الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب و أزمة الانتماء

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الحقيقة ما أقـتـل إلا الضجر. لو كان لأحد الإرهابـيـيـن أن يعترف في لحظة صفاء تامة مع نفسه و في لحظة صدق مع الذات و العالم. ذاك الصدق الذي يستحق ان يوسم لأجله، لأنه ساعـتها فـقط ينـزع كل رداء من الاسلمة على أفعاله الإجرامية السادية تجاه المجتمع.
هناك لوحة نجد أنـفـسنا مضطرين إلى رسمها. سنختار نقطة زمنية للبدء مع ان البدء الحـقيقي يرجع إلى ما قبل ذاك التاريخ بكثير. فالبدء كان ربما منذ قابيل و هابيل و حيلة الغراب لطمس معالم الجريمة الفعـلية من اجل ان تستوطن جريمة القتل في المعنى الإنساني من حيث هو إحساس بالذنب الذي تتولد عنه رغبة ردمه بالانجاز الحضاري. لكن دوما و في كل المجتمعات هناك من يفـشل في ان يرتـقي إلى مستوى الانجاز الحضاري فيرتـد إلى فعل الجريمة الأصلي.
ننطلق من عهد الدكتاتورية الكاتمة للأنـفـاس. البوليس كان هو المقـدس فمجرد تخيله يثير الارتهاب في النـفـوس. ذاك بالرغم من حالات التمرد عليه سياسيا و نقابيا و جماهيريا في أجواء الملاعب. حدث الانفجار على السلطة التي حولت نفـسها إلى عصابة تحكم البلد و انـتهكت منطق الدولة. حدثت الثورة و انـقـلب الأمر إلى إرادة شعبية عارمة في التعبير عن نـفـسها.
الحالة الطبـيعية ان تـتجه الجموع إلى البناء الجـديد القائم على الإرادة الشعبية التي حقـقت التغيير في السلطة و منطق السلطة. إلى جانب هذا المسار وجد مسار الانقضاض على الثورة من قبل الإسلاميـين. للمسار الثاني منطق التخريب و بالتالي التهريب و التدريبات في الجبال و الجمعيات الممولة من الخارج لدعم الأنشطة الإرهابية و كذلك أنشطة مخابراتية أجنبية في تحالف ضمني ضمن المسار التخريبي.
لقد طرحت الثورة سؤالا عميقا و جوهريا و هو : ماذا نفعل بالحرية و ما هي الحرية؟
و بما ان الوجود البشري ينـتـقـل بين السأم و الألم حسب الفيلسوف الألماني "شوبنهور"، فان الخروج من حركة البندول الرتيبة لا يكون إلا أخلاقيا روحيا، أي بواسطة الفن و الفكر و إنتاج المعنى الثـقافي و الفني و السياسي. هذا الأمر يكون ممكنا بالنسبة للحيوية الاجتماعية التي تحقـق العـطف و المحبة و الثـقة في النـفس و الأهـداف. و بما أن غالبية المجتمع التونسي منفـتح بعضه على بعض بقيم المحبة و الانـفـتاح، فان الغلبة بالضرورة لمنطق الحضارة و ليس التـوحش...
لكن هناك إرهاب يضيع على المجتمع كثيرا من الوقت لانجاز تـقـدمه المنشود. فالإرهاب لا يخرج بالضرورة عن إرادة تعـطيل الحركة التـقـدمية للمجتمع و انكبابه على الخلق و الإبداع و التـقـدم المادي و الروحي.
هناك إرهاب. هناك قـتـلة. هناك انعزالية لدى البعض و إحساس بالألم و النقص تجاه الآخرين الأمر الذي يخلق القسوة و الأنانية. إننا إزاء قطط متوحشة و شرسة. هذا البعض زمن الاستبداد كان يرضي نفسه بنـقص الجميع عن إثبات الذات، أما و قـد انـفـتحت سماوات التعبـير عن الذات إعلاميا و اجتماعيا و سياسيا فـقـد غـدت تـلك الحرية هي العـدو الأكبر لأنها أزالت الحد و الضغط الخارجي الذي كان يشفع لها عـدم حيويتها الاجتماعية، و الذي كان يشفع لها انعزاليتها و ضمها لنفسها بنفـسها بنزعة مازوشية تـتـألم و تـتـلذذ بانتهاك العام له. و هذا يعبر عنه سياسيا بالايديولجية الاسلاموية.
فأنت أمام ذاتية لم تعرف السعادة بما أنها لم تكتـسب وعيا عميقا و لم تبدد بلادة حواسها. بل ربما هي حالة عـدم إحساس ببلادة الحواس و سهولة الاكتـفاء بمحـرمية الأحاسيس و المشاعر. من هنا الكبت الجنسي الشديد الذي لا يفرق بـين كعب المرأة و فرجها. من هنا يكون الطموح في حوريات الجنة. فالرغبة الجنسية التي لم تـنـفتح على الآخر تـرتد على نفـسها. لكن المرأة الواقعية قد تصفعك و تردك خائبا و هي مخيفة للشخص الانعزالي بما أنها قوة جذب غريبة تـنـفيه لأنها تخرجه من انغلاقيته على ذاته. لأجل ذلك تكون حورية الجنة المستحقة دون عناء في البحث عن سبل التواصل معها هي الأضمن. انه شان كل وهم هروبي..
و هنا يمكـننا تـلخيص أمر الإرهابي في الشخـصية الانعـزالية التي تـتـوجه إلى القتل كأروع طوق نجاة من الضجر و الإحساس بالتـقـزم تجاه المجتمع. فالقـتل هو بمثابة النار الوهاجة التي تضيء كيانه. فالأمر لا يخرج عن عـدم الثـقـة بأنـفـسهم تجاه الآخرين و الخوف من مواجهة الذات نتاج الغباء و النـقص العـقـلي.
لكن كذلك إنهم الأشخاص ذوي السوابق الإجرامية الذين يشعرون بـقـدر معين من الذنب و الحقـد على المجتمع خاصة و إن السجون العـربية هي صانعة للمجرمين و ليست إصلاحية كما هو مطلوب لها ان تكون. و بصورة عامة فالإرهابـيـون أشخاص ذوي حساسية غريـبة و عصبـيون يـفـتـقـدون الشعـور بالارتباط بالمجتمع. و بالتالي على المجـتمع كـدولة و ثـقـافـة و فكر و سياسة و اقـتـصاد أن يوطد نـفـسه و يخلق أكثر ما يمكن من الروابط بين أفراد المجتمع للتخلص من آفة الإرهاب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض