الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هابرماس و اجتراح مكانة لسوسيولوجيا ذات معنى

رضا لاغة

2015 / 4 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الحاجة الوازنة للسوسولوجيا التي تكاد تكون إبداعا، شارته المؤسساتية صناعة خرافيّة ، ما تزال عندنا غارقة ــ بغرور ــ في نخبويّتها كي لا نقول بلباقة متكلّفة، مأسورة في حلف مكائد الإيديولوجيا؛ فيما تخرّج جامعاتنا كفاءات لامعة كان يمكن أن تصوّب نظرتها إلى واقع لحظته إثنية ، طائفية، داعشية ...
إن الوقوع في هكذا فخاخ غدا موضة مستساغة تتدبّر فيها الضّحيّة مبررات السقوط الإتكالي في براثن التطرف و المذهبية. في زماننا تستدرج الضحيّة ذاتها كاختيار مستبطن تحرّكه مغانم و هالة سحرية تدمّر بإضمار مناهض و أسطوري لقضايانا الصحيحة. تسدّد ضرباتها في صميم ديمومتنا بتلوّناتها الأرجوانية ، من خلال العزف على أوتار الديماغوجيا المتنافرة مع الغبطة و البهجة و الحبور. تشتبك بإعجاب في معركة سخط عيانية مع حداثتنا لتقفز بخطورة نحو مستقبلنا المجهول. تستوطن بحزم مقتلعة جذور وسامتنا و تلابيب هويّتنا التي تنبت من ضلع الآخر ، فصرنا مسرح قتال تنازعه مصالح مخرّبة بلا رادع.
تلك الهمجية نمت على مرأى من أعيننا و في بيوتنا و مدارسنا و ملاعبنا و حدائقنا و فضائياتنا ... ربضت بضرب من التكيّف ألقسري في كل الأمكنة التافهة و غير التافهة. أحيانا تطالعنا بتعبئة سلطانية و أحيانا أخرى بمناورة فايسبوكية أو علاقة أخوية أو حتى ثورية أو استيطانية صهيوــ أمريكية أو هرطقة صوفية خفية أو زعامة عشائرية دنكوشوتية...
ليس هذا مجال حديثنا، المهم أنهم يحاربوننا بطرائق سوسيولوجية . هم يعرفون أين يستوطنون ، ينمون و يتمددون و يتوالدون... ماذا فعلنا نحن؟ أطلقنا عياراتنا التافهة ككل مرة، هرولنا إلى جلادينا لنبرم صفقة سلاح ، و تفاخرنا ... وهم ينتظمون على قفا أعقاب معاركنا ، كعادتهم في منازلنا و شوارعنا و مقاهينا ، يعاكسون شبابنا من مخبأ السيكولوجيا شاهرين عليهم بكل حفاوة لا أدرية المصير.
على أيّ حال ، أحبّ أن ألاحظ أننا بتنا بحاجة إلى الاستنجاد بالسوسيولوجيا ، محتوى و طريقة ؛ فما كان ليكفي أن يجابه الإرهاب بالرصاص و وساوس الاجتثاث. لذلك أحاول أن أبيّن أهمّية الدور الوظيفي للسوسيولوجيا في تطابقه مع الخلفية الفلسفية لهابرماس. و إذ نفعل ذلك فمنطلقنا سيكون كتاب ستيفان هابر: هابرماس و السوسيولوجيا.
و لكن لماذا هابرماس ؟
دون تحذلق: لأن فلسفته " عريقة الأصل و المنبت في التراث الفلسفي " فقد ضمّت " الأصول الكانطية و الهيغلية و الماركسية و النيتشوية" 1 . لأنها " متغلغلة و حاضرة في الثقافة الفلسفية الحالية ، حاضرة بمساءلاتها النقدية" 2.
هنا قد يكون الرجوع إلى الفلسفة الهيغلية ضروريا ، فهي من وضعت لنفسها مهمة فهم العالم التاريخي المعاصر لها . و ما الفلسفة إلا عصرها ملخصا في الفكر. ذاك هو الأساس. إنها تروم إدراك معقولية الواقع بالفكر لذلك " تربطها بتاريخها روابط راسخة". غير أن إدماج الفكر بالتاريخ يفترض وعيا بالصلة التي تربط الفلسفة بالسوسيولوجيا. وهي صلة في الغالب الأعم صلة متأزمة.
هنا تتنزل محاولة هوركهايمر و أدرنو لإعادة صياغة المشروع الهيغلي لأجل فهم أزمات العصر " المحددة لهويتنا التاريخية وفق فعلنا الممكن" 3
كلنا يدرك الصعوبة التي سيواجهها هوركهايمر و ادرنو، فنقد العقل عندهما لم يلبث أن تحوّل إلى حكمة منتقمة من العقل ذاته ، من كيمياء الحداثة ." إن الأسطورة قد صارت تنويرا و التنوير تحوّل إلى ميثولوجيا"4
و هكذا يؤول تجاوز المحرّم إلى وضعه البدئي عبر المحرّم ذاته أي " بالتنوير الذي هو العقل بالذات" 5 . بل أكثر من ذلك ، إن أدرنو في كتاب " السوسيولوجيا و البحث الامبريقي" أدان بوضوح العلوم الاجتماعية بوصفها تشكّل معرفة وظيفية إيديولوجية محافظة.
إن هابرماس ، الطّالب، ميّال إلى مراجعة هذا المنظور ليزاول صهر التملّك الفلسفي ، على خلال أستاذه، كدرب يسمح بانتشار السوسيولوجيا و تألّقها.ماذا تكون نيّة هابرماس و الحال هذه ، سوى إقامة فكر فلسفي للحاضر التاريخي " يتأمّل علاقته بالعلوم الاجتماعيةّ 6 ؟
نحن هنا نتحدث عن منعطف ينمّ عن نزعة تأسيس فلسفي للسوسيولوجيا ، لذلك لا غرو أن يتساءل ستيفان هابر:" هل هذا يعني أن ابستيمولوجيا العلوم الاجتماعية تشكّل فصاعدا برنامج لفلسفة أرادت أن تكون تاريخية" ؟
من الخطأ أن نقدّر تفسّخ الفلسفة لصالح السوسيولوجيا ، لأن مثل هذه الرابطة تغذّي الفلسفة و " تمدّها بتوضيح نقدي حول ذاتها و الذي سيكون له أثر إيجابي حول تطبيقاتها الفعلية" 7
إن الفلسفة ، بمقتضى هذه العلاقة، تنشئ صلاحية جديدة بلغة فيدغنشتاين ، بل " و تعيّن المفاهيم الأساسية للنظرية الاجتماعية"8 .
و لكن ما مآل الفروق في كيفية طرح المعضلات و حلّها بين الفلسفة و العلوم الاجتماعية التي تجنح " إلى استخدام نسقي للرياضيات"؟9
يعتبر هابرماس أن هذه النزعة تشكّل " عقبة أمام إقامة معرفة عقلية عن الحاضر" 10 ؛ لذلك ينبغي للسوسيولوجيا أن تظهر من الآن في ارتباطها بــ" مثال التحرر الخاص بالأنوار" من جهة كونها تلعب دور الوساطة التفسيرية بين النظرية و التطبيق. وهو ما يستدعي مجابهة" الانحراف التكنولوجي و التكنوقراطي للعلوم الاجتماعية أثناء مأسستها المؤخّرة" 11 ، أي تحريرها من الطابع الأداتي .
يبرهن هابرماس أنه لكي يتسنى تحقيق هكذا رهان، يجب التفكير من داخل الماركسية و لكن ضد ماركس؛ عبر اقتراح علاقة جديدة: عمل / تفاعل ، بدل عمل / إنتاج( مع تقدير التمفصل بين علاقات الإنتاج و وسائل الإنتاج و قوى الإنتاج). إن مهمة كهذه لا تخلو من صعوبة لأنها تستلزم إعادة تعريف العقل، أي إعادة تفعيل العقلانية و ليس هجرانها. لا ننسى هنا تأثّر هابرماس بغادامير و انتقاده للوضعانية العلمية.إنه يفترض ، إلى حد ما ، أن الهيرمينوطيقا " تتّبع مغزى هو ذلك المتعلّق بالذات النشيطة في التفاعل"12 . الذات التي تنفتح على الآخر ، غير ذاتها لأجل حياة راهنة. و لأن كل معرفة تتعلّق بالحاضر لها بعد نقدي ، فإن هابرماس يستبعد كل انغلاق للعلم داخل نسق تفسيري آحادي. فهي ، أي السوسيولوجيا " ليست نتاج نقل غير مناسب لنموذج العلوم الطبيعية إلى العلوم الإنسانية. إنها تعبّر عن حركة وعي تاريخي متبصّر يتّجه صوب تكوين صورة منسّقة لزمانه الخاص" 13 .
ها هنا يمكننا أن نعرّف السوسيولوجيا بكونها " محاولة نسقيّة من أجل إعادة بناء الحاضر انطلاقا من الماضي . إنها تصبو إلى قانون تحليل تاريخي للحاضر"14 .
عندما تتحوّل السوسيولوجيا إلى معرفة بالحاضر ، فهي بلا ريب تنطلق من نشاط الأشخاص؛ لذلك كان عليها أن تضع في مركز أبحاثها ليس الوعي و إنما اللغة ، لأن التفاعل بين الذوات وليد اللغة و ما يتطلّبه ذلك من" تأويل عبارات تأخذ مكانها داخل لعبة اللغة" 15 .
ضمن هذه الخلفيّة ، نحن نتحدث عن تعاون بين الفلسفة و السوسيولوجيا ، الذي يجب أن يثمر نظرية في تأويل الحاضر قصد التصدّي لمخاطر الأحادية . هنا لا نتحدث عن تطرّف العلم فحسب بل تطرّف الشعوذة و الأسطورة أيضا .
ألا يوجد هنا اقتراح يستحقّ أن نعمل به في حاضرنا العربي المأزوم ،كأن نسعى إلى تجذير تعاون نزيه بين الفلسفة و السوسيولوجيا في برامجنا و طرقنا التعليمية؟
لننطلق من كون الإرهاب هو نتيجة تأثير مستلب قهرية لذات على ذات أخرى ( دمغجة) ، عندها ألا نحتاج أن نتساءل : كيف نفسّر حالة الاستلاب تلك؟
أليست منسوبة لهشاشة الوعي النقدي و اختلال الدور الوظيفي للسوسيولوجيا التي لا تزال هائمة في مؤسساتنا التعليمية و المهنية؟ أين هي مراكز البحوث الاجتماعية لرصد التعارضات بين الذات و البيئة الاجتماعية؟
إننا نرى أن غنم الطرح الهابرماسي يكمن في تحفيزنا على تحليل التفاعلات اللغوية المضمرة . إن إزاحة التوجّس الاضماري للسوسيولوجيا يفضي إلى عدة نتائج نبوّبها كالآتي:
ـــ العمل على توليد روابط اجتماعية حديثة تصحح الانحراف المسلكي بغرس القيم الجيوبوليتيكية.
ـــ تثمين النشاط التواصلي و ما يشترطه من مراجعة لمناهجنا التعليمية التي لا تزال تحمل جرثومة التلقين.
ـــ زرع شبكات المناقشة في الفضاء العمومي ( المقهى الثقافي...) بغية الاندماج و التنشئة الجماعوية التي تعطي وظيفة مركزية للحوار.
ـــ تفسير الحاضر و تشخيص أمراضه و حسمها عبر براديغما سياسية مفعمة بالديمقراطية التشاركية.
هذا عالمنا ، ميكانيزماته : نشاط تواصلي ، عقلنة مستجيبة لانسانويتها ، ثقافة جماهيرية مكافحة للتطرّف و الانغلاق ، بعيدا عن قيود الأنساق . إرادة نقدية بضوابط إيتيقية يكون تحيّزها للغيرية مشبعا بمبادئ الحب. ذاك هو المعنى البليغ في تحليلنا لهابرماس.
المراجع
1 ــ هابرماس و السوسيولوجيا، ستيفان هابر، ص 7 . ترجمة محمد جديدي ، منشورات الاختلاف.
2 ـــ نفس المرجع، ص 7
3 ــ نفس المرجع ، ص 17
4 ــ جدل التنوير ، ماكس هوركهايمر ، ثيودورف أدرنو ، ترجمة جورج كتورة ، ص 23 . منشورات دار الكتاب الجديد المتحدة.
5 ــ نفس المرجع ، ص 52
6 ــ هابرماس و السوسيولوجيا ، ص 25
7 ــ نفس المرجع ، ص 27
8 ــ نفس المرجع ،ص 29
9 ــ نفس المرجع ، ص 30
10 ــ نفس المرجع ، ص 31
11 ــ نفس المرجع ، ص 37
12 ــ نفس المرجع ، ص 49
13 ــ نفس المرجع ، ص 63
14 ــ نفس المرجع ، ص 63
15 ــ نفس المرجع ، ص 65








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا وجود لا اي حل في ضمن رؤى هابرماس
علاء الصفار ( 2015 / 4 / 8 - 15:03 )
العرض لهامبرس يحوي اجترار ما قدمه الفلاسفة الاولون وبخاتمة لفلسفة ماركس التي هي تتويج لعصرنا الحالي عصر النهب الراسمالي الذي فضحه ماركس ليس عبر الفلسفة و حسب بل بكتابه الاقتصادي الشهير راس المال. لم يخدم هابرماس الغرب المتحضر والمتطور ليس اقتصاديا و تكنلوجيا وحسب بل لغويا وثقافيا, إلا أن الخرافة لا زالت في عقول القادة أضافة الى افكار العنصرية والاهانة للمرأة في ارقى البلدان الراسمالية.هذا ليس طرحي بل طرح المنظمات النسوية في الغرب,ك الفمنيست, فالا لماذا وجود النقابات ومنظمات اليسار والمرأة, ان الانسان المتحضر في الغرب هو الاخر يعاني من السقوط الحضاري والقيمي, فإذا عندنا الاسلام السياسي فللغرب التنظيمات العنصرية الجديد والليبرالية المتوحشة وحرب غزو العولمة الامريكية, لا يوجد اي ثمر في الفلسفة الكشكول ل هابرماس, فهي عقيمة غير ثورية لمواجهت عنف السلطة الامبريالية في الغرب ام لكي تواجه الاسلام السياسي في الشرق, أنها مجرد نظرية قول اصلاحي بلا فعل ثوري كما النصائح العشرة للديانات السماوية,فالتواصل في الغرب موجود والحمد لله لكن لا وجود شئ لدى هابرماس لتغيير الواقع لذا يترك الغرب بضاعته رائجة!ن

اخر الافلام

.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا


.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت




.. تقرير: إيران تطمح لإضافة السودان إلى قائمة الدول الأربع التي


.. السعادة قرار وهذا هو الدليل!| #الصباح




.. هل بدأت عملية رفح؟.. هذا ما نعرفه حتى الآن