الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخية مفهوم اللذة والطبيعة الإنسانية الكونية

رواء محمود حسين

2015 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


دفعت الصورة الثورية والتحررية للحداثة، كما يؤكد الآن تورين، إلى عدم الإكتفاء بالمطالبة بالصورة الوضعية للعالم المحكوم من قبل العقل، وإنما المطالبة بخلق إنسان جديد ومجتمع جديد، وفرضوا عليها بإسم العقل إلزامات أشد قوة من الملكية المطلقة. وشدد فلاسفة الأنوار في القرن الثامن عشر أنه لا بد أن تحل معرفة القوانين الطبيعية محل تعسف القوانين الدينية. ولكي يعيش الإنسان بإنسجام مع الطبيعة ينبغي عدم الإكتفاء بالعقل، بل لا بد من الخضوع لنظام الأشياء الطبيعي الخاص باللذة وقواعد الذوق. وهذا ما يجب أن ينجز في النظام الجمالي والنظام الأخلاقي. وهو ما سماه جان إرار حلم القرن الكبير، أي الحلم بإنسانية متصالحة مع نفسها ومع العالم متوافقة مع النظام الكوني. وكما أن عقل الرياضي متوافق مع القوانين العامة للطبيعة الفيزيائية، فإن الإنسان يتوصل إلى حقيقة الجميل المطلق، والإنسجام السماوي للمثال الجمالي المتوافق مع قوانين اللذة، كما أكد إرار أيضاً ( آلان تورين: " نقد الحداثة "، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1997 م، ص 33 – 34).
ويرسم تورين خريطة تاريخية لمبدأ التوحد مع الطبيعة والتوافق مع قوانين اللذة يمتد من لوك ويعده أول من صاغ هذا المبدأ بوضوح من خلال رفضه للثنائية الديكارتية، ثم فرويد الذي جعل من الأنا ملاحاً يبحث عن طريقه بين ضغوط الذات والأنا الأعلى. وممن ساهم أيضاً في صياغة قانون اللذة بحسب تورين باسكال، وروح التنوير لمجموعة من المثقفين والنبلاء والبرجوازيين، وكان هدف الجميع الإبتعاد عن القانون السماوي، ومن ثم كاسيرر الذي طالب بالإنتماء إلى الطبيعة بشكل كامل. إن الهدف الإساسي للجميع توحيد الإنسان بالعالم، أكثر من أي شيء آخر ( تورين: نفسه، ص 34 – 36 ).
عند قراءة التلخيص التوريني المتقدم يمكن أن نلحظ للوهلة الأولى أن نهاية المسار الذي سار فيه مفهوم اللذة وقانون الطبيعة هو ( التخلي عن الروح الدينية للمسيحية ) التي سادت أوربا حتى عصر النهضة مروراً بعصر الأنوار لكي يتم على حساب ذلك العودة إلى المفاهيم اليونانية الوثنية القديمة للذة والإنسجام مع الطبيعة.
بحث أسماعيل مظهر في كتابه: " فلسفة الألم واللذة " عن الأصول الفلسفية اليونانية لمذهب الألم واللذة فأشار إلى أن تحصيل اللذة، كما يقول أرسطبس، هو المبدأ الأول في الحياة، إن تحصيل اللذة ضرورة نفسية، نخضع لها بشكل قسري ( إسماعيل مظهر: " فلسفة الألم واللذة "، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، 2012 م، ص 28 – 32 ).
ركزت الفلسفة الهللينية بواسطة أبيقور على مبدأ اللذة. وقد أعتقد أبيقور أن الخير الأسمى هو ( اللذة ذاته )، ولولا اللذة لكانت الحياة السعيدة مستحيلة. واللذة التي يتحدث عنها أبيقور تشمل: ملذات الجسم وملذات العقل. أما الأخيرة فقوامها تأمل الملذات الجسمية، وهي ليست أسمى من الأولى بأي معنى حقيقي. ومع ذلك فلما كانت لدينا سيطرة أكبر على إتجاه أنشطتنا العقلية، فإننا نستطيع عندئذ أن نختار موضوعات تأملنا، على حين أن انفعالات الجسم تفرض علينا إلى حد بعيد، وهنا تكمن الميزة الأساسية للذة العقلية. واعتقد أبيقور أن هذه النظرة العامة تؤدي إلى ظهور الحياة الخيرة ( رسل: " حكمة الغرب "، الجزء الأول: " عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الإجتماعي والسياسي"، ترجمة د. فؤاد زكريا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد ( 62 )، فبراير/ 1983، ص 165 – 166 ).
إن مقارنة سريعة بين نظرة أبيقور للذة والقانون الطبيعي تكشف وبسرعة أن العقل الحداثي قد تراجع من مفهوم اللذة في بعده الديني ( المسيحي ) منتكساً إلى الوراء حيث المفهوم ( الهلليني الوثني ) للذة والقانون الطبيعي. فضلاً عن أن مبدأ اللذة الحداثي لم يحقق التوازن المنشود، فهو من أجل توازن اللذة مع قانون الطبيعة الكوني قد أنتج لذة مادية أحادية خالصة، بعد أن ألغى مفهوم اللذة الروحية من حساباته، في حين أن التوازن المطلوب ينبغي أن يكون على أساس الإنسجام الروحي – المادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللذة قديما وحديثا
محمد البدري ( 2015 / 4 / 5 - 21:43 )
هل كانت المسيحية مهتمة بمبدأ اللذة؟ وما هو تعريف اللذة، ان لم تكن ضمن ماقاله علم النفس عامة بانه تحقيق الاشباع؟ وبالتالي فان السيطرة النابعة من الداخل علي ما هو خارجي لتحقيق الاشباع يحقق اشباعا لطرف علي حساب اطراف أخري . هنا نعود ليس فقط الي المسيحية بل الي الاديان عامة فما الذي حققته الاديان من لذة لتابعيها سوي تسخيرهم ليكونوا موضوعا لاشباع منؤسسات وشخوص وطبقات بعينها علي حساب الواقع الاجتماعي الادني. وطبقا لما جري تاريخيا من ثورات فان حقيقتها ليس اكثر من تمرد ليحصل من خلاله من كان مفعولا به علي نصيب من الاشباعات المحروم منها. تحقيق المبدا الابيقوري مشروط اذن باستمرار الثورة حتي لو كان حداثيا. فكل مجتمع يحقق درجة أو خطوة علي طريق اللذة اعلي من سابقتها بثورة تغير العلاقات بين المستمتع والمستمتع به. شكرا جزيلا لهذه المقال الذي لن يثير لذه الا بمقالات اخري تغوص في النفس وفي الذات وفي المبدا العقلي لتحقيق لذته كما جاء في حكمة الغرب بجزئيه الاول والثاني

اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا