الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البكاء أمام جثه التراث بين العلمانية وبعبع الديمقراطية

عبد العزيز الخاطر

2005 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عبر التجربة التاريخية التي أنتجت ما يسمى بالديمقراطية ثمة ارتباط بين هذا المفهوم ومفهوم آخر هو العلمانية أو على الأقل أحد مضامينها أو تفسيراتها . والملاحظ اليوم أن محاولات أقلمة هذا المفهوم وهو الديمقراطية عربياً وإسلامياً باءت بالفشــــل أو في طريقها الى ذلك ، الأمر الذى أدى ويؤدى الى ازدياد تناول واستخدام المفهوم الثاني وهو العلمانية كشرط لابد منه لتمكين المفهوم الأول وهو الديمقراطية من الاستيطان في البيئة العربية والإسلامية . لعل أحد تفسيرات العلمانية هو ما يلزم لقيام الديمقراطية وهو المتضمن حيادية الدولة أمام الأديان في المجتمع . لان التفسيرات الأخرى التي تصفها بمعاداة الدين أو توصمها بالإلحاد لا يمكن بحال من الأحوال استيعابها ضمنياً داخل مجتمعات هي متدينة بالفطرة كما إن التفسير القائل بحيادية الدولة أمام الأديان يعني من ناحية أخرى قيام المواطنة الحقة لأفراد المجتمع دون تمييز . حتى مع هذا التفسير المتعلق بمفهوم العلمانية تبرز تحديات لا يمكن معها وبسهولة استيعابه في عالمنا العربي والإسلامي أول هذه التحديات هي مع الأكثرية ذات الدين الواحد وهو الإسلام في عالمنا العربي والإسلامي حول الصياغة الدستورية لمحتوى حيادية الدولة والتحدي الأخرى هو مع النخب الحاكمة التي لن تقبل مبدأ المواطنة الحقة بين جميع أفراد المجتمع وأن صرحت بذلك علناً إلا أنها تعني في الأساس ما دونها كطبقة متعالية لا يمكن المساس بها فهي فوقية ذات أرث تاريخي إلهي مكتسب . من هنا تأتي صعوبة التأصيل لمفهوم الديمقراطية في عالمنا العربي والإسلامي رغم ما قيل وما يقال وما يكتب ليلاً ونهاراً عنه ، ما يخيف الغرب اليوم ليس هو غياب الديمقراطية حيث يمكن اعتبار ذلك مدخلاً لكثير من التدخلات وفرض الحلول وتغيير الديمغرافيا والجغرافيا في هذه المنطقة أو تلك من هذا العالم العربي الإسلامي ، ولكن الذى يخيفه فعلاً هو تطبيق الديمقراطية الإجرائية دون وجود أو تطبيق لقيمها ومبادئها التي قامت عليها هذه الإجراءات ، فما الذى يمكن أن يحمله تطبيق الديمقراطية الإجرائية من انتخابات وصناديق اقتراع في ظل الفشل التنموي في هذا العالم ولعل ما حصل في الجزائر في أول التسعينيات مثالاً واضحاً لما سيكون عليه الأمر في حالة عدم توافق أساسي أولي بين مفهوم العلمانية والديمقراطية كما فهمها وطبقها الغرب . سيكون الاكتساح كبير للقوى الإسلامية وللمد الإسلامي الجارف بعد فشل المشاريع السياسية الأخرى . والغرب على أدراك كامل بهذا ، لذلك يشرع اليوم لتوطين مفهوم أو مصطلح الديمقراطية من خلال ربطه بمفهوم العلمانية الملازم لـه والضروري لإنباته صحياً طبقاً للمواصفات الغربية التاريخية . في ظل هذا الوضع يجد العالم العربي والإسلامي نفسه عاجزاً من إيجاد البديل الخاص به بالرغم من طرح مفهوم الشورى إلا أنه لم يتفق على آلية واضحة عصرية تأخذ بامتزاج الثقافات المعاصرة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ بعد سقوط الأسوار وتحطم الجدران وتآكل الحدود . فالأمة اليوم بين خيارات محدودة فقط أما الأخذ بالديمقراطية الغربية ممزوجةً بشكل من أشكال العلمانية الذى ينص على حيادية الدولة وقيام المواطنة الحقه لجميع أفراد المجتمع أو إيجاد البديل الحضاري الإسلامي الذى يتفق ومتطلبات العصر فعلياً ويسمح بالتمدد والتجدد وقابلية الانسياب مع حركة التاريخ .
فزرع التربة الديمقراطية في هذه المنطقة يتطلب إقامة وعاء ثقافي وفكري جديد هو بالضرورة ذو علاقة بفكرة العلمانية من حيث هي حالة من التسامح والمساواة يبن أفراد المجتمع وبين ما يعتنقونه من عقائد واديان وليس أدل على ذلك من مراجعة المناهج التعليمية لأن الغرب يعلم أنه بدون ذلك وبالاكتفاء بإجراءات الديمقراطية فقط سيعيد إنتاج كتل تتصادم معه منتخبة ديمقراطياً فأزمته هناك ستكون أعم وأشمل . أما من جانبنا فالإكثار من الحديث عن الديمقراطية وكأنها طوق النجاة دونما التنبه والوعي بأساسها التي تقوم وترتكز عليه وهو العلمانية من حيث هي – مفهوم عريض ومتشعب يمكن التعامل معه بلطف أو بـحدية - ولكن لا بديل عن وجوده بشكل أو بآخر ، فذلك يدل على عدم فهم تاريخي لنشأه هذا المفهوم .
ومن المعروف أن صور الديمقراطية في العالم الراهن تختلف من مجتمع الى آخر ولكنها جميعاً تتفق على أساسها العلماني . إن عدم إيجاد صورة عصرية لمصطلح الشورى وتطويره بشكل يستوعب مفاهيم العصر من مواطنة ومساواة جعل الأمة في وضع لا تحسد عليه بين الاستيراد الناقص لمستلزمات العصر الفكرية بعد أن أوغلت في استيرادها لمستلزماته مادياً وبين ضياع تراث كان الممكن أن يغنيها لو أحسنت استغلاله بدلاً من الاقتتال حوله وهو جثه هامدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa