الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الكائنات العلائقية
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2015 / 3 / 31الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في أبسط معانيها، الكائنات العلائقية هي تلك ’المُعلقة‘ كينونتها ذاتها على سواها من كائنات أخرى ذات كينونة مكتفية بذاتها نسبياً، قادرة بذاتها على الإتيان بالفعل ورد الفعل، أو الحركة عبر المكان والزمان. فالكائنات العلائقية هي- بحد ذاتها- والعدم سواء، لكن في علاقتها مع الكائنات المحسوسة المكتفية بذاتها نسبياً تصبح ذات حضور طاغي وكيان عملاق قد يتجاوز في قوته مجموع القوى الفردية لجميع تلك الكائنات المكتفية بذاتها نسبياً المنتظمة معها في علاقة. فيما يلي مثالين اثنين فقط لمثل هذه الكائنات العلائقية التي رغم كونها غير قادرة بذاتها على الوجود والاكتفاء النسبي، لكن بمجرد أن توجد من مخاض تنظيم علائقي ما فيما بين كائنات مكتفية بذاتها نسبياً تتحول إلى مارد عملاق قادر على أن يتمثل في جوفه جميع تلك الكائنات نفسها التي قد وهبته وجوده وكينونته.
الدولة. بغير علاقة تنظيمية دولاتية مبنية على أسس وقواعد محددة تلبي الحد الأدنى المطلوب لقيام مثل هذه العلاقة بالذات، لا يتبقى مكان جميع الدول القائمة حالياً والمعترف بها من الأمم المتحدة سوى أرض ممتدة بلا حدود، وأفراد أو جماعات كل منهم يتدبر قوته وحاله بساعديه. لن تكون ثمة كيانات تدعى دول مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو اليابان أو السعودية أو مصر أو حتى دولة جنوب السودان. فمثل هذه الكائنات غير موجودة بذاتها، إنما وجودها مرهون على وجود كائنات مكتفية بذاتها نسبياً (بشر) أولاً، ثم تطور علاقة تنظيمية فيما بينهم بهذا الاتجاه ثانياً. وفقط بعد قيام مثل هذا الكيان العلائقي/التنظيمي الدولاتي، مثل جمهورية مصر العربية، يمكن الحديث عن مثل المصريين؛ قبل ذلك ليس ثمة وجود لمثل هذه الكائنات (المصرية) على الإطلاق.
لو لم يوجد أفراد أو مجموعات من البشر ليطوروا فيما بينهم علاقة تنظيمية معينة تفضي عند عتبة ما إلى نشأة كيان جديد يدعى ’مصر‘، لما ظهرت إلى الوجود أبداً كيانات تنعت ’مصرية‘ ولبقيت على حالها كما كانت لسنين طويلة قبل اكتمال هذا التطور، مجرد ’أفراد أو مجموعات‘ بشرية تحيا حياة بدائية أقرب لأفراد وقطعان الحيوانات في البراري المفتوحة حتى اليوم.
الله. مثل الدولة، الله هو أيضاً كيان علائقي بامتياز. فلولا تطور علاقة تنظيمية بهذا الاتجاه فيما بين الكائنات المكتفية بذاتها نسبياً (البشر) أفضت عند عتبة ما إلى نشأة مثل هذا الكيان العلائقي، لما كان أي من البشر قد سمع أو عرف عن مثل هذا الكيان أي شيء على الإطلاق، حتى لو كان موجوداً بالفعل في مكان ما عبر الفضاء الشاسع سواء في وجود كامل مكتفي بذاته بالمطلق أو ناقص مكتفي بذاته نسبياً أسوة بالبشر. فالله ذاته هو مخلوق ’العلاقة التنظيمية الدينية‘ فيما بين أفراد أو جماعات البشر أنفسهم، وليس هو الخالق لها.
ثمة صفة جوهرية نستطيع أن نعرف بها الكائنات العلائقية- القدرة على التطور البنيوي التاريخي، أو طواعيتها للتفكيك ثم إعادة التركيب في أشكال بنيوية (كينونية) جديدة ومبتكرة. فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الكيان الدولاتي قد مر بمراحل وأشكال تطورية بنيوية عديدة، عبر عملية من التفكيك ثم إعادة التركيب، حتى بلغ كيانه البنيوي الحالي؛ وحتى في كيانه الحالي، لا يمكن أبداً المساواة في درجة التطور البنيوي الدولاتي، مثلاً، بين الدولة الإثيوبية ودولة النرويج؛ كذلك لا يمكن أبداً لعاقل أن يجزم بأن الشكل البنيوي الدولاتي الحالي هو نهاية رحلة الارتقاء والتطور الدولي، أو أنه سيبقى ثابتاً على حاله بالضبط بعد مرور مائة أو خمسين أو حتى عشر سنوات من الآن.
بالمثل لا يستطيع أي مؤمن بإلهه مهما تطرف به إيمانه بهذا الإله أن يدحض حقيقة أن إلهه نفسه- وكتبه ورسله ومقدساته وثوابته- هو وريث لإله قد سبقه مباشرة، الذي كان بدوره وريث لإله- أو آلهة- سابقة عليه هو الآخر، عبر رحلة ارتجاعية متصلة حتى بداية نشأة معرفة (علاقة) الإنسان بالإنسان، ومن ثم تطور معرفة (علاقة) الإنسان بالآلهة كما لا تزال تبرزها نحتاً وتصويراً آثار الإنسان القديم المتناثرة حول المعمورة، بخلاف ما لا يحصى عدداً من بقايا هياكل المعابد والأضرحة والأهرامات والمقابر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فرنسا.. عمل أقل، حياة أفضل؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. جنوب لبنان جبهة -إسناد- لغزة : انقسام حاد حول حصرية قرار الح
.. شعلتا أولمبياد باريس والدورة البارالمبية ستنقلان بصندوقين من
.. رغم وجود ملايين الجياع ... مليار وجبة يوميا أُهدرت عام 2022
.. القضاء على حماس واستعادة المحتجزين.. هل تحقق إسرائيل هدفيها