الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين بين الحقيقة والضرورة!

محمد صلاح سليم

2015 / 4 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين مفهوم يعبر عن ظاهرة احتلت أهم مكان في التاريخ الانساني وكان المحرك الاجتماعي الأساسي لكثير من الشعوب والحضارات علي مر القرون والذي لعب دورا كبيرا في توجيه السلوك الانساني و ارساء القيم ووضع القوانين و توريث العادات والتقاليد و الطقوس التي يزخر بها تاريخ البشرية.
وشأنه شأن العديد من الظواهر الانسانية والسلوك البشري أخذ أشكالا عديدة و مر عبر مراحل كثيرة وتطور عبر الزمن ومن تلك الأشكال والظواهر ماهو موجود حتى الآن ومنها ما قد اندثر واختفى ولم يبق إلا بعض الآثار التي تدل عليه برغم قوته السابقة في عصره وتأثيره وإيمان العديد به والقناعة التامة أنه حق سماوي مثل دين مصر القديمة و أديان سومر وبابل وآشور وغيرها.
والذي يعنينا بعد ذلك السرد الذي لا ينكر أهمية الدين السابقة والمعاصرة في توجيه السلوك الانساني _ربما بطريقة ايجابية أو سلبية_ هو طرح بعض تساؤلات ومحاولة اعطاء القارئ مفاتيح للبحث عن الإجابات ومن تلك الأسئلة:
..هل الدين يُعد ضرورة مُلحة لضبط وتقويم السلوك الإنساني مما يجعل غيابه يقتضي غياب القيم والأخلاق والقوانين؟
..هل لو كان دين ما ضرورة لضبط سلوك بعض الشعوب أو عدد من الناس قل أو كثر فذلك – كونه ضرورة نسبية – يقتضي أن يكون حقيقة تدعمها الأدلة؟
..لو لم يكن الدين حقيقة او ضرورة فمالذي قد يضبط السلوك الإنساني؟
بالطبع تلك التساؤلات تحتاج بحثا وربما أبحاثا وأدلة و براهين ودراسات اجتماعية وتاريخية وأنثروبولوجية حتي نوفيها حقها لكننا فقط سنسلط الضوء علي بعض النقاط التي يمكن ان يستغلها القارئ في البحث وتكوين رأيه الخاص واجاباته.
الواقع أن الأبحاث التاريخية والمعاصرة في تاريخ الأديان والحضارات والتشريعات تثبت أهمية الدين في ضبط السلوك الإنساني نحو الخير أحيانا وتثبت أيضا تأثير الدين في انحراف السلوك الانساني نحو الدمار والكراهية والعنف أحيانا أخرى؛ وكذلك تثبت تأثير الدين علي سن القوانين والتشريعات مثل قوانين ماعت المصرية والشريعة الموسوية التوراتية والقرآن وتثبت أيضا نجاح قوانين وتشريعات ليست ذات طابع ديني مثل قوانين حمورابي.
لكن يبقى السؤال هل الدين يُعد ضرورة ملحة لضبط وتقويم السلوك الإنساني وهل لو غاب عن بعض المجتمعات ستنتشر الفوضى والهمجية؟
الاجابة لا .. فبالرغم من أهمية الدين التاريخية والمعاصرة في ضبط السلوك الانساني لكن تلك ليست قاعدة أساسية بل الأصل في التاريخ الإنساني هو اللادينية وظهر الدين مع ظهور السلوكيات الاجتماعية الأخرى والحضارات والثقافات بتطور معروف وخاضع لدراسات عديدة.
ومن الأدلة على أن الدين ليس ضرورة لتأسيس مجتمع له قوانينه ومتعايش مايلي:
ذكر "هربرت سبنسر في "أصول علم الاجتماع" مانصه " توجد ادلة علي أن الناس الذين فًصلو عن عالم الأفكار المكتسبة منذ طفولتهم خلوا من كل فكرة دينية."
قدم "جون لوبوك" أمثلة علي شعوب لا دين لها في كتابين " العصور السابقة للتاريخ" و " أصول المدنية"
وكي لا أطيل علي القارئ سأذكر دون تفصيل بعض القبائل والشعوب التي لا دين لها وبالطبع بالضرورة لديها نظام اجتماعي يكفل لهم التعايش ومنها : ( قبيلة الودي.. البنجرس في اواسط افريقيا .. الزولو .. قبيلة اللاتوك .. قبيلة بيتشياتا في افريقيا الوسطى وقبيلة الماكولو في أواسط افريقيا .. قبيلة ارافيرس وعدد من قبائل استراليا .. كثير من قبائل كاليفورنيا القديمة .. سكان كاليدونيا الأصليين وقبالئل الباشاجوني والفوجيان .. قبائل الفيدا بجزيرة سيلان .. كثير من زنوج شبه جزيرة ملقا .. قبائل البوشيمان والاسكيميين وليساوخا سياس في شمال الهند.)
إن تلك الدراسات التي تثبت أن هناك عدد من القبائل ليست فقط لا تحكم الدين في السياسة بل ليس لديها أدنى فكرة عن إله ما او أي شئ خارق للطبيعة أو أي قوة خارجية تحرك العالم تفضي بنا إلي نتيجتين الأولى أن بالطبع الدين ليس ضرورة في سن قوانين اخلاقية واجتماعية. والثانية تدحض حجة بعض المؤمنين بدين ما أن الدين موجود في أعماق النفس البشرية وأن أي انسان بالفطرة سيبحث عن إله يعبده بالضرورة لأن ذلك –في زعمهم- شئ فطري معلوم بالضرورة ومن البديهيات.
والسؤال الثاني هل لو كان الدين ضرورة عند بعض الشعوب فذلك يقتضي كونه حقيقة؟
بدون اطالة فالاجابة البديهية بالطبع لا فليس كل ضرورة حقيقة بمعنى أننا لو سلمنا جدلا ان الدين ممكن أن يصبح ضرورة لضبط سلوك بعض المجتمعات فإن ذلك لن يجعل منه حقيقة موجودة فعلا والدليل علي ذلك أن كثيرا من أتباع دين ما ينكرون حقيقة الأديان الأخرى مهما كان سلوك أهل تلك الأديان جيدا بسبب اعتناقهم لذلك الدين فمثلا دين مصر القديمة المندثر كان ضابطا قويا للسلوك المجتمعي لكن هل ذلك يجعل أن الإيمان بالآلهة المصرية حقيقة واجبة؟!!
ببساطة حين تخوف طفلك بشخصية مثل "أبي رجل مسلوخة" فينضبط سلوك طفلك فإن هذا لا يعني منطقيا وجود ذلك المخوف به في الحقيقة.
لذا لايجب الاستشهاد بضرورة الدين كضابط للسلوك لإثبات كونه حقيقة بل يجب سرد الأدلة علي أن أي دين حقيقة بطريقة مستقلة عن ضرورة وجوده.
ذلك يفضي بنا إلى التساؤل الثالث وهو ماذا قد يحكم إذا السلوك الإنساني لو لم يكن الدين حقيقة أو ضرورة؟
ببساطة الطبيعة الإنسانية طبيعة اجتماعية تحركها الغرائز والحاجات الأساسية مثل البقاء والطعام والشراب والأمومة والجنس والإنسان دون تدخل العوامل الاجتماعية والنفسية والبيئية غير عنيف بطبعه ويميل إلى التعايش ومن تلك الفلسفة ظهرت العديد من الفلسفات الغير ألوهية التي أسست قوانين غاية في الإنسانية دون الزعم بانها ألوهية مثل عقيدة "كونفشيوس" وفي المجتمعات الحديثة العلمانية نجد ان العديد من الدول التي تكثر فيها نسبة اللادينية مثل السويد وسويسرا واليابان وفنلندا بلغت من التقدم في جميع النواحي مبلغا عظيما وانخفضت فيها معدلات الجريمة وارتفعت معدلات العلم والاقتصاد والتعايش والحرية دون الحاجة إلي مرجع ديني في العقد الاجتماعي فيما بينهم
فكلمة السر هي القانون المبني علي الطبيعة الإنسانية.
ولا ضرر أن نأخذ من جميع الأديان والحضارات ما ينفع ونترك ما يضر وقد آن الأوان أن ننظر إلى كل تلك الموروثات والمقدسات نظرة ناقدة موضوعية يكون العقل النقدي فيها هو المعيار والعلم هو الأداة التي ستضمن لنا ضروريات الحياة وتساعدنا في الوصول إلى الحقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج