الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في اللادينية – 5 – جذورُ: الإحيائية، الطوطم و التابو في بُنيَة الدين الأوَّل.

نضال الربضي

2015 / 4 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قراءة في اللادينية – 5 – جذورُ: الإحيائية، الطوطم و التابو في بـُـنيـَة الدين الأوَّل.

----------------------------
3 :1 و كانت الحية احيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الاله فقالت للمراة احقا قال الله لا تاكلا من كل شجر الجنة
3 :2 فقالت المراة للحية من ثمر شجر الجنة ناكل
3 :3 و اما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تاكلا منه و لا تمساه لئلا تموتا
3 :4 فقالت الحية للمراة لن تموتا
3 :5 بل الله عالم انه يوم تاكلان منه تنفتح اعينكما و تكونان كالله عارفين الخير و الشر
3 :6 فرات المراة ان الشجرة جيدة للاكل و انها بهجة للعيون و ان الشجرة شهية للنظر فاخذت من ثمرها و اكلت و اعطت رجلها ايضا معها فاكل
3 :7 فانفتحت اعينهما و علما انهما عريانان فخاطا اوراق تين و صنعا لانفسهما مازر
3 :8 و سمعا صوت الرب الاله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبا ادم و امراته من وجه الرب الاله في وسط شجر الجنة
3 :9 فنادى الرب الاله ادم و قال له اين انت
3 :10 فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لاني عريان فاختبات
3 :11 فقال من اعلمك انك عريان هل اكلت من الشجرة التي اوصيتك ان لا تاكل منها
3 :12 فقال ادم المراة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فاكلت
3 :13 فقال الرب الاله للمراة ما هذا الذي فعلت فقالت المراة الحية غرتني فاكلت
----------------------------
(سفر التكوين، الفصل الثالث، الآيات من الأولى حتى الثالثة عشرة)


في المقالين السابقين تعرَّفنا على مفاهيم: الإحيائية، الطوطم، و التابو، و هاءنذا أعرض رابطيهما في أسفل المقال حتى تتمكن أيها القارئ الكريم من العودة ِ لهما إن كنت َ تقرأ هذه السلسلة َ لأول مرة، أو في حال رغبتك ِ بتنشيط ذاكرتك و استرجاع المعاني المرتبطة بهذه المفاهيم تمهيدا ً للاستمرار ِ في بناء تصور ِ الهيكل ِ الشمولي للأديان ِ الأولى التي عرفتها الحضارات، و التي نجد ُ صداها فيما بين أيدينا اليوم َ من أديان.

و قبل َ أن أمضي في استكمال ِ بناء ِ هذا التصور اسمحوا لي أن أقدِّم َ مُلخَّصا ً أقتبسه من المقالين السابقين، لا يُغني عن قراءتهما لمن لم يقرأهما بعد، بينما ينفع ُ من قرأهما في استرجاع ِ ما يُمكِّنُهُ من متابعة هذا المقال، فأقول َ التالي بحسب رؤية العالم سيجموند فرويد، مؤسس علم النفس التحليلي، كما يعرضها في كتابه "الطوطم و التابو" (أنظر توثيق المصادر في أسفل المقال):

- الإحيائية Animism: يُقصد بالتصور الإحيائي للعالم وجود ُ قِوى تُسمَّى "أرواح" أو "شياطين" تُحرِّك الجمادات و الكائنات و الأشخاص، و تتسبب في "الأفعال" و "الحوادث" التي يشهدها العالم. فبحسب الإحيائية لكل "شئ" "روح"، للحجر، للشجر، للسحاب، للحيوان و للإنسان. و هذا التصور سابق ٌ للتصور الديني Religious الذي يجعل ُ من الوجود انعكاسا ً لإرادة ِ مجمع ٍ من الآلهة لهُ رئيس و آلهة لها اختصاصاتها تخضع كلها له.

- الطوطم: هو حيوان ٌ على الأغلب (أو بنسبة ِ أقل نبات أو شئ كشجرة أو حجر) يحتلُّ عند القبيلة البشرية ِ الأولى مكانة ً سامية ً جداً و تدور حوله مجموعة من القواعد و القوانين التي تتعليق بكيفية التعامل معه، و بعلاقته مع القبيلة. فطوطم القبيلة هو "أصلها" و "أبوها" و "مصدرها" و "الضامن لبقائها" و "القائم عليها".

- التابو: ببساطة هو تحريمُ سلوك ٍ ما (عمل أو نُطق أو تفكير)بحيث يكون الإتيان بهذا السلوك مدعاة ً لأشد أنواع العقاب و الذي قد يصل ُ إلى الموت.

- يرتبط ُ الطوطم دائما ً بنوعين من التابو، الأول هو تحريمُ أكل الطوطم، و الثاني هو تحريم الزواج من الإناث اللواتي ينتمين إلى نفس طوطم الذكر.

- مبدآ "الطوطم و التابو" سابقان للإحيائية.

- كان ظهور مفهومي الإله و الشيطان نتيجة ً لتعبير الإنسان الأوَّل ِ عن انفعالاته النفسية حيث ُ أن هذا الإنسان الذي يملكْ اللغة َ التي نملكها الآن كان يُعبِّر عن هذه الانفعالات ِ التي هي في حقيقتها: مشاغل و اهتمامات و رغبات و اختبارات من الحياة و مخاوف، عن طريق تحويلها بطريقته البدائية إلى "أشخاص" أو "كينونات" فوق طبيعية (أرواح، آلهة، شياطين)، فيلتقي بها خارج نفسه، حين يُمارس طقوس عباداته الأولى التي تدور حول انفعالاته الداخلية.


و الآن و بعد تقديم الملخص نستطيع معا ً أن نفحص منظومة َ الدين الأول لدى الإنسان، و تمثيله لمصدر الألوهة كمبدأ أنثوي مُنسجم مع الطبيعة المُعطية و التي في تربة ِ أرضها "يتكون" النبات و "يخرج" إلى سطح الأرض "مولوداً" و "ينمو" ليصبح شجرة ً أو سُنبلة ً أو ثمرة ً، ثم "يذبل" في فصلي الخريف و الشتاء لـ "يموت" و هو ما زال َ مزروعا ً في ذات المصدر الإنباتي أو النباتي الذي خرج منه، كشهادة اعتراف ٍ بـ "أصله" و "طبيعته" التي تحتاج الأرض َ و الماء، تماما ً كما "يتكون" الجنين في بطن أمه، و "يخرج" إلى العالم "مولودا ً" و "ينمو" ليصبح َ رجلا ً أو امرأة ً، ثم بعد خريف العمر ِ يعودُ "ميتا ً" إلى "الأرض"،،،،،

،،،، لكي نُحدِّد َ أين تظهر ُ عناصر ِ الإحيائية ِ و الطوطم ِ و التابو في هذه المنظومة.

يخبرنا الباحث الأنثروبولوجي الفذ "فراس السواح" في كتابه " لغز عشتار- أصل الدين و الأسطورة"، في الفصل المعنون "عشتار الخضراء" و تحت العنوانين الفرعين "روح الغاب" و "شجرة الحياة" ما نُلخِّصُ جُزءا ً منهُ يعني بحثنا، في ما يلي:

- تبدَّت الإلهة ُ الأولى في وعي حضارات البداية مُمثِّلة ً لـ "روح الغاب"، فكان أن عُرفت دوما ً كـ "عذراء" دون رجل، كونها كاملة ً مُكتملة ً لا تحتاجُ أحدا ً و لا ينتقصُ أي ُّ عطاء ٍ تُقدِّمه ُ من كمالها، انسجاما ً مع كونها تجسيداً حيا ً للمبدأ الوجودي َّ بأجمعه، و الذي رأى الإنسان الأول أن طاقةَ الحياة فيه و حيويتها يمثلهما "نقاءُ النار" التي تأكلُ كل شئ و لا يمكنُ أن يشترك معها (أو يشارك ذاتها) أي شئ خارج عنها، و هو ذاتُ النقاء الذي لا ينفع إلا أن يكون "عُذرياً" مُتجسدا ً في روح ٍ "عذراء"، هي أرتميس اليونانية و ديانا الرومانية. (راجع مقالي: عشتار – 4- انبثاق الحياة، الرابط في أسفل المقال).


- عُبدت "روح الغاب" أيضا ً على شكل ِ "شجرة"، حيث نجدُ أن عابدي ديانا الرومانية التي كان هيكلها في غابة "نيمي" اعتقدوا أن شجرة ً معينة في الغابة هي تجسيد للإلهة نفسها. كما و نجد في رسم ٍ بابلي قديم "عشتار" و ابنها في حضنها، و خلفهما "شجرة" هي "شجرة الحياة" التي منها "وُلدت" الحياة، كما نجد ذات العبادة ِ مُستمرة ً عند الإسرائيلين بموازاة عبادة "يهوه" و تحت اسم "السواري" كجزء ٍ من ديانة ِ "عشتروت".

- أما القصَّة ُ التوراتية ُ لآدم و حواء و الشجرة و الأفعى فلقد سجلها لنا السومرين قبل ألفي عام ٍ من خطِّها في التراث العبري للديانة اليهودية، حيث نجدُ ختما ً سومريا ً يرينا "شجرة الحياة" و حولها "رجل" و "امرأة" وراءها "أفعى مُنتصبة" في وضع ٍ يُوحي بـأنها "توحي" أو "تُلقِّن" أو "تنصح" تلك المرأة. فإذا ما عرفنا أن الأفعى رمزٌ من رموز ِ الأم ِّ الكبرى – عشتار – الإلهة الأولى فهمنا عندها أن الأفعى هنا لا "توحي" و لا "تلقِّن" و لا "تنصح" لكنها في فعلها رمز ٌ لتفاعُل ِ الإلهة ِ الأولى مع نفسها، هذا التفاعل الذي "يُنتِجُ" الأحداث و "يُخرجُ النتائج" و "يُسبِّبُ للموجودات"، مع مراعاة الفارق في أن شجرة "السومرين" هي شجرة "الحياة" التي يحصل عليها كل ُّ عُبَّاد الأم الكبرى بعد أن تحصلت المعرفة كنتيجة ٍ حتمية للعبادة العشتارية ِ الأولى المُلتصقة بالارض، أي أن المعرفة و الحياة كانتا للسومرين شجرة ً واحدة بجذر ٍ واحد يربط بين المعرفة ِ و الحياة في نسيج ٍ واحد أيضاً لا ينفصم و لا يصحُّ أن يتفرَّق، بينما شجرة العبرانين هي شجرة "معرفة الخير و الشر" التي أتت المعرفة ُ فيها اختلاسا ً و جريمة ً بينما مُنعت عنهم شجرة ٌ ثانية هي "شجرة الحياة" بقوة ِ لهيب ِ سيف ِ الكاروبيم. (سفر التكوين الفصل الثالث الآية الرابعة و العشرون).


إذا ً مما سبق نرى بجلاءٍ و وضوح أننا أمام َ مبدأ ٍ "إحيائيٍ" يرى "روحاً" للكينونات "النباتية"، لكنه مبدأ ٌ متطور خرج َ من كونِه إحيائيا ً لـ "شجرة" واحدة، أو "نبتة" لُيصبح َ روحا ً "جامعة مُحيية لكل شئ"، النبات و الحيوان و الإنسان. و نستطيع ُ أن نقول َ بكلِ ثقة ٍ و اطمئنان أن هذا التطور في الرؤية الإحيائية من المبدأ البسيط هو نتيجة ُ الاستقرار في تجمُّعات ٍ بشرية ٍ زراعية ٍ أوُلى صغيرة، تطورت نحو قُرى، ثم دُول و حضارات، فواكب َ المفهوم الإحيائي البدائي هذا التطور و كان فيه جذرا ً للعبادة ِ التي تطورت لتنتقل َ نحو مفهوم "الإلهة ِ الواحدة ِ الأنثى الأم الكبرى" ثم إلى "الآلهة" الكثيرة المُتخصِّصة في مهام ٍ مُحدَّدة، قبل أن تصل َ لتطورها الحالي تحت َ إله ٍ ذكوري ٍ واحد ٍ في الديانات الإبراهيمية.

أما البحثُ عن الطوطم في القصة ِ التوراتية ِ الأولى فسيكون ُ أصعب َ قليلا ً، لأنه سيحتاج ُ منا إلى غوص ٍ عميق نحو جذور ِ الممارسة ِ الطوطمية، و هي الممارسة ُ التي تتلخَّص في اعتبار ِ "حيوانٍ" ما مُقدَّسا ً لدى القبيلة و "أصلاً" و "أبا ً" لها، و تحريم ِ قتله أو لمسه أو المساس به، تحت َ طائلة ِ الموت ِ للفاعل، و "الفناءِ" للقبيلة ِ التي سيرفع ُ حيوان الطوطم حمايته عنها، أي "يتبرَّأ" من فعلها و منها.

و بناء ً على ما سبق َ من تعريفنا للطوطم نجد ُ أن الإله العبراني يهوه يمثُل طوطما ً حيَّا ً في القصة التوراتية بكل ثقله الإلهي، لكن بشكل ٍ إنساني، "يتحدث" فيه مع مخلوقيه الإنسانين، و "يعطيهم" التعليمات التي يجب أن يلتزما بها، بل و "يُحرِّم" الأكل من الشجرة تحت طائلة الموت، فهو هنا "الطوطم" في شكله ما-قبل-الطوطمي، إنه الأصل الذي تم صُنع الطوطم من أجل الرمز ِ له، و يتسيد المشهد بقوة ٍ ليصبح هو نفسه "سبب التحريم" و "مصدره"، أي أنه يُنشأ بنفسه "التابو"، و هي حالة ٌ فريدة يكون فيها "الطوطم" مصدرا ً "للتابو". و قد يظهر من قولي الأخير أن هذا يتناقضُ مع ما أوردته في مقالي السابقين من أن سبب التابو هو جريمة ُ الأبناء الذين قاتلوا والدهم و التهموه و تزوجوا بأمهاتهم و أخواتهم و نساء أبيهم، لكن الحقيقة َ أنه لا تناقض البتَّة َ لأن النتيجة َ التي توصلت ُ إليها و عرضتها أمامكم الآن من أن "الطوطم" في شكله الإنساني (أي الأب-الإله) هي الذي أسس التابو، تتفق ُ مع الشعور ِ بالذنب الذي عصف بالأبناء ِ القتلة بعد جريمتهم، كونهم قد استباحوا ما كان ممنوعا ً عليهم، و لولا أنْ كان ممنوعا ً ما كانوا ليحتاجوا أن يقتلوا الأب ليستبيحوه، و لولا أن المانِع هو ذاتُه "المقتول" و أن "الممنوع" هو "نساء الأب" لكان يجب أن تكون تابوهاتهم شيئا ً آخر سوى تحريم الزواج من نساء الأب- الطوطم. لكننا نصطدم ُ بحقيقة ِ مقتل الأب، و إتيان ِ نسائه، ثم تأثيم الأبناء لأنفسهم، و إسقاطهم "هيبة" الأب و "كيانه" على الطوطم، و تحريم "قتل الطوطم" و تحريم "إتيان النساء اللواتي يحملن رمز الطوطم"، فنتأكد َ عندها أن "إعلان التابو" هو إعادة اصطفاف ٍ الولاء للأب المقتول، و استعادة ٌ للقانون المخروق الذي يتم استدعاؤهُ من جديد، و اعتراف ٌ بخرقه الماضي، و انضواء ٌ أليم ٌ بوطأة ِ ذنب ٍ آثم تحت القوة المُخضعة لهذا القانون، حتى مع كونه مُتصادما ً مع الرغبة البشرية البدائية في السلطة و القوة و الجنس.

فإذا ما عدنا للقصة ِ التوراتية نجد ُ أن الإله العبراني يهوه قد غضب َ من آدم و حواء غضبا ً شديدا ً عندما أكلا من شجرة ِ "معرفة ِ الخير و الشر" و "طردهما" من الجنة شر طرده، أي أنه "تبرَّأ" من فعلهما و منهما، لأنه عدَّ هذا العصيان فعلا ً "لا يمكن غفرانه". و في الحقيقة ِ إنَّ اندهاشنا من ردة فعل يهوه على موضوع "الأكل" من الشجرة، أو "العصيان" ستختفي تماما ً إذا ما عُدنا للمبدأ الطوطمي الأول لنستعين به حتى نفهم دلالات "الأكل من الشجرة"، فهذه الدلالات تشير ُ أن "الأكل من الشجرة" هنا هو "قتلٌ" لسلطة ِ الإب-الإله، و "وراثةٌ" لحقه في تحديد المسموح و الممنوع، لأنه "انتقالٌ" لقوة الأب و جبروته و سلطته و حكمته و قدرته على تحديد الصواب من الخطأ، أقول "انتقالٌ" من هذا الأب-الإله، نحو الأبناء الذين "أكلوا" من الشجرة، في صدى ً لفعل "أكل الأب بعد قتله" في المجتمع الطوطمي الأول،،،،

،،،، ففعل ُ "أكل الأب الطوطمي" قديما ً كان يهدفُ لانتقال ِ خصائص الأب من قوة و هيبة و قدرة على الاتصال بالعالم الغيبي الماورائي إلى الأبناء، و هذه هو بالضبط ما حدث َ في القصة التوراتية حيث نقرأ :" فانفتحت اعينهما و علما انهما عريانان". إنها المعرفة ُ المُتاحة ُ فقط للإله- الأب في هذه القصة، و للأب -الطوطم في الأزمنة ِ السحيقة ِ في التاريخ القديم،،،،

،،،، و بذلك يكون -بحسب ما أرى- فعل ُ طرد ِ الأب-الإله للأبناء إسقاطا ً من جانب الأبناء لفعل قتلهم على الأب، أي أن الحيلة َ النفسية َ الإسقاطية َ الشهيرة حوَّلت الجريمة من قتل الأبناء للأب، لتصبح َ طرد الأب ِ للأبناء من ملكه و سلطانه و هيبته، إنها طريقة الأبناء في الاعتراف بذنبهم الذي لشدة وطأته عليهم لم يستطيعوا تحمل روايته فبدلوا المقتول َ بالقاتل ليصيروا هم الضحية و هو الجاني، و بذلك نكونُ قد وجدنا جذر الجريمة الأولى: قتل الأب، مُتخفِّيا ً تحت قناع "قسوة الأب" و "طرده" للأبناء.

و لنعد سويا ً لنفحص َ موضوع "الأكل"، لنجد َ أننا هنا أمام "مأكلين" مختلفين نتائجهما في الحالتين متماثلة: و هن "المعرفة" و "الحكمة" و "القوة" و "الهيبة" و "الاستنارة" و "الحرية"، و إن اختلفت في كل حالة ٍ منهن َّ طبيعة ُ "المأكل". ففي حالة ِ الأب - الطوطم كان المأكول هو "الأب" حقيقة ً بعد قتله، أما في في الحالة ِ التوراتية ِ الثانية فكان الأكل مجازيا ً رمزا ً لفعل "الاستنارة ِ و المعرفة" و كان مصدرُ هذه الاستنارة هو ذاتَه "المأكول" مجازا ً أي المرأة َ نفسَها مرموزا ً لها بثمرة ِ التفاح.

في القصة ِ التوراتية يتجلى المبدأ ُ الوجودي في ثلاث ِ صورٍ مُجتمعة ٍ معا ً، كلهنَّ إناث، هنَّ: المرأة، الشجرة، و الأفعى. و تقوم ُ كل صورة ٍ من صور التجلي بوظيفة تشاركُ بها في، و تستكمل ُ، فعل َ "المعرفة و الاستنارة"، لبلوغ ِ النضوج الإنساني:

- المرأة: تمثِّل حواء التوراتية العنصرَ الإنساني في فعل الاستنارة، الذي هو هنا الشريك ُ الأنثوي لنظيره الذكري، و بذلك نحنُ أمام َ صورة ِ فعل ٍ شمولي للجنس البشري.


- الشجرة: وهي هنا رمز ٌ للمرأة ِ نفسها، و لجسدِ الأنثى تحديدا ً حتى نكون دقيقين، إنها رمز ٌ لما حفَّزَ الإنسان َ الذكر الأول على فعل "المعرفة ِو الاستنارة"، إنها مُثيرُ الرغبة ِ و الشوق ِ لديه، إنها "الثمرة" التي يريد أن يقطفها، و "المأكلَ" الذي يريدُ أن "يجربه"، إنه ما لم "يعرفه بعد"، لذلك وصفتها القصة التوراتية بأنها: "شهية ٌ للنظر"، "و بهجة للعيون"، و "جيدة للأكل"، و نسبت القصة هذه القناعة "للمرأة"، فهل يا ترى كانت تروي لنا ذكريات ِ أزمان ٍ سحيقة أدركت فيها المرأة ُ سطوتها على الذكر و نظراته الغريزية ِ التي كانت تلاحقها، و ما دار من خصومات ٍ و تنافسات ٍ من أجلها؟ أم هو الذكر الذي "أدرك" الأنثى بغريزتِه لكنه شعر بالذنب لهذا "الإدراك" فنسب صفات الشجرة-المرأة كرؤية من المرأة لنفسها حتى لا يتحمل هو سطوة رؤيته؟ أم يا ترى كلا الأمرين صحيح، و هو ما أرجحه؟. و هذا الصراع تسجله لنا قصَّة "قاين و هابيل" إبني "آدم و حواء" في زمان ٍ لاحق، حصلت فيه جريمة ٌ لغرض ٍ جديد نرى فيه صراع الفلاح المُنتصر، مع الراعي المهزوم، و فيه أيضاً امرأة ٌ (أخرى) توصفُ بأنها " خطية ٌرابضة ٌ بالباب"، و إلى قاين "أشتياقها" و هو "يسودُ عليها" (سفر التكوين الفصل الرابع الآية السابعة).

- الأفعى: رأينا في مقام ٍ سابق ٍ في هذا المقال أن الأفعى من رموز ِ الأم-الكبرى-عشتار، و مردُّ هذا إلى اعتقاد ِ الإنسان ِ الأول أنها خالدة ٌ لا تموت، فهي: تبدِّل ُ جلدها، بالضبط كما يُجدِّد القمر دورته كل شهر، و هو ما يتماهى مع تبديل المرأة ِ لدمها و تجديده كل َّ شهر، فهي إذا ً تجلٍ آخر للمبدأ الوجودي الأنثوي، و لا بدَّ أنها تجسيد ٌ آخر لطاقة الحياة، و لذلك فاسمها في اللغة العربية الدارجة: "حـيِّـه"، من الحياة، مثل حوَّاء بالضبط التي معنى اسمها "حياة".

و تكتسبُ الأفعى في القصة ِ التوراتية ِ بُعدا ً آخر يشي بعمق ِ التعقيد ِ لفعل "الاستنارة ِ و المعرفة ِ" الأول بين الذكر ِ و الأنثى، فكما أن "الشجرة" كانت رمزا ً لجسد الأنثى، و للشوق ِ الذي يثيره في الذكر، تأتي "الأفعى" هنا رمزا ً للقضيب ِ الذكري الذي تفتقده الأنثى و تشتاق ُ إليه بحكم الطبيعة، و نتثبَّت ُ من هذا التحليل حينما نرى أن الدافع َ وراء فعل "الأكل" من الشجرة كان "نصيحةَ" الأفعى لحواء، فإذا ما تذكَّرنا أن المرأة هي نفسها الشجرة و هي نفسها الأفعى فهمنا أن هذه "النصيحة" إنما هي الحبكة ُ الروائية و التمثيل ُ الرمزي لفعل ٍ داخلي تم َّ بين المرأة ِ و نفسها حينما اشتهت ِ الذكر الابن، و الذي كان يبادلها ذات الاشتهاء، و أن فعل "المعرفة" هنا كان فعلا ً جنسيا ً صرفا ً، نتج عنه "انفتاح أعين" الشريك و شريكته، و إدراكهما أنهما قد "اكتشفا" جزءا ً من الحياة هو حقهما و استحقاقهما الوجودي الذي تمليه عليهما طبيعتهما البشرية، لكنه بسبب استبداد و ظلم و قهر الأب-الإله-الطوطم يتم تجريمه و تفريغه من قيمته الحقيقية ِ الجميلة، و ملؤه بالنهي و الزجرِ و التحريم ِ و التأثيم، ليؤدي في آخر الأمر إلى قتل الأب و أكله و استحلال نسائه كلهن.

و حين َ نتأملُ السابق َ جميعَه مرَّة ً أخرى، بعد أن فكَّكنا الرموز و فحصنا الأجزاء، و رأينا معانيها مُنفردة، و علاقاتها مع بعضها، و معانيها بعد أن تجتمع، فهمنا أننا أمام المفاهيم البدائية الأولى للإحيائية و ما سبقها من طوطم و تابو، و سرد ٍ لـ، و تعبير ٍ عن، أقوى الرغبات ِ و الدوافع ِ في تكوين ِ الهوية ِ البشرية الأولى و الحالية، و هو الدافع الجنسي، الذي بواسطته و بقوته يلتقي الجندران للنوع البشري، في فعل الحبِّ الأولِ من حيث ُ زمنِ وقوعه في التاريخ السحيق الموغل في القدم، و الأولِ من حيثُ انسجامه مع الطبيعة البشرية، و الأول ِمن حيثُ ما يمكن أن نجعل َ له من معنى ً سامٍ حين نرتقي به من مجرد تفاحة ٍ و أفعى إلى فعل إرادة ٍ و شراكة ٍ و اتحاد ٍ و معرفة،،،،

،،،، و حين َ أقول معرفة: أعني بها معرفة َ حقيقة ِ جنسنا كما هو، كما تُعلمنا و تُعلِّمُنا عنه طبيعة ُ الفعل ِ نفسُها، و بالتالي نستطيع أن نحدد "ماهيَّة" العلاقات البشرية و "نَصِفها" بما هي عليها، و بما هو "جوهرها"، و أن نستخرج َ و نُعيِّن َ و نُدرك َ "معناها ضمن السياق البشري"، و "اثرها"، و "هدفها"، و "أبعادها النفسية"، و "أبعادها الاجتماعية"، و "دلالاتها"، و "إملاءاتها على الواقع"، و بالتالي نبني منظومتنا البشرية بناء ً جديدا ً على أسس "بشرية" و "إنسانية" صحيحة، لتمهِّد َ للارتقاء بقوة ِ العقل فوق الغريزة دون أن تلغيها أو تحطَّ من شأنها أو تجرِّمها أو تُأثِّمها أو تصمها بالذنب و العار.

إننا هنا نعودُ للجذر ِ البشري البدائي الأول حتى نفحص كل الموروث، فنتحرر من أسر حقب ِ ما قبل التاريخ، لتتشكَّل َ بُنى ً نفسية ٌ جديدة، و صحِّية، و مليئة بالحياة، و قادرة على أن تأخذ جنسنا البشري نحو تحقيقِ كامل طاقاته بإخراج و تفجير ِ كل إبداعاته، دون قيودِ جريمة ٍ لم تكن بجريمة، قادت إلى جريمة ٍ حقيقية ٍ ما زالت في النفوس ِ بدون حق، و أعني بالأولى الحبَّ الغريزي و بالثانية ِ قتل الأب قديما ً من جهة و الشعور بالذنب حاليا ً من جهة أخرى،،،،،

،،،، لكي ننتهي َ من الوهم، و نبدأ عيش َ عشتار، عيش َ الأرض، عيش َالحياة، عيش َ الإنسان!


-------------------------------------------------------------------------------------------------
توثيق المصادر:

مقال: قراءة في اللادينية – 3 – الإحيائية، الطوطم و التابو كمدخلٍ جامع لفهم ثنائية الإله و الشيطان ج 1
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=436007

مقال: قراءة في اللادينية – 4 – الإحيائية، الطوطم و التابو كمدخلٍ جامع لفهم ثنائية الإله و الشيطان ج 2
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=436219

مقال: عشتار – 4- انبثاق الحياة.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=457216

كتاب: "الطوطم و التابو"، المؤلف: سيجموند فرويد، الترجمة إلى الإنكليزية: Routledge & Kegan Paul، منشورة سنة 1950.

كتاب: لغز عشتار- أصل الدين و الأسطورة، المؤلف: فراس السواح، الطبعة الثامنة، العام 2002، دارعلاء الدين للنشر و التوزيع، دمشق، سوريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لعزيز نضال شكرا على مقالاتك الهادفة
سوري فهمان ( 2015 / 4 / 1 - 11:27 )
العزيز نضال

شكرا على مقالاتك الهادفة وشكرا على كلماتك على صفحة الأخت مريم أمثالك يبنون هذه الأوطان دمت بخير

ملاحظة: وين راحت الكاسكيت التي كانت في الصورة القديمه


2 - لماذا لم تنشرو تعليقي
سوري فهمان ( 2015 / 4 / 1 - 14:17 )
لماذا لم تنشرو تعليقي


3 - مقال فى منتهى الروعة
سامى لبيب ( 2015 / 4 / 1 - 14:41 )
رائع هذا البحث استاذ نضال فلقد تفوقت على نفسك وقدمت لنا رؤية عميقة غزيرة .
كثير من الملحدين واللادينيين ينظرون للاساطير نظرة ذات إستخفاف وسخرية ولكنى أراها تعبيرات عن فكر ونفسية إنسان قديم ومايدور فى ذهنه وفق جهله وإحباطاته وقلة معارفه .
جمال هذا البحث انك لم تقدم جولة فى الميثولوجيا كرواية أدبية فنية خيالية ممتعة لتقارنها بميثولوجيات اخرى بل غصت فى الجانب النفسى الذى انتجها ليستحق هذا البحث الروعة عن جدارة
تحياتى وتقديرى أيها الفيلسوف الإنسان


4 - الأخ العزيز سوري فهمان
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 1 - 14:43 )
أهلا ً بك أخي العزيز و شكرا ً لكلماتك َ الطيبة،

الكاسكيت راح لما الشعر على الراس إجا LOL

كان رأسي حليقا ً حزنا ً على صديقة ٍ فقدت شعرها بسبب علاج مرض السرطان، ثم فقدت حياتها بعد ذلك، و في ذكرى وفاتها ضاق صدري جدا ً فحلقتُه وقتها و كأن الحلاقة َ تُعيد الفقيد أو تُرجع من ذهب،،،،

،،،، لكنها تبقى تضامنا ً و عرفانا ً و ووفاء ً لا يملك نوعنا البشري سواهم للوقوف ِ في وجه الألم و الموت، و هذه المشاعر بالذات هي ما تجعل جنسنا عظيما ً قادرا ً أن يرتقي فوق الغريزة!

أعتز بك و بكل قرائي و أرجو أن تكونوا كريمين معي في إبداء أي ملاحظات لديكم على المحتوى و طريقة العرض حتى أستطيع أن أقدم ما هو مفيد.

تقبل الاحترام و المودة، و أهلا ً بك دائما ً!


5 - إنه الجذرُ تحت َالشجرة التي تتفيؤها الطيور!
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 1 - 15:05 )
أخي العزيز سامي لبيب،

كلماتكم الطيبة شهادة ٌ أعتز ُّ بها جدا ً لأنها تصدر ُ من فيلسوف ٍ إنساني ٍ صادق شفَّاف الرؤية مُتسق مع نفسه و مبدئه، أشكركم جزيل الشكر.

إن الميثولوجيا هي تسجيل ٌ حي للانفعالات و الاختبارات النفسية، و نُدركُ ذلك َ بوضوح حينما نقاربُ بين اللامعقول العجيب المتناقض في قصص الميثولوجيا، و بين التناقضات النفسية الموجودة في شعور و لا شعور الكائن الحي المُنتج لها.

إنها كنز ٌ بكل معنى كلمة ِ الكنز، لكنه مدفون، يريد ُ عاشقي ثراء، و صيادي كنوز، يتجشمون عناء إزاحة الطبقات ِ الحضارية ِ و العقلانية ِ الكثيرة ِ التي دفنته، ليستطيعوا أن يجدوه، و يخرجوه للناس.

لكن الكثيرين أيها العزيز سامي حينما يشاهدون الوجه الحقيقي لما هو تحت ما اعتادوا عليه من وجه و شكل و تكوين، يفزعون، و يسرعون إلى نفيه و تسفيهه و الإصرار على ما لديهم، لأن ثمن قبول الحقيقة مُرعب ٌ بحق!

و إنني إذا أغوص ُ قاصدا ً نحوها ليجب ُ علي أن أبدي إعجابي الشديد و احترامي الفائق لمجهودك الفذ و أنت تبلي بلاء ً عظيما ً في إجلاء هذه الكنوز، و إنني أشد ُّ على يديك!

كل الاحترام و الود، و أهلا ً بك دوما ً على صفحتك!


6 - الأستاذ/نضال الربضي
شوكت جميل ( 2015 / 4 / 1 - 21:05 )
تحية طيبة أخي الكريم
مقال يوزن ألماساً،و فوق العادة بحق،أما منهجه فشديد التماسك و الوضوح جدير بأن يتخذ منهجاً فعالاً و ناجعاً لتفكيك الفكر الديني برمته.

أما المثير للدهشة و الآسى في آن،فهو ضيق الآفق و التخشب في لاهوتي العصر،بينما نجد لاهوتي عظيم كأوريجانوس السكندري بالقرن الثالث للمسيح،لا يتهيب أن يذهب مذهباً قريباً من مذهبك،و إن كان لغايةٍ أخرى،و يذهب أن الأمر ليس أكثر من رموز،فليس من جنة هناك،و ليس من أشجار هناك،و إنما يراى الجنة هي جسد حواء،و أن شجرة معرفة الخير و الشر التي تتوسط الجنة،هي أعضاؤها الجنسية التي تتوسط جسمها،و أن الأمر كله يدور حول الجنس،و بطبيعة الحال،قراءة اريجانوس ليست هي الرائجة اليوم في كنائسنا الشرقية،و قد نال وجه اللاهوتي العظيم نصيبه الوافر من التراب..يكفي أنهم يأبون أن يطلقوا عليه-أباً-كغيره من اللاهوتيين،و يكتفون ب-علامة-،يبدو أننا نسير إلى الخلف!

في انتظار المزيد من كتاباتك الممحصة و المثيرة و العميقة و الهادئة .

تحياتي و احترامي


7 - الغالي نضال لقد أردت أن أدخل البهجة إلى تعليقي
سوري فهمان ( 2015 / 4 / 1 - 21:10 )
الغالي نضال لقد أردت أن أدخل البهجة إلى تعليقي فسالتك عن الكاسكيت وكم كان جوابك مولما أرجو أن تقبل إعتذاري وكم أنا أسف لبعد المسافات التي تمنعني من لقاك
لا أحد يعرف قد نلتقي يوما
اتمنى لك دوام العافية


8 - العزيز شوكت جميل
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 2 - 06:14 )
نهارا ً طيبا ً أتمناه لك و للجميع في بداية هذا النهار أيها الشاعر مُرهف الحس!

أسعدتني كلماتك التي تخرج من مُنفتح ٍ و باحث ٍ عن الحقيقة ِ و وواصف ٍ لها، في عقله ناقد و في قلبه شاعر و أديب، فكم أثلجت صدري إذ تعتقدُ أن طروحاتي نافعة ٌ و منيرة لمن أراد أن يفهم الأصول و الدوافع وراء الموروث و المفروض.

في الحقيقة إنهم يبخسون أوريجانس حقه لأنه ليس على ما اتفقوا عليه، و هذا حال المُهزوم ِ أمام المُنتصر، دون أن يُلزم الانتصار ُ المهزوم َ انتقاصا ً من قيمته، لكنها سُنَّة ُ السلطة لدى البشر.

لكن عزاءنا أن ْ: قد انتصر المذهب الرمزي لأوريجانس، حينما أصبحت الكنيسة الكاثوليكية تفسر الكثير الكثير من قصص التوراة بشكل ٍ رمزي، مُبتدئة ً بآدم مرورا ً بأيوب انتهاء ً برؤى جهنم في ما يُسمي بظهورات العذراء في القرن الماضي، و أي ُّ سعادة ٍ كانت لتكون له لو كان حيَّا ً.

بينما ما زال الأرثوذكس، و نسبة كبيرة من البروتستانت، و اليهود، و المسلمون يفسرون هذه القصص بطريقة حرفية تلتزم بما فيها على أنه حقيقة مطلقة حادثة فعلا ً في زمن ٍ إلهي لا يعود.

أرحب بك دائما ً و أثمِّن مشاركاتك الثرية!


9 - العزيز سوري فهمان
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 2 - 06:19 )
أطيب الأمنيات بالخير و السعادة لك أخي العزيز سوري فهمان!

أرجوك ألا تعتذر يا صديقي، فليس هناك َ ما يُوجب أيَّ اعتذار، فمن نحبهم يحيون فينا حتى لو ماتوا، و ما الحزنُ عليهم سوى جزءٌ من طبيعتنا كبشر و علينا ألا نهرب َ من طبيعتنا و من حقيقة نوعنا البشري لكن أن نتصالح َ مع هذه المشاعر و نُحسن َ توجيهها و إدارتها حينما تصعد للسطح، و أعتقد أنني قد تصالحت ُ مع موتها و أصبحت ذكراها تعيد إلي السعادة و إن كانت مشوبة ً بحزن ٍ لا بد منه دون أن يُفسد بهجة حبها!

أتمنى أن ألتقي بك يوما ً، على نفس أرجيلة، و كاس عرق، و صحن كبه، و صحن تبولة، و نحكي في الدنيا، كم سيسعدني ذلك!

أثمن حضورك جدا ً، و تقبل وافر الحب و الاحترام!


10 - الاستاذ نضال الربضي المحترم
مروان سعيد ( 2015 / 4 / 2 - 10:48 )
تحية لك وللجميع
ان كثيرمن ما وجد بالكتاب المقدس هو رمزي وكلوحة متداخلة وتستنتج منها قصص وامثلة وهي قصة حياة ومتجددة حسب الفكر وتطوره
ولكن المشكلة ليست بالقصة التوراتية ولكن القصة في عقولنا نحن البشر نفسر حسب هوانا وشهواتنا
حضرتك دمجت الفكر البشري القديم مع الحديث وحملت القصة ما لاتحتمل
ولكن القصة هي انها مخالفة البشر لوصية الله يمكن ان تكون بعملية جنسية او شيئ اخر ارتكبه ادم وحواء او اي شيئ اخر لا نعرف حقيقته ولكن صاغها بشكل رائع بانهامخالفة لوصايا الله
ويجب ان لاننسى بان الكتاب المقدس جعل ليفهمه الانسان الاول قبل الاف السنين وليفهمه الصغير والكبير ولجميع العصور والمحور الاساسي به المحبة والسلام مع الله ومع الذات البشرية
ومودتي واحترامي لجهودك


11 - العزيز مروان سعيد - 1
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 2 - 13:06 )
الأخ العزيز مروان سعيد،

أشكر حضورك الطيب و مداخلتك الجميلة بثقتها في المصدر الإلهي، لكني أنطلق من رؤية لا دينية تختلف عن رؤيتك، فاسمح لي أن أوضح لك:

- الرؤية الدينية تعزو كل شئ لإرادة الإله، لذلك فهي تقبل ألا يكون هناك تفسير لأحداث تتطلب شدتها و النتائج المترتبة عليها وجود تفسير . (لاحظ كلامك عن خطيئة لا نعرف ما هي، لكنها أدت إلى مأساة الإنسان الحالية).

- هذه الرؤية الدينية تعتقد أن هناك حكمة إلهية وراء القصص التي توردها (لاحظ كلامك عن كتاب للصغير و الكبير بحسب الزمان الماضي، مع أن هذا الكتاب ملئ بما لا يمكن أن يقبله عقل مع كثير من المشاكل).

- هذه الرؤية تترك العقل جائعا ً و الفكر مُتعطِّشا ً و تثير الأسئلة، بدون إشباع ٍ أو تحقيق، حين نفحص الموروث: مثل سماح الإله للشيطان أن يلعب لعبته شديدة الخُبث و متناهية القسوة، و هو يعلم كإله النتيجة سلفا ً خصوصا ً مع ضعف الإنسان الوليد حديثا ً و انعدام خبرته، مع قسوة الإله المفرطه و طرده للإنسان و نفيه إلى هذه الأرض يقاسي الويلات و يذوق العذاب و يصارع الشيطان، ثم بعد ذلك نزول الإله نفسه ليموت فداءً.

يتبع


12 - العزيز مروان سعيد -2
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 2 - 13:07 )
تابع من التعليق الأول

لم كل هذا؟ لم الاختبار أصلاً؟ ما هذا الثمن الباهظ شديد التكلفة على الإنسان؟ أليس المنطق أن الحبيب يريد حبيبه معه دوما ً لا يُطيق فراقه و لا يُدبر له المكائد و المصائب و المصاعب؟ فما بال العلاقة ِ بين الإنسان و الإله مثل سباق ِ التتابُع الملئ بالعقبات التي يجب القفز عليها و الفخاخ التي يجب تجنبها؟ أهذا حبٌّ أم لهوُ أسد ٍ هِزبر بفأر ٍ أمدَش َ مَهيض؟

لكن يا صديقي لو أننا نضع الرواية الدينية جانبا ً و نأخذ بالرؤية اللادينية، التي ترى أن فهم النصوص يجب أن يتم بالعودة إلى أصولها البشرية و جذورها النفسية و دلالة معانيها عند كـُـتابها بحسب سياقيها اللغوي و التاريخي، و خلفية الكاتب الثقافية و الحضارية، و بحسب خلفية و ثقافة الجمهور المتلقي لهذه النصوص، فسنرى عندها بوضوح أصلها البشري.

و أكثر من ذلك سنستطيع تفسير تناقضاتها الكثيرة، و و تبيان كونها تعبيرا ً عن حالات و اختبارات نفسيه أدت إلى تفاعل الإنسان مع الإنسان فأنتجت مواقف و أحداث ضاعت تفاصيلها الكاملة في التاريخ، لكن وصلنا منها قصص مروية تغيرت و تشوهت، قدرنا بقوة العلم الحديث أن نفهم ما وراءها.

يتبع


13 - العزيز مروان سعيد - 3
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 2 - 13:08 )
تابع من تعليق 2

فالتاريخ سلسلة طويلة من السبب و النتيجة التي تصبح سببا ً لنتيجة أخرى و هكذا حتى يولد الدين ابنا شرعيا ً و طبيعيا ً لكل هذه الحالات و الانفعالات و الاختبارات و الأحداث و القصص و المواقف، و سنستطيع ُ ان ننظر إلى الدين كطفل ٍ ينمو و يكبر في البيئة التي تحتضنه، حتى يتطور إلى الدرجة التي سيختلف فيها جذريا ً عما بدأ عليه، و لك كمثال أن ترى موقف الكنيسة اليوم من قصة أيوب كقصة رمزية مقابل الإيمان القديم أنها حقيقة و قس على ذلك أشياء كثيرة لا يمكن حصرها.

أعلم أن كلامي صعب ٌ جدا ً عليك، و أحترم حقك في أن تؤمن بما تريد، لكن المنهج العلمي و أمانة الحقيقة تقتضيان مني أن أضع أمامك التصور الذي أنطلق منه، و ربما لو جلست مع نفسك ستدرك أن تصوري قادر ٌ على تفسير مسيرة التاريخ و طبيعة الحياة و شكل المجتمعات الحالية بدقة، بينما يبقى التصور الديني في دائرة: لا نعلم، هناك حكمة، هكذا شاء الإله.

مع مودتي و احترامي!


14 - الاخ نضال الربضي المحترم
وليد يوسف عطو ( 2015 / 4 / 2 - 13:45 )
استمتعت بقراءة المقال...رغم انشغالاتي المتعددة ..
لاحظت ان الشيطان لايرد ذكرههنا في الصحاحات الاولى من سفر التكوين مما يعني انه فكرة متاخرة عن النص . ثانيا فكرة الاله في سفر التكوين يبدو عليه بشري الصفات والطباع وليس بعلام للغيوب وليس اله كامل .ممارسة الخطيئة الرابضة خلف الباب كما يعبرعنها سفر التكوين وكما م ااكتب السواح في مغامرة العقل الاولى هي عنصر ادخالي للولوج من عالم الطفولة او الجنين دال الرحم والتبعية العمياء للاله الى الولوج الى الحياة وعالم المعرفة فيكون الجنس كما نجده في ملحمة كلكامش هو العنصر الادخالي للولوج الى المدنية والحضارة والتفكير .بالنسبة للطوطم ه9ناك قبائل في اقريقيا تتبع طواطم مختلفة وبما انهم لاياكلون لحوم طواطممهم لذا يقومون بتبادل الحيوانات وبذلك تكتمل لاالدورة الاقتصادية ..
احسنت واعتذر عن الاخطاء في الطباعة ... .


15 - المفكر العزيز وليد يوسف عطو
نضال الربضي ( 2015 / 4 / 2 - 15:41 )
أهلا ً بمفكرنا الجميل و صاحب الطروحات الجريئة!

عدلت ُ عن ذكر أنكيدو و الاستشهاد بلقائه مع المرأة كمقاربة بين الأساطير القديمة و أسطورة آدم و حواء و كتأكيد على دلالة الفعل الجنسي من جهة النضوج الإنساني و الاستنارة، بعد تجاذبات ٍ داخلية تغلب في النهاية رأي ُ العدول فيها على رأي الإدراج، كونها لن تخدم الموضوع بأكثر مما ستخدمه القصة التوراتية، إلا إذا أسهبتُ و استفضت، و كان هذا ليأخذنا إلى تشعُّب ٍ رأيت ُ أنه و إن كان مفيدا ً إلا أنه ليس ضروريا ً في هذا المقال بالذات.

أما عن الطوطم كنظام تبادل اقتصادي، فأقول أن سيجموند فرويد ناقش هذه الفكرة في كتابة -الطوطم و التابو- و توصل إلى نتيجة ٍ مفادها أن هذه التبادلات و إن كانت موجودة ً و مرصودة لكنها ليست السبب وراء ظهور الطوطم، و يتمسك فرويد بنظريته الخاصة بقتل الأب كما أوردتها في مقالاتي الثلاث.

أنا ممتنٌّ جدا ً لمشاركتك الثرية التي تفتحُ آفاقا ً رحبة لتبادل آراء مختلفة بُغية الوصول إلى الحقيقة!

مع وافر مودتي و احترامي!

اخر الافلام

.. عمليات بحث وسط الضباب.. إليكم ما نعرفه حتى الآن عن تحطم مروح


.. استنفار في إيران بحثا عن رئيسي.. حياة الرئيس ووزير الخارجية




.. جهود أميركية لاتمام تطبيع السعودية وإسرائيل في إطار اتفاق اس


.. التلفزيون الإيراني: سقوط طائرة الرئيس الإيراني ناجم عن سوء ا




.. الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد زغول: إيران تواجه أزمة