الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التحوّلات السياسية الطارئة وآثارها على المرأة
إيمان أحمد ونوس
2015 / 4 / 5حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
للمرأة في عموم المجتمعات البشرية أدوار أساسية مشتركة( الحمل، الإنجاب، رعاية الأبناء وتربيتهم، ورعاية الأسرة) ولكن هناك أدوار أخرى تختلف باختلاف ثقافة هذا المجتمع أو ذاك، وموقفه من المرأة عموماً، ونشاطاتها خارج بوتقتها الأنثوية خصوصاً.
ففي المجتمعات العربية والإسلامية، هناك منظور عام وشامل للمرأة لا تحيد عنه أيٌّ منها، بحكم التقاليد والقيم المجتمعية المتشابهة، وكذلك بحكم المفاهيم والموروث الديني المُستمد من النص المقدّس والتشريع الإسلامي والنصوص والمذاهب الفقهية المختلفة، والتي اتفقت جميعها على تبعية المرأة للرجل في مختلف مناحي الحياة انطلاقاً من قاعدة (الرجال قوّامون على النساء) التي تتفق معهم فيها حتى أنظمة الحكم في تلك المجتمعات.
وهذا ما أبقى المرأة حتى يومنا هذا، رغم وصولها إلى مستويات متقدمة في العلم والعمل، وتسلّمها مناصب قيادية- ولو بحدودها الدنيا- ورغم حصولها على بعض الحقوق السياسية كالترشح والانتخاب، أبقاها رهينة تلك العقلية الذكورية- البطريركية، إن كان على المستوى الخاص في الأسرة، أو على المستوى العام في المجتمع والدولة، وعلى مستوى الأحزاب والنّخب السياسية الأخرى، ذلك أن مشاركتها في الحياة السياسية محدودة ومرهونة من جهة برغبة الحكومات القائمة بوجود طيف نسائي محدود في المناصب الرسمية تطبيقاً صورياً للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تلك الحكومات، ومن جهة أخرى بفضل إصرار الأحزاب السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني، لاسيما تلك الناشطة في الحقل النسوي على ضرورة تمثيل النساء ولو اعتماداً على مبدأ (الكوتا) تمهيداً لتوسيع حضورها في المشهد السياسي العام مستقبلاً.
غير أن التبدلات الطارئة على تلك المجتمعات خلال ما أُطلق عليه(الربيع العربي) قد تركت، لا شكّ، آثارها(السلبية والإيجابية) على المرأة التي ظهرت بقوة على الساحة السياسية، منذ اللحظات الأولى، من خلال مشاركتها في المظاهرات والاعتصامات المطالبة ببعض الحقوق والحريات المدنية، لاسيما تلك المتعلّقة بحقوق النساء المهدورة في مجتمعاتها.
ولا ننسى حضورها الطاغي في وسائل الإعلام سواء الرسمي أو المعارض، في محاولة من الطرفين لاستقطاب النساء إلى صفوفهم، ربما انطلاقاً من مبدأ أو قناعة أن النساء نصف المجتمع، ولا بدّ أن يكون لهنّ التأثير الكبير على باقي أفراد هذا المجتمع.
لكن، بعد أن حطّت الأحداث رحالها في بعض البلدان التي لم تشهد صراعاً مسلحاً، فقد عادت النساء أدراجهن إلى ما كنّ عليه وربما أسوأ، وذلك بفعل الذهنية الذكورية المتشبثة بتلافيف الدماغ العربي عموماً، وكذلك بفعل الذهنيّة المتخلّفة والمتجذّرة في نظرتها إلى المرأة لدى التيارات السلفية- الأصولية التي اقتنصت ثمار ذاك الربيع. ولا يمكننا مثلاً إغفال ظاهرة التحرّش الجنسي التي تعرّضت لها نساء مصر رداً من الطرفين (الحكومة السابقة- والإخوان المسلمين) على تجرؤهن وخرقهن أعراف القبيلة، ودخولهن معترك السياسة والمشاركة الجادة والفعّالة في الأحداث، مما ترك أثره الكبير على عموم النساء هناك من جهة، ومن جهة أخرى، فقد لاقت الحملات النسائية الرافضة للتحرّش الجنسي تضامناً واسعاً في معظم المجتمعات، وكذلك لدى المنظمات النسائية العربية والعالمية، ما أرغم الحكومة المصرية مؤخّراً على سن تشريعات تُعاقب مرتكبي جرم التحرّش الجنسي.
لكن، وفي الوقت ذاته فإن نصيب المرأة في الحكومات الجديدة لم يرتقِ إلى مستوى الطموح، ولا لمستوى مشاركة النساء الواسعة ومطالبتهن بحقوقهن، إذ لم تضم الحكومة الانتقالية المصرية سوى امرأة واحدة كانت وزيرة في عهد مبارك، ثمّ، تمّ تجاوز هذا الخلل في عهد السيسي، فضمت الحكومة خمس وزيرات، ومع ذلك فهو عدد قليل نسبة إلى عدد أعضاء الحكومة، وإلى عدد السكان.
وإثر تسلّم الإخوان مقاليد السلطة تكاثرت الدعاوى القضائية المطالبة بإلغاء المجلس القومي للمرأة، وإلغاء قانون الخلع، وكذلك إلغاء الكوتا السياسية. كما تعرّضت التظاهرات النسائية المصرية المحتفلة بيوم المرأة العالمي بعد أيام على سقوط مبارك، التي رفعت شعارات تطالب بالمساواة، تعرّضت لإطلاق النار والشتائم ودعوة أولئك النساء للعودة إلى مطابخهن.
ولم يكن نصيب المرأة التونسية أفضل إلاّ قليلاً بحكم الإرث التونسي العريق في مجال المدونة التونسية الداعية إلى المساواة بين الجنسين في معظم جوانب الحياة، وهذا ما لم تتخلَّ عنه حتى النساء المسلمات. ورغم ذلك لم تنجُ المرأة التونسية لا من التحرّش، ولا من مطالبتها بالعودة إلى أسوار الحرملك، إضافة إلى أن الحكومة الانتقالية التونسية لم تضم في صفوفها سوى امرأتين فقط تسلمتا حقائب خدمية بعيدة عن السياسة.
وفي هذا دليل واضح على استغلال مشاركة المرأة في لحظات وأوقات راهنية، فقط من أجل الوصول إلى رأس السلطة، ومن ثمّ يجري النكوص والعودة إلى ذهنية ذكورية- اقصائية.
أمّا في البلدان التي شهدت وما زالت صراعاً مسلحاً، فإن وضع النساء فيها لم يكن أفضل حالاً قبل تحوّل الصراع إلى صراع مسلح، فقد كانت المرأة حاضرة في ساحة المشهد السياسي، بقوة، غير أن هذه المشاركة لم تمنع المجلس الانتقالي الليبي من اتخاذ أولى خطواته الجريئة...!!، وهي العودة إلى تعدد الزوجات، الذي لاقى ترحيباً واسعاً في أوساط ذكور القبائل. كما أصدر رئيس اليمن فتوى تحريم الاختلاط من أجل عودة النساء المشاركات في التظاهرات إلى بيوتهن، خوفاً من تأثيرهن في محيطهن على الأقل. أمّا عندنا في سورية، فقد جرى إمّا التراجع عن بعض الخطوات الإيجابية مثل تعديل قانون الجنسية، وإمّا التحفّظ أو تهميش بعض الخطوات الأخرى كتشكيل لجنة لتعديل القوانين التمييزية ضدّ المرأة، فقد طُمست النتائج والاقتراحات التي توصّلت إليها هذه اللجنة.
لكن، بعد أن آلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم من حروب عبثية أتت على كل ما حققه المجتمع، فقد تعرّضت المرأة وما زالت للعديد من الممارسات الوحشية المخالفة لأي بعد إنساني تجاه المرأة كالاعتقال والسجن والخطف والاغتصاب، في محاولة لإذلال الخصم وذكور القبيلة الذين لا يرون الشرف إلاّ من خلال المرأة، مما ساعد على تفشي تلك الظاهرة المرعبة فعلاً، التي جعلت العديد من النساء يتوارين عن الساحة السياسية خلف حجب كثيفة، مكتفيات بدورهن التقليدي الذي تضخّم كثيراً بحكم فقدان الزوج أو المعيل، وبحكم النزوح والهجرات القسرية التي فرضتها الحرب، والتي حملت المرأة جلَّ تبعاتها، فقد أضحت المعيلة الوحيدة، ما جعلها تقلب الموازين التقليدية في محيطها، لتكون سيّدة الموقف في اتخاذ القرارات الخاصة بها أو بأسرتها.
كما أن النساء في المناطق الواقعة تحت سيطرة الخارجين من كهوف الزمن الغابر، قد عُدن أدراجهن إلى مطابخهن وحسب، بل إلى ما قبل أسوار الحرملك، إلى عصور الإماء والجواري اللواتي كان يتمُّ سبيُهن، وبيعهنّ في أسواق النخاسة( العراق أنموذجاً) كما يتمّ جلدهن ورجمهن حتى الموت في الشوارع والساحات العامة في دلالة غير مسبوقة إلى مكانة المرأة لدى أولئك الخارجين على قوانين الحضارة والإنسانية، والذين يتخذون من فتاوى ما قبل الجاهلية قوانين يشرّعونها تلبية لمآربهم الرامية بشكل أو بآخر إلى إعادة المجتمع برمته إلى عصور خيالية وخالية من أي بعد حضاري أو إنساني.
من كل ما تقدّم، نجد أن المرأة في ظل المتغيّرات تلك، ورغم الدور الكبير الذي لعبته، ورغم العبء الكبير الذي ناءت تحت أثقاله، لم تكن في نظر ذكور القبيلة أكثر من ورقة يتم استخدامها من أجل تعديل الموازين لصالح أيّ من الأطراف المتنازعة سواء في البلدان التي شهدت تغييرات سلمية، أو تلك التي ما زالت تشهد حرباً لم تُحسم نتائجها ولم تستقر موازينها بعد.
وواضحٌ تماماً حتى هذه اللحظة، أن النتيجة ما هي إلاّ نساء مقهورات حملن عبء كل ما جرى بصبر وعناد، ورجال متصالحون ومتفقون على بقاء، القوانين والعادات والقيم بل وترسيخها، في مجتمعات سمتها الأساسية تعنيف النساء، واستغلالهن بأبشع صور الاستغلال على كل الصعد.
في مُطلق الأحوال، لا بدّ أن كل تغيير يطول القيم والمفاهيم، سيحتاج إلى الكثير من الزمن، والكثير من التضحيات حتى تصل النساء إلى ما يليق بهنّ يوماً.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. افتتاح معرض لدعم الفنون اليدوية في مقاطعة الرقة
.. -سينما بنات-.. مشروع لتمكين المرأة السودانية في صناعة الأفلا
.. هاريس تتفوق على ترامب في أحدث استطلاع للرأي في ولاية أيوا وآ
.. مسؤولة في نقابة الصحفيين مقتل 13 صحافي سوداني و500 انتهاك
.. إحدى المواكبات للمشروع فاطمة واعلي