الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القواعد المنهجية للبحث في التراث 3 من 3

فتحى سيد فرج

2015 / 4 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أولا : حدود التراث تارخيا وجغرافيا وموضوعيا :
يقتصر غالبية المهتمين بالتراث النظر إليه في حدود تاريخية محددة وفي إطار موضوعي محدد ونطاق جغرافي محدود، فالبعض يربط بداية التراث على ظهور الإسلام، والبعض يربط حدود التراث بالعنصر العربى داخل الدولة العربية، والبعض يقصر التراث على جهود الأفراد من المثقفين أو جماعات المفكرين، ويستثنى التراث الشعبى، ولكننى أرى ان يمتد البعد التاريخي للتراث ليشمل كل التفاعلات والتأثيرات المتبادلة بين كافة الشعوب خلال كل مراحل التاريخ، فالتأثير والتأثر بين البشر يشكل بعدا إنسانيا يربط بين كل الاجناس والأعراق البشرية .
ثانيا : علاقة التراث بإشكاليات الواقع الراهن
فرضت قضية التراث نفسها على الواقع الثقافي العربي بقوة، خاصة بعد هزيمة 1967 حتى كادت أن تكون الخبز اليومي للمثقفين العرب، وقد وصل الأمر إلى حد الربط القاطع بين التراث وبين حل أشكاليات الواقع الراهن، فالبعض يرى أن التراث الفكري قد تشكل كإنعكاس للأوضاع الطبقية، وهو مايزال يحمل طبيعة الصراعات الاجتماعية، لذلك فقد انقسم الموقف من التراث بين التيارات الفكرية الراهنة على نفس الأساس الطبقي، وما يحث الأن فى مصر من صراعات يشهد على ذلك، حيث نجد التيارات المتسترة خلف الدعاوى الدينية من الأخوان والسلفيين التي تمثل شرائح اجتماعية رثة كوضع اجتماعي وفهم لمسيرة التاريخ، تحاول العودة للماضي كتعويض عن وضعها البائس، وفي احسن الأحوال الدفاع عن موقف اصلاحي محافظ لا يغير من طبيعة البنية الاقتصادية والاجتماعية المتخلفة التي توفر لهم استمرارا لوجودهم وتوجهاتهم المعادية للتقدم والانتساب للعصر، وقد اتضح موقف هذه التيارات بعد ثورة 25 يناير ووصلهم إلى تقلد مناصب الحكم، فقد عجزوا عن تقديم حلول علمية للمشكلات التي ثار من أجلها الشعب المصري، وبعد أن تحركت الجماهير ضدهم واقصتهم عن مواقع الحكم، يحاولون العودة متخذين أساليب العنف والأرهاب وزعزعة أركان الدولة، والمشهد الراهن لطبيعة الصراعات التي تحدث في مصر الآن يلعب التراث بكل توجهاته دورا بارزا فيها فكل فصيل يستدعي موروثه ويستند إليه ويوظفه في مجمل الصراعات الدائرة الأن، الاتجاهات التي تستند إلى التدين تستدعي الدين، والاتجاهات التي تستند إلى العلم تستدعي العلم، سيظل للتراث دورا فاعلا سواء كدافع للنهضة والتقدم، أو معوق لها، وفقا لطبيعة القوى الاجتماعية التى توظفه، فإذا كان التراث هو الماضى الحى بيننا، فإن الحاضر سيظل موصولا بالتراث يؤثر فيه ويتأثر به .
ثالثا : توظيف التراث
تاريخ الشعوب يحفل بمنجزات علمية وفنية وأدبية وعمارة وتشييد ..، يقع التراث الشعبى بما يشكله من ثروات كبيرة من القيم والعدات والمعارف الشعبية الثقافية والمادية على رأس التراث الإنسانى، فلا حضارة بدون تراث يمثل جذورها الإبداعية، ويظل غالبية الأرث الثقافى صالحا للأستخدام والتوظيف لإعادة بناء الفترات التاريخية، وإبراز الهوية القومية، ولكن هذا لا ينفى وجود بعض الموروثات الثقافية المتخلفة التى تستمر فى تعويق مسيرة التقدم . وماتشهده مصر خاصة بعد الموجة الثانية للثورة يقدم دليلا واضحا على أن التيار السلفى يستورد من تراث الماضى أكثر أشكاله تخلفا بهدف هدم الدولة وتخريب الاقتصاد وترهيب الجماهير من مناصرة الدولة المدنية، ما رأيناه فى رابعة والنهضة من عنف وقتل، ونكاح الجهاد والدعوة للتخريب يرتكز كله على توظيف أشال متخلفة من التراث . البعض يركز على الأستخدام النفسى للتراث كى يربط بين الإنسان وتاريخه ويحفزه على استمرار الإبداع والتقدم، وهناك الاستخدامات الفنية والجمالية لعناصر التراث في الشعر والسرد الأدبى والأزياء والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية بإستدعاء الرموز والتيمات الثقافية وإعادة توظيفها كإبداع جديد مثل : أساليب الحكى، وخيال الظل، وإعادة صياغة الموسيقى الشعبية فى قوالب حديثة لخلق فنون ذات طابع قومى، وفى مجال الشعر والدراما يمكن استخدام أنواع التناص وتوظيف الرموز لتشكل قوالب معاصرة، يعبر من خلالها المبدعون عن هموم العصر بإيحاءات فنية .
رابعا : التراث بين منهجية الديالكتيك ومنهجية التلفيق
اعتمد مشروع النهضة - كما سبق ذكره - على معادلة طرفاها : التراث العربي الإسلامي من جهة، والتراث الأوروبي من جهة أخرى، وكان "التوفيق" بين طرفي المعادلة أساس مشروع النهضة، سواء تحركت المعادلة في اتجاه الإسلام بوصفه أساسا مرجعيا لتقبل الوافد الغربي، أو تحركت في اتجاه الوافد الغربي لجعله معيارا لسلامة فهم الإسلام ولمشروعية تأويله . ويعود محمد جابر الأنصارى (1937-) إلى جذور التوفيقية في الفكر العربي إلى بدايات تشكل الحضارة العربية الإسلامية " تقوم بنية الفكر العربى على التقريب بين الأضداد ايا كانت حدة التناقض بينها، وذلك بقوة الإرث التوفيقى فى هذه الحضارة، فرغم انه من وجهة النظر الديالكتيكية يولد الصراع مندمج جديد، إلا أن التوفيق يعمد الى التقريب بين الأضداد بتجاوز عوامل الصراع والتناقض وكبتها، ثم البحث عن مواضع الاتفاق كلما أمكن، فقد كانت الفلسفة التوفيقية حجر الاساس للحضارة العربية الاسلامية من فكر كلامى، وفلسفة لدى المعتزلة ومدرسة الفلاسفة من الكندى (873-801) الى الفارابى (950-872) الى ابن سينا (1037-980) وابن طفيل (1185-1105) وابن رشد (1198-1126) ولو اسقطنا هذه الجهود التوفيقية من التراث الفكرى العربى لفقد هذا التراث اهم ركائزه واخصب عطاءاته .
ومن منظور أخر، فانها الحضارة الأولى التى جمعت ووفقت بين العنصرالهلنستى الرومانى والعنصرالفارسى والهندى فى نسيج واحد، فكانت مشروعا توفيقيآ بالغ الضخامة والامتداد، كما أن لحضارات الشرق القديم التى لم تخل هى الأخرى من محاولات توفيقية بين الديانات السامية والفلسفة اليونانية، فضلا عن العناصر المشرقية القديمة فى المنطقة من سومرية وبابلية وفرعونية وفينيقية بارثها الدينى والعلمى .
فى العصر الحديث استمرت التوفيقية عند السلطة والمجتمع، بدوافع نفعية تأخذ من الغرب التكنولوجيا، وتأخذ من التراث ما يدعم مواقفها، فتحولت لتلفيقية تجمع بين متناقضات، يرجع البعض ذلك لأزدواجية التكوين الطبقى فى مصر، كما اتخذت التوفيقة أشكال كثيرة عند أغلب التيارات الفكرية، سواء المادية العلمانية ، أو المثالية بالمعنى الفلسفى، فتيار الفكر المادى الميكانيكى انتفى للجدل عنده، حيث يكون أحد طرفى المعادلة مؤثر، والطرف الآخر متأثر بشكل دائم، فحسين مروة يجعل الوعى انعكاس للوجود الاجتماعى، والطيب تيزينى يغفل العلاقة بين الفكر والواقع، بجعل الواقع الاجتماعى الطبقى يصوغ الفكر دون تأثير للفكر على الواقع، هنا ينتفى الجدل (الديالكتيك) ويستمر الصراع دون توليد مركب جيد، نفس الأمر نجده عن أدونيس وحسن حنفى من مدخل مثالى عقائدى، حيث أنهما يجعلان الدين مؤثر وفاعل وحيد سواء للنهوض الحضارى، أو القطيعة المعرفية مع الدين كشرط وحيد للنهوض الحضارى .
خامسا : علاقة التراث بالتكوين الاجتماعي والأساس الاقتصادي خلال تطور المجتمعات .
يمكن تقسيم التيارات الفكرية التي أهتمت بدراسة التراث إلى تيارين رئيسيين، تيار سلفي محافظ ينطلق من موقف فلسفي مثالي، التراث لديه ظاهرة لا تاريخية مستقلة عن الوجود الاجتماعي وصراعاته، تكوين ديني بالأساس، وتيار مادي علماني يعتبر التراث ظاهرة اجتماعية مشروطه بأوضاع التكوين لاجتماعى وقواه وصراعاته، ينطلق حسين مروة من أن "أسلوب الإنتاج الاقطاعى" المتداخل مع بقايا العبودية، والقطاع التجارى المتنامى إلى جانب الصناعات لحرفية، كانت محدد لطابع الوضع التاريخى العربى فى العصر الوسيط،
فالدين يندمج فى الدولة المركزية ويستخدمه الخليفة لدعم السلطة السياسية، رجال الدين يستدعون التراث لخدمة ودعم الدولة، من هنا كانت المبايعة بالخلافة أو عدم المبايعة تتم من خلال التراث الدينى، التراث منذ العصر لجاهلى الذى يرجع لقرنين قبل ظهور الإسلام يستخدم لتثبيت أركان الدولة .
الطبقات بفعل إرادة الخليفة، وهذا التكوين الطبقى يصوغ الفكر لصالح استمرار هذا الوضع الاجتماعى، إذا تغير الخليفة يتغير البناء الاجتماعى معه، ويتغير صياغة الفكر لخدمته، استمر هذا الوضع خلال تطورات التاريخ الإسلامى الحاكم أو السلطان أو الملك أو الرئيس يشكل الوضع الطبقى والوضع الطبقى يصوغ الفكر ويوظفة لصالح النظام، فأصبح التراث يوظف لخدمة الطبقات ويدخل فى الصراعات لصالحها فى كل الأوقات .
سادسا : الموقف من التراث . قطيعة .. أم تواصل
التراث ظاهرةٌ إنسانية نجدها في جميع المجتمعات، فلكلِّ أُمَّةٍ تراثها، كما أنَّ جميع الأُمم تشترك في تراثٍ إنسانيٍّ عامٍّ. ولهذا، فإنّ "التراث" يشمل التراث القومي " ما هو حاضر فينا من ماضينا" والتراث الإنساني "ما هو حاضر فينا من ماضي غيرنا" ورغم هذا فالمعارك الفكرية بين المثقفين العرب لا تنقطع فالذين يقدِّسون التراث بقولهم "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها" وبين أولئك الذين أضحى التراث، في نظرهم، مسؤولاً عن هزائم الأمة وانكساراتها، فرأوا ضرورة التخلُّص منه، لذلك يدعون للقطيعة مع التراث .
ولكن هل القطيعة مع التراث ممكنة فعلياً؟ اعتقد أن هناك صعوبة فى ذلك، حيث أننى اتفق مع كثير من المثقفين الذين يرون ان التكوين الاجتماعى لاينشأ فجأة، ولا يتم التحول الاجتماعي فجأة أو بمجرد الرغبة الفكرية، كما أنه من الصعب أن تحدث قطيعة على كل المستويات، فإنَّنا لا يمكننا، حتى لو أردنا، إحداث قطيعةٍ تامَّةٍ مع بعض عناصر التراث، مثل اللغة والقيم والعادات والتقاليد والمشاعر، لأنَّ هذه العناصر يستغرق نشوؤها وتكوُّنها حقباً تاريخيةَ طويلة، ولا يمكن إلغاؤها بشكل تام، فاللغة، مثلاً، وهي أهمُّ عناصر التراث، لأنَّها وسيلتنا الأساسية في نقل المعرفة وتراكمها من جيل إلى جيل، لا يمكن القطيعة معها واستبدالها بلغةٍ أُخرى دون حدوث صعوباتٍ خطيرةٍ على مستوى التفكير،والعادات والتقاليد لها رسوخ حيث تبقى طويلا حتى بعد تغيير أسباب ودوافع الارتباط بها .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا