الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة بين العنف والحق

محمد لفته محل

2015 / 3 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قد يبدو العنوان إشكاليا من البداية بربطه بين العنف والحق، وهذا شيء يدعوا للدهشة والتساؤل فمن أين جاءت العلاقة بين العنف والحق؟ رغم الاختلاف الظاهر بينهما بحيث يبدوا الدمج بينهما نوعا من التناقض المنطقي والتفكير المغلوط؟ فهو كسر للبديهيات التي اعتدنا عليها التي كثير منها هي عادات فكرية غير خاضعة للتساؤل والنقد والمحاكمة لذلك سوف نتفحص هذه العلاقة المفترضة. يقول عالم النفس (سيغموند فرويد) (إن الحق والعنف يبدوان لنا اليوم كنقيضين. وعلى ذلك فانه يمكن أن نتبين بسهولة إن الواحدة منهما نشأت عن الأخرى)(1) وهناك مقولة أخرى في نفس السياق (إن الاعتقاد بامتلاك الحقيقة هو مصدر كل قمع) ويبدوا أن العنف يثير التقزز والاشمئزاز والاستياء ويترك آثار نفسية سلبية على الإنسان ومرفوض من الجميع، ولا يتجرأ احد على إعلانه قول (أنا أحب العنف) وهو رديف الوحشية والهمجية والبربرية والجهل بينما الحق الكل يعلن انه يحبه ويريد تحقيقه ومستعد للتضحية من اجله، وهو رديف الجمال والعقل والاتزان والعدل، لكن للأسف إن العنف مستمر إلى الآن رغم الإدانة الأخلاقية والقانونية والدينية له؟! فلماذا هذا التناقض ما بين الإدانة والممارسة له؟ فهل الناس تحب العنف بسرها وتدينه بعلنها؟ إن الناس صادقة في إدانة العنف وليست كاذبة أبدا كما يتصور البعض لكن الذي يعطي الشرعية لممارسة العنف هو اعتقاد الشخص أو الجماعة أنها تستخدم العنف من اجل (الحق) أو صاحبة الحق، وهذا يترتب عليه أن الآخر هو الباطل، إذا كنت أنا صاحب الحق، ما يزيد من تبرير العنف وشرعيته، فلا يشعر الإنسان بالذنب عندها ولا بمخالفة الضمير الجمعي، لان هذه القيم الأخلاقية مغروسة في ضمير الفرد والجماعة بالتربية والتلقين والتطبع وليس من السهل كسرها ما لم يكن هناك مبرر يشرّع كسرها، فيستقيم العنف والحق لديه بل إن مسمى (العنف) يعد مرفوضا ويستبدله بتسمية (اخذ الحق، دفاعا عن النفس، تحقيق العدالة، من اجل القيم الإنسانية، ثأرا على اعتداء، انتقام للشرف الخ) وهنا يكون توظيف الحق هو (المبرر) و (المشرّع) في استخدام العنف، فأمريكا تبرر عنفها باسم (الأمن القومي، مبادئ الحرية، قيم العالم الحر، مصالحها الخاصة) والمستعمر قديما كان يرفع شعار (الفاتح أو المحرر) في احتلال البلدان واغتصابها لنقل (التحضر) أو (الدين الحق) لها! وفي الصراع المذهبي بين السنة والشيعة كان كل طرف يعتقد إن الحق من جانبه بالتالي فان الباطل والظلال من جانب الآخر الذي يقف ضد هذا (الحق)! والجناة في مجزرة قاعدة (سبايكر) كانوا يرددون عبارة (الثأر لشهدائنا) أثناء تنفيذ القتل على الرهائن، وهكذا يغدوا الحق والعنف وجهان لعملة واحدة، فهل من الممكن فهم الآلية التي يبرر فيها الأنا العنف بالحق على الأنا الأعلى؟ إن الأنا الأعلى يمثل القيم الخلقية التي اكتسبها من المجتمع والتي أصبحت قوة نفسية ضاغطة تضبط سلوك الإنسان حتى لو كان بعيدا عن رقابة المجتمع المباشرة، وبهذا يضبط المجتمع سلوك الأفراد ورغباتهم التي تتعارض مع إرادة ومصلحة المجتمع، لكن للانا له رغبات فردية أنانية تريد الإشباع والتحقق عندها تلجأ إلى التبرير لإقناع الأنا الأعلى بأنها مازالت على منهج الأخلاق والقيم الاجتماعية فيعطيها الأنا الأعلى الضوء الأخضر فتتحقق الرغبات والدوافع تحت ستار الحق والحقيقة بالقيم الخلقية والنبيلة. إن للحق قوة تجعله يخرق القواعد والمحظورات الأخلاقية وكأن له طبيعة مقدسه ولا عجب فهو احد أسماء الله، وبه نستطيع أن نبيح العنف والقتل، ما يجعل منزلة الحق فوق البشر والقوانين، حتى يغدوا كأن مفهوم الحق كل ما هو مبرر في انتهاك المحظور، دون أن يعني تعطل المحظور دائما بل تعطله في حالة الحق فقط، كذلك للحق جاذبية روحية فهو رديف الله والعدل والعقل والجمال، لكن كيف يكون الحق رديف للجمال والعدل والله وهو ينتهك أقدس القواعد الأخلاقية (لا تقتل، لا تعتدي، لا تؤذي احد)؟ ويبيح لنا انتهاك كل هذه المحظورات؟ لابد أن لجاذبية الحق من سبب آخر غير عقلي بل نفسي، ربما لأنه يبيح لنا انتهاك القواعد القاهرة التي تقيد رغباتنا ومصالحنا، فيتحقق الإشباع بانتهاك هذه القيود باسم الحق الذي يعطل الجزاء ويشرعن الفعل. وبما أن العنف الذي يستخدم لأجل الحق هو عادة جزاء على انتهاك أو اعتداء فهو بالمقابل يبيح لنا انتهاك واعتداء مماثل لما قام به الجاني وقد انتبه (سيغموند فرويد) لذلك (وكثيرا ما يتفق أن يتيح العقاب لأولئك الذين يتولون تنفيذه الفرصة ليقترفوا بدورهم، تحت غطاء التكفير، الفعل المحرم نفسه. وذلك هو أحد المبادئ الأساسية لنظام العقوبات البشري، وهو ينبع بطبيعة الحال من تطابق الرغبات المكبوتة لدى المجرم ولدى أولئك الذين توكل إليهم مهمة الثأر للمجتمع الطعين)(2) وإذا حاولنا أن نفسر العلاقة بين العنف والحق بفرضيات التحليل النفسي، فإن مصدر الحق هو الأنا الأعلى الحامل للقيم الاجتماعية والأبوية، وهذا الأنا الأعلى على صلة وثيقة ب(الهذا) الحمل للرغبات والميراث البشري، فهو يستمد منه دوافع الهدم والموت التي تتيح له التسلط والإيلام وإشعار الأنا بالذنب(3) إذا لم يجد هذا الأخير مسوغ لتحويل هذه الدوافع إلى الخارج وليس أفضل من (الحق) لتحويل هذه الدوافع الهدمية إلى الخارج.
لكن من أين جائت مصادر قوة الحق التي جعلت باسمه يبرر العنف ويباح المحظور؟ إن المجتمع يلقن أفراده القيم والعادات والأفكار والسلوكيات على أنها حقائق فطرية وبديهية ليتطبعُ بها، فتغدوا بمرور الوقت برتبة الحق لكل فرد، والمجتمع يستخدم العنف ضد أي انتهاك لهذه القيم بالجزاء الاجتماعي، فيكون المعلم الأول للفرد لاستخدام العنف باسم الحق، فيصبح الإنسان مستعدا لاستخدام العنف إذا اعتقد بأمر على انه حق! وكل مستخدم للعنف لابد أن يعتقد انه على حق، وكلما زادت قسوة العنف كان على يقين انه صاحب حق، فنحن لا نستطيع قتل شخص بدون سبب لكن هذا الشخص حين يسطوا علينا أو يهددنا بالسلاح أو حين يكون غازيا يغدوا مبررا قتله! بل يتحول قتله من جرم إلى حق طبيعي! بحجة الدفاع عن النفس أو الوطن أو العقيدة، فإذا كان كل شيء يعتقد الإنسان بأحقيته وحقيقته مستعد لاستخدام العنف من اجله، فهذا يقودنا إلى حتمية العنف إذ أن كثير من القضايا النبيلة كالوطن والحرية والعقيدة والعدالة لا تكتسب أهميتها والإيمان بها إلا إذا اعتقد الإنسان بأحقيتها وحقيقتها بالتالي يكون مستعدا لاستخدام العنف (دفاعا عنها، ومن اجلها) وبذلك دخلنا في موقف تشاؤمي ونفق مغلق من الطرف الآخر، فهل هذا نهاية المطاف؟ أن التلاقح بين الثقافات عمل على التخفيف من هذه الحتمية فساهم هذا التلاقح في نشوء مبدأ الاعتراف بالآخر، ومبدأ التعايش والتسامح، ثم ُطرح مبدأ الحقيقة النسبية في العلوم الطبيعية والإنسانية، مع ذلك لازالت أمور عالمية يعتقد الإنسان بحقيقتها وأحقيتها يستخدم العنف من اجلها وباسمها، وعليه لابد من بقاء نسبة من العنف لان المبادئ لا تكتسب قيمتها إلا بالاعتقاد بأحقيتها، وهنا ندخل مأزق مزدوج مابين الحفاظ على المبادئ وعلى العنف، أو ما بين التخلص من العنف والمبادئ معا! وهل ثمة وسيلة ندافع بها عن المبادئ النبيلة بطريقة سلمية أو بالقوة الناعمة؟ لعل وسائل الضغط السلمية التي ابتكرتها الليبرالية كالإضراب والتظاهر والعصيان كانت هي حل نسبي لهذه الإشكالية المزدوجة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_سيغموند فرويد، أفكار لأزمنة الحرب والموت، ترجمة سمير كرم، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص44.
2_سيغموند فرويد، الطوطم والحرام، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص97.
3_سيغموند فرويد، الأنا والهَذا، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص57.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ


.. شاهد| اشتباكات عنيفة بين فصائل المقاومة والاحتلال وسط قطاع غ




.. الداعية الأزهري رمضان عبد المعز: ابن تيمية جاء في ظروف قاسية