الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألماسونية -2- ألماسونية وألدين

كامل علي

2015 / 4 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يمض على تأسيس الماسونية الحديثة في لندن سوى سنوات قليلة حتى كانت محافلها منتشرة في اكثر المدن الكبيرة في بريطانيا والقارة الاوربية، ثم اخذت بعد ذلك تنتشر في معظم بقاع العالم.
يعلل بعض الباحثين سرعة انتشار الماسونية في العالم بانها كانت كرد فعل للنزاع العنيف الذي كلن سائدا بين الناس آنذاك من جراء اختلافهم في العقيدة والدين، وهذا الذي جعل المحافل الماسونية تقبل في عضويتها كل متدين بغض النظر عن محتويات دينه حيث نجد فيها ألمسيحي واليهودي والمسلم والمجوسي والبوذي والكنفوشيوسي والبراهمي والبهائي وغيرهم.
تقوم فلسفة الماسونية على ان الاديان كلها متفقة على الايمان بوجود الله وبخلود الروح، ولهذا فالماسونية تكتفي من العضو ان يكون مؤمنا بهذين الامرين، وتترك له بعد ذلك حرية العبادة والعقيدة كما يشاء.
وقد يصح القول ان الماسونية كانت بمثابة دعوة للتآخي بين الاديان، ومن هنا جاءت مبادؤها الثلاثة المشهورة:
" الحرية والاخاء والمساواة ".
ورد في الدستور الاول الذي وضعه جيمس اندرسن للماسونية الحديثة في عام 1723 قوله:
" ان الماسونية القديمة كانت تلزم اعضاءها على اعتناق دين البلد الذي تعمل فيه، اما الآن فقد رؤي حضهم على اعتناق ذلك الدين الذي يتفق عليه جميع الناس تاركين آراءهم الخاصة جانبا، اعني ان يكون المرء فاضلا صادقا ذا عفة وشرف، ولهذا صارت الماسونية مهدا للاتحاد وسبيلا لبث الصداقة الخالص بين الناس... ( محمد عبدالله عنان ( تاريخ الجمعيات السرية ) – القاهرة 1954-ص 96).
وجاء في كتاب " ألآداب الماسونية " ما نصه:
" والماسونية تنور العقل وترشد الخاطر وتقلل التعصب، فهي مع تشديدها على كل عضو باتباع شرائط دينه، ومع امتناعها عن قبول الذين لم يعرفوا التدين (( حاليا تقبل الماسونية في عضويته اللادينيين والملحدين ايضا... كاتب المقال ))، وتفرض على اعضائها التواد بغض النظر عن اختلاف المذهب، وتمنعهم من المناظرة في الامور المذهبية التي توجب الضغائن وتولد التعصب وهو آفة العمران.
وهذه اكبر نعمة من نعم الماسونية جادت بها على البلدان التي دخلتها، والادلة عليها ظاهرة فحيث تقوى الماسونية يضعف التحزب وتقوى الآداب، وحيث لا توجد الماسونية يعم الجهل والانقسام ويكثر الشقاق بين الانام. " ( شاهين مكاريوس "الآداب الماسونية"- القاهرة 1695- ص54-55 ).
وجاء في كتاب " الحقائق الاصلية في تاريخ الماسونية العملية - شاهين مكاريوس – القاهرة 1897 – ص 17 " كذلك:
" والماسونية منتشرة انتشارا يحسدها عليها اعظم الاديان الموجودة التى امتدت في اربعة اقطار المعمور، لان تلك تفرق في العالم بين الشعوب فمن عابد صنم وكافر وجاحد ومبدع ومخالف، بينما نرى الماسونية فاتحة ذراعيها لقبول اولادها داعية اياهم اخوة.... فالماسونية تصلح ما فسد من عقائد الاديان بتعليمها المحبة والتعاون على السراء والضراء... " .
لاحاجة الى القول ان هذه الدعوة الى التآخي بين الاديان لابد ان تغضب رجال الدين. والواقع ان القساوسة ولا سيما الكاثوليك منهم اعتبروا الماسونية كأنها دعوة الى نبذ المسيحية ومن هنا بدأت الظنون والشبهات تحوم حول الماسونية في كل مكان ذهبت اليه.
ومما ساعد على انتشار تلك الشبهات حول الماسونية ما كان لها من الاسرار واشارات خاصة لا تبوح بها لأحد، فصار خصومها يتهمونها بأنها تعقد اجتماعاتها مع ابليس وتستخدم السحر وتشتغل بالكيمياء.
وفي 27 نيسان من عام 1738 – اي بعد تاسيس الماسونية الحديثة بواحد وعشرين عاما – اصدر البابا كلمنت الثاني عشر بيانا اعلن فيه تحريمها واعتبر كل من ينتمي اليها مرتدا عن دينه. وهذا هو نص ألبيان:
" ان الانباء العمومية قد افادتنا انه تألفت بعض الجمعيات السرية تحت اسم فريماسون او بنائين احرار او اسماء اخرى شبيهة بهذا تختلف باختلاف اللغات، وان هذه الجمعيات تزيد كل يوم انتشارا وعدوى، ومن خواصها انها تضم اليها رجالا من كل الاديان والشيع يتظاهرون خارجا بالآداب الطبيعية وهم يرتبطون بينهم بروابط الاسرار الغامضة على ما اقتضى ما سنوه لهم من السنن، فنراهم يقسمون على التوراة وتحت طائلة اشد العقابات بانهم يسكتون ابدا عن اعمال جمعيتهم، على ان الاثم مهما اختفى لابد ان ينكشف يوما.
وهذا ما جرى لتلك الجمعيات التي بلغ العموم شيء من اعمالها السيئة، فحرك في قلوبهم الريب في صحة نياتها، وتحقق العقلاء ان الانضمام اليها دليل على خبث الداخل فيه وعلى فساده.
وحسبنا شاهدا على ان اجتماعاتها الخفية هي للشر لا للخير انها تبغض النور.
وقد ازداد اشمئزاز الناس العقلاء من هذه الجمعيات الى حد اوجب حمل كل الدول على معاكستها وتشتيت شملها.
واذا فكرنا في الاضرار الجسيمة التي تنجم عن هذه الجمعيات السرية رأينا منها ما يوجب القلق سواء كان لسلام الممالك او لخلاص النفوس.
ومن ثم بعد اخذ رأي اخوتنا الكرادلة وبعلمنا التام وبقوة سلطتنا الرسولية حكمنا وقضينا بان هذه الشركات والجماعات المعروفة بأسم الفريماسون وباي اسم كان مثله يجب رذلها ونفيها.
وبناء عليه نرذلها نحن ونشجبها بقوة هذا المنشور الذي نريد ان يكون مفعوله مخلدا.
والحالة هذه نخطر بحكم الطاعة المقدسة على كل المؤمنين وعلى كل فرد من افرادهم من اي مرتبة او حالة كانوا من اكليريكيين او علمانيين، من قانونيين او غير قانونيين، ان ينشئوا جمعيات ماسونية او ينشروها او يساعدوها او يقبلوها في بيوتهم او يدخلوا فيها او يحضروا حفلاتها، وذلك تحت طائلة الحرم يسقط فيه المؤمن بذات الفعل ودون تنبيه خاص، ونحتفظ لنا ولخلفائنا الحل من هذا الخطأ ولا نسمح لاحد ان يحل عنه دون رخصتنا اللهم الا في ساعة الموت " ...( لويس شيخو- السر المصون في شيعة ألفرمسون- بغداد 1966- ص 170-171 ).
كان هذا البيان البابوي ايذانا بنشوب الصراع الشديد بين الماسونية والكاثوليكية.
فقد بأت الحكومات الكاثوليكية وخاصة في اسبانيا والبرتغال تطارد الماسونيين وتضطهدهم، كما صار الماسونيون من جانبهم يعلنون ثلب البابا ويحاربون المذهب الكاثوليكي بشدة.
ان انتشار الماسونية في بلاد الشام ادى الى ظهور صراع شديد بين اتباعها واعدائها، فقد كان من الد اعدائها رجال الدين من مختلف الطوائف وعلى رأسهم اليسوعيين، واخذ هؤلاء يشوهون سمعة الماسونية ويلصقون بها شتى التهم.
ان اول كتاب صدر في الشام ضد الماسونية كان بقلم رجل دين شيعي اسمه الحاج عزالدين محمد بن علي الشامي العاملي، وكان صدور الكتاب في عام 1872 بعنوان " كشف الظنون عن حال الفرمسون "، وقد اتى المؤلف فيه بمختلف الادلة العقلية والنقلية التي هي في رأيه تصد العاقل عن الدخول في الماسونية، فهو يقول مثلا:
" ان هذا البيت لا يمنع احدا من اهل الملل لنحلته، واكثر اهله في الهند مجوس خارجون عن الملل الثلاث.
وحيث صح ذلك، وكان هذا البيت مما يدخله الملحد والموحد، فكيف تدخله ايها المسلم اذا لم يظهر لك منه الا الاخوية وهي لاتجوز في مذهبك وقد قال ربك جل وعلا على لسان نبيك:
ما جعل بينك وبين الذين عاديتهم منهم مودة ... " – ( لويس شيخو - السر المصون في شيعة ألفرمسون ).
ثم توالى بعد ذلك صدور الكتب في ذم الماسونية والصد عنها وكان اهم تلك الكتب واشهرها كتاب " السر المصون في شيعة الفرمسون " الصادر في بيروت في عام 1911 بقلم لويس شيخو اليسوعي. وهو كتاب شديد اللهجة في ثلب الماسونية وكيل التهم لها.
يقول جرجي زيدان – وهو ماسوني من اصل لبناني – في كتابه " تاريخ الماسونية العام ":
" واشد مقاومي الماسونية في سورية جماعة الجزويت وقد انشأوا لهذا الغرض وغيره جريدة دينية في بيروت دعوها جريدة البشير وموضوعها مقاومة كل المذاهب والاديان الا المذهب الكاثوليكي.
اما العامة فلا تسأل عما غرس في اذهانهم من الكره والاحتقار لجماعة الماسون حتى اصبح اسمهم مرادفا لأدنى صفات الاحتقار عندهم، فكانوا اذا ارادوا المبالغة في وصف احد الكفرة والمنافقين لا يجدون انسب من قولهم:
فارماسون كافر منافق مختلس وما شاكل ... ".
وقد ذكر شاهين مكاريوس مثل هذا في كتابه " فضائل الماسونية " حيث قال:
" وكان من الشائع عن الماسونية في سورية انها جمعية كفر لاتعترف بوجود الخالق جل وعلا، وأنها اكبر العوامل على ازالة الدين ".

مصادر البحث:

لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث- الجزء الثالث – ملحق ماهي الماسونية...... الدكتور علي الوردي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah