الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم الأخلاقية

محمد ابداح

2015 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عرف (لالاند) الأخلاق بأنها مجموع قواعد السلوك التي تحكم المجتمعات وتضبط سلوكهم( 1) ، وثمة العديد من التعريفات المشابهة ، والتي تربط القيم الإنسانية بالأخلاق ، وقد صنف لالاند القيم ضمن أربعة خواص مختلفة وفقاً لأهميتها كما يلي :
أ‌- كون هذه الخواص تلاقي تقديرا أو رغبة من قبل شخص أو جماعة معينة من الأشخاص.
ب‌- كون هذه الخواص تستحق هذا القدر أو ذاك من التقدير.
ج‌- كونها تلبي غرضاً معيناً.
د‌- واقعة اجتماعية معينة، يجري تبادلها واعتمادها من قبل شخص أو مجموعة من الناس.
ومع أن الأمر يتعلق بمدى تقدير هذه الخواص ، إلا إنه يجري تقييمها تبعا للمنفعة التي تقدمها للناس ، لذا يمكن القول بأن شيئا ما ذو قيمة يعني الاعتراف الضمني بأن ذلك الشيء يحقق خيرا، كما أن التفكير في القيم الأخلاقية هو التفكير فيما هو خير اجتماعياً أو فردياً.
ومن منظور الفلسفة اليونانية أو بعبارة أخرى ( الإفلاطونية)(2 )، فأن الإنسان يستمدُ كافة قيمه من السماء، حيث ثمة عالم فوق الزمان والمكان ، وتوجد فيه كافة الحقائق ، وتلك القيم ثابتة وغير قابلة للتغييرمطلقاً، وطبقاً لهذا الإتجاه، تعتبرالقيم الإنسانية حقيقية وصادقة بمقدار ما تتوافق مع حقائق العالم الفوقي ، غير أن هذا الإتجاه يُقصي عقل الإنسان تماماً ويتجاهل تفاعله مع المتغيرات المحيطة به والخبرات المتراكمة لديه ومدى تأثيرها على نظرته للقيم الأخلاقية.
وعليه فإن القيمة الأخلاقية وفق الفلسفة اليونانية تتحقق بثلاثة محاور، أولاً بالهدف الذي يسعى المرء لتحقيقه ، فإذا كانت السعادة هدفاً فتعد حينها قيمة أخلاقية ، وثانياً في الفعل الذي تمارسه ، فإذا كان الفعل خيراً فهو يمثل قيمة أخلاقية ، والمحور الثالث يتحقق بالشعور ، فإن رأى المرء الجمال بشيء ما، كان له قيمة أخلاقية ، فالقيم في الفلسفة عموماً تدور حول السعادة والخير والجمال( 3) ، فاذا لم يكن للأمر أي علاقة بالسعادة او الخير او الجمال فهو ليس من القيم في شيء.
ونجد ذات المحاور بتعاليم الأديان السماوية، غير أن هذه القيم وفقاً لتلك الأديان مشروطة بعبادة الله لأن الأديان السماوية قسّمت حياة الانسان لدنيا وآخرة، فاذا حصرنا السعادة والخير والجمال في الدنيا فقط فانها ستكون مؤقتة وزائلة، بل وسبباً للشقاء والشر المُفضي إلى العذاب الأليم في الاخرة، لذا فمن اراد دوام السعادة والخير والجمال ، فعليه الايمان بالله تعالى وطاعته في اوامره واجتناب نواهيه فكل السعادة والخيروالجمال في اتم صورها لا تكون الا بطاعة الله تعالى فيما امر وفيما نهى ، ومن هنا فالالفاظ واحدة ولكن التفسير المنُشيء للقيم يختلف من فكر لآخر.
ومما ينبغي ذكره بأن الثقافة اللاتينية بشكل عام ، رغم انها اعتمدت الإتجاه الأخلاقي لتعريف القيم الإنسانية، إلا أنها ميّزت بين القيم والأخلاق، فالقيم وفق الفلسفة اللاتينية عبارة عن منظومة القواعد السلوكية الملزمة، والتي تستمد منها الجماعة التوجيه في حياتها العملية واختياراتها الفكرية وتصدر عنها أحكامها المعيارية العامة الأخلاقية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، أما الأخلاق فهي الخصال أوالصفات التي يتحلى بها المرء في سلوكه والتي تجعل هذا السلوك مقبولا وممدوحا في المجتمع(4 )، ذلك أن الناس يتفقون بوصف الواقع ولكنهم يختلفون في تفسيره ، فاذا نظر شخصان لغروب الشمس فانهما لايختلفان بواقعة الغروب لكنهما يختلفان في تفسير ما قد يثيره غروب الشمس من مشاعر لكل منهما ، فقد يتفاءل احدهما بينما يتشاءم الاخر .
لذا ينبغي مراعاة تباين الثقافات والرؤى بين الناس عند اعتماد الإتجاه الأخلاقي لتعريف القيم، فمثلاً يُشكل جسد المرأة مادة للربح وخيراً بالنسبة لشركات الألبسة الداخلية النسائية ، بينما يرى آخرون بأن جسد المرأة فتنة وشر ، وبصرف النظر عن رأي كِلا الطرفين، فإن ما يؤمن به الناس يبقى قيماً إنسانية هامة لهم ، وترقى لمستوى القوانين ، لذا يجب التقيد بها ، فالمرأة مجبرة على لبس الخمار في الأماكن العامة بمكة المكرمة حتى ولو لم تكن مسلمة ، في حين أن المسلمة مجبرة على نزع الخمار في فرنسا ، ولذا فإن الأخيرة إن كانت مجبرة على السفر إلى فرنسا والعيش ضمن المجتمع الفرنسي عليها العلم بأن منع الخمار ليس حرباً على قيمَها الدينية ، وإنما هو مخالفاً للقيم الفرنسية ، كما أن على المجتمع الفرنسي العلم بأن سير المرأة المسلمة في الأماكن العامة أثناء لبسها للخمار لايعني بالضرورة فرض القيم الإسلامية عليهم ، بل أن الخمار لايشكل ضرراً على فرنسا مقارنة بالكثير من السلوكيات التي يعتبرها المجتمع الفرنسي قيماً إنسانية ، كحرية المثلية الجنسية والتحرر الإجتماعي والأخلاقي المطلق ، وحرية سب وشتم الأنبياء والتي تعتبرها فرنسا حرية رأي وتعبير.
المحامي محمد ابداح
الهوامش
___________
1- أندريه لالاند (Andre Laland) فيلسوف فرنسي (1867-1963) ولد في ديجون، ودرس بدار المعلمين العليا ، نال شهادة الدكتوراه في الآداب عام 1899م وفي سنة 1909م، عمل أستاذاً للفلسفة بحامعة السوربون، يعد أندريه لالاند أبرز فلاسفة العقلانية ومن أهم كتبه : النوايا أو المقاصد الحرية، الحقيقة، ماهية العقل، ، قانون الطبيعة ، أخلاق العقل، الاستيعاب والاجتماعيات والجماليات والحال .
2- تاريخ الفلسفة اليونانية ، م1 ، ترجمة د. زكي نجيب محمود ، ص22 ، لجنة الترجمة والتأليف بمكتبة الإسكندرية، 1957م.
3- فلسفة القيم لجان بول رزفيبر ، ترجمة د.عادل العوا، ط1، ص6، دار عويدات للنشر والطباعة، بيروت لبنان، 2001م.
4 -لغة المصطلح ومضمونه، ناصر الدين الأسد ، ط1، ص49، مطبعة أكاديمية المعارف الجديدة ، الرباط 2002م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah