الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان المعاصر والمحددات المعرفية

لمسلم رشيد

2005 / 9 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ذلك إن اهتمام فوكو بحقل التاريخ راجع إلى الأهمية التي أصبحت تكتسبها فكرة محورية علم الإنسان كذات وموضوع، فالإنسان منذ نهاية عصر التمثيل ليس ذلك الكائن الموجود إلى جانب كائنات أخرى، بل إنه أصبح مركزها. فالحدود المفروضة على الإنسان لم تأتيه من بعيد، وإنما هي حدود مرتبطة بنهايته أي بوضعه كإنسان، لأن هذه الحدود لها طبيعة وتاريخ، وهذا ما تأسست وبرزت من خلاله العلوم الإنسانية، بكونها وجدت إمكانية خاصة للفرد باعتباره ذاتا وموضوعا للمعرفة، فالإنسان في الخطابات والفلسفات المعاصرة هو إنسان متناه, أي أن الأمر أصبح يتعلق بعلاقة الإنسان بذاته، الإستيميات الثلاث التي ا برزها كتاب "الكلمات والأشياء" ينتقل بنا من وصف بنية معرفية لعصر معين إلى البنية المعرفية لعصر آخر، ويركز هذا الوصف لإبستيميات في اختلافها وثعاقبها المفاجئ على مسلمة وجود أنماط مختلفة من الخطابات اللغوية أو بين كيفيات الربط الكلمات بالأشياء. فالإبستيميات تمثل أنساق أو منظومات المعرفة التي تعاقبت على تلك الثقافة والتي تختفي وراء ثلاث لحظات كبرى من تطورها، فالإبستيمي التشابه التي سادت في الثقافة الغربية حتى القرن السادس عشر على الحقل المعرفي، لقد انحصرت مهمة المعرفة كما يقول فوكو في البحث عن أوجه التشابه والاتفاق بين المظاهر المختلفة للوجود، وكأن السبيل إلى ذلك هو العودة إلى الكلمات والعلامات أو الدلائل باعتبارها أسماء ترتبط أزليا بالأشياء، لقد كان الاعتقاد سائدا بأن هناك علاقة تامة بين الكلمات والأشياء، فلم تكن معرفة الأشياء تقتضي إعمال النظر وتدقيق الملاحظة وبناء الإثبات، بل فقط إضافة لغة إلى لغة. أي شرح وتأويل المكتوب، ومن هنا كانت الصلة بأساطير القدامى هي صلة وعلاقة في الوقت نفسه بالواقع وبالأشياء، وكانت تلك الأساطير وتلك الأشياء تشكل نصا واحدا، قابل للقراءة، فالقرن السابع عشر إعتبره فيلسوفنا بداية العصر الكلاسيكي، بحيث لم يعد هناك تشابه بين الكلمات وبين الأشياء. وانضمت عرى العلاقة الحميمية بين الكلمات والأشياء، ودخلت اللغة في عزلتها العميقة، فلم تعد الكلمات دلالات ضرورية على الوجود واستغرقت في سبات بين ثنايا الكتب. في حين أن الأشياء ظلت في لهوياتها راسخة وساخرة من الكلمات الضالة طريقها إليها، لم تعد الكلمات جزءا من الأشياء بل مجرد كيفيات للتمثل
فالعلم لغته متقدمة، مهمتها تسمية الأشياء بدقة، أضحت إشارات إلى المنظور والمرئي، وفسرت الطبيعة على أنها سلاسل من الوقائع المرئية القابلة للترتيب والتصنيف، مجموعات من الأحداث ترتبط فيما بينها ارتباط العلة بالمعلول ومن هنا يمكن اعتبار سيادة مقولة النظام على إبستيمي ذلك العصر، ونخلص للقول أن الإبستيمية ليست شكلا تابتا ساكنا ظهر يوما من الأيام ليختفي، بل هي مجموعة من التفاوتات والإنزلاقات والانقسامات والتطابقات المتحركة باستمرار والتي تنشأ تم تنحل. فالمعطيات الفكرية التي حاول فوكو إن يقدمها في شكل إبستيميات معرفية مما مهدت لظهور إنسان حديث، اجتازت من خلاله الثقافة الغربية عتبة الحداثة، عندما أصبح تحليل التناهي، ومحدودية الإنسان محورا أساسيا وجديدا للتفكير الإنساني، هذا التناهي. وبعدما كان في الإبستيمي السابق يحيل إلى الا متناهي أو الله، أصبح الآن لا يحيل إلا إلى نفسه وذاته، أي إلى الصفات التي طالما عرف بها الإنسان وأصبحت من خصائصه، اللغة، الحياة، الفكر، وعلى أساس تحليل وضعية التناهي التي تحدد وجود الإنسان في إبستيمي الحداثة.
وهذا ما نحاول بعد تحليله واستعراضه في هذا البحث.
فالإنسان حسب فوكو أسطورة العصر الحديث، أو ذلك الحدث الذي ظهر في القرن التاسع عشر. ففوكو يصرح لنا في أحد حواراته بعد ظهور كتابه "الكلمات والأشياء" لقد حاول في هذا الكتاب أن يكشف عن تلك الأجزاء، وتلك القطع التي تم بها وبواسطتها صنع الإنسان في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن التاسع عشر، لقد حاول إبراز حداثة هذا المخلوق، فسيظهر تصور جديد ومتميز لإنسان: إنه كائن متناه حقا. ولكنه بفضل وضعية التناهي ذاتها التي تطبع وجوده. وانطلاقا منها، يعتبر نفسه سيدا مهيمنا وقاعدة، ومرشحا لأن يحتل المكانة التي إحتلها الله في الإبستيمي.
فقبل القرن الثامن عشر لم يكن الإنسان موجودا. ولقد أشرف الآن على نهايته وربما أضحت ساعة اختفاءه وشيكة، إنه بالتأكيد لا يقصد إعلان نهاية الإنسان بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن نهاية مفهوم معين عن الإنسان، إنه إنسان النزعة الإنسانية وإنسان حقوق الإنسان، الإنسان كحقيقة كواقع، كذات مؤسسة للمعرفة واعية وفاعلة في الحقل التاريخي، وفوكو يذكرنا بأن ما كان موجودا في الحقل المعرفي، وحتى نهاية القرن الثامن عشر هو العالم والكائنات البشرية والنظام، فالإنسان كذات لم تكن له أية أهمية في إبستيمي عصر النهضة.
وكذلك العصر الكلاسيكي، فالإنسان في الثقافة الغربية قبل القرن الثامن عشر لم يكن موجودا بخلاف فكرة العالم والطبيعة والإله.
لقد ظهرت العلوم الإنسانية الإبتسيمي الحداثة على إثر الحدث والطفرة الأيكولوجية التي سمحت بظهور الإنسان، إن كون الإنسان أصبح ولأول مرة موضوعا للعلم فهذا الحدث لا يمكن اعتباره حسب فوكو ظاهرة على مستوى الفكر والزمن، بل إنه حدث وقفزة أبستيمولوجية حدث في النظام المعرفي للبشرية فالإنسان باعتباره موضوعا في العلوم االإنسانية في طريق الزوال والاختفاء إنها فكرة حديثة العهد سيختفي الإنسان وعلوم الإنسان التي لا يقدم فوكو إليها أي نقد إيجابي وبناء بحيث حكم عليها بأنها مجموعة من الخطابات تتمحور حول الإنسان الحديث وتتخذ منه موضوعا ولا فائدة من اعتبارها فقط علوم زائفة. فهي حسب فوكو ليست علوما على الإطلاق بل كطية وتنية في نسق المعرفة وأن ما أصبح يخترق الفكر الحديث كله هو قانون التفكير في الا مفكر فيه … يعتقد فوكو أن كل إعادة التفكير في اللا مفكر فيه تظل مفتقرة إلى مصادرة "الأنا مفكر" وأن "اللا مفكر فيه هو دوما مسكون بنوع من الكوجيطو". ومن شأنه إذن أن يجرنا إلى فلسفات الذاتية ويقحمنا داخل الميتافيزيقيا"
وهذا ما جعل فوكو يرى أن التفكير من اللا مفكر يبقى مؤسسا على ميتافيزيقيا الذاتية لأن اللام فكر فيه هو دوما مسكون بنوع من الكوجيطو الديكارتي، فحضور الديكارتية في فلسفة فوكو من خلاله في الفلسفة المعاصرة واضح وجلي.
فالكوجيطو يظهر في الأفق الفكري المعاصر الذي يؤسس الكوجيطو على اللا مفكر، وهذا يعني الانتقال من الأنا أفكر إلى أنا موجود،.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت