الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللادينية الجديدة.. عالمٌ جديد جبان

مُضر آل أحميّد

2015 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


- لكن لماذا هو ممنوع؟
- لأنه قديم. هذا هو السبب الرئيسي. ولا فائدة من الأشياء القديمة.
- حتى ولو كانت جميلة؟
- بالذات عندما تكون جميلة. فالجمال جذّاب، ونحن لا نريد ان ينجذب الناس للأشياء القديمة. نريدهم أن يحبوا الجديد.
.. الناس الآن سعداء، يحصلون على ما يرغبون به، ولا يرغبون بما لا يستطيعون الحصول عليه. فهم منعمون، وآمنون، ولا يمرضون ابدا، ولا يخافون الموت، ولا يعرفون شيئا عن العواطف ولا العهود القديمة، ولا يقلقون على الأمهات والآباء.. .

هذا جزء من رواية "عالم جديدٌ شجاع" لآلدوس هكسلي، حيث يسأل فيه جون (الهمجي) مصطفى موند (الحاكم) عن سبب منع مؤلفات شكسبير ويبدأ بعدها نقاش بين جون ومصطفى موند حول استعداد الجنس البشري –او تقرير البعض عن الجنس البشري- للاستغناء عن كل ما هو قديم من فنون، واداب، وفلسفة، ومعتقدات في سبيل الحصول على السعادة الخالصة. السعادة التي يبين جون انها ليست سعادة اذا لم تختلط بعناء الحياة الاعتيادية بأبعادها الانسانية الاخرى من حزن، وبؤس، وأمل، وسعي، ومحاولة..

وهذا هو حال كثير من مدّعي المشروع اللاديني الجديد. ولن أتحدث عن المفكرين الذين بحثوا وحققوا واختبروا وشاهدوا ثم غلبت عندهم أدلة اللادين على أدلة الدين، وتفوقت بنظرهم حجج النفي على براهين الإثبات؛ لن اتحدث عن اولئك فهم ممن ترفع لهم القبعات لبحثهم ومحاولاتهم ورفضهم الأفكار الجاهزة. بل سأخص بالحديث (مستهلكي المعلبات) الذين تلقوا ايمانهم، او لادينهم، بالوراثة ثم انقلبوا عليه بنسخ الأجوبة المقتضبة الجاهزة. الذين لم يخطر لهم "البحث عن الحقيقة" يوما الا كردة فعل نفسية، او اجتماعية، او سياسية، او جنسية في بعض الأحيان. وبرأيي، وعلى اعتبار أن اللادينية معتقد من حيث أنها تستدعي الأدلة وتحشد الحجج للدلالة على صحتها، فإن اولئك لا يعدون عن كونهم عالة على اللادينية كما أن المسلم بالوراثة عالة على الاسلام، والمسيحي لأنه لم يعرف غير المسيحية عالة على المسيحية. فعند اولئك اسهل الحلول واقربها الى الذهن هو الهروب. فلمَ اختبار عناء البحث ومشقة التفكير وحياة الإصلاح المؤلمة الطويلة عندما يوجد ما يُسمى الهرب؟!
صليبية المسيحيين، لستُ مسيحيا. إجرام المسلمين، لستُ مسلما.. وهكذا فقد اصبح الهرب خير ما يجيده الجنس البشري.

أعرف أنّكم تتساءلون عن الرابط بين الرواية واللادينية الجديدة. حسنٌ، إن المصدر الأخلاقي الوحيد والكافي عند اللادينية الجديدة هو الإنسان نفسه. هكذا يخبرنا سام هاريس، وريتشارد دَوكنز وغيرهما. فلننسى أن الأخلاق بمفهومها الحالي قد جاءت بصورة تراكمية عن طريق الأديان، ولا أخص الأديان الإبراهيمية، ولنعتبر، جدلا، أن الأخلاق صناعة انسانية بحتة. من هو الإنسان او الجهة المخولة بتحديد ما هو أخلاقي؟ واطرح أسئلة سام هاريس في مؤلَفه عن "الكذب": ما الذي يحدد كون كذبة ما كذبةً بيضاء؟ فلو قلنا أنه الأذى الواقع على ضحية الكذب، فمن الذي يحدد ما يؤذي وما لا يؤذي الشخص المكذوب عليه؟! ودون مؤسسة قيمية أخلاقية –وهذا من الأمور القليلة التي أتفق بها مع جمهوريي اميركا- ستصبح القيم الأساسية التي تقوم عليها حياة الإنسان نسبية، فما تراه أنت اخلاقيا اراه لااخلاقي؛


فهل يختلف اللادينييون كثيرا عن رجال الدين؟
اعتدنا على دعاة بـ إله، واليوم أضفنا اليهم دعاة بدون إله؛
فقد أثار فضولي في الفترة الأخيرة تفشي ظاهرة دعاة اللادين! ألا يؤمن أحد فينا بأن الفكرة الجيدة تبيع نفسها؟ لماذا يحتاج رجال الدين دعوة الناس الى اديانهم ان كانت اديانهم تفيد الناس بحيث أنها مرغوبة؟! ولماذا يحتاج دعاة اللادين تقليد اعدائهم الإيديولوجيين في تسخير وسائل الإعلام لنشر دينهم؟ّ! اسئلة ربما لن نلقى، أنا ومن يجلس معي في المنتصف، الجواب عليها من المعنيين بها.
واعتقد أني استطيع التعبير عن رأيي بها بكلمات قليلة: إن الطاقة التطرفية الكامنة في أصحاب اليمين تدفعهم الى أقصى اليسار عند تعرضهم للحافز.


نعم، اننا ننتمي الى أديان، وأعراق، وأوطان تجعلنا بعض افعالها الماضية او الحاضرة نكره انتماءاتنا في كثير من الأحيان. ولكن، هل هذه هي الحالة الإنسانية؟ هل هذا ما نحن عليه؟ ننتمي حتى نستنزف ما انتمينا اليه ثم نتركه الى غيره؟ اعتقد أن جزءا غير قليل منّا هكذا، ولكنه لم يكن الأغلبية يوما. ولكي نعيش في "عالم جديد شجاع" علينا أن نكون أنفسنا شجعانا نحاول تحسينه؛ أمّا عالم حيث لا استطيع القراءة لشكسبير، ليس عالما أريد الحياة فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ مُضر آل حميِّد
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 7 - 12:07 )
تحية طيبة أستاذ مُضر،

مقالك َ يطرح قضيتين مهمتين أولهما: وجوب القطيعة بين اللاديني و قومه، و ثانيتهما: العلاقة من الجماليات بحسب أصولها الدينية .

فبالنسبة للأولى أرى أن اللادينية هي موقف يرفض الدين و الإله بناء ً على مُعطيات و دلائل، و لهذا فلا شأن لها بالقطيعة عن -قوم الدين- و من هذا المنطلق يُصبح انقطاع اللاديني عن مُناسبات قومه و ناديهم قصورا ً منه و دليل عدم نضج ٍ كاف ٍ، كما أنه من جهة ٍ أخرى اصطناعُ تمزيق ٍ لأواصر ِ حبٍّ و نُسيج ِ هويَّة ٍ أقل ُّ ما يُقال فيه أنه غير مُبرر و تصنُّعي.

أما بالنسبة للثانية، فأرى أن الأخلاق ذات ُ أصل ٍ إنساني ٍّ لا ديني، و أنها ذاتية ٌ من حيث ُ أن البشر يحدِّدون ماهيتها، و الُحكم عليها، و بالتالي قيمتها وجوبا ً أو عدما ً بحسب حاجة المجتمعات،،،

،،، و عليه فإن َّ كل من يرفضُ جمالا ً ما و هو يُدرك أنه جميل، لأن الدين قال أنه جميل فهذا يا سيدي طفل ٌ بعد لم تنمو مداركه و لم تتميز ملكاتُه إلى التشعبات التي يستطيع ان يحكم بتفرُّدها المنطقي على الأمور بوسع ٍ و حكمة، و هذا لا يصح أن نسميه لا ديني، فاسمه الصحيح: ضد-ديني، و الفرق ُ شاسع!

تحياتي لك.


2 - تحية لك عزيزي استاذ نضال،
مُضر آل أحميّد ( 2015 / 4 / 8 - 08:11 )
- و عليه فإن َّ كل من يرفضُ جمالا ً ما و هو يُدرك أنه جميل، لأن الدين قال أنه جميل فهذا يا سيدي طفل ٌ بعد لم تنمو مداركه و لم تتميز ملكاتُه إلى التشعبات التي يستطيع ان يحكم بتفرُّدها المنطقي على الأمور بوسع ٍ و حكمة، و هذا لا يصح أن نسميه لا ديني، فاسمه الصحيح: ضد-ديني، و الفرق ُ شاسع! -
وهو ما ذهبتُ اليه في وصف امثال ذلك بأنهم (عالات) على انتماءاتهم.. واعتقد أن من تبنى عقيدة او فكر معين بعد دراسة وبحث وتمحيص يستحق منّا الإحترام، لأن مثل هذا لن يكون الا عاملا ايجابيا فاعلا في مجتمعه وبيئته وسنلاحظ تأثيره الأكبر باديا على المتعصبين من معتنقي عقيدته.

اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة