الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ ضائع

محمد عادل زكي

2015 / 3 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تاريخ ضائع

يتخذ ماركس من أوروبا بوجه عام، وبوجه خاص إنجلترا، حقلاً للتحليل. وابتداءً من ذلك يعتنق مبدأ تقسيم تاريخ العالم، الَّذي يعتمد على أنماط الإنتاج، إلى أربع مراحل: المشاعية البدائية، ثم العبودية اليونانية والرومانية، ثم الإقطاعية الفرنسية والإنجليزية، ثم الرأسمالية الإنجليزية أيضاً. وقد نجد لديه بعض الإشارات المتفرقة إلى أحوال مصر القديمة أو الأجزاء البعيدة في الهند أو الصين أو أمريكا، ولكن دون أن يتخلى عن المركزية الأوروبية الَّتي ترى تاريخ العالم ابتداءً من تاريخ أوروبا. وفي رأس المال، أهم مؤلفات ماركس وقمة إنتاجه الفكري على الإطلاق، بل وقمة نضج الاقتصاد السياسي نفسه، تقوم فرضيات ماركس على أساس أن الرأسمالية في أوروبا، وفي إنجلترا بوجه خاص، تحمل من الخصائص والسمات ما يجعل منها نظاماً مختلفاً عن التنظيمات الاجتماعية السابقة عليها (أي: البدائية والعبودية والإقطاعية) إذ رأى ماركس أن الرأسمالية تتميز بظاهرتين حاسمتين غير معروفتين في المجتمعات السابقة على الرأسمالية! الظاهرة الأولى: هي ظاهرة بيع قوة العمل؛ إذ كان العبد بأكمله، في المجتمع العبودي، ملكاً لسيده، بما يحتويه من قوة عمل. فالعبد في المجتمعات السابقة على الرأسمالية بوجه عام لا يبيع قوة عمله لسيده، وإنما يُباع بأكمله. والرأسمالية فقط، وفقاً لماركس، هي الَّتي تعرف ظاهرة بيع قوة العمل. أما الظاهرة الثانية، فهي الإنتاج من أجل السوق: فحينما ينحل المجتمع العبودي، في روما، ويأتي المجتمع الإقطاعي؛ فسوف يرى ماركس أن القاعدة، في المجتمع الأخير، هي أن إنتاج الفلاحين يعد إنتاجاً لـ (منتجات) وليس لـ (سلع). لأن المنتج كي يكون سلعة لابد وأن يكون معداً للتبادل. للبيع من خلال السوق. وهو ما ينفيه ماركس بصدد المجتمعات الإقطاعية في أوروبا الغربية؛ فجزء من المحصول، وفقاً لإضافة إنجلز، الَّذي كان ينتجه الفلاح الأوروبي في القرون الوسطى كان يدّخر جزء منه من أجل إعادة الإنتاج، وتجديد إنتاج المنتجين المباشرين أنفسهم، والجزء الآخر يذهب إلى السيد الإقطاعي على شكل الخراج، وإلى القساوسة على شكل العشور. ولكن، كما في رأس المال، لا القمح المقدم على شكل الخراج ولا القمح المقدَّم على شكل العشور صارا سلعة لمجرد كونهما أنتجا من أجل اعطائهما لأشخاص آخرين؛ فلا يكفي، كي يعتبر المنتج سلعة، كما ذكرنا، أن يتم إنتاجه من أجل الآخرين فحسب، إنما يجب أن يمثل لمنتجه قيمة مبادلة. فالناتج كي يكتسب صفة السلعة يتعين أن يكون منتجاً من أجل السوق. من أجل المبادلة النقدية. من أجل البيع. وهو الأمر الَّذي يرى ماركس، أنه غير متحقق مع نمط الإنتاج الإقطاعي، ولن يتحقق إلا مع نمط الإنتاج الرأسمالي. فمع النظام الرأسمالي سوف يحدث التغيّر الجذري؛ فمن جهة، ستصبح قوة العمل سلعة تباع وتشترى في سوق خاص بها هو سوق العمل. ومن جهة أخرى، سوف تصبح كل المنتجات سلعاً معدة للتبادل في السوق. ووفقاً للتصور العام لماركس، يعد بيع قوة العمل، والإنتاج من أجل السوق، من الأمور غير المسبوقة تاريخياً. والرأسمالية بمفردها هي الَّتي شهدت هاتين الظاهرتين. ولكن، هل هذه الظواهر حقاً غير مسبوقة تاريخياً؟ ولم يكن لها وجود، كما ذهب ماركس وتابعوه، إلا مع النظام الرأسمالي المعاصر الَّذي هيمن منذ خمسة قرون فقط؟ أم هي ظواهر معروفة تاريخياً قبل هيمنة قانون حركة الرأسمال، بمئات، بل آلاف، السنين؟ وإذ ما كانت فعلاً معروفة فلِمَ لم يظهر الاقتصاد السياسي كي يفسرها ويكشف عن قوانين حركتها؟ إن الطريق الَّذي سوف يسلكه الذهن في سبيله لتقديم إجابة على هذه الأسئلة يتعيّن أن يكون مُعبَّداً بموقف واضح رافض للمركزية الأوروبية الاستعمارية، والاتخاذ من تاريخ العالم حقلاً للتحليل. ولكن، للأسف تلك الذهنية صارت مغتربة في عالمنا العربي! وحل محلها الصنمية في الرأي والوثنية في الفكر؛ بعد أن قاد المخبولون العميان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل-دكتور هو- يعود بعد ستين عاما في نسخة جديدة مع بطل روان


.. عالم مغربي يكشف الأسباب وراء حرمانه من تتويج مستحق بجائزة نو




.. مقابل وقف اجتياح رفح.. واشنطن تعرض تحديد -موقع قادة حماس-


.. الخروج من شمال غزة.. فلسطينيون يتحدثون عن -رحلة الرعب-




.. فرنسا.. سياسيون وناشطون بمسيرة ليلية تندد باستمرار الحرب على