الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وُجودي مِن عَدَمي:هل يشكل ذلك فارقاً ؟

محمد قروق كركيش

2015 / 4 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أعترفُ أن هذا الإشكال دعاني ما مرة للبحث فيه، لكن هل يستحقُّ البحث فيه شيء من العناء؟ بالنسبة لي كان ذلك ممكناً، لأنهُ لو جاز لي أن صنَّفتُ نفسي لقلتُ أنني أنطولوجي بامتياز، ذلك ما يخامرني طيلة مدة تفكيري، رغمَ أنني من حيث المبدأ أرفضُ أن أكون سارترياً بالمعنى الحرفي للنزعة الوجودية عند سارتر، ومن جهة أخرى لستُ البثة متصوفاً حد التطرفِ على أن أكونَ من أتباعِ سوركين كركغارد العظيمْ، ولا من المتعاليين أو الماديين؛ رافضا في هذه المسألة كل طيف حليفْ، يرتبط إذن قلقي الوجودي بالروح وليس بالمادة أو بالفكرة، رافضا أن أتبعَ هيغل في جدلية روحه أو أن أمد يدي نحو ديمومة برغسون، فالروح بالنسبة إلي ليست سوى قوة خفية ذات قدرات عظيمة تشبهُ فيما تشبهْ قوة بسيطة نفخها الله في جسد يُعدمْ.
وُجودي مِن عَدَمي:هل يشكل ذلك فارقاً ؟ سؤال لو حاولنا الإجابة عليه، فإننا سندخل في متاهات فكرية كثيرة، لكن لنأخذ الأمر ببساطة، فكم من بسيط بتعبير إنشتاين يكون جميلا وسهلا للفهم والبرهنة، وطريق البساطة في أحيان كثيرة يكون أوضح طريق لبلوغ المرامي، ولنبدأ بأحد كان البارحة في نزهة، لكن شاء القدر أن دفناه اليومَ تحتَ الترابْ، فهل يشكل الموتُ شرطاً للوجودِ أو العدمْ؟ بالنسبة للناس العاديين فإن ذلك يكون فاصلا قوياً بين وجوده من عدمه، فقد كان بيننا لكنه رحل، فوجوده بالنسبة للآخرين لم يعد ما يجعلهُ أعدِمَ من الوجود الفيزيقي، وقد ينساه الناس بعد مرور أيامَ فقط، حادثة الموتِ هذه ببساطتها بالنسبة للناس تكونُ طقسا مروريا من الوجود إلى العدم، ينتهي عندئذ ولا نعودُ نتكلمُ عنه إلا في مناسبات قليلة حتى يمحى من الذاكرة، فالحالة هذه تكون الذاكرة هي المدى البعيد لأثر وجود "الأنا" بالنسبة للأخرين بعد أثر الوجود الفيزيقي السريع الزوال(المادة=الجسد) والذي يعدمُ حينما يدفن تحتَ الترابْ، هكذا تكون الذاكرة هي شرط الوجود من العدم، وحينما يرتبط ذلك بالآخرين لا يشكل ذلك فارقاً، كلنا سنزول، تحتمل الذاكرة هذا القول وتتبناه فَنَزولُ فعلا حينما لا نعودُ في احتكاك فيزيقي مع الآخرين.
يناقش الاحتمال الأول رغم بساطته إشكالية الوجود والعدم في ظل ارتباط الأنا بالنحن الجماعي، يكون العدمُ حينها ممكناً لأنه حتمي، ويكون الوجود اختيارا لأنه ليس ضروري، فلو كان كذلك لسعينا إلى الخلود من أجل الضروري؛ رغم أن الإنسان حينما يولد يتشبث بالحياة ويعضض عليها باليدين والرجلين، يرفضُ أن يعدمَ فيبكي على شكلِ وجودهِ القبلي، لكن هناك إشكالية أخرى تنقشع أمام الاحتمالات، وُجودي مِن عَدَمي:هل يشكل ذلك فارقاً حينما يتعلق الأمر بالأنا دون الآخرين؟
إن الأمر لفي اختلاف كبير، وإن ذلك يحطنا أمام عقول أخرى غير عقول الناس العاديين، يمكن أن تنتمي زمرة من المفكرين والعباقرة إليها، إنهم لا يضعون بشكل مطلق الآخر في الحسبان، يفكرون لذاتهم ومن أجل ذاتهم، إن وجودي لا يرتبط بالآخر بالمرة، ولا يمكن أن يكون هذا المتمثل في "النحنُ" شرطٌ من شروط عدمي، فلا يشكل ذلك بالنسبة لهم فارقاً، على أن الوجود ينقسم في ذاته إلى وجود مادي ناقشناه في الاحتمال الأول، ووجود متعالي يرتبط بالجوهر، يرتبط ويتشابك بالروح التي لا تعدَمْ وإنما تنالُ حريتها حينما تفارق الجسد/المادة؛ تدخل الثنائيات الكلاسيكية هنا حيز التنفيذ ويبدأ التفكير في الروح كقوة مفارقة ومحايثة وثابتة في نفس الآن، والمادة كقوة واقعية متغيرة وزائلة تبقى جامدة لا نقاشَ حولها، لأنها بالمعنى الحرفي "تُعدمُ" وما هو زائل بالنسبة لمثل هؤلاء لا نقاش حوله، فالذات رغم ذلك قوة تستطيع أن تبقى خالدة من خلال وجود الروح في الكون، من هذا المدخل يكون وجودي من عدمي يشكلُ فارقاً كبيراً؛ يتعلق بالضرورة في الكلمتين معاً، فالزوال والعدم يمس الجسد والمادة في المكان والزمان، أما الوجودُ فقائم لا ريب فيه لأنه وإن غاب في المكان فإنه خالد في الزمان، ولو لم يكن الزمان مثل زماننا، إنه حقاً داخل النواميس والتقويمات التي يمكن أن تكون مغايرة لنا نحنُ البشرُ تماماً، هنا وإن انعدم شرط المكان يكون الزمان شرط للوجود ونفي للعدم !
هاتان المقولتان الأزليتان –الزمان والمكان- تفترضان دائما أن يكونا متلازمتان، لكن كيف يحدث هذا التلازم في مسألة تتعلق بالوجود والعدم؟ كيف يتحقق الوجود المتعالي في الزمان الأزلي وينقطع عن المكان؟ ذلك إذا يجعلنا بشكل ما من الأشكال، نرفض هذا التلازم الكلاسيكي الذي ظل لقرون يُسيطر، فقد يستطيع الزمان أن يكون متواجداً في أي مكان، دون أن يكون المكان متواجدا في أي زمان، على الرغم أن للمكان شاعرية ونكهة خاصة قد لا نجدها في الزمان بتعبير فيلسوف الخيال باشلار ، للوجود من هذه الناحية شرط زماني به ينفى العدمْ ولا يُفَكَّرُ ، لكن شكلُ الوجود هذا لابدَّ له أن يكون متعالياً يشكل في حد ذاته فارقاً مهماً، على عكس المكانْ الذي لا يتميز بالوجود الأزلي/المتعالي بقدر ما يتميز بعدميته، من يجعلهُ كذلك؟ إنهم البشر الذين لا يستطعون فيزيقياً أن يستحوذوا على المكان ويحافظون من تم على وجودهم من عدمهم، ثم هل يحققُ المكانُ وجودهُ خارج الأجسادْ؟ ذلك اشكال آخر، فيدخل التمثل ليصارع من أجل إثبات ذلك، إن المكان لا يتحقق ولا يكون شرطا للتواجد إلا داخل الأجساد، لكن ثمة اشكال آخر يضرب عرض الحائط، وهل للزمان وجود خارج الأجساد؟ ربما يكون ذلك ممكنا إذا ما فكرنا وقلنا أن الزمانَ لم يكن سوى من اختراعنا، وهل سيكون ذلك ممكنا إذا ما علمنا أن تعاقب الليل والنهار يشكل في حد ذاته شكلا من اشكال الزمان المنظم، على العكس يظهر لنا المكان خارج الأجساد، على العكس من السابق، يظهر كما لو انه طبيعي وجدَ قبلَ أن توجد الأجساد ولم يكن البثة من صنع الإنسان، تنقلب الأمور إذن بهذا الشكل، وجودي من عدمي، يشكل ذلك فارقا أكيدا بالشكل الذي لا يمكن أن يشكلَ فيهِ فارقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -