الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورةٌ من أجل الدين و ليس عليه_مكرور_

شوكت جميل

2015 / 3 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تلبث بعض المقولات على طزاجتها و فاعليتها و إن تقادم بها العهد،و إن نسجت عليها العنكبوت نسجها الخسيس، و من هذه المقولات التي طالما أعجبتني:"في الإعادة الإفادة"،"و لا يضيع حقٌ وراءه مطالب"..و عن هذا المقال المكرور!

بعد طول اصطبار،أثلج صدور الناس و أقر عيونهم استجابة و تأيد علماء الأزهر و رجالاته لدعوة الرئيس المصري،في وقتٍ سابقٍ، للقيام بثورةٍ دينية؛و أخيراً ،بعد إن أغمضوا عيناً و فتحوا الأخرى،صدحوا على رؤوس الأشهاد بأنهم أدركوا الأمر حقاً،و فهموه حق فهمه؛و ما الأمر إلا" ثورة من أجل الدين و ليس ثورةً على الدين".

و لقد طربتُ لسماع البشرى هنيةً،خاصةً و الحالة الطائفية في مصرنا في أمس الحاجة لدعوة كهذي،و كيف لا أطرب لها؟، و قد ارتددنا إلى الدرك ،الذي نسمع فيه الناعقين،بلا خوفٍ و لا استحياءٍ و لا استخفاء،على الملأ و في وسائل الإعلام، بحرمان مصريين من بعض الوظائف العامة،لا لشيء سوى عقيدتهم الدينية ،و أين؟..في مصر الحضارة و بعد ثورتين و الإنسان يخطو في القرن الواحد و العشرين! فكيف لا أطرب لها؟!و قد بلغ الشطط بهؤلاء الناعقين،أن يطئوا بنعالهم الغليظة كرامة الدولة و مفهومها،فيعطلوا قراراً رئاسياً ببناء"كنيسةٍ" ذكرى للشهداء المصريين"المسيحيين"بليبيا،و قد ذبحهم بنو عمومة الناعقين!،طربت ُ؛و لكن للأسف لم يدم طربي بالبشرى غير هنية قصيرة،فلم تكن البشرى بذلك الوليد الرائع الذي صبونا إليه،حاملاً الخير لمصر جميعها،بل بولادة مسخٍ و وحشٍ بشع!..و كانت الدعوة مفرغةً من فحواها و نقيضاً لمعناها،و كأنما قد عقدوا على مصر الخناصر كيلا تقوم لها قائمة أو شوكةٌ.

قدرتُ و الأمر صارَ كما قدرتُ..فربما لسوء طويتي،و ربما لآفةٍ عقليةٍ تلازمني ملازمة الرفيق البغيض هي الشك،جعلت أنظر في بشراهم و حديثهم،نظرةَ المرتاب الحَذِر؛لا سيما و قد جرى الحديث على حناجر رجال الدين؛و قد خبرتهم و خبرت حديثهم مرةً تلو المرة؛فإذْ به حديث العرّافات الذي طالما حمل المعنيين و النقيضين،و لذا بقى شيءٌ في صدري نحو عبارة"من أجل الدين"لا أستطيع له دفعاً... فإذا لم تخني الذاكرة،و لم يضللني فهمي المتواضع،لم يتحدث الرجل_أي الرئيس_ عن"من أجل أو على الدين"،و إنما كان حديثه عن ثورة دينية من أجل "الإنسان و الحياة"،و بغيته أن يُحدّث الدين فيغدو أكثر إنسانيةً و حضارة.

و الحق،إذا ما كان للدين ذاته قراءات متباينة تتراوح بين ما هو متصالح و متسامح مع القيم الإنسانية من الحرية و حقوق الإنسان في ناحية و ما هو ألد عدو لهذي القيم بمشاريعه الرجعية الأصولية الإرهابية في ناحية أخرى؛فلذات العبارة أيضاً_أي ثورةٌ من أجل الدين_قراءاتها المتعددة،و التي تتراوح بين قراءتها كإزالة لكل ما لطّخ الوجه الإنساني للدين من مخازي فعليةٍ و فكرية،و ذبها عنه ؛فيتبقى ذلك الوجه الأبيض الناصع للدين، أو قراءتها كَهَبةٍ عصبيةٍ عصابية،و غارة كغارات الجهاديين الانتحاريين ،و التي لا تعدل فيها حياة الإنسان أكثر من حياة ذبابة،و هم في كل حالٍ، لا يرون جنايتهم تلك،أكثر من "ثورةٍ من أجل الدين"!

و دعنا الآن،نصل إلى قصدنا مباشرةً،فنسأل:ماذا يعني الأزهر بالضبط،بـ"ثورةٍ من أجل الدين"؟..و للإجابة عن هذا السؤال،ليس علينا أن نكلف أنفسنا إرهاقاً و عنتاً ،و ليس علينا أن نرجم بالغيب،أو نفتش في ضمائر و نيات الناس...فلقد رفع عنا الأزهر هذا العناء و الحرج،و أتحفنا بخطته الميمونة في ثورته المباركة،و قد أزاح الستار عن آلياته في تلكم الثورة الدينية المجيدة،في جريدة الجمهورية(عدد الجمعة 27 مارس 2015)،تحت عنوان"العلماء يؤيدون دعوة الرئيس"،و يا لها من تلبية لدعوة الثورة الدينية،تسري عن المكروب و تضحك الثكلى،و بيانها كالتالي:

أما بالنسبة لدعوة المفكرين التنويريين لإعمال النقد الديني،و رفع هالة القداسة عن الشخصيات الدينية التاريخية،و كشف الحقيقة مهما كلف الأمر،لأن الحقيقة العارية أعف و أطهر و أنفع،لمن أراد أن يمضي قدماً في إنسانيته،و بدلاً من أن يقلد تقليداً أعمى من سبقوه ،لا يجد حرجاً في أن يقول:أخطأ فلان و أصاب فلان،فلا يتخذ من سير السلف نبراساً،فإن أحسنوا أحسن و إن أساءوا أساء.....أقول أجابهم الأزهر خير إجابة،و مرحى بها من إجابة في ثورته الدينية،و هذا نصها:(ذكروا_ أي العلماء_أن الاستجابة لدعوة الرئيس،تقتضي وقف معاول الهدم للقيم الدينية و الأخلاقية عن طريق بعض الفضائيات غير المسئولة و منع التطاول على الرموز و الثوابت الإسلامية......و أن قيام بعض الفضائيات بتخصيص أوقات طويلة لغير المتخصصين للحديث عن التراث الإسلامي و تعمد الإساءة لأعلام الفقه و الحديث.....).....لا تعليق،و لكني أذكر أن الرئيس الذي لبوا دعوته،كان يتحدث عن تنقية التراث،و الفكر المريض الذي أمتد لقرون،و الذي يبعث على الكراهية،و لقد كان في غاية الوضوح في هذا الشأن.

أما بخصوص دعوة بعض الحمقى التنويريين إلى إعادة النظر في أحاديث مسلم و البخاري،و أنهما ليسا قرآنا،و خصوصاً ما بهما عن مسألة الحرية الدينية،و المساواة في المواطنة كحق الولاية و الشهادة،و ما ورد بهما من شأن بناء دور عبادة لأصحاب الأديان المخالفة...إلخ،فقد أفحمهم الأزهر لله دره،و رد رده البليغ في"ثورته الدينية"و هذا نصه:(لا يختلف اثنان من العلماء على أن البخاري و مسلم وصلا أعلى درجةً من الحفظ و الفهم و الإتقان......و إن كثيراً جداً من العلماء و الباحثين المتخصصين في عهود و أزمنة مختلفة أثبتوا بالأدلة صحة أحاديثهما و نحن واثقون من إجماع الأمة في قرون كثيرة خاصة أن علماء هذه الأيام بمن فيهم المتخصصون يعتبر علمهم نقطة في بحر العلماء المتقدمين...)،و هذا كلام لا يحتمل التأويل من الأزهر،و أحسب أن النقاط الضئيلة البئيلة من علماء العصر و مفكريه ليسوا بقادرين على الاستدراك أو التعديل على بحور الأقدمين،و ليخزَ هؤلاء الحمقى أصحاب البدع المحدثين ،أما مكانتهم فليلزموها،و قدرهم فيعلموه.

أما الدعوة النزقة لحرية الرأي و العقيدة،و الحيلولة دون اضطهاد أصحاب الرأي،و إيقاع العقاب بهم،فقد أظهر الأزهر موقفه خير بيان ،و نصه كالتالي:(...أيد دعوة الرئيس بالثورة من أجل الدين،و طالب بمواجهة الأفكار الإلحادية و الإرهابية فكرياً و ثقافياً و وقف ما يسيء للإسلام و علمائه _أعلم الإساءة للدين،فما الإساءة للعلماء؟! إضافة الكاتب_في الفضائيات.....و تشريع قانون يجرم من يتحدث في الدين و هو ليس أهلاً له)...ونفهم بطبيعة الحال،أن ليس من هو أهل للحديث في الدين سوى علماء الأزهر،أما غيرهم فلهم السجن و التجريم و ربما الترجيم،و ليس لأحمقٍ أن يسأل،فكيف يكون الحال و الحديث في علومٍ شتى،ليست ديناً و لكنما ترتبط بالدين،كالتاريخ،و السياسة و الأدب..إلخ،فهل يجرم أصحابها و قد مسوا الدين؟،..بناءً على ما تقدم، أحسبهم لا يمانعون أن يُسجن طه حسين آخر لرأيه في الشعر الجاهلي،أو علي عبد الرازق آخر لرأيه في الخلافة كنظامٍ للحكم!.

أما دعوة بعض المتهورين و المتعصبين للتقدم،و لفصل الدين عن الدولة ،ثم حرية الإنسان في اعتقاد ما شاء من الأديان أو عدم الاعتقاد،و يرونه الخطوة الأولى في أي إصلاح ديني أو سياسي؛فقد أظهر الأزهر موقفه الأبلج و هذا نصه:(أجاب بأن المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى المفاهيم الدينية الوسطية الصحيحة دون مساس بالهوية أو الثوابت أو الاستماع إلى دعوات تحويل مصر بلد الأزهر إلى دولة علمانية)...يبدو أني كنت مضللا،و أتوهم أن مصر بلد المصرين،و ليست حمى خاص بالأزهر،و كيفما كانت الحال،فعلى الناس من هنا فصاعداً أن يتعلموا مفهوماً جديداً للعلمانية بمعناها السياسي من النص السابق،فقد دقت على أفهامنا المتواضعة فلم نفهم منها شيئاً،فهي لا تعنى فصل الدين عن الدولة،و لا تعني الحرية الدينية،فحاشا للأزهر أن يعترض على هذه المفاهيم،فإنما يعترض على العلمانية لأنها قهر و إجبار للناس على الإلحاد،و لهذا يقف الأزهر في وجهها،لأنها تحول بين الحرية الدينية و حقوق الإنسان،حقاً هذه هي الثورة الدينية_من أجل الدين بالطبع_و إلا فلا!


بيت القصيد
الحديث ذو شجون و ما ذكرناه فيه الكفاية،لنعلم أن هذا الثورة المزعومة ليست على الدين،كما أنها ليست من أجل الدين!و إنما من أجل أنفسهم و من أجل مكانتهم،و لفرض قراءتهم للدين على الخلق،و ثم إذلال أعناق الناس!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت