الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة التاريخ

رحيم الساعدي

2015 / 3 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



قد احدث نفسي هل تبدو هذه العبارة مناسبة (نحن نحتاج إلى مستقبل معين لكي نصنع تاريخا ما ) . ربما يعد هذا خطأ لان المعادلة مقلوبة فقد تنتمي الى السفسطة فتعدل الى مفهوم اننا نحتاج الى حاضر لصناعة المستقبل .او بصورة أخرى تبدو أكثر ألفة ان علينا الاتكاء على التاريخ لصناعة المستقبل .
والحقيقة ان العبارة مهمة وصحيحة فقطعة التاريخ (والتاريخ قطع تسمى الأحداث) التي يتوجب علينا ان نجعلها متميزة والتي ننظر إليها فيما بعد بإعجاب يتوجب أيضا ان نخطط لها من نقطتنا الحالية وان نتقن صناعتها لكي ننظر إليها بصورة مرضية ونستحسنها عندما تمر وتصبح ماضيا ، والقضية تشبه الصورة الملتقطة ، فمن المهم ان نعدها او نلتقطها او نعد أنفسنا لها بطريقة تجعلنا نقوم بالتقاطها لكي ننظر إليها فيما بعد ، اي اننا نرسم فهما استشرافيا وسيناريو تخطيطي يشير إلى جعل الماضي أو التاريخ هو الموضوع بقبالة ذواتنا وما نطمح إليه ونسعى لاستحصاله .
أو ان التاريخ هو التحدي بالمقارنة مع نتيجة استجابة المستقبل (وربما العكس ) أو هو الغاية بالمقارنة مع الوسيلة والتي تمثل المستقبل ،فالزحف لقضم الأحداث والأزمنة المختبئة هنا ربما لا يعد أكثر من تحصيل جزئي وتعامل مع التفاصيل بالقياس إلى النتيجة التي نسعى إليها وهو ترك مقطع أو مقاطع زمنية في التاريخ تمثل ربما حضارة ما أو مدينة أو فلسفة أو علم أو إصلاح أو قانون كبير يشار لها فيما بعد بأنها نتاج يستحق التبني والتفاخر به ويستحق الاعتماد أو التطبيق أو عده من قواعد العمل والفكر ، والعكس أيضا يصح فالتجارب الفاشلة في التاريخ تصنع بنفس السلاح وهو التخطيط والآمال الافتراضية المتصلة بالمستقبل ثم تترك أثرا بعد إخفاقها لا يمحى .

انا اعلم بأنه نظام مقلوب ، ربما لا يستسيغه البعض لكنه من دون شك يمكن ان يعد الحافز لاستفزاز الذوات الراكدة أو الأمم الخاملة . ان لم يشرح واقعية حيوية التاريخ وفلسفته .

إن علم المستقبل هو العلم الذي يتناول الأحداث التي لم تحدث بعد وذلك خلال حقب زمنية لم تحل بعد ، وعندما تحل سوف تصبح حاضرا ، وربما يقال ان علم المستقبل يختلف عن المستقبل لان المستقبل لا يوجد إلا في الذهن والخيال والخطط التي نرسمها له , والدراسة المستقبلية هي دراسة أكاديمية تهتم بالمستقبل وتتشكل من نوعين من الأفكار هي الحدسية والتجريبية المعتمدة على المخزون المعرفي المتصل بالتجارب والخيال التنبؤي والافتراضي , وفي وسط هاتين المعرفتين يقف العقل بوصفه أهم المحكمين في تلك الدراسات فهو يقارن ويحلل ويستنتج ويفترض .
اما التاريخ وفلسفته فتشير الى وقائع ثابتة تمثل مشهدا نهائيا للأحداث وبالتالي فهي أيضا نتيجة نهائية من حيث كينونتها وحقيقتها الا انها من خلال تحليلات فلاسفة التاريخ تتحول إلى معطيات أخرى والى مادة وقوانين قابلة لان يقاس عليها ويُتعلم منها .

وإذ ما نظرنا اليوم إلى تكوينات تاريخية لصناعة الحدث فسوف نبدأ من :
1. التصميم والتخطيط :
وهي أفكار تحركها دوافع عديدة بحسب القدرة والقوة والآليات، وجانبها المستقبلي يعتمد على المخيلة ودوافع إشباع النوازع النفسية عند الإنسان
2. توجيه الأفكار نحو مشروع مفترض قريب أو بعيد المدى (مرحلة تصور المستقبل) :
وهي تتنوع بأمثلة بناء الدولة المنيعة أو مثال المدينة الفاضلة أو إنشاء المستعمرات مثلا على سطوح الكواكب أو اعتماد منهج اقتصادي أو تربوي أو علمي طويل المدى مما يساعد على تغيير هيكلية الشعب والدولة على حد سواء ومن هذه الأفكار ما نجده عند الطغاة ويتجسد بالاستحواذ أو الامتلاك أو بناء الأشياء الكبيرة والاعجازية التي تخلدهم وما يحرك الأفكار المستقبلية أيضا الحاجة التي جعلت الألمان مثلا يفكرون بكيفية إنتاج أسلحة مختلفة مما ساعد على تحريك الابتكار وهذا يشمل الخطط التي تضعها الدول الاستحواذية للسيطرة على مقدرات البلدان بخطط طويلة المدى .

3. بلوغ المشروع الهدف من ذروته ونهايته
4. تحوله على شكل تاريخ على ارض محددة ينعم به الساكنون على تلك الأرض
والتاريخ إذا هو محور الدراسة أو هو الناتج الذي نسعى من خلال تسلق واستبطان واكتشاف المستقبل إلى رسمه بطريقة سيئة أو حسنة .
والتاريخ ردة فعل المستقبل على هذا الأساس ويمكن ان يكون استجابة لتحدي تدجين المستقبل ، وما من شك بان أجمله هو ما يرسم بطريقة حسنة

محاضرات ألقيت على طلبة الدكتوراه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو