الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلثوميات أعطِنى حريتى أطلِق يديَّ!

شريف مليكة

2015 / 4 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لست أدري لماذا تدور هذه الأيام بالذات حوارات كثيرة حول الحرية والديموقراطية. وقبل نصف قرن أو أكثر صرخ الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي في رائعته الأطلال والتى تغنت بها أم كلثوم عام 1966 "أعطنى حريتى أطلق يديَّ". ومن المعروف أن ناجي كان من رواد المدرسة الرومانسية في الشعر، ومن مؤسسى جماعة "أبوللو" الشعرية، وقد بدا ذلك جلياً في هذا المقطع بالذات، فهو يختلف عن أحمد شوقي الذي قال "وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً" والتي تغنت بها كوكب الشرق أيضاً. ففي شعر ناجي نجد الفردية (بمعنى الذاتية) جنباً إلى جنب مع الثورة على الوضع القائم، ولكن في ثوب بسيط من الناحية اللفظية. أما في الشعر الكلاسيكي، فعلى العكس، نجد الأسلوب المتأنق والألفاظ القوية فى إطار قيود صارمة من حيث الشكل والتراكيب اللغوية.
ولكني عبر ذلك المدخل أحب أن أناقش مفهوم الحرية اليوم وبشكل أوسع الديموقراطية إن أمكن، من خلال المنهج الرومانسي الفردي الذاتي الثوري البسيط. ففي نفس ذاك السياق، يصرخ الكثير من المصريين اليوم: "أعطني حريتي أطلق يديَّ" . من أقباط إلى ليبراليين، ومن فقراء ومطحونين، والمرأة وأطفال الشوارع، وخريجي الجامعات المأسورين في سجن البطالة، وحتى أعضاء جماعة الإخوان المسلمين(المحظورة) نجدهم يصرخون معاً. إذن فمفهوم الحرية ليس بسيطاً أو سهل المنوال. فهو لا يخضع لقانون الأغلبية والأقلية إذ نستطيع بعملية حسابية بسيطة أن نجد أن الفئات هذه تمثل ثمانين في المائة من المجتمع ـ على الأقل ـ وهاهم يعانون من سطوة فئة تمثل أقل من عشرين بالمائة من مجموع السكان. كما إن الحرية ليست قاصرة على عرق أو دين أو جنس أو درجة تعليمية. ولكن لماذا يشعر كل هؤلاء بالغبن إذن؟
فى إعتقادى إن المسألة تخضع لموازين "القوى" فى المجتمع. الفريق الأقوى هو الذى يتمتع بمقاليد الحكم، وهو الذى يتمتع بالحرية ويملكها، فيفعل بها ما يشاء، والأضعف لا يمتلك حتى أمر نفسه، ويعاني فعلاً من غياب الحرية، ولو بشكل نسبي، كما يعاني من غياب أساسيات حياتية قد يعتبرها أهم أو أثر إلحاحاً من تلك "الحرية" كالمأكل والملبَس والمسكن مثلاً. ولكن كيف يتصالح هذا الطرح مع كل ما نسمع من التشدق بكم الحرية المتاحة اليوم بالمقارنة بعصور سابقة، وحرية الصحافة التي باتت توجه أصابع النقد بل والإتهام بجرأة غير معهودة حتى إلى رموز النظام من وزراء حكومته وحتى رأس النظام شخصياً؟ ألا يعنى ذلك مساحة من "الحرية" لم يكن يحلم بها الجيل السابق لهذا الجيل، وجيل أو جيلين قبله منذ قيام الثورة الخالدة الذكر؟ الإجابة قد تبدو معقدة، ولكنها في الواقع بسيطة جداً. فهذه ليست "حرية" حقيقية، وإنما هي حرية الكلام وحرية الصراخ (لا بتودي ولا بتجيب) بالضبط كحرية الحمار في أن ينهق والدجاج في أن يكاكي، أصبح من حقنا اليوم أن نكتب، ونكتب، ونكتب، ولكن كنهيق الحمار لا يؤثر بشيء على واقعه، إلا إذا شاء صاحبه الممسك باللجام أن يعتبر ذلك النهيق تعبيرًا عن الجوع ـ مثلاً ـ فيقرر ما إذا كان يود لو أعطاه بعض البرسيم، أو لا يعطيه لو رأى أن المصلحة تقتضي بمنعه عنه في ذلك الوقت بالذات.
إذن فالحرية الحقيقية هي تلك القادرة على إيجاد تبعات لها، أو ببساطة تأتي بثمار ولا تكون مجرد نداء عقيم "أعطني حريتي أطلق يديَّ" ولكن نداء يعقبه "الحصول" على تلك الحرية المبتغاه، فتنطلق الأيادي التي طالما عانت من تكبيل معاصمها. وفي الواقع لا يمكن ـ كما علمنا التاريخ، أن تتحقق تلك الحرية"الفاعلة" إلا كجزء من منظومة الديموقراطية. نعم، فلا وجود، أو حتى أي معنى لحرية في مجتمع ديكتاتوري، كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي مثلاً، أوفي مجتمع ثيوقراطي، كما رأينا ما حدث خلال الإنتخابات الإيرانية الأخيرة، أو بوجه عام في ظل أي مجتمع تغيب فية ـ أو تقل ـ مساحة الديموقراطية مثل مصر ومعظم البلدان العربية.
وهنا ينبغي لي أن أنتقل إلى حديث بسيط حول الديموقراطية. حيث إننا صرنا نسمع كل بضعة أيام عمن ينتقد الأقباط ـ مثلاً ـ لأنهم يطالبون بالمساواة أو بالعدالة أو برفع الظلم عنهم أو بتغيير المادة الثانية من الدستور، فنجد من يعقب على ذلك بقوله ماذا يريد الأقباط أكثر مما هم عليه؟ ألا ينبغي لهم أن يدركوا بأنهم أقلية عددية في مجتمع غالبيته الساحقة من المسلمين؟ ألا يكفيهم ما هم عليه من نعمة، وبينهم أغنى واحد في مصر (نجيب ساويرس) الذي يعايرونا بثرائه وكأنه هبة منحتها الغالبية المسلمة للرجل! ثم يزيدوا من إدعائهم على الأقباط بقولهم أما ينبغي للأكثرية أن تطبق ما يرونه الأصلح للمجتمع؟ أليست تلك هي قواعد اللعبة الديموقراطية؟
تألمت وتوجع قلبي لمقطع على اليوتيوب لأحد الدعاة الإسلاميين الأصوليين، يسألونه هل يحق لقبطي أن يخوض الانتخابات لرئاسة مصر، فيقول لا، ليس لأنه كافر ـ هذه المرَّة ـ ولكن لأنه أقلية، فلا يجوز له حكم الأكثرية. إذن فقد انتصرت الديموقراطية من جديد؟
والإجابة هي بالقطع لا على هذين السؤالين. الديموقراطية في الواقع منظومة أوسع من مجرد سيادة رأي الأغلبية، حتى لو كانت من خلال عملية تصويت ـ أو انتخابات ـ شفافة. لأن الغالبية قد تجحف بحق الأقلية، وهذا ما يتعارض مع أبسط قواعد الديموقراطية من المساواة والعدل. فإذن لو شاءت الغالبية أن تعلي من شأن الشريعة الإسلامية لتصبح المصدر الرئيسي للتشريع، فهذا قد يتعارض مع مصلحة الأقلية غير المؤمنة بتلك الشرائع، وبالتالي يصبح الأمر غير ديموقراطي. تماماً كما تمنع الصلاة في المدارس والجهات الحكومية الأمريكية بالرغم من أن الغالبية من المسيحيين، ولكن لأن هناك أقلية لا تشاركهم هذا الإيمان فقد أصدرت المحكمة الدستورية العليا ـ ذات الأغلبية المسيحية ـ حكماً بعدم جواز الصلاة إحتراماً للجميع، المؤمن وغير المؤمن. وبالمثل فقد يرى الأغلبية من الجمعية العمومية لمجلس الدولة المصرية عدم استحقاق المرأة لتصبح قاضية، ولكنها ممارسة غير ديموقراطية أن تميز الدولة ضد المرأة، حتى لو كان قد أصاب رجال القضاء بمصر حالة ارتداد فكري كالتي جاءت بمثل هذا الخبر إلى صدر صحافة البلاد مثلما حدث هذا اليوم.
ماذا أقول سوى: "أعطني حريتي أطلق يديَّ!"، العالم كله يسير للأمام، وتنقلب الأنظمة وتسقط، وتسعى الشعوب بخطاً سديدة نحو الديموقراطية، بينما نلتف نحن، ونثبت أعيننا للوراء نصب الماضي السحيق، نتحسس من خلاله خطواتنا، بينما يكتفي الناس بفتات الديموقراطية المنقوصة تلك، لعلهم يملأون بطونهم بالخبز والماء، فلا يعودوا يشعرون بالجوع، فينامون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي