الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقال سريع بين فلسفة القتل وفلسفة التسامح!

أسامة مساوي

2015 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


’’...ولن يستقر سلام وأمان وبالأحرى أية صداقة بين الناس،ولا سبيل إلى المحافظة عليها،إذا ساد الرأي القائل أن الدين يجب أن ينشر بقوة السلاح’’.

تلكم قولة مقطوفة من كتاب "رسالة في التسامح" للفيلسوف الإنجليزي "جون لوك" ومضمونها لا أظنه في حاجة لمزيد شرح وإيضاح،فواقعنا المعاش قمين بأن يضعنا وجها لوجه مع نقيضها الصارخ!
و ليس هذا هو مكمن المشكل،فكلنا أو على الأقل عقلاؤنا لابد لهم أن يقروا بأن مسألة الاعتقاد تظل مسألة شخصية لامجال للإكراه أو الإرغام فيها.

لكن الحاصل هو أني كلما دخلت على فصل من الفصول في موسم دراسي جديد،سألت جموع التلاميذ-في سياق درس يرتبط بالفلسفة السياسية ونظرية الحق الألهي- سألتهم عن "حد المرتد" عن دين الإسلام الذي اختار أن يتركه ويعتنق ديانة أخرى أو لايعتنق شيئا!
كان دائما وإلى حدود الآن يأتيني الجواب بأنه "القتل ولاشئ غير القتل"!!

تصوروا معي هذا الكم الهائل من مشاعر أبنائنا كل عام وفي كل الأعوام -ذكورا وإناثا- يحملون معهم هذا التصور إلى آخر سنة في التعليم الثانوي التأهيلي (البكالوريا) ، دون أن تكون سنون التعليم المنصرمة قد أفلحت في تهذيب مشاعرهم اتجاه المختلف أو تمدينها!
أمام واقع الحال هذا، هل كنت لا أنا ولا غيري، وفي هذا الوقت المتأخر جدا، ووسط هذه الظلمة المدلهمة التي أرخت بسدولها على واقعنا المعاصر، هل كنا قادرين على النيل من هذه النزعات الغضبية التي تمتطي وجدانات تلاميذنا وهي ملفوفة بالمقدس والمعتقد؟
صدقوني لو قلت لكم أني حين أعود لكتب الفقه من خلال أمهات كتبه، كالأعمال الكبرى للفقهاء الأربعة (مالك وأبو حنيفة وأحمد ابن حنبل والشافعي) والفقه الظاهري لابن حزم ،وفقه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية وتلميذه ابن كثير، بل وحتى اجتهادات أو لنقل اجترارات الفقهاء المتأخرين..بل وحينما أرى قوة الربط التي يقيمونها بين النصوص القرآنية والنصوص الحديثية في استخراج الحكم واستنباطه،وكذا حينما أعود للنص القرآني نفسه،صدقوني أني أجد شخصيا أن الأمر أكبر مني وربما من أي أستاذ فلسفة آخر، مادام أن الفقيه مقدم في ثقافتنا على رجل العلم والفكر والفلسفة!

فحينما يجد المرء أن كل الفقهاء الأربعة مجمعين دون أي استثناء على أن "المرتد" يقتل مستشهدين بنصوص كثيرة،ونجد أيضا أنهم مجمعين كذلك على أن من شتم الرسول أو سبه بسبيبة يقتل ولا يستتاب،حينما نجد هذا وزيادة،هل يمكن أن نتفاجأ من أحداث القتل والعنف والهجوم على "شارلي أإيبدو" أو غيره؟ هل يمكن أن نتفاجأ بمشاعر الكراهية التي يحملها "المسلم" اتجاه الذي لا يدين بدينه؟ هل ستصدمنا أفعال القتل والذبح التي هي في تصاعد مهول وستزداد؟
صحيح أن ليس كل الناس على اطلاع بالفقه وأصوله،لكن متى كانت الحشود والجماعة تكلف نفسها عناء اقتفاء أثر الحكم أو أصوله؟ متى كان الناس لا يعتقدون -في غالبهم- بالوراثة والهلامية؟

قد يقول قائل أن الفقه بحر وفيه من الاختلاف أكثر مما فيه من الاتفاق، وأننا لانكاد نعثر على حكم أو قاعدة إلا وجدنا نقيضها.

وأنا شخصيا أرى أن هذا هو مكمن الداء وعقر التطاحن والتنافر والتناحر،فكل طائفة أو فرقة سيكون لها ما يكفي من الدلائل النصية والفقهية لتقارع الطائفة الأخرى،بل تبيح هدر دمها وهي مطمئنة أن ما تفعله "حق" بالسنة والقرآن.
وإن كان هذا حاصلا في القضايا الخلافية فما بالنا بالقضايا التي فيها اجماع الفقهاء؟ ألن يقتل القاتل وهو مطمئن تمام الاطمئنان لعمله الذي يعتقد جازما أنه يقربه إلى الله؟

نحن نعيش في تخبط بائن مفضوح يعكس لاسواءنا وكثرة كبتنا الذي ينفجر ويلات وكوارث تنفجر في وجوهنا كل وقت دون سابق انظار.
فأنا أتذكر جيدا الفتوى التي صدرت عن المجلس العلمي المغربي أواخر 2013 بخصوص قتل المرتد إن هو غير دينه،وحينما سئل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عن مضمون هذا القول داخل البرلمان المغربي قال أنها ليست فتوى بل مجرد رأي للمجلس العلمي!
كأن الأمر يتعلق برأي صديق في تسريحة شعر صديق له،وليس برأي فقهي يحتاج للتأصيل والرزانة والروية!
وحتى لو افترضنا أنه مجرد رأي،فهو صادر عن مؤسسة علمية تمثل المرجع الروحي والعقدي للمغاربة،لذلك فأراؤها ليست كبقية الأراء مادام أنها ليست قرارات أو آراء انفرادية،بل هي تؤخذ بالتشاور والتداول بين أعضاء المجلس العلمي الذي يتشكل غالبا من أكثر الناس فقها وعلما في ربوع الوطن، فهل يعقل أن يتفق كل هؤلاء على مسألة ويصدرون بخصوصها بيانا ثم نأتي بعد ذلك ونقول أنه مجرد رأي؟ أليس هذا تلاعبا بمشاعر الشباب وعواطفهم؟ ثم حتى لو صدقنا أنه مجرد رأي،فهو رأي أغلبية من العلماء،ألن يراه البعض مبررا للفعل،خاصة أنه لم يصدر بعده ما يلغيه أو ينسخه؟

أظن أن هذا التخبط النظري الذي نعيشه كاف لتفسير تخبط الممارسة والواقع،وربما لا يحق لنا التساؤل عن مصدر نقيض التعايش والتسامح ونشر الدين بغير قوة السلاح وضرب الرقاب!!
وحينما يجد الواحد منا نفسه أمام هذا التاريخ الحافل بالتناقضات والتطاحنات،فلايسعه إلا أن يؤسس لفهم ديني خاص به دون أية وساطة من أحد،مادام أن الذي سيأتيك برأي ستأتيه بألف نقيض ونقيض له،وحرصا على ترشيد الطاقة النفسية وقطع الطريق على هدر العمر والزمن،أرى أن يختار المتدين الطريقة الشخصية التي يدين بها،في حال اقتناعه بدين ما،مع احترام كافة الأديان الأخرى!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين


.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ




.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح


.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا




.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم