الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين وحدة الحقيقة وقيود الأفكار

علي آل شفاف

2005 / 9 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"الشيئية" * التي تساوق "الوجود" هي (فذلكة عقلية)، لتصور "الوجود" بما هو وجود (أي الوجود المحض)، كوجود بما هو علم أو معلوم، وبالتالي كموضوع للتعقل. أي إبقاء المعنى، وتغيير اللفظ، بما يضيف خواص (ظاهرية) زائدة عليه، تجعله مرنا مطاوعا للإستخدام الذهني والخارجي معا.
وبما أن الوجود المحض هو كلي (تام الكلية)، وبسيط (تام البساطة)، بمعنى عدم تركبه؛ فإن جزءه يكون كله. أي أن الشئ والأشياء هي حقيقة واحدة، لمظاهر مختلفة.
وعند تجريد الشئ من تمظهراته، والنظر إلى حقيقته أو ماهيته ـ على اعتبار أن الوجود هو ماهية متحققة، وهو يستلزم الماهية، ولا ينفك عنها، بينما العكس غير صحيح ـ نجد أن هذا الشئ، هو بذاته ذلك الشئ الآخر. وهو بذاته تلك الأشياء الأخرى. بل هو بذاته كل الأشياء الأخرى. أي هو الوجود بعينه، لأن حقيقة الوجود بسيطة، وليست مركبة، كما مر. وبساطتها تعني عدم تعددها. لأن موضوع التعدد هو التمظهر، وليس الحقيقة.
فحقيقة الوجود هي ـ إذا ـ واحدة. وأن جميع ما نحسبه وجودا، سواء كان خارجيا أو ذهنيا، أو أي وجود آخر، هو تمظهر لتلك الحقيقة الواحدة.

تخبط الفلاسفة وتجادلوا وتصارعوا في بناء نظرية للمعرفة، تصف لنا كيفية ومعنى ومدى إدراكنا للأشياء أو الموجودات، والوجود عموما. وهل أنه يتوقف عند المدركات الحسية (Senses)، أو عند التجربة (Empirical) والخبرة (Practice)، أو عند الحدس (Intuition)؛ أو يتسع للمعرفة العقلية (Rational)، أو التأملية (Speculative)، أو للمعرفة القلبية العرفانية (Gnosticism)؛ أو أنه يذهب أبعد، ليكون العالم والعلم والمعلوم شيئا واحدا، كما عند أصحاب وحدة الوجود. وهل أن علمنا بالشئ علم بحقيقته؟ أم بصورته؟ أم بظاهره كما لدى الظواهريين (Phenomenologists)، أم بآثاره الحسية كما لدى "بيرس" والبراغماتيين (Pragmatists) . . . إلخ.

كل من هؤلاء كان يسعى لتحقيق نفس الهدف، وبطريقة تختلف عن الآخر، وجميع نظريات المعرفة ـ عندي ـ توصل بالنتيجة النهائية ـ أي عند متابعتها إلى غاياتها النهاية ـ إلى نفس المحصلة، وهي الحقيقة!! لكن بطرق مختلفة: منها ما هو مباشر، وهو أقصرها. وهو ما لم نتمكن منه عمليا أو واقعيا، وإن لم يكن تحققه ممتنعا عقلا. أو قد يكون متحققا دون أن نعلمه!! وهذا ما يزعمه أصحاب المعرفة القلبية وهم المتصوفة والعارفون.
ومنها ما هو غير مباشر وطويل ومتعرج، ولكنه (يجب) أن يؤدي إلى الحقيقة. فالحقيقة منتهى السلوك الفكري (أو القلبي) سواء ضل أم اهتدى!!

والفرق بين الضياع والوعي هو طول وقصر الطريق المؤدي إلى الحقيقة، إلا إذا احتمل التناقض. وحتى التناقض ـ لكونه ممتنع التحقق ـ يكون دليلا ـ عكسيا ـ إلى الحقيقة أيضا!!
بناءا على ما سبق ـ أزعم ـ أن الجميع يمتلك الحقيقة أصالة، لكنه يمظهرها بقالبه الخاص، الذي يتكون عبر العوامل الوراثية والبيئية، وعوامل موضوعية أخرى. وهذا التمظهر هو الذي يشوه الحقيقة، ويظللها حتى تكاد تختفي، أو يضل طلابها.
ومن هنا يتبين أن الفرق بين مبدأي "المساواة" و"العدالة". هو فرق رتبي وليس جذري. فالأصل هو "المساواة". لتساوي ذوات الأفراد (بالمعنى الرياضي التام). لأنها تمثل الحقيقة، التي هي تامة وبسيطة وواحدة. بينما يوجب تعدد التمظهرات الفردية "العدالة"، التي تعادل أثر هذه التمظهرات لتعيدنا إلى نفس الأصل، وهو "المساواة".
ومن هنا نعرف أصل الاختلاف بين الاشتراكيين ومخالفيهم، من رأسماليين وليبراليين. إذ يركز الاشتراكيون على "المساواة" للجميع، بغض النظر عن التباينات الواقعية بينهم (كالغنى والفقر مثلا). لأنها الأصل المتوحد للكل. بينما يركز الآخرون على التمظهرات المختلفة للذات المتوحدة. أي التباينات الواقعية بين الأفراد (التي قد تمثل الطبقية أسوأها). وكلاهما يجتزئ الحقيقة. ولو تواصل سعي كل منهما ـ على انفراد أو معا ـ لتوصلوا إلى نفس النتيجة. وهي الحقيقة، التي لا تتعدد.

من هنا جاءت دعوتي ـ السابقة ـ لعدم التقوقع والتقيد بقيود المصطلحات السياسية أو غيرها، لما يستتبعها من توسيع الفجوة بين الأفكار، ولكونها تخلق عوائق ذهنية تمنع من التوافق الفكري المعزز لسعي الإنسان الجاد في البحث والوصول إلى الحقيقة. التي إن لم يتمكن من الوصول إليها، فيمكنه ـ بالتأكيد ـ الاقتراب منها.
فلو عدنا إلى الواقع قليلا لوجدنا ـ كنتيجة لما سبق ـ أن التقيد بمصطلحات مثل "اليمين" و"اليسار"، هو تعبير عن تخبط فكري ألم بالإنسان. بعد ضياع وفوضى واضطراب فكري. فأعادنا إلى فعل إنطباعي بدائي غير معقلن، نشأ عن صدفة تأريخية. إذ جلس من جلس إبان الثورة الفرنسية على يمين قاعة "البرلمان"، وجلس آخر على يسارها. كيف ـ يا ترى ـ سيكون الأمر، لو جلس من جلس يسار القاعة على يمينها، والعكس بالعكس؟ هل نطلق على يمينيي هذه الأيام يساريين؟
وباستعراض تأريخ هذين المصطلحين، يظهر أن المنهج الذي يوصف باليساري ـ مثلا ـ في فترة ما، هو عينه يوصف باليميني في فترة أخرى. فمثلا في أيام ما بعد الثورة الفرنسية، كان يصنف دعاة "السوق الحرة" أو "تحرير السوق"على أنهم يساريون. في حين أن أغلب دول العالم الغربي هذه الأيام، تصنف هؤلاء على أنهم يمينيون. كما أن كل من اليسار واليمين يتسع لوصف نظريات سياسية واقتصادية متعددة قد يبدو بعضها متعارضا. وأن ليس هناك تعريفا محددا لكل منهما.
فمنهجية السير نحو الحقيقة تحتم علينا أن نتحرر من كل القيود الفكرية غير الضرورية لأنها تضيف حواجز وموانع تعيق سعينا الحثيث والدؤوب للاقتراب من الحقيقة التي ـ قد ـ لا تهمنا ـ واقعيا ـ لذاتها بقدر ما يهمنا الشعور المرافق للبحث عنها والاقتراب منها.

ـــــــــــــــــــ
* الشيئية من الشئ وهو هنا ما يقابل (Thing) باللغة الإنكليزية وليس ما يقابل (Object) لان الأول يساوق الوجود والثاني بمعنى الشئ المحمول على موضوع معين أو الشئ المدرك بالحس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى