الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبراهيم وأمّة العجائز

مُضر آل أحميّد

2015 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قيل أنّ فخر الدين الرازي (وهو متكلّم وفقيه وعالم) كان يمشي وتلامذته يلحقون به ويكتبون ما ينطق به. فمروا على عجوز وسألت أحد التلاميذ: يا بُني من هذا؟
فغضب التلميذ وقال: أما عرفتيه؟! هذا الإمام الرازي الذي عنده ألف وألف دليل على وجود الله
فرّدت العجوز: لو لم يكن عنده الف شك لما احتاج الى ألف دليل. أفي الله شك؟!
ولمّا بلغ هذا الرازي قال: اللهم إيمانا كإيمان العجائز.
بعيدا عن تخريجاتها ونسبها لأكثر من شخص، فإن القصة مؤثرة، تداعب العواطف وتلامس حاجة التدين الآمِن. ولكن، هل نريد فعلا ايمانا كإيمان العجائز؟ إن احدى اكبر عِلل الأمة الإسلامية هي أنها تظن أنّ ايمانها إيمانا علمي. يقوم على الدليل والحجة والمنطق. ويعود ذلك لقرون الجهل والتجهيل التي مرت على أبناء هذه الأمة. فلمعرفة اساليب المحاججة والإستدلال يحتاج الإنسان الى درس الفلسفة والمنطق؛ ولا يكفي أن نتعلم اساليب الاستدلال إن لم نكن نطبقها. ولنستعر مصطلحا من علم النفس وهو "التحاوز" مأخوذ من الإنقسام الى أحياز، وهي آلية دفاع نفسية تسمح للمصابين بها بحمل الفكرة ونقيضها في أدمغتهم دون الشعور بالتناقض. وامّة المسلمين اليوم مصابة بالتحاوز بشكل وبائي، فلا يكاد يخلو بيت منها، فنرى السيد المثقف المتعالم المطّلع على اساليب الإستقراء والاستدلال –وربما المتخصص فيها- يطبق، متفلسفا، ذينِك الأسلوبين على كل شاردة وقضية مهما كانت تافهة ولكنه يأبى ويرفض استخدام نفس العلم ،وربما يرفضه كعلم بالكلية، في مناقشة أهم القضايا الإنسانية مثل: هل هنالك إله؟ هل خُلقنا؟ من خلقَنا ولماذا؟
ثم يرفض جميع العلوم وينكرها عندما يكون إيمانه محلا للنقاش، مع أنه يثق بتلك العلوم عندما يتناول المضادات الحيوية، او يستخدم التكنلوجيا.. الخ

إن الكم القليل الجاهز من المعلومات السطحية التي يتلقاها المسلم منذ صغره وحتى بلوغه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يجعله أفضل من العجائز. فهل فعلا تظن هذه الأمة أنها تؤمن إيمان العلماء؟! ولست أتحدث عن الكتب التي تُقرأ لتكون أرقاما ومعلومات للتبجّح، وإنما أتكلم عن فواصل التفكير والسؤال والتشكيك. هل تساءل المسلمون يوما ماذا لو لم يكن ديننا الحق؟ ربما فعلوا، ولكني أجزم أنّ غالبية الذين فعلوا ذلك إستغفروا ربهم بعدها وقالوا "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ربما كان للشيطان دور، ولكن دوره لم يكن في دفعهم الى التساؤل، وإنما في إقعادهم عن مواصلة التساؤل والبحث عن إجابة شافية.

يتفاخر المسلمون بإنتماءهم الى إبراهيم؛ ويظنّون حقا أنهم أحنافا ً كإبراهيم. ولنتكلم عن إبراهيم، هل كنتم تظنون أن إبراهيم آمن إيمان العجائز؟ إن مكانة إبراهيم لم تأت لأن له الأسبقية بين الأنبياء، وليس لأن ذريته كانت صالحة ومنها انبياء وملوك. إنّ مكانة إبراهيم جاءت من حنيفيته، فقبل أن يكون إبراهيم نبيا، كان فيلسوفا. قبل أن يعلم ما هي النبوة كان يقلب وجهه يبحث عن خالق من مجموع الالهة التي عبدها قومه. تنّقل ابراهيم بين الشمس والقمر وكوكب، ورأى صفات النقص في تلكم الالهة فكفر بها جميعا. هنالك تبيّن أن إبراهيم يبحث عن الحق فعلا، فبان له الحق. إنّ ابراهيم الفيلسوف لم يكتفِ بالمنهج الصحيح والفكرة الأقرب للصواب بل أراد أدلة، فقد كان إبراهيم يحمل قلب فيلسوف شكاك (قالَ أوَلَم تؤمِن قالَ بلى ولكِن لِيطمئنًّ قلبي) يطلب الدليل ويرفض إيمان العجائز.

إنّ للمسلمين ولغيرهم الإختيار بين ايمان ابراهيم وبين ايمان الجهل، ايمان العجائز. وكما أنّ إبراهيم جرب أربابا في طريق البحث عن الحق، فإنّ من سار باحثا عن الحق ثم وصله موقنا يقين العلماء، خير وأقرب للحق ممن آمن ايمان العجائز بما يظنه الحق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عفوا راجع الفكر
شاهر الشرقاوى ( 2015 / 3 / 29 - 15:42 )
قالَ أوَلَم تؤمِن قالَ بلى ولكِن لِيطمئنًّ قلبي) يطلب الدليل ويرفض إيمان العجائز.
.......
قال بلى
اى انه امن بلا دليل لان الله و الدليل ..فكيف يطلب دليل على من يستدل به ولا يستدل عليه

ليطمئن قلبى الى القدرة لا الى الوجود ذاته وصفغة الايجاد والخلق
الى القدرة على احياء الموتى
فهذه ليس عند ابراهيم شك فيها على الاطلاق لانها بديهية
والدليل على كلامى (بلى ) اى نعم امنت

اخر الافلام

.. آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى


.. السيدة انتصار السيسى تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بحلو




.. تكبيرات العيد في الجامع الازهر في اكبر مائدة إفطار


.. شاهد: في مشهد مهيب.. الحجاج المسلمون يجتمعون على عرفة لأداء




.. 41-An-Nisa