الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شقوة مخبّأة في قفا خربشة جريئة

رضا لاغة

2015 / 4 / 9
التربية والتعليم والبحث العلمي


الخربشة في لغتنا العامية المحلّية هي إحداث تجاوييف رقيقة تفسد جمالية الشيء الذي وقعت عليه فعل الخربشة. وهو معنى لا يزيغ عن لبّ لغتنا الأم. ففي لسان العرب تجد أن الخربشة هي إفساد العمل و الكتاب و نحوه. ومنه يقال كتب كتابا أو نصا مخربشا. و النص المخربش هو النص المفسد. و هكذا ...
هذا النّبذ المتحدّر من عراقة المصطلح متغلغل في ضواحي مدارسنا و جامعاتنا ، فلطلاّبنا خبرة و باع في الخربشة . لقد استحالت عندهم إلى ما يشبه العقيدة الغامضة ، عقيدة مشفّرة ترسم على واجهة المناضد تصريحات منمّقة و فاجرة حتى برموز مشحونة بالاحتقار و التبخيس للقائمين على المدرسة أو الجامعة أو المربين: شتم و سباب و قذف لاذع . و لكن لا ننسى يوجد أيضا مساحة للاعتراف ، يباح فيها بسر محظوظ للعاشق أو المعشوق...
لوحة سجّادية فسيفسائية تفتضح من جنباتها كل أشكال الحب ،الطاهر و العذري، و المجون و الدعابة والفذلكة المقززة بين الحين والآخر ، طفرة لا عقلانية مندسّة بشكل فاضح و لكنها غرضيّه . حضورها دائم ، متجدد ، زئبقي ، ماكر غير أنه متنابذ مع الدّرس.
كم من مرّة ، تذكّر معي ، تتعطّل مواكبة الحصة في متوسّطها بانقلاب مفاجئ ، حين يتفطّن الأستاذ ، بسبب وشاية ربما، بخربشة أحد طلاّبه المهووسين... فيذهبنّ الحنق به إلى هوجة عصبية قرارها الرفت أو التأديب.
يسأل المدير الطالب بنبرة عنفوانيّة فاضحة: خلتك بلا جرائم يا مصيبة.
يطأطئ الطالب بدون ملفوظ و هو ينظر أسفله. يطيل المدير عنقه بإثارة دلائليّة ، كمن ينصب كمينا: وباؤك خطير... يطوّق الطالب بإرادة متوحّشة فيسيّجه بكاء هستيري ، عبثيّ، تكتيكي...و يقول: رسمت جسد امرأة. المدير:و هل بلغت وقاحتك لاستخدام هذا النمط من الأسلحة النوو أقصد من المحرمات الجنسية؟ أزمتك خطيرة و الحبس حلال فيك...
في أوقات الفراغ ، تتغذّى النقاشات الأكثر حماسة حول الجنس ، اللغز المذهل ، المفحم ، المحرج ، المقموع ، المنبوذ... العشق النابع من القاع لكسر سجن المدرسة بنمطيّتها و رتابتها و اعتياديتها .. فكانت الخربشة... لحظة صانعة ، مبدعة تجلب الضرر لأنها تنمّ عن تمرّد هتافه مقهور، محظور ، مقبور ؛ اللائذ في عتمة طلاسم الخربشة ذاتها.
لتعلم إذن ، أن الخربشة ليست دوما عهرا و فسقا و تفسّخا ... أليست مولّدة للخرنباش؟
و ما الخرنباش؟ عد إلى لسان العرب ، ستجد أنه من رياحين البر، وهو طيّب الريح و يوضع في أضعاف الثياب لطيب ريحه.
و ما استوقفني ، ونحن نتحدث عن الخرنباش ، خربشة جديدة ، مثيرة ، شهيرة ، مبهرة مدهشة ، في زمن ثورتنا ، لطراز و لوك فريد . تراها أينما ولّيت وجهك : على الجدران و في الساحات العامة و واجهات الإدارات وفي الميترو ... يقول البعض منها : ديغاج يا خمّاج ( يقصدون يا مفسدين) ، لا للطرطور ( يقصدون الرئيس السابق ) ، فبحيث ، الباجي لا ( يقصدون الرئيس الحالي) ، يا غنّوشي يا سفّاح يا قطاع لرزاق ( يقصدون رئيس حركة النهضة)و قس على ذلك...
كانت الخربشة عندهم تناوش حنينا لثورة لم تحقق أهدافها ، ولكن جمالية الخربشة ، من حيث قشرتها و شكلانيتها لم ترقى إلى الخربشة المتلاحمة فنيا في الصبا التلمذي؛ و لكنها ذات أريج صادق اتخذ وضعا معارضا. فنعمّ هي من خربشة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيل الشباب في ألمانيا -محبط وينزلق سياسيا نحو اليمين-| الأخب


.. الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى إخلائها وسط تهديد بهجوم ب




.. هل يمكن نشرُ قوات عربية أو دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة


.. -ماكرون السبب-.. روسيا تعلق على التدريبات النووية قرب أوكران




.. خلافات الصين وأوروبا.. ابتسامات ماكرون و جين بينغ لن تحجبها