحدة. فما يشغله ليس الثقافة، بل الأشكال الخطابية والدعائية/السحرية والأيديولوجية والمؤسساتية التي ترافق موكب ظهور هذا المثقف...في النهاية مات مؤلِف حكاية "المثقف" بعد أن تحول إلى مظهر "simulacre" زائف/وهمي غير حقيقي، يكمن معيار وجوده في العالم من خلال تطابقه التام مع انطولوجيا النسخ والطبع واللصق الأفلاطونية الأبدية لاسطورة أيديولوجيا المثقف...
من هنا تتأتى أهمية القيمة الابستمولوجية اللامفكر فيها للمنجز الثقافي والنقدي للمشروع اللساني والسردي لمشرف "مختبر بنغازي للسيميائيات السردية وتحليل الخطاب" الأستاذ محمد عبد الحميد المالكي، والذي يتطلب عملية قراءة وتأويل جديدة، تساعدنا على الإلمام بمجمل تفرعات وتمفصلات القضايا الإشكالية الراهنة والمطروحة في هذا المؤلَف اللساني الذي عمل على تقويض أستذة وأيديولوجيا "اللسانيات اليمينية" المسيطِرة والسائدة في كل حقبة زمنية حاضرة متحولة ومقبلة. فنجح بذلك في تقديم "لسانيات ثقافية تطبيقية" جديدة لم تألفها أوساطنا الأكاديمية من قبل، تلك الأوساط التي لا زالت متقوقعة ومنشغلة في عمليات "شكلنة اللسان" و "صورنة المتكلم" و "قدسنة علم النحو المعياري grammaire normative الأرثوذكسي" على حساب الوقائع والإشكالات الثقافية التاريخية. لهذا، نلحظ كيف ركز هذا المؤلف على تناول وطرح ومساءلة كل ما تم نسيانه "والسكوت عنه" ،كطرح قضية "نقد وعاظ الكلامنجية" وتفكيك "تابو قداستهم" الزائف/والمزيف، الذي أصبح يمثل الأساس الثابت والقار في الدراسات الثقافية واللسانية الأكاديمية التقليدية. بأختصار شديد، تمكنت المحاولات اللسانية الرائدة للأستاذ المالكي من تسليط الضوء من جديد على طبيعة العلاقة الخفية بين كل من: ظاهرة تشكيل المثقف في الخطاب اللساني؛ وظاهرة تحوله إلى فينومينولوجيا صوتية واشهارية مجردة ومتعالية، ووجهت الأنظار أيضا إلى كيفية تحول هذه الظاهرة إلى "نظام تراتبي وقيّمي وسلطوي" يعمل على سستمة وتحديد وتوجيه أفكارنا وأحكامنا، لأنه أصبح يمثل سلطة "السحر الثقافي وميثولوجيا المثقفين" التي تنتج/وتعيد إنتاج بطريقة لاشعورية أشكال تنميط قراءاتنا وصناعة أذواقنا الثقافية...


(*)باحث من العراق- مختص في فلسفة الدراسات الثقافية/ومابعدها
(**)صدر هذا الكتاب عن دار البيان للنشر والتوزيع والإعلان بنغازي – ليبيا، عام 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن